أحمد يحيى الديلمي
وأنا أتابع تصريحات “بايدن” زعيم الصهيونية العالمية عن ما جرى في المستشفى المعمداني بغزة ، تذكرت ما قاله معاوية بن أبي سفيان قبل 1400عام تقريباً عندما استشهد الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنه، فجاء إليه جماعة من الصحابة يذكرونه بقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال (يا عمار تقتُلك الفئة الباغية) فرد عليهم معاوية بكل صلف وغرور ” قتله من جاء به” أنظروا مبررات الشواذ دائماً يحاولون أن يلقون بالوزر على غيرهم وهم الفاعلين ويحاولون نصرة الجلاد والإمعان في جلد الضحية وهم من ارتكبوا الجُرم ، وهكذا فعل بايدن الصهيوني الأكبر وهو يُشاهد المجازر الشنيعة وجثث البشر مكومة فوق بعضها البعض، مع ذلك ردد الرواية الصهيونية تارة بأن حماس هي التي أطلقت الصاروخ وأخرى بإلقاء التهمة على الجهاد الإسلامي، وهذا ما كشف زيف كلامه، فلو أنه وأدوات الزيف الصهيونية أتقنوا الرواية وتحدثوا بلغة واحدة وقدموا مبرراً واحداً ، لكنهم اختلفوا كثيراً وهم يحاولون التخلص من التهمة وإلقاءها على الغير ، ولكي يتضح أن الشياطين يميلون إلى بعضهم ويستفيدون من بعضهم البعض أكمل بايدن زيارته للأرض المحتلة معلناً التبرع بـ100مليون دولار “كما قال” لأصدقاء أمريكا في فلسطين ، أي أن أمريكا لها أصدقاء ولها أعداء ، وهكذا فعل معاوية بن أبي سفيان في ذلك الزمن البعيد، عندما أرسل مبلغاً من المال إلى زوجة الصحابي الجليل عمار بن ياسر فردت عليه (نحن في غنى من الله أمير المؤمنين لا يجعلنا نلجأ إلى أحد) وتقصد بأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام .
هذه هي مغالطات المجرمين الكبار أمثال بايدن ومن سار على شاكلته، لقد كان المدعو النجس الخبيث نتنياهو في بداية الليل يتباهى بأنه سيضرب مواقع حساسة ، بل وهناك من أبلغ إدارة المستشفى المعمداني بضرورة تفريغ المستشفى قبل أن يتعرض لضربة قاضية ، وعلى مدى ثلاثة أيام كما قال مسؤول الكنيسة الكاثوليكية في غزة ، مع ذلك اختفت كل هذه الأدلة وظل الإعلام الصهيوني من خلفه الإعلام الغربي يرددون الدعايات الكاذبة ، وكأنهم يقتدون بمعاوية وكأن الفلسطينيين هم من ارتكبوا الجريمة الشنعاء وهذا محض افتراء وزيف وباطل لا يقبله أحد ، وكما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) صدق الله العظيم .
وكأن هؤلاء أصبحت قلوبهم عمياء لا ترى ولا تُبصر ، هذا إن كان لهم قلوب ، قال أحد الصحفيين الأمريكيين أنها جريمة شنعاء يندى لها جبين الإنسانية ، قلنا وهل بقي للإنسانية مكان في قاموسكم أيُها المجرمون، فلا جبين ولا إنسانية بقي لها محل لديكم ، ضاعت كل هذه القيم والمبادئ والأخلاق في ظل الغطرسة والرغبة الكاملة في استهداف الآخرين وكأنّ مثلكم الأعلى أنتم الصهاينة في الغرب أو في الأراضي المحتلة ( أنا ومن بعدي الطوفان )، وهكذا حدث بعد أن شاهدتم طوفان الأقصى تلك الواقعة العظيمة التي كان لها وقع كبير في النفوس المؤمنة ورد فعل خطير لدى من اعتادوا الإجرام في أوروبا وأصبحوا يرددون كل ما يقوله الإعلام الصهيوني ، وهكذا فعل الألمان والأمريكان والسويد وحتى الرومان الذين كانوا في يوم من الأيام تبعاً للقوى اليسارية الوطنية ، تحولوا إلى مجرد أدوات للصهيونية العالمية ، أما تلك المومس غير الفاضلة الممثلة في بريطانيا فموقفها معروف ولها وضع خاص، لأنها من زرع الشر في المنطقة العربية والإسلامية وأعطت للشيطان مساحة كبرى تربع عليها وأصبح يُدير كل شيء باسمها وعن طريقها .
بقي أن نُشير إلى العرب الذين كما قال محمود درويش “رحمه الله” باعوا عروبتهم وباعوا أرضهم وباعوا عرضهم ولا هّم لهم اليوم إلا الاستنجاد بأمريكا وطلب حمايتها ، ممن الحماية!!؟ ممن يقامون المحتلين ويتصدون للمعتدين ، فهل يا عرب تستفيق لديكم النخوة أو القليل منها!!؟ وتعيدون مجد عامورية حينما خرج المعتصم يواجه المعتدين إجابة لصيحة امرأة قالت وامعتصماه ، واليوم لمن تصرح تلك الفلسطينية ومن سيُلبي صراخها لابد أنها ستصل إلى مرحلة الصمت المطبق دون أن يستمع إليها أحد .
لا نُمعن في الكثير من جلد الذات ، نكتفي بما أسلفنا، وإن شاء الله النصر لإخواننا في فلسطين ، والنصر للأمة بدون حُكام وسلاطين يتحكمون في أمورها للأمة العربية بشحمها ولحمها ، بعيداً عن صولة الحُكام وسيوفهم المجرمة ، أقول هذا الكلام وأنا مسؤول عنه ، والله من وراء القصد ..
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
حين تصبح حماية الطفولة معركة وجودية
تستحق واجهة الطفل على منصة «عين» التي دشنتها وزارة الإعلام الخميس الماضي أن ننظر لها أبعد، وأعمق كثيرا من كونها مشروعا إعلاميا يضاف إلى مشاريع الوزارة الرائدة، إنها، في الحقيقة، استجابة كبرى ضمن مشاريع عمانية وعربية ودولية أخرى لإنقاذ الطفولة من حالة الاختطاف وإعادة هندسة الوعي الطفولي المبكر بعيدا عن القيم الإنسانية السوية.
ومن يقرأ تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، والكثير من الدراسات في نقد الإعلام الموجّه للأطفال، يدرك حجم الكارثة؛ فالطفل لم يعد كائنا يتشكل عضويا داخل ثقافته الأم، بل أصبح مشروعا مفتوحا لتشكيل مزيج مضطرب من الاستهلاك، والانعزال، والتشظي القيمي. لم تعد شاشات العالم، كما حلم التنويريون يوما، وسيلة للمعرفة والترقي، بل أداة تفكيك للهوية وتمييع للانتماء الإنساني الأصيل.
وفي هذا السياق، تأتي تجربة منصة «عين للطفل» محاولة لتجاوز الانفعال اللحظي نحو رؤية فلسفية أعمق تتمثل في محاولة إعادة تعريف وظيفة الإعلام الموجه للأطفال باعتباره حقلا أخلاقيا، لا مجرد نشاط اتصالي. المنصة، كما تشير فلسفتها المعلنة، تحاول أن تبني للطفل فضاء معرفيا وعاطفيا محميا، يراعي إشباع حاجاته النفسية والوجدانية دون التخلي عن مهمة حفظ هويته وتمكينه من التفكير الحر المسؤول.
ولا يمكن فهم أهمية هذا المشروع إلا حين ندرك أن الطفل اليوم ليس متلقيا عاديا، بل يشارك في إنتاج معناه الخاص عبر تفاعله مع الشاشة، كما أثبتت الكثير من الدراسات حول «جيل الشاشة»، حيث لا يتعلق الخطر فقط بما يشاهده الطفل، بل بكيفية تشكيل وعيه من خلال التدفق المعلوماتي غير الخاضع لمعايير الهوية والأخلاق.
ولذلك فإن الرهان الكبير الذي تخوضه واجهة الطفل في منصة «عين» ليس تقنيا فقط إنما هو بكثير من الأشكال رهان وجودي ينطلق من محاولة الإجابة عن أسئلة من قبيل، هل يمكن بناء طفل عربي معاصر، يحيا داخل الزمن الرقمي دون أن يفقد انتماءه إلى الإنسان الكلي وقيم مجتمعه العميقة؟ هل نستطيع أن نقدم له محتوى يدمج بين الجاذبية الشكلية والأصالة المعرفية؟ وهل بمقدورنا أن نربّي في داخله شغف الاكتشاف دون أن نسلمه لآلة الاستهلاك المعرفي المعولم؟
ومثل هذا النقاش أوسع بكثير من إنتاج «قصص مصورة» أو «برامج تعليمية مبسطة»، ولكن الأمر يتعلق بمحاولة جادة لصناعة جهاز مناعي ثقافي داخل عقل الطفل وقلبه، كما دعت إليه أدبيات اليونسكو في تقاريرها حول «وسائل الإعلام والأخلاقيات الرقمية للأطفال».
هذه التجربة التي أنتجتها وزارة الإعلام تستحق أن تُقرأ كنموذج أولي لمشروع أوسع يتمثل في بناء منظومة رقمية كبيرة وواسعة مبنية على قراءة واعية بآلية تشكيل «المواطن الرقمي الصالح» يكون قادرا على أن يتفاعل مع معطيات التقنية دون أن تبتلعه، وعلى أن يسهم في بناء عالمه الجديد دون أن ينسلخ عن جذوره.
ولكن، حتى ينجح هذا المشروع، لا يكفي إنتاج منصة واحدة، بل ينبغي أن تصاحبها ثورة ثقافية كاملة في إدراك دور الإعلام التربوي، وإعادة بناء المناهج التربوية، واستحداث سياسات عامة تجعل من حماية الطفولة الرقمية جزءا لا يتجزأ من مشروع النهضة الوطني والعربي الأوسع.
إن أي تأخر في البدء بمثل هذا المشروع من شأنه أن يترك فجوات كبيرة، فالطفولة لم تعد مجرد مرحلة عمرية، إنها الآن ميدان لصراع عالمي على القيم والمبادئ والهوية. وإذا لم نبنِ اليوم فضاءات معرفية حقيقية لأطفالنا، سيبنيها الآخرون بما يخدم رؤاهم هم لا رؤانا.
إن «عين الطفل العماني» يمكنها أن تكون نقطة ضوء في زمن تغرق فيه الكثير من الشاشات بألوان زائفة، والضمان الوحيد لاستمرار هذا الضوء ألا نكتفي بأن نُدهش الأطفال بما يُعرض عليهم، بل أن نراهن على عقولهم، ونغرس في قلوبهم جسورا ممتدة بين جذورهم العميقة وأحلامهم البعيدة.