بين الفينة والأخرى، يطل الصراع برأسه بين الجارتين، أرمينيا وأذربيجان، وقد نجحت الأخيرة في عملية عسكرية خاطفة ضد إقليم ناغورنو كاراباخ الأرمني الانفصالي، في فرض الاستسلام على قوات الإقليم، وأعقب ذلك توقيع اتفاق هدنة بين الحكومة الأذرية، وحكومة الإقليم الانفصالي، تنصّ على نزع سلاح الجيش المحلي بالكامل، وانسحاب أية قوات أرمينية.
وبعد هذا الحدث، قام الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف برفع علم بلاده في عاصمة ناغورنو كاراباخ، يوم الاثنين الماضي، وقال إنه «حقق حلماً قديماً باستعادة الإقليم». وكانت الحكومة الأرمنية امتنعت عن المشاركة في إعداد نصّ اتفاق وقف إطلاق النار في ناغورنو كاراباخ، فيما يمكن وصفه بأنه رفض ضمني لفرض الأمر الواقع بالقوة. وفي المقابل، فقد بدت ملامح الدهشة والانكسار على وجوه الأرمن في أرمينيا الذين تظاهروا في العاصمة يريفان ضد الرئيس نيكول باشينيان، لأنه ترك أرمن كاراباخ بلا حماية. ويسكن في هذا الإقليم نحو مئة وعشرين ألف شخص أرميني، وقد كلف استقلال الإقليم الذي يسميه الأرمن «ستيباناكيرت»، في الحرب الأولى التي وقعت في بداية التسعينات من القرن الماضي، عشرات آلاف القتلى من الأرمن، ونجحت أرمينيا آنذاك في إلحاق الهزيمة بأذربيجان، وإجبارها على التراجع عن إقليم كاراباخ الذي أعلن استقلاله، لكن لم يحصل على الاعتراف الدولي، ومنذ ذلك الوقت ظل الوضع على صفيح ساخن بين الدولتين.
وقبل ثلاث سنوات شنت أذربيجان عملية عسكرية، نجحت على إثرها في استعادة مناطق في كاراباخ، وما حولها. وقد اتهمت أرمينيا آنذاك، روسيا بالتقصير في الدفاع عن المصالح الأرمينية، ما دفعها للاتجاه لقطع عرى التعاون معها، والاتجاه نحو الولايات المتحدة من أجل الموازنة وترميم الموقف.
وأثناء تلك التدريبات أطلقت أذربيجان عمليتها ضد ناغورونو كاراباخ، ولم تحرك الولايات المتحدة ساكناً، بل اعتبرت وكأن الأمر لا يعنيها، وإن كان يعني شريكة جديدة لها تبحث عن حليف قوي يساعدها في موقفها ضد أذربيجان. لكن وبعد ما حصل هل ستتقبل أرمينيا هذه الهزيمة؟ وهل ستطوي صفحة العداء مع أذربيجان، وتتقبل بقاء أرمن كاراباخ كمواطنين أذريين ضمن حدود الدولة الأذرية؟
أرمينيا أصبحت الآن في موقف أصعب بكثير مما كان عليه الحال من قبل، لأنها خسرت روسيا بعد أن قامت بمد جسور التعاون مع الولايات المتحدة، وأصبحت بالنسبة إلى روسيا مثل أوكرانيا. وقد أقدمت مؤخراً على خطوة تصعيدية ضد روسيا من خلال مصادقة برلمانها على نظام روما الأساسي الذي أنشئت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية، ما يمهّد الطريق أمامها للانضمام إلى هذه المحكمة التي أصدرت مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بدعوى مسؤوليته عن جرائم حرب.
وكان الكرملين قد وصف عزم أرمينيا المصادقة على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية بأنه «معادٍ جداً» لروسيا، وهذا الموقف الذي اتخذته أرمينيا ضد روسيا سوف يدفع هذه الأخيرة إلى إضعافها أكثر، لمنع الولايات المتحدة من الاستفادة منها في إلحاق الأذى بها، كما أن الولايات المتحدة ليس لها مصلحة في إضعاف أذربيجان، بل هي تعمل على زيادة قوتها، لتبقى قوية في وجه الدول المجاورة لها، كما أن أذربيجان تحولت بعد انقطاع مصادر الطاقة الروسية عن أوروبا، إلى أحد المورّدين البديلين لهذه المصادر إلى الأوروبيين ما جعل لها أهمية كبيرة لدى هؤلاء في صراعهم ضد روسيا.
كذلك فإن تركيا التي لها تاريخ من عدم التوافق مع الأرمن، قد جعلت من أذربيجان، الدولة الناطقة باللغة التركية، حليفتها الرئيسية في المنطقة.
ومن هذا المنطلق، فإن الثقل الاستراتيجي بات يميل بشكل واضح لمصلحة أذربيجان. فأرمينيا دولة صغيرة بالمساحة والسكان، وهي بعد أن خسرت الحليف الروسي، لم تتمكن من تحقيق الموازنة، مع خصمها الأذري، بالحليف الأمريكي الجديد، وبالتالي، فإنها ربما لن تفكر مرة جديدة في استعادة إقليم كاراباخ.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة أرمينيا
إقرأ أيضاً:
أمريكا ليست وجهتنا..أوروبيون يقومون بإلغاء رحلاتهم إلى الولايات المتحدة
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- نشأ رائد الأعمال الفرنسي ديفيد بيريرا، وهو يشاهد المسلسلات التلفزيونية الأمريكية، وكان مهووسًا بثقافة البلاد.
هذا الصيف، كان بيريرا يتطلّع إلى تحقيق حلم حياته بزيارة منتزه "يلوستون" الوطني مع عائلته.
لكن بعد أشهر من متابعة التصريحات العدوانية للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قال رائد الأعمال الفرنسي الذي يبلغ من العمر 53 عامًا إنّ ضميره لم يسمح له بالمضي قدمًا، حيث قام بإلغاء الرحلة.
وقال بيريرا، الذي يعيش على بُعد ساعة تقريبًا شمال العاصمة الفرنسية باريس لـCNN: "مثل العديد من الفرنسيين، نحن منغمسون في الثقافة الأمريكية. لذا نحبّها. لكن الأمر لا يُصدق الآن".
انتشرت مشاعر مماثلة من الغضب، والقلق، والخوف عبر المحيط الأطلسي، إذ أصبح المسافرون الأوروبيون يقومون بإلغاء رحلاتهم المُخطط لها أو يُعيدون النظر في خطط سفرهم إلى الولايات المتحدة في ظل خطاب إدارة ترامب المُعادي لأوروبا، وحرب الرسوم الجمركية.
كما تفاقمت مخاوف السلامة في أعقاب سلسلة من حوادث تحطم الطائرات، وتخفيضات الميزانية التي طالت إدارة الطيران الفيدرالية، إضافةً إلى تقارير عن احتجاز سياح في مراكز توقيف من دون إجراءات قانونية، أو منعهم من الدخول ربما بسبب مواقفهم المناهضة لترامب.
تأثير مُخيفمع تراكم المواقف التحذيرية من السفر إلى الولايات المتحدة، أدركت الكاتبة البريطانية، فرح مندلسون، أنّها ستُضطر إلى التخلي عن رحلة مدتها شهر كانت ستبدأها من اسكتلندا، وصولاً إلى أوريغون، وسياتل، وفانكوفر هذا الصيف.
وألغت مندلسون رحلتها بعد أن قرأت عن امرأة من ويلز احتُجزت لـ19 يومًا في الولايات المتحدة وأُعيدت إلى وطنها مكبّلة بالقيود بعد اتهامها بالعمل بشكلٍ غير قانوني أثناء حصولها على تأشيرة سياحية، متكبدةً خسارة بلغت 1050 دولارًا تقريبًا.
كما خشيت من أنّ توجّهاتها السياسية اليسارية قد تُعرّضها لمشاكل عند الحدود.
وأوضحت الكاتبة البريطانية: "لا أعتقد أنّني أرغب في الذهاب إلى أمريكا في ظل هذه الظروف، واستثمار أموالي بالاقتصاد الأمريكي".
وكان وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، قد سعى الجمعة إلى التقليل من مخاوف المسافرين الدوليين وإمكانية احتجازهم عند زيارة الولايات المتحدة، مؤكِّدًا وجود "سبب وجيه" لمن يتم توقيفهم عند الحدود.
لكن التأثير المُخيف على المسافرين الدوليين بدأ يتجلى في الأرقام.
تُظهر الأرقام الجديدة الصادرة عن المكتب الوطني للسفر والسياحة (NTTO) أنّ عدد الوافدين الدوليين إلى أمريكا خلال مارس/آذار انخفض بنسبة 12% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. ولا يشمل هذا الرقم الوافدين من كندا والمكسيك.
صرّح الرئيس التنفيذي لشركة "Voyageurs du Monde" الرائدة في مجال تنظيم الرحلات السياحية الفاخرة في فرنسا، جان فرانسوا ريال، أنّه منذ تنصيب ترامب في أواخر يناير/كانون الثاني، انخفضت حجوزات السفر إلى الولايات المتحدة بين عملائه الفرنسيين الأثرياء بنسبة "هائلة" بلغت 20%.
قال ريال لـ CNN: "خلال 30 عامًا من العمل في هذا المجال، لم أرَ شيئًا كهذا يحصل لأي وجهة".
كما أنّه انتقد الحكومة الأمريكية لتقليلها من شأن تأثير سياسات ترامب على السفر الدولي، مشيرًا إلى أنّ زملاء له في هذا القطاع بفرنسا يُبلغون عن اتجاهات مماثلة.
تحول غير مسبوقرأى المدير العام لشركة "Protourisme" للاستشارات السياحية في فرنسا، ديدييه أرينو، أنّ المشاعر المعادية لترامب أدت إلى انخفاض "غير مسبوق" في الاهتمام بالسفر إلى الولايات المتحدة، قائلًا: "هذا أمرٌ غير مسبوق. لقد حدث ذلك سابقًا ببلدٍ في حالة حرب، أو في منطقة شهدت خطرًا أمنيًا أو أزمةً صحية، ولكن في الظروف العادية، لم نشهد تحولاً من هذا النوع".
وفقًا لأرقام هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، انخفض متوسط عدد المسافرين اليوميين الذين يعبرون الحدود البرية بين كندا والولايات المتحدة بالسيارة بنسبة 15% في فبراير/شباط مقارنةً بالفترة ذاتها من العام الماضي.
فيما يتعلق بالسفر الجوي، تُظهر حجوزات الرحلات الجوية بين كندا والولايات المتحدة للسفر بين أبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول انخفاضًا حادًا تجاوز 70% مقارنةً بالفترة ذاتها من العام الماضي، بحسب شركة "OAG" المتخصصة في تحليلات الطيران.
بينما قامت أكبر شركتي طيران في كندا، "Air Canada" و"WestJet"، بتقليص عدد المقاعد المتوفرة للحجز استجابةً لانخفاض الطلب الحاد، أفاد كبير المحللين في "OAG"، جون غرانت، عدم تطبيق تعديلات كبيرة من أوروبا أو الأسواق الدولية الأخرى حتى الآن، ويعود ذلك غالبًا إلى التحديات اللوجستية المرتبطة بذلك.
وأضاف غرانت: "دعونا لا ننسى أنّ الجزء الأكبر من السياحة في الولايات المتحدة لا يزال يتمثّل في سياحة محلية. وإذا استمر الأمر على هذا المنوال، فإن تراجع عدد السياح القادمين من أوروبا ببضعة ملايين يمكن تعويضه".
خطأ على مستويات عديدةتشهد حركة المقاطعة الشعبية، التي انطلقت من كندا، زخمًا متزايدًا في أوروبا.
يعتبر السويدي يوهان بيورنسون، أنّ إلغاء رحلته البحرية التي ستنطلق من مدينة ميامي الأمريكية في عام 2026 بمثابة موقف رمزي مهم، رغم أنّه سيخسر وديعة قدرها 500 دولار.
قال بيورنسون، الذي يبلغ من العمر 43 عامًا، إنّه لم يكن متابعًا للشؤون السياسية أبدًا، ولكن فور مشاهدته لمقاطع تُظهر ترامب ونائبه، جي دي فانس، وهما يوبخان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في المكتب البيضاوي، شعر بأنّه مضطر لاتخاذ موقف.
بالنسبة للأوروبيين الذين يعيشون على مقربة من الحرب في أوكرانيا، فإنّ خطر العدوان الروسي يُخيّم على القارة بأكملها.