عمليات دون تخدير ودماء في كل مكان ومفاضلة بين المرضى من يستحق العلاج أولا قبل قدرة على مداواة هذا الكم الهائل من الأعداد دفعة واحدة، مشاهد تلخص الوضع الحالي في مستشفيات قطاع غزة.

فريق طبي صامد لأكثر لما يقرب من 15 يوما كاملة يواصل العمل ليلا ونهارا بلا هوادة فلا يسعهم التوقف لالتقاط الأنفاس، مرضى وشهداء بالمئات والمستشفيات تحولت إلى ملاجئ اعتقادا أنها آمنة ولكن لا شيء آمن مع احتلال لا يعرف سوى القتل ولا يكترث بالإنسان وحقوقه.


يقول الدكتور عدنان البرش، استشاري ورئيس قسم العظام بمستشفى الشفاء في غزة، إن الوقت ضيق جدا لديهم ويترددون ما بين العمليات والاستقبال والطوارئ على مدار 24 ساعة في اليوم.

ويضيف "البرش"، في تصريحات خاصة لـ "الفجر" أن مستشفى الشفاء هو أكبر مستشفى في فلسطين وعدد الأسرة فيه نحو 700 سرير ولكن بسبب الظروف الحالية لا يمكنه استيعاب الحالات الواردة إليه.

"بتيجي إصابات كثيرة جدا ولدينا نحو 2500 مصاب ولذلك اضطررنا إلى وضع 6 أسرة في الغرفة التي يوجد بها سريرين أو ثلاثة في الأوقات الطبيعية كما فرشنا الأرض بين الأسرة وعشرات المرضى بين الأسرة وفي ممرات المستشفى بسبب العدد والكم الهائل من المصابين"، مشهد يومي يعيشه الدكتور عدنان البرش.

ويتابع: في الحروب بييجي خلال ساعة 100 شهيد إلى جانب 300 أو 400 أو 500 مصاب دفعة واحدة ونكون في حالة اضطرار للتعامل مع هذه الحالات وطبعا في الحروب نعمل بمبدأ الإنقاذ ويتم انتقاء الحالات الأولى فالأقل أولوية وهكذا حسب مستوى الإصابات ومدى القدرة على البقاء لفترة زمنية أطول.

حسب الدكتور "البرش" فالمستشفى توجد به 12 غرفة عمليات وفي بعض الأوقات يستقبل نحو 40 حالة دفعة واحدة جميعهم في حاجة إلى عمليات فورية وهذا يسبب ضغطا كبيرا جدا على الأطقم الطبية، وبسبب الضغط ومحدودية الأماكن يتم وضع سريرين وثلاثة في غرفة العمليات الواحدة وفي بعض الأحيان يتم إجراء العمليات في الممرات وفي أماكن الإفاقة.

يستمر الدكتور "البرش" في سرد المعاناة، قائلا: آخر فترة لم نجد سوى أدوية المسكنات نعطيها للمرضي خلال العمليات الجراحية بسبب نفاذ أدوية التخدير.

إشكالية أخرى تواجه مستشفى الشفاء وباقي المستشفيات أن المرضى أو المصابين معظمهم تهدمت منازلهم فوق رؤوسهم وليس لديهم مكان إعاشة وكثير من المواطنين نزحوا إلى المستشفيات بسبب أن المنازل هدمت وليس لهم مأوى ووجدوا أن المستشفيات مكان آمن للجوء إليه.

ويواصل استشاري ورئيس قسم العظام بمستشفى الشفاء في غزة: الناس بتيجي تنام في المستشفيات بخلاف المرضى بعد تلقي العلاج يظلون في المستشفى بسبب عدم وجود أماكن يمكنهم البقاء فيها وهذا سبب أزمة كبيرة في الأسرة تتفاقم بشكل يومي.

وفي ظل هذا الضغط غير المسبوق يواصل طاقم المستشفى العمل دون توقف: الطاقم الطبي منهك جدا ونعمل 24 ساعة في اليوم ومنذ بداية الحرب لم نذهب إلى منازلنا ومعظم الطواقم أسرها في مناطق خطرة ولم يروا ذويهم ويتم التواصل فقط عبر الموبايل التي وهو أيضا أمر صعب جدا بسبب قصف أبراج الاتصالات.
 

ينتظر مستشفى الشفاء في غزة مصيرا مشابها لمصير مستشفى الأهلي المعمداني، فيقول الدكتور "البرش": الاحتلال قبل أسبوع هدد إدارة المستشفى بالقصف وطلب إخلائها لكن الجميع أكدوا أنه لا إخلاء للمستشفى سوى على أجسادهم وكل يوم يجدد الاحتلال تحذيره وباقي مستشفيات غزة تم إنذارها.

وعن الحالات التي يستقبلها المستشفى، يوضح أن 60% من الحالات أطفال ونساء وحالتهم صعبة جدا جدا وأنهم يتعاملون وفق ما هو موجود لديهم من إمكانيات وأدوية وعلاجات ومعظم المرضى يحتاجون إلى الرجوع لإجراء عمليات أخرى.


لينا أبو عكر، أحد أفراد الطاقم الطبي بمستشفى ناصر في غزة، تؤكد أنهم يعلمون في ظروف غير إنسانية فلا مياه ولا كهرباء ولا مستلزمات طبية كافية: الوضع غير إنساني بالمرة.


وتضيف لينا، في تصريحات خاصة لـ "الفجر" أن الأدوات والمستلزمات الطبية في حالة نقص شديد وقاربت على النفاذ كليا في ظل عدم وجود إمدادات لذلك يلجأون إلى العمل بأقل الإمكانيات للحفاظ على ما تبقى منها لأطول فترة ممكنة.

وعن عدد الشهداء والضحايا، تشير إلى أنهم من كثرتهم يتم دفن الجثث مجهولة الهوية في مقابر جماعية فكثير من الحصص لا يتم التعرف عليها.

تتفق لينا أبو عمر مع الدكتور عدنان البرش، في أن الغالبية من الأطفال والنساء والحالات بين متوسطة وخطيرة فلا توجد إصابات بسيطة في هذه المجزرة.

وتؤكد أن 140 أسرة تم محوها بالكامل من السجل المدني بسبب استشهادهم جميعا فلم يبقى منهم أحد في ظل إبادات ومجازر في حق رضع وأطفال وحتى الأجنة لم يسلموا من هذا العدوان.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: غزة قطاع غزة مستشفيات غزة قصف المستشفيات الاحتلال الاسرائيلي مستشفى ناصر مستشفى الشفاء مستشفى الشفاء فی غزة

إقرأ أيضاً:

مستشفى واحد لخمسة ملايين نسمة.. هكذا يعاني المرضى النفسيون في موريتانيا

تظهر على الجدار فوق سرير سيدي عبارة "التوتّر يقتل الخلايا العصبية"... هذا الشاب البالغ 22 عاما الذي شُخّص باضطراب الذهان، يشغل الغرفة 13 في مستشفى الطب النفسي الوحيد في موريتانيا، والذي لا يضم سوى عشرين غرفة للمرضى النفسيين في البلد برمّته.يقول والده محمد الأمين "أوقعه أصدقاؤه في مشاكل، وأقنعوه بفكرة الهجرة إلى الولايات المتحدة، لكنّ المصرف رفض منحه قرضا، فحزن كثيرا وبدأ في تعاطي المخدرات".

واصطحب الوالد الذي لم يكن يعرف ما ينبغي فعله في ظل نوبات العنف الذهاني، نجله إلى مركز متخصص في نواكشوط، حيث يضم أحد المستشفيات القسم الوحيد للطب النفسي في البلاد.

سيبقى سيدي في المركز بضعة أيام، إذ ان العلاج في المستشفى لا يدوم طويلا لأنّ مساحة المركز صغيرة وعدد الموظفين محدود.

ويقول الطبيب محمد الأمين العبيدي "نحتاج إلى رفع عدد الأسرّة، إذ يحضر عدد كبير من المرضى من أماكن بعيدة ولا مراكز أخرى متخصصة في الصحة النفسية".

عائلات

في ممر واسع حيث الغرف العشرون، طُليت الجدران باللونين الأزرق السماوي والأبيض الكريمي.

ويشهد هذا الممر حركة مستمرة إن من أمّ تُحضر أطباقا لنجلها، أو شاب يأتي لزيارة أخيه، أو عمّ قلق يأتي لتهدئة ابن أخيه المصاب بجنون العظمة.

يسير في الرواق أيضا مرضى غير عنيفين، يكونون دائما برفقة أحد الوالدين. يلقون التحية على الممرضة ويمازحون مسؤول الأمن، ويروون لمن يطيب له السمع قصصا شتى عن مؤامرات سياسية مفترضة أو كوابيس مزعجة لديهم.

ويقول البروفيسور العبيدي "ترافق العائلات جميع المرضى تقريبا خلال المعاينات الطبية، وحتى في فترة العلاج داخل المستشفى".



أمام مدخل القسم، ينتظر نحو عشرة أشخاص متّكئين على الجدران. على غرار الممارسين الطبيين الموريتانيين، تلقّى الطبيب النفسي دراسته خارج البلاد، بسبب نقص البرامج المتخصصة في البلاد، وعاد حديثا من السنغال.يقول باسما وهو يغادر مكتبه "حتى لو كانت قدرتنا الاستيعابية محدودة بعض الشيء، تحسّن الوضع" مقارنة بسبعينات القرن العشرين.

وخلال تلك المرحلة، بدأ الطب النفسي يُمارس في موريتانيا، الدولة التي تضم خمسة ملايين نسمة وتتمتع بثقافة وجغرافيا صحراوية إلى حد كبير.

يعود الفضل في ذلك إلى الدكتور ضياء الحسينو الذي يبلغ راهنا 83 عاما، ويمضي أيامه مع عائلته في منزله وسط نواكشوط.

استشارات طبية في الخيام

في العام 1975، بعد أن درس في دكار وتلقى تدريبات في دول أوروبية كثيرة وأنجز أطروحة عن العلاج الأسري، عاد إلى بلده وأقنع السلطات بأهمية هذا الطب الذي لم يكن معروفا آنذاك، نصب خياما تقليدية في باحة المستشفى الوطني، مما أتاح للعائلات إحضار مرضاها إلى المركز الطبي لإجراء استشارات.

وبعد ثلاث سنوات، بدأ المستشفى يتيح خدمة متخصصة، قبل افتتاح مركز للصحة الذهنية سنة 1990.وبعد أربعة وثلاثين عاما، يأسف المتقاعد للتخلي عن الخيام الكبيرة لصالح الغرف المغلقة.




ويقول "للهندسة المعمارية أهمية كبيرة في رعاية المرضى، فعندما ننشئ أقساما مغلقة، يكون لكل شخص غرفته الخاصة المغلقة، وتصبح بمثابة سجون". ويشدد على عدم الحاجة إلى "طب نفسي على النمط الغربي".

يتم تقييد عدد كبير من المرضى الذين يُعتبرون عنيفين لأسرتهم.

ويقول رمضان محمد المسؤول عن الأمن إنّ "سياسة المستشفى تحظر ذلك، لكن قرار تقييد المريض متروك لأسرته". أما سيدي، فكان مقيدا بقدمه اليسرى.

في كثير من الأحيان، يكون العلاج في المستشفى هو الخيار الأخير للعائلات، على ما يوضح العبيدي. ويقول "يخضع غالبية المرضى للعلاجات التقليدية قبل التحوّل إلى الطب النفسي. يذهب المريض لمقابلة مرابط، وإذا رأت الأسرة والمرابط أن الأمور لا تتقدم، يحوّلونه إلى المستشفى".

مقالات مشابهة

  • الاحتلال الصهيوني يصعّد اعتداءاته على مستشفيات قطاع غزة
  • العدو الصهيوني يواصل عدوانه على عدة مستشفيات في قطاع غزة
  • اختطاف الدكتور حسام أبو صفية وحرق مستشفى كمال عدوان في قلب مأساة غزّة
  • نائب وزير الصحة يتفقد مستشفيات القنايات والزقازيق العام
  • بقدوم العام الجديد.. سبايدرمان يحتفل مع أطفال مرضى لسرطان بالأقصر
  • نائب وزير الصحة يتفقد عددًا من مستشفيات الشرقية
  • مأساة قطاع غزة
  • تفاقم المأساة الإنسانية في قطاع غزة جراء الأمطار والبرد الشديد (شاهد)
  • مستشفى واحد لخمسة ملايين نسمة.. هكذا يعاني المرضى النفسيون في موريتانيا
  • بين ألمين.. مأساة عمليات كشط وترقيع الجلد لمصابي الحروق في غزة.. غياب الإمكانات الطبية فاقم المأساة.. وإصابات ببكتريا قاتلة نتيجة تأخر العمليات.. طبيب بـ"الشفاء": "كشط الجلد" الأشد ألما