لجريدة عمان:
2025-01-22@10:06:00 GMT

حمدي أبوجليل كتب سيرة أمه ثم رحل إليها

تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT

حمدي أبوجليل كتب سيرة أمه ثم رحل إليها

لم يكن حمدي أبوجليل يعرف أنه سيموت مثل أبيه في السادسة والخمسين من عمره، لكنَّ تكرارَ الرحيل في العمر نفسه يُحيلُنا إلى فكرة «العود الأبدي»، فنحن مسجونون في دائرة، نورِّث الطاقة ونتوارثها، ما نلبث أن ننمو كنباتاتٍ هشَّة حتى يذرونا الفناء.

لم يكن حمدي يعلم وهو يدوِّن عمر أبيه في روايته الأخيرة «ديك أمي» -التي صدرت بعد وفاته بأيام- أن الجينات تقرر كل شيء بما فيه الموت.

عاش حمدي مشغولًا بنفسه وعائلته، محاولًا أن يفهم تلك التركيبة العجيبة للبدوي في صحراء مصر، إذ يتعامل مع الناس باعتباره ملك الملوك، مع أنه لو نظر أسفله سيرى قدمين حافيتين.

فقرٌ مع عزة نفس عالية، جوع مع شيم نبلاء، قرصنة مع أخلاق كبار العرب، وقد ساعده فهم هذه التناقضات في إبراز مقدرته الممتازة على «السخرية»، أو بتعبيره هو «الضحك»، لكن حمدي كان يبالغ في ذلك العنصر، أقصد «الضحك»، حتى يطغى على بقية العناصر، فيترك روايته غريبة، كأنها منبتَّة الأصل، وليست -كما كان يفخر دومًا- امتدادًا لنهر الرواية المصرية العظيم من منبعه نجيب محفوظ مرورًا بفروعه خيري شلبي وإبراهيم أصلان ومحمد مستجاب وصولًا إلى مصبِّه كتَّاب التسعينات ومن تلاهم.

كان يقول لي ساخرًا إنك تكتب وفق «نوتة» بينما يكتب هو على «كارتونة»، وقد كان محقًا، فأنا أفهم الكتابة كأنها أغنية، يلزمها أن يسير الكاتب -كما يفعل المغنِّي- على طبقة صوتٍ محددة، ولا يخرج عنها إلا بفهم، أما حمدي فقد كان يتحرك بكثيرٍ من العشوائية، قد يزعق فجأة، أو يضحك بلا انقطاع في وقت لا احتياج فيه إلى الضحك، وكنت أردُّ على سخريته قائلًا: «أنت تغني في أوركسترا مرتديًا بيجاما».

صاغ حمدي مقولاتٍ تخصُّه وآمن بها، فعرَّضته للانتقاد، وقللت من مقروءيته. كان يقول مثلًا: «اكتب بلغتك وسيسمعك العالم»، وهي عبارة يخاطب بها نفسه غالبًا وتعني: «اكتب بلهجتك البدوية وسيسمعك العالم».

وإذا كان التمسُّك باللهجة المحلية قد قلل من مقروئية (الرواية المصرية) عربيًا في السنوات الأخيرة، فما بالك بلهجة تخص منطقة صغيرة أو قبيلة؟ بالتالي بدت أعماله الأحدث مثل «الصاد الشين»، و«يدي الحجرية» صعبة القراءة، وحتى روايته الجديدة «ديك أمي» لم تخل من هذه اللهجة، إلا أنه حاول تقنينها، فوضَعَها بين أقواس حتى لا تختلط باللغة الفصيحة، كما أنه وضع هوامش لتفسير كلماتٍ يظن أنها غامضة، لكنه ترك في الوقت نفسه عشرات الكلمات الأخرى الأكثر غموضًا بدون تفسير.

بدا حمدي في سنواته الأخيرة كأنه يغرفُ من بحر، وأصدر العديد من الأعمال، لكنه للأسف لم يتوقف ليراجعها، أو ليراجع مقولاته، ولم يستمع إلى أصوات أصدقاءٍ نصحوه بأن يخفف من مغالاته في التمسك باللهجة المحلية، كما أنه بعد رواياتٍ متماسكة على مستوى الحبكة والبناء كـ«لصوص متقاعدون» سيطرت على أعماله حالة من الحكي بلا هدف، صحيح أنه مثلًا ناقش في «الصاد شين» ما لاقاه بطله، أو بالأحرى ما لاقاه هو شخصيًا، من أهوال في ليبيا ثم هروبه إلى أوروبا، إلا أن الرواية لم تتأمل بعمق مصائر بشر أجبرهم العوز الشديد على التضحية بأرواحهم في عرض الصحراء والبحر، واكتفت بسرد المواقف القاسية الضاحكة التي تعرَّض لها.

أما روايته الجديدة «ديك أمي»، فليست رواية إذا قسناها على أبسط شروط ذلك النوع الأدبي، إنما هي أقرب إلى مجموعة حكايات غير مترابطة، وغير ملضومة سوى بخيطين، هما خيط المكان (عزبة دانيال) وخيط الشخصية الأساسية وهي الأم، (أم حمدي) نفسها. وليس هناك هدف للرواية سوى تمجيد تلك الأم، أو كتابة سيرة خاصة لها، عبر نوع من التداعي البسيط، فبينما يحكي مثلًا عن بقرة أمه يتذكر حمارتها، فيكتب قصتها، وبينما يحكي عن حقل أمه يتذكر جيرانه الذين ينهبون كيزان ذرته وثماره، وبينما يتحدث عن أبيه أبوحامد عيسى وفشل مغامرته في الإسماعيلية وعودته خائبًا ثم استقراره خفيرًا لمدرسة «جمال عبدالناصر الابتدائية» في (الفيوم العاصمة) يتذكر الفنانة صباح وأنها كانت في طريقها لإحياء حفل في فندق الأوبرج -وهو منتجع أقيم خصيصًا للملك فاروق على بحيرة قارون- فعبرت به ثم اصطحبته في سيارتها الكاديلاك المكشوفة ليريها الفندق بنفسه بعد أن عاملها في البداية بنوع من الكبرياء لا يليق بوظيفته ولا بهيئته.. إلخ.

فصول العمل صغيرة جدًا، وعناوينها ملخِّصة لها، فالغيط غيط أمه، والبقرة بقرتها، والفرح فرح رقصت فيه، وليست هناك ذروة يبحث عنها العمل، ولذلك لا يمكن اعتباره رواية كلاسيكية، وليس هناك أي محاولة لوضع ما يشبه النسق، أو البناء، وهناك مشاكل ضخمة تتعلق بتحرير العمل، فبعض الحكايات مكررة بكلمات مختلفة، ومنها مثلًا حكاية يعود فيها الأب جوعانا ويبحث عن زوجته (أم حمدي) فيجدها تفلح الأرض ويستشيط غضبًا باعتبار أن نساء البدو محرم عليهن أن يشتغلن في الفلاحة، فماذا يقول الناس عن امرأة تشمِّر الجلباب عن ساقيها لتنثر البذور، أو تقطف الثمار، وماذا يقول الناس عن رجل يترك زوجته بمفردها في تلك الأرض الواسعة بدون حماية؟ يحمل الزوج قفَّة القطن بين يديه وينثرها فيعود القطن لوزًا كما كان وكأنه لم يُجمع، كما أن فصل «البقرة» ليس فيه أي كلمة عن البقرة، والعمل مليء بأخطاء نحوية وإملائية لا حصر لها، وإن كان حمدي قد سلَّم الدار العمل غير مكتمل فكان واجبها تحريره، وتنقيحه لغويًا، وإلا يبدو الأمر وكأنه استهانة به بعد رحيله.

أفضل ما يمكن فعله مع عمل حمدي «ديك أمي» هو قراءته بدون تصنيفه كرواية، وتجاهل مشاكله وأخطائه، يمكن قراءته ببساطة على أنه عمل عن عائلة حمدي وبالأخص عن أمه وما واجهته بمفردها، حتى تحفظ لنفسها وابنها آخر فدان من أرض زوجها، أو قراءته باعتباره مجموعة حكايات مترابطة تدور في مكان واحد، وهي حكايات تثبت مقدرة حمدي الفذة على الحكي، وعلى التشويق وجذب الانتباه، وعلى الإمتاع، وطبعًا على الإضحاك، يمكن قراءته كسيرةٍ ذاتيةٍ كتبها الابن للأم أو قراءته كعملٍ سردي يرصد علاقة حمدي بالأم، أو علاقة الاثنين بالأرض، أو علاقة البدو بالفِلاحة، يمكن قراءته من بدايته أو من منتصفه، أو من الخلف إلى الأمام، أو من أي نقطة تريدها، فلا فصل يترتَّب على آخر، وحذف فصل كامل لا يؤثر على سياق القراءة، إنما يخصم من الحكايات الكثيرة حكاية ممتعة، فتعالوا نستمتع معاً ببعضها..

يعود حمدي إلى الماضي ليذكِّرنا بما فعله أجداده. لم يكن البدو الرحل يعرفون قيمة الأرض، ولذلك واجهت خطة محمد علي باشا لتوطينهم ثغرة كبيرة، هي أنهم لا يحبون تملك الأراضي. كان كل منهم يعود إلى زوجته ليخبرها بفخر بالغ أنه «رفض أن يوقِّع على استلام قيراط واحد من أرض الحكومة»، كما «كانوا يبيعون الأراضي لأي سبب ويستبدلونها بأي حاجة. خروف العيد مثلًا كل سنة، أو العلاج»، ولذلك فإن دفاع أم حمدي المستميت عن الفدان الباقي من ميراث أبيه «أبوحامد» كان مدهشًا وغريبًا وسط قبيلة تكره الأراضي، وبذلك كانت أول بدوية تحقق للباشا محمد علي رغبته في توطين العربان.

ينحِّي حمدي أمه كثيرًا ليخبرنا بقصص فرعية، عن أشخاص غريبي الأطوار، فمثلًا يحكي عن علاقة قبيلته بالطب: (لما عرفوه سائلًا ومسحوقًا ومبرشمًا عاملوه أو تناولوه باعتباره علاجًا ومتعة، أي والله متعة، وأكاد أقول مشروبًا، أو «كيْفًا» يُقبل عليه الناس مرضى وأصحاء، وأي علاج يصلح لديهم لأي مرض، ولي جد من جدودي الأشاوس جُنَّ بالدواء، انفعل بالدواء لدى ظهوره بيننا حتى جُنَّ به، وعلَّق في رقبته طوقًا من زجاجات الدواء الفارغة، وفتح بمدخل بيته في أول العزبة صيدلية من فوارغ زجاجات وعلب الدواء، ورتَّبها بدقة، حسب الصنف واللون والمرض أيضًا).

يعود حمدي إلى أمه وعلاقتها بالأرض، يقول إنها قسمتها نصفين تفصل بينهما ترعة، في الشتاء تزرعها بالقمح والبرسيم، القمح للأسرة والبرسيم لبهائمها، أما المحاصيل الأخرى كالطماطم والبطيخ فلم تعرفها الأم وأدخلها حمدي إلى خطة الزراعة بعد أن كبر قليلًا، وفهم أن الأرض مثلنا قد تشعر بالملل من فرط التكرار.

يحكي حمدي عن سارقي الأرض، وهم رجال ونساء وأطفال عزبتين كاملتين لم يتوقفوا عن شن الغارات عليها ونهب محاصيلها، كانوا كذلك يتركون بهائمهم لترعى فيها، وكانت الأم تشكو أنهم لم يتركوا لها ولو بصلة واحدة. المدهش أنها فوجئت ذات يوم بشيخ البلد نفسه، بشحمه ولحمه، يقتلع كيزان الذرة، وخافت أن تفاجئه فربما يتطور الأمر ويستمع الناس إلى شجارهما ويأتون على صوتها ويتساءلون لماذا تقف مع رجلٍ غريبٍ وسط الزرع، فتتحول القصة من قصة سرقة إلى علاقة آثمة، ولذلك كظمت غيظها، لكنها لم تتركه في حاله. هجمت عليه في بيته وواجهته بالسرقة ولم تترك له فرصة للإنكار وحصلت منه على وعد بألا يقرب أرضها حتى يموت.

يخصص حمدي فصلًا لقصة زواج أمه وأبيه، بعد مطاردات من الأب ومعاملة جافة من الأم، ثم يتذكر أن الحياة ليست مجرد أشخاص وإنما هناك مكان كذلك، فيخصص الفصل التالي لبلده «بوطاحون» أو «عزبة دانيال» وعلاقتها بعزبة «الغرق» التي توقع جمال حمدان أن يهجرها الناس وتصبح أرضًا بورًا بسبب انخفاضها الشديد، لكنها على العكس تحولت إلى أكبر سوق في الفيوم.

كانت أمه تذهب إليها متخفية حتى لا يشاهدها العربان لتشتري وتبيع، لكنهم رأوها طبعًا، وبالتالي توقفت قليلًا عن زيارتها، قبل أن تقول لنفسها إنها لا تفعل شيئًا خاطئًا وتعود إلى تكرار الزيارة، ويتطرق حمدي أيضًا إلى العلاقة بين البدو والفلاحين، فالبدو يستأجرون الفلاحين للعمل في أراضيهم، إذ أنهم يأنفون العمل بأيديهم، ويعتبرون الفلاحين أقل منهم طبقيًا. يكتب حمدي: «السلطة في عزبتنا محسومة، البدو حكام والفلاحون محكومون والأمور مستقرة».

يتذكر حمدي دائمًا أن هناك شيئًا فاته، فيعود إليه. تحدث مثلًا من جديد عن وثيقة تمليك أمه الفدان، يحكي أنها خلعت عقدها ووضعته في يد الجدة «طامية» وضغطت على يدها بقوة فنزَّ الدم عليه، وصارت الوثيقة مدموغة بالدم، وبالتالي لا أحد يمكنه إنكار أن الفدان ملك لها..

يستمر حمدي أبوجليل في القفز من نقطة إلى نقطة، ومن زمن إلى زمن، ومن حكاية إلى حكاية، ومن شخصية إلى شخصية، لا يتوقف ليتأمل، وإنما يمضي بسرعة ليحكي، محاولًا أن ينتزع الضحكات منا، وطوال العمل لا ينسى أن الهدف هو تمجيد أمه، وردُّ الجميل إليها، وتحويل مفردات حياتها البسيطة إلى أسطورة. لم يكف طوال حياته عن ذكرها في جلساته وفي حواراته وفي تدويناته، ولعله آثر الرحيل مبكرًا ليذهب إليها ويريها ما فعله لأجلها.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

من "الحلو" و"الحجار" إلى "البحراوي" و"شيبة" تترات دراما رمضان تحكي سيرة "البطل الشعبي"!!

بعيدًا عن إطلاق الأحكام حول أهمية الاختيار "اللائق" لنموذج البطل الشعبي الذي يقدمه صناع الدراما المصرية، لخطورة تأثيره في المجتمع، وبعيداً عن "التنظير" و"التحذير"، تابعنا خلال السنوات الأخيرة، تواجدًا بارزًا لـ"التيمة الشعبية" في مسلسلات يقبع أمامها رواد المقاهي مشدوهين، مبهورين بالبطل وهو يصول ويجول ويحارب قوى الشر، محطمًا كل شيء في طريقه، ربما يترنح البطل المغوار قليلاً بفعل الصدمات، ولكنه سرعان ما ينتفض كـ"المارد" مفعمًا بالقوة المادية والعضلات المفتولة، فيفوز على أعدائه بالضربة القاضية، لتأتي كلمة النهاية ويصفق الجمهور، وينفجر مؤشر "نسب المشاهدات"، وإمعانًا في التأثير الدرامي يلجأ معظم "الأبطال الشعبيين" لاختيار "كلمات أغاني تترات" مسلسلاتهم، معبرة عن العذابات الأليمة الصاعدة نحو "تيمة" الانتقام من الأعداء، وقهر كل الصعاب، حتى آخر نفَس.

ومن جديد، تعزف دراما رمضان 2025، على نغمة البطل الشعبي الملهم، في مسلسلات يحاول نجومها الحفاظ على صيحات الانبهار الجماهيري، التي تعالت وشجعت المنتجين على تجديد "التعاقدات" معهم للموسم الدرامي الأكثر مبيعًا، وفي مقدمتهم الفنان أحمد العوضي بعد نجاح أولى بطولاته المطلقة في رمضان الماضي "حق عرب"، ليعود بمسلسل "فهد البطل"، وللمرة الثانية يستعين بالمطرب الشعبي أحمد شيبة، لغناء التتر، كما يواصل مصطفى شعبان أدوار البطولة الشعبية بعد "المعلم 2024"، متخلّيًا عن عبد الباسط حمودة (مغني تتر المعلم)، ليستعين في مسلسله الجديد "حكيم باشا"، بالمطرب الشعبي طارق الشيخ، وكان أول ظهور "ناجح" لـ"شعبان" كـ"بطل شعبي"، في 2021، بمسلسل "ملوك الجدعنة" مع عمرو سعد، الذي يقدم مسلسلاً جديداً بتوقيع المخرج محمد سامي، بعنوان "سيد الناس"، لم يفصح صناعه عن أغنية التتر، بعد، (وإن كان شقيقه المطرب أحمد سعد أقرب المرشحين)، ونفس الأمر حدث مع المسلسل الرمضاني الثاني لـ"محمد سامي"، بطولة زوجته مي عمر، بعنوان "إش إش"، وهو من "تيمة البطلة الشعبية" ولم يستقر، أيضًا، على أغنية التتر، ويعتبر التعاون الثاني على التوالي مع زوجته، بعد مسلسل "نعمة الأفوكاتو"، رمضان 2024، غنى مقدمته المطربة السورية أصالة.

وكان "سامي" شريكاً أساسياً لنجاحات النجم محمد رمضان في عدة مواسم رمضانية، بداية من "الأسطورة"، 2016، مروراً بـ"البرنس"، 2020، وأخيراً "جعفر العمدة"، 2023، ومازال محمد رمضان يواصل هوايته في إثارة الجدل، بتصريحاته المتضاربة حول المشاركة في دراما رمضان 2025، أو الغياب عنها، وكان لـ"رمضان" السبق في افتتاح مواسم البطولات الشعبية بـ"الأسطورة"، وبرغم جمال أغنية التتر، إلا أنها كانت المرة الوحيدة التي ينساب فيها صوت نسائي (المطربة ريهام عبد الحكيم)، عبر تترات مسلسلات "محمد رمضان"، التي غالباً ما تحكي جوهر الظلم الواقع على البطل، ثم استعراض القوة والوعيد بالانتقام ممن ظلموه، عبر حناجر "خشنة" للمطربين أحمد سعد، وأحمد شيبة وطارق الشيخ والكويتي نبيل شعيل واللبناني آدم، وكان للأخير تواجد مميز بنبرة حزينة، في عدد من أغاني التترات الناجحة، أشهرها "قولو للي أكل الحرام يخاف" في مقدمة مسلسل "العار"، 2010.

وفي معظم الأحيان، يستخدم صناع دراما رمضان "سلاح الأغنية"، لضمان جذب الانتباه لمتابعة المسلسل، من أول وهلة، باعتبار أن "الجواب بيبان من عنوانه"، وإن كان ذلك لا يفلح في كل الأحيان، فسرعان ما يعتاد الجمهور سماع أغنية التتر، ويزهد "الحبكة المملة"، أو الأداء "الباهت" للممثلين، وكم من أغانٍ حققت شهرة واسعة دون أن يتذكر أحد أنها تخص مسلسلاً ما، مثل أغنية "اتفاءلوا بالخير" للمطربة الشابة ياسمين علي، تتر مسلسل "أمر واقع"، 2018، وأغنية "روقان" للمطرب الشعبي حودة بندق، التي اعتبرها الجمهور أيقونة المرح في 2024، رغم أنها كانت ضمن أحداث مسلسل رمضاني لم يشاهده أحد، بعنوان "رحيل" للفنانة ياسمين صبري، واستعانت بالصوت النسائي الشاب "حنين الشاطر" لغناء التتر، الذي لم يسمعه أحد!

وبرغم أن الأجزاء التالية لأي مسلسل ناجح، عادة ما يحرص صناعها على الاحتفاظ بأغنية "تتر المقدمة"، من باب "الفأل"، إلا أن توقعات البعض ترجح "كسر هذه القاعدة" في الجزء الثاني من مسلسل "العتاولة"، بعد أن انهالت سيوف النقد على الموسيقى التي تصدرت تتر الجزء الأول، واتهام مؤلفها (الموسيقار ساري هاني) باقتباسها من المسلسل الصهيوني "طهران"، والطريف أن صناع "العتاولة" أنتجوا "أغنية دعائية" ساهمت في نجاح الجزء الأول في رمضان الماضي، وكانت بأصوات أبطاله النجوم أحمد السقا وطارق لطفي وباسم سمرة وزينة ومي كساب، نفس الأمر فعله صناع مسلسل "محارب"، بإنتاج "أغنية دعائية" بصوت البطل حسن الرداد مع نجوم العمل أحمد زاهر ومنة فضالي وآخرين، في حين تم الاستعانة بالمطرب الشعبي "رضا البحراوي" لغناء التتر، وهو الذي ساهم في نجاح العديد من مسلسلات "البطل الشعبي"، منها: "هوجان 2019"، و"النمر 2021" للنجم محمد إمام، وكان الأخير قرر التخلي عن "البحراوي" والاستعانة بالنجم بهاء سلطان، لغناء تتر مسلسله "كوبرا"، في رمضان الماضي، بعدها اختار "إمام" الغياب "المؤقت" لهذا الموسم.

تبقى أعمال رمضانية مقبلة، من التيمة الشعبية، لم تعلن أغاني تتراتها بعد، مثل "النص" للنجم أحمد أمين، و"الغاوي" للنجم أحمد مكي (إن لم تهزمه الاعتذارات)، و"شباب امرأة" وهو المغامرة الخطرة للفنانة غادة عبد الرازق، التي كانت تختار أشهر المطربات لغناء مسلسلاتها: سميرة سعيد، ونوال الزغبي، ونانسي عجرم، وأصالة، وشيرين، وأنغام، وإن كان وجودهن على التتر، لم يشفع لإنجاح أعمالها، مثلما لم يشفع وجود أهم الأصوات العربية، في أغاني التترات، لتحقيق نسب مشاهدات معقولة، مثل الثنائي (محمد الحلو وحنان ماضي) في تتر مسلسل "ضرب نار" للثنائي أحمد العوضي، وياسمين عبد العزيز، 2023، أما صوت "أنغام"، في تتر مسلسل "ممنوع الاقتراب، أو التصوير" للفنانة زينة، لم يقترب منه المشاهدون في 2018، وفي نفس العام، كانت حالة فريدة من نوعها، بقرار جريء لصناع مسلسل "الرحلة" للنجمين باسل خياط، وريهام عبد الغفور، بـ"إلغاء التتر نهائيًا"، ورغم ذلك حقق جماهيرية ضخمة!

بالعودة فلاش باك، لذكريات مسلسلات محفورة في ذاكرة الجمهور، متكاملة أركان الإبداع من حبكة وإخراج وتمثيل، ومزينة بـ"تترات" حفظتها الأسماع، في مقدمتها ليالي الحلمية، والمال والبنون، والوسية، وبوابة الحلواني، وذئاب الجبل، وزيزينيا، عبر أصوات ذهبية نادرة مثل علي الحجار، ومحمد الحلو، وهما "فرسا رهان" مسلسلات الثمانينيات والتسعينيات، بكلمات الراحلين الكبار سيد حجاب وأحمد فؤاد نجم وعبد الرحمن الأبنودي، وموسيقى عظماء بحجم بليغ حمدي وياسر عبد الرحمن وميشيل المصري وعمار الشريعي وجمال سلامة.

مقالات مشابهة

  • دمار شامل.. كيف وجد الغزيون منازلهم التي عادوا إليها في رفح؟
  • علي خضران القرني سيرة حياة حافلة بالعطاء
  • حمدي الميرغني: كواليس مسرحية «بني آدم» ممتعة ونسعى لإسعاد الجمهور السعودي
  • «ندوة الثقافة والعلوم» تناقش كتاب «محمد سعيد الملا.. سيرة مشرقة»
  • الخطيب وحسن حمدي وطاهر أبوزيد في جنازة ميمي الشربيني|صور
  • 11 شرطاً والتزاماً لدخول الأجنبي إلى الإمارات.. تعرف إليها
  • من "الحلو" و"الحجار" إلى "البحراوي" و"شيبة" تترات دراما رمضان تحكي سيرة "البطل الشعبي"!!
  • فيلم لي .. سيرة ذاتية تمزج بين يوميات مراسلة حربية وعارضة أزياء
  • سيرة الفلسفة الوضعية (4)
  • خناقة طالبات التجمع.. ما اختصاصات لجنة الحماية المدرسية المُحال إليها الطالبات؟