أين تركيا أردوغان من مجازر غزة؟!
تاريخ النشر: 21st, October 2023 GMT
أين تركيا أردوغان من مجازر غزة؟!
مواقف تركيا رئاسة وحكومة وشعبا، كانت مع قضايا غزة وفلسطين، مواقف مساندة بقوة، أكثر من مساندة دول عربية.
أين مواقف الدولة التركية القوية، حين خرج أسطول الحرية لفك الحصار عن غزة، وكان فيه أتراك استشهدوا على متن هذا الأسطول
هناك أنظمة هرولت نحو التطبيع مع إسرائيل رغم رفض شعوبها لذلك، لأن معظم هذه الأنظمة جاء برضا الغرب، وبطمأنة الكيان الصهيوني ناحية هذه الأنظمة.
في الأزمة الأخيرة لم تجد الشعوب نفس الموقف السابق، بل كانت المواقف دون الآمال، ومخيبا لها، من حيث مستوى الدعم والمساندة المنتظر من تركيا وأردوغان.
أول تصريح صدر من أردوغان لم يكن موفقا، وكان مثار انتقاد، فالتغريدة التي صدرت عنه تكاد تسوي بين الظالم والمظلوم، وليس ذلك هو المأمول والمنتظر من تركيا.
الأداء المتواضع لأردوغان وحكومته بمعركة طوفان الأقصى، لم يتعد حتى الآن التصريحات أو تنديد وشجب، ما جعل الناس تقارن بين هذا الأداء وأداء حكام آخرين.
* * *
منذ اندلاع الأحداث الجسام في أرض غزة، في السابع من أكتوبر، والشعوب العربية والإسلامية تتطلع لدور وموقف قوي يقوم به الرئيس التركي أردوغان، بناء على ما عرفه الناس من تاريخه ومواقفه في مثل هذه الأحداث الجسام التي تبتلى بها الأمة، وبخاصة ما يتعلق بالشأن الفلسطيني، فتركيا في فترة حكم العدالة والتنمية غير تركيا قبل توليه الحكم، سواء في ظل حكم أردوغان أو سابقه الرئيس عبد الله جول.
والحق أن مواقف تركيا رئاسة وحكومة وشعبا، كانت مع قضايا غزة وفلسطين، مواقف مساندة بقوة، أكثر من مساندة دول عربية، لكن في الأزمة الأخيرة، لم تجد الشعوب نفس الموقف السابق.
بل كانت المواقف دون الآمال، ومخيبا لها للأسف، من حيث مستوى الدعم والمساندة المنتظر من تركيا وأردوغان، بل إن أول تصريح صدر من أردوغان لم يكن موفقا، وكان مثار انتقاد.
حتى صرح بذلك القيادي في حماس أسامة حمدان، بأن التغريدة التي صدرت عن أردوغان تكاد تسوي بين الظالم والمظلوم، وليس ذلك هو المأمول والمنتظر من تركيا، حيث إن الجماهير فوجئت بأردوغان جديد غير القديم تماما.
أردوغان القديم وغزة
كان أردوغان القديم الذي أحبته الشعوب العربية والإسلامية، في مواقفه من غزة والمقاومة، معبرا بحق عن ضمير الأمة، وكانت ترى فيه رمزا قويا صلبا في هذه القضية وقضايا الحق والعدالة، وأذكر أن عام 2008م، حين شنت إسرائيل حربا على قطاع غزة، وعندئذ شمر أستاذنا المرحوم العلامة القرضاوي عن ساعده، وتحرك رغم كبر السن، واعتلال الجسد، وطاف على كثير من حكام العرب والمسلمين، ليوقف الحرب على غزة.
بدأ بأمير قطر الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة، ثم بالملك عبد الله آل سعود ملك السعودية، ثم ببشار الأسد رئيس سوريا، ثم بالملك عبد الله بن الحسين ملك الأردن، وحاول أن يتم ترتيب لقاء مع الرئيس مبارك، لكن لم يتم ذلك، وتم الاتصال بالسيد عمرو موسى ورحب باللقاء، وقد كان وقتها أمينا عاما لجامعة الدول العربية.
وكان ختام الرحلة مع تركيا، كان أردوغان وقتها رئيسا للوزراء، وكان خارج البلاد، يتحرك أيضا في ملف غزة، وتم اللقاء بالرئيس عبد الله جول، الرئيس التركي آنذاك.
كانت تركيا في هذا الوقت، بكل أجوائها تنطق بدعم المقاومة، شعبيا ورسميا، بشكل لافت للنظر، تنزل من المطار، فتجد سيارات التاكسي عليها أعلام فلسطين، وشارات المقاومة، والحافلات الخاصة والعامة، وهو تصرف تلقائي، نابع عن موقف الشعب التركي من المقاومة، ومن الحرب على غزة.
بل رأينا مواقف الدولة التركية القوية، حين خرج أسطول الحرية لفك الحصار عن غزة، وكان فيه أتراك، وقد استشهد على متن هذا الأسطول أتراك، ووجد الناس وقفة شامخة وقوية للسياسة التركية، رئيسا وحكومة وشعبا، وإن لم تؤد الجهود إلى عقاب للكيان الصهيوني على قتله المدنيين من الناشطين، لكن حسب لتركيا وقتها الحراك القوي، وعدم التنازل عن حقهم.
كما كانت مواقف أردوغان من مظالم الشعوب العربية والإسلامية، بارزة واضحة ومميزة للرجل وسياسته، ومن ذلك موقفه من رابعة، سواء على مستوى التصريحات أو المواقف، وعلى مستوى سياساته الداخلية في تركيا في التعامل مع ضحايا هذه المظالم.
ولذا كانت مقارنة الجماهير بين مواقفه السابقة، وبين المواقف الآن، والتي لا ترقى لخمسين في المائة من جهده ودعمه للقضية الفلسطينية، في ظل مجازر يومية يقوم بها الاحتلال أكبر وأضخم من ذي قبل.
أردوغان الحالي ومجازر غزة
الأداء المتواضع لأردوغان وحكومته في معركة طوفان الأقصى، والذي لم يتعد حتى الآن التصريحات، أو التنديد والشجب، جعل الناس تقارن بين هذا الأداء وأداء حكام آخرين، مفهومة مواقفهم.
فالسيسي ونظامه ، مثلا،ـ جاء بانقلاب عسكري، وطبيعي أن يكون تصرفه بهذا المستوى من الضعف أمام الصلف الإسرائيلي، فلا يجرؤ على إرسال معونات عن طريق المعبر، بل يهدد النظام المصري بأن أي قافلة ستستهدف، وقصف المعبر الذي حدث عدة مرات منذ بداية الأحداث، دلالة واضحة على الضعف، رغم تجبر هذه السلطة مع أبناء شعبها.
وبقية دول الخليج والدول العربية إلا من رحم ربك، مواقفها متسقة تماما مع سياستها، وهي أنظمة هرولت نحو التطبيع الإسرائيلي، بغض النظر عن رفض شعوبها لذلك، لأن معظم هذه الأنظمة جاء برضا الغرب، وبطمأنة الكيان الصهيوني ناحية هذه الأنظمة.
بل صارت بعض هذه الأنظمة أكثر حرصا على الصهاينة من الصهاينة أنفسهم، بل يبالغون في التودد، وإلحاق الضرر والأذى بالمقاومة وأهلها، لا يتورعون عن فعل ذلك، بل والتبجح بالإعلان عنه، والنماذج أكثر من أن تحصر.
أما أردوغان فهو رجل جاء بانتخابات بالغة الصعوبة، وجاء بأصوات ناخبين، النواة الصلبة منها والأهم هي التي تتطلع لمواقفه المعروفة بالقوة من قضاياها، والدلالة على وصف هذا الآداء بأنه دون المستوى، ما رأيناه من شائعات تنطلق على تركيا وأردوغان، بأنه سير شاحنات لدعم الكيان الصهوني بالخضروات التركية، بسبب تضرر الكيان من طوفان الأقصى.
ورغم كذب هذه الشائعات، لكن السؤال الأهم: لماذا تطرح هذه الشائعات، وينطلي على بعض الناس، أنه وارد أن تكون صحيحة، لأن مستوى الأداء في القضايا العامة والمهمة للأمة، لم تعد كما كانت في سابق عهد أردوغان، مما هز الصورة الثابتة عن أدائه سابقا.
إن أردوغان يخسر من رصيده على مستوى جمهوره وشعبه التركي نفسه، من القاعدة الصلبة التي تقف خلفه، بل ومن المحايدين، ولسنا نقصد بذلك تحريضه على اتخاذ موقف، بل أن يكون كما هو، كما عرفه الناس، بغيرته على قضايا الأمة.
أردوغان القائد المسلم، والشخص القوي صاحب المواقف التي تناصر المظلومين، لا أردوغان الحزبي الحريص على رضا الناخب التركي بالدرجة الأولى، وهو حق له، لكن فيما يتعلق بالشأن التركي فقط.
وغزة وفلسطين ليست من هذه القضايا، بل من كبرى القضايا التي يتفق عليها المواطن التركي باختلاف توجهه، وهو ما ينتظره الجميع من عودة أردوغان لسابق مواقفه المعهودة عنه، والتي كانت مثار فخر من مؤيديه ومحبيه، بل من خصومه أنفسهم.
*د. عصام تليمة كاتب وباحث من علماء الأزهر الشريف
المصدر | عربي21المصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: تركيا فلسطين أردوغان عدوان مجازر غزة إسرائيل شائعات التطبيع الكيان الصهيوني هذه الأنظمة من ترکیا عبد الله
إقرأ أيضاً:
محللون: مواقف جيران سوريا متباينة والبعض سيحاول إجهاض التحول السياسي
يبدو نجاح التحول السياسي في سوريا مصلحة لدول الجوار التي تختلف مواقفها ومخاوفها من هذا التحول، لكنها في الوقت نفسه قد تدفع أثمانا باهظة إذا انزلقت دمشق إلى مربع الدول الفاشلة كما يقول خبراء.
وفي سياق محاولاتها المستمرة لإدارة الملفات المشتركة والمتشابكة مع دول الجوار تسعى الإدارة السورية الجديدة للتوصل إلى تفاهمات تحقق المصالح المشتركة مع الجيران.
ويعتقد المحلل السياسي محمود علوش أن علاقات سوريا بجيرانها مع دول الجوار تتوقف على مسار التحول الداخلي السوري ودور سوريا المستقبلي وموقف دول الجوار من هذا التحول.
تحديات وفرصويحمل ما يجري في دمشق فرصا وتحديات في الوقت نفسه، وهو ما يتطلب دعما إقليميا -خصوصا من دول الجوار- حتى لا تصبح سوريا بلدا فاشلا يصدّر الفوضى إلى المنطقة ككل، حسب ما قاله علوش خلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث".
وتختلف مواقف جيران سوريا (العراق، لبنان، الأردن، تركيا) من الإدارة الجديدة، إذ يهتم الأردن بمسألة تهريب المخدرات وهوية الحكم الجديد، في حين تحاول تركيا تعزيز مكانتها في المنطقة عبر دمشق، برأي علوش.
وتبدو فرص الأردن تحديدا في التبادل التجاري وإعادة الإعمار هائلة، وهو ما يتطلب منه البحث عن مواجهة المخاطر أولا ثم التطلع إلى الفرص، وفق علوش الذي يعتقد أن تبعات فشل سوريا ستكون كبيرة جدا على الجميع.
إعلانوفي السياق نفسه، يعتقد عميد كلية العلوم السياسية بجامعة الشمال السورية الدكتور كمال عبدو أن العلاقات السورية الأردنية كانت متباينة حتى خلال فترة حكم عائلة الأسد، وأن تهريب المخدرات "سيكون المحدد الرئيسي في العلاقات بين البلدين، إلى جانب أمور أخرى قد تثير حساسية لدى عمّان من قبيل ترقية ضابط أردني إلى رتبة رفيعة في الجيش السوري".
ولعل هذه الحساسية التي تحدث عنها عبدو هي التي جعلت الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات الدكتور لقاء مكي يعتقد أن ما يهم الأردن حاليا هو هوية الحكم الجديد فيها.
وإلى جانب ما يصفه مكي بـ"الحساسية الأردنية من التنظيمات الإسلامية" فإن انتقال فكرة "القتال حتى النصر" أيضا تمثل هاجسا ليس للأردن فقط، وإنما لكل دول المنطقة.
ومن هذا المنطلق، فإن اعتدال النظام الجديد وطبيعته ونضجه كلها ستؤثر في الموقف الإقليمي منه كما يقول الباحث الأول في مركز الجزيرة.
مصالح متبادلة مع تركيا
أما تركيا فتعتبر الدولة الوحيدة التي ترى أن ما حدث في سوريا يمثل مكسبا لها، وفق عبدو الذي لا يرى خلافا بين البلدين سوى قضية التنظيمات الكردية وأزمة اللاجئين، وكلاهما سيجد طريقه إلى الحل.
لكن استعجال الأتراك في ترسيم الحدود البحرية وحديث وزير الخارجية هاكان فيدان ضمنا عن أن العبور إلى دمشق سيكون عبر أنقرة "يحمل استعجالا، ويحرج الإدارة الجديدة"، برأي عبدو.
ومع ذلك، فإن الفرص التي يقدمها التحول السوري لتركيا أكبر من التحديات -برأي علوش- الذي يعتقد أن العلاقة بين البلدين "ستعزز مكانة أنقرة بالمنطقة وفي منطقة شرق المتوسط ككل".
كما أن التقارب مع أنقرة "يساعد السلطة السورية الجديدة على تقديم نفسها إقليميا ودوليا، فضلا عن أن مكانة تركيا ضمانة لنجاح التحول السياسي في سوريا".
وعلى عكس الرأيين السابقين يعتقد مكي أن تركيا لم تحقق مجرد مصالح وأنها "ورثت النفوذ الإيراني في سوريا"، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن تركيا دولة مؤسسات، في حين إيران اعتمدت على المليشيات في السيطرة على النظام وحاولت تغيير المجتمع أيديولوجيا.
إعلانويعتقد مكي أن السلطة السورية الجديدة "يمكنها تحقيق مكاسب دبلوماسية مع الدول العربية التي ربما تحاول عدم ترك سوريا للأتراك كما سبق أن تركت العراق للإيرانيين".
توتر مع العراق ولبنان
وعلى عكس العلاقة مع الأردن وتركيا فإن العلاقات السورية مع العراق ولبنان غالبا ما ستتسم بالتوتر، نظرا لموقف البلدين من سقوط بشار الأسد الذي كان جزءا من التحالف الذي تسيطر عليه إيران.
ففي حين ساهمت سوريا خلال العقود الماضية في إحداث عدم توازن سياسي في لبنان يبدو نجاح التحول السياسي في سوريا فرصة لإعادة هيكلة السياسة اللبنانية بشكل أكثر توازنا ودون وصاية من دمشق، كما يقول علوش.
لكن مشكلة لبنان -كما يقول مكي- "تتمثل في إقامة علاقات قائمة على التكامل مع سوريا، وليس فقط على حسن الجوار، لأن البلدين لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض، خصوصا أن بيروت تعتمد اقتصاديا على دمشق بشكل كبير".
ويعتقد مكي أن لبنان والعراق سيظلان في حالة توتر مع سوريا نظرا لدور إيران في هذين البلدين، خصوصا العراق الذي لم يكن على وفاق مع دمشق حتى في عهد صدام حسين.
وهناك دول أخرى يعتقد مكي أن لها مصلحة في إدخال سوريا إلى دوامة الفوضى رغم ما يحمله هذا من تداعيات على الجميع، لافتا إلى أن الفوضى ستمنح من خسروا في سوريا فرصة للحصول على مكان في المستقبل.
والرأي نفسه ذهب إليه عبدو بقوله إن العراق "لديه مشكلة كبيرة من الإدارة السورية الجديدة التي كان قائدها أحمد الشرع معتقلا لدى القوات الأميركية في بغداد".
وأخيرا، يعتقد علوش أن الهاجس الأمني يعتبر عاملا مشتركا بين بغداد ودمشق، لأن العراق يخشى ترسيخ حكم معين في سوريا، في حين أن الأخيرة تخشى من الدور العراقي بالمحور الإيراني وما قد يحدثه من مشاكل طائفية.