لجريدة عمان:
2024-09-29@08:18:17 GMT

نوافذ :تشويه الذات

تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT

[email protected]

تمثل البناءات الذاتية أصعب المراحل في تجذير السلوك سواء عند البشر، أو حتى عند الكائنات الأخرى غير العاقلة، ذلك أن السلوك الظاهر الذي يتفاعل الناس من خلاله هو النابع من الذات، وبالتالي فالذي يحكم توازن هذا السلوك، وهو المعبر عن مجموع المدخر من البناء الذي حصلت عليه الذات طوال سني مراحل العمر، وأثبتها هي مرحلة الطفولة؛ التي تتشرب كل توجيه، وتؤمن بكل ما يملى عليها، الطفولة تظل مشروعا مهما لتأصيل الأوامر والنواهي، إلى حد المستوى العمري الذي يصل إليه الإنسان ليتيح له القدرة على التفريق بين الصالح والطالح، والخير والشر، والقدرة على القبول أو الرفض.

وفي مسيرة هذا البناء للذات هناك حث السير على الوصول إلى مرحلة من التوازن بين متطلبات الجسد المادية والمعنوية، وهي- بلا شك- مرحلة تستهلك الكثير من الجهد، وتستهلك الكثير من الزمن، وقد تتعرقل هذه المسيرة في مراحل النمو عندما تتداخل مع عناوين أخرى غير متوقعة، أو غير مدرجة ضمن جدول البناء، كأن يسلك الإنسان مسلكا مشينا، يغير مسار حياته من الأصلح إلى الأسوأ، بقصد أو بغير قصد، حيث يدخل على البناءات السليمة نتوءات تظل مشوهة لمسيرة هذا الإنسان أو ذاك، فتحتاج إلى كثير من الجهد والزمن؛ أيضا؛ حتى تلتئم جروحها، أو على الأقل يقل تأثيرها فيتحرر الإنسان شيئا فشيئا، ولو حقق البناء السليم على مشارف الفترات المتأخرة من عمره، فعلى الأقل أنقذ نفسه من هلاك، سواء لآخر العمر، أو لما بعد الحياة الدنيا.

يولد الإنسان وذاته صفحة ناصعة البياض، ولكن مع بدء أول حركة جسدية له في الحياة، يبدأ في المقابل تشويه هذه الصفحة البيضاء بكثير من الخربشات، وعليه بعد ذلك ومن خلال سنوات حياته التي يعيشها أن يعيد ترميم هذا التشويه، فيصلح ما يقدر عليه، أو يستسلم للكثير منه، خاصة إذا وافق ذلك عوامل ضاغطة في الاتجاه نفسه، وما أكثر هذه العوامل المؤثرة على تشويه الذات، يتلقاها الإنسان من القريب والبعيد؛ على حد سواء، وما يتعرض له من مصائب وأحداث قد يكون له يد في ذلك، وقد لا يكون، ويؤكد هذا الحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم: « كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه، أو يمجسانه، أو ينصرانه» - حسب المصدر - ويشار إلى الفطرة هنا على أنها فطرة الإسلام، وهي الفطرة السوية. الذات الإنسانية هي خاضعة لكثير من عوامل البناء والهدم؛ على حد سواء، ولكن في ظروف بيئة اجتماعية؛ تكون أقرب إلى الفطرة؛ يتسامى الصلاح في الذات أكثر، وفي بيئة اجتماعية مشوهة، يتراجع هذا الصلاح، فتصبح ذاتا مستنفرة، تتعب صاحبها، وتتعب من حوله، فـ «الذات هي جوهر الشيء وشخصيته، التي تعبر عما به من شعور وتفكير» كما يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري، وتكملة لمعنى النص، أن هذا الشعور والتفكير سيعكس ما تجيش به الذات: إن كانت ذاتا صالحة، أو ذاتا طالحة.

السؤال المهم: هل يمكن تدارك تشويه الذات قبل أن تفضي بمجموعة سلوكياتها على الواقع؟ والإجابة على هذا السؤال: أن هذا ليس بالأمر الهين، صحيح أن الوالدين ومجموعة محاضن التربية تبذل جهودا مقدرة في حماية هذه الذات من كثير من التشويه، ولكن هناك الذات المستقلة التي لا تؤمن بكامل الاستسلام، لكل ما يوجه إليها، حيث تُخْضِعُ كل ما تتلقاه إلى «فلترة» ذاتية، فتقبل هذا، وترفض ذاك، بناء على خبراتها، وتجاربها في الحياة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الأطعمة فائقة المعالجة ليست سواء وبعضها أسوأ من الآخر

أثناء تجولك في ممرات البقالة ستجد طيفا واسعا من الأطعمة اللذيذة المغرية التي تُوصف بأنها "أطعمة فائقة المعالجة".

تتعدد هذه الأطعمة من حبوب الإفطار والخبز الأبيض والبسكويت والكعك والحلويات، إلى رقائق البطاطس والوجبات المجمدة، والمشروبات الغازية، فضلا عن المحلاة بالسكر، والوجبات الخفيفة المالحة المعبأة، والأطباق الجاهزة.

هذه الأطعمة أصبحت "تشكل ما يقدر بنحو 73% من إمدادات الغذاء، وأكثر من 60% من السعرات الحرارية اليومية لدى سكان الولايات المتحدة وحدها"؛ رغم أن العديد من الدراسات أشارت إلى أن "الإفراط في معظمها" قد يؤدي إلى الوفاة المبكرة.

لكن "اللحوم المُصنّعة" تُعد أسوأ هذه الأطعمة على الإطلاق، حيث تصنفها الوكالة الدولية لبحوث السرطان "في مقدمة مسببات المرض"؛ وخاصة السجق أو "النقانق".

وأكدت النتائج البحثية أنها "يمكن أن تسبب السرطان، وخصوصا سرطان القولون والمستقيم"؛ كما تقول نيكول أندروز، خبيرة التغذية المتخصصة في مساعدة مرضى السرطان؛ مؤكدة أن "النقانق تأتي في مقدمة الأطعمة التي قررت استبعادها من ثلاجتها إلى الأبد".

يعني ذلك أن "الأطعمة فائقة المعالجة ليست متشابهة، وأن بعضها قد لا يخلو من فوائد صحية، فيما قد يشكل البعض الآخر خطرا على الصحة"، وفقا للنتائج الجديدة التي توصلت إليها واحدة من أكبر وأطول الدراسات مؤخرا.

مخاطر الإفراط في تناول الأطعمة فائقة المعالجة

"ما من حالة مزمنة من مرض القلب، أو السكري من النوع 2، أو السرطان، أو الخرف، أو حتى متلازمة القولون العصبي؛ إلا ومن المرجح أن يكون اتباع نظام غذائي غني بالأطعمة فائقة المعالجة مرتبطا بها"؛ كما تقول أليس كالاهان، الكاتبة الأميركية المتخصصة في مجال الطعام والصحة لصحيفة "ذا نيويورك تايمز" الأميركية.

وقد عرّفت جامعة "كامبريدج" البريطانية الأطعمة فائقة المعالجة عام 2019، بأنها "تركيبات صناعية لمواد غذائية تحتوي على القليل من الطعام الحقيقي أو لا تحتوي عليه على الإطلاق؛ لكنها معالجة بمواد حافظة وألوان صناعية ومواد تبييض وتلميع ونكهات ومستحلبات وإضافات تجميلية أخرى، إلى جانب السكر والملح والنشا والزيوت والدهون المصممة لجعل الطعام شهيا".

تعرّف الأطعمة فائقة المعالجة بأنها تركيبات صناعية لمواد غذائية تحتوي على القليل من الطعام الحقيقي المعالج لجعل الطعام شهيا (شترستوك)

وفي السنوات الأخيرة، وجدت الدراسات أن تناول نظام غذائي يعتمد على الأطعمة فائقة المعالجة، يتسبب في "زيادة الوزن بسرعة لدى الأشخاص ويزيد من خطر إصابتهم بما لا يقل عن 32 حالة صحية مختلفة، بما في ذلك السرطان ومرض السكري من النوع 2، وأمراض القلب والسمنة والقلق والاكتئاب والخرف".

كما وجدت بحوث علمية أخرى أن الأنظمة الغذائية فائقة المعالجة "تزيد من خطر الوفاة المبكرة". وقد وجدت دراسات سابقة أيضا، أن تناول الكثير من الأطعمة فائقة المعالجة، "يمكن أن يؤدي إلى التهاب الدماغ".

وهناك أدلة على أن الأطعمة فائقة المعالجة "يمكن أن تؤثر على الصحة العامة، عن طريق تقليل حساسية الإنسولين، وإزعاج ميكروبات الأمعاء المفيدة، والالتهاب المزمن في جميع أنحاء الجسم".

لكن العديد من هذه الدراسات "كانت صغيرة نسبيا أو قصيرة المدة أو لم تبحث في أسباب محددة للوفاة"، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

الأطعمة فائقة المعالجة المسببة للوفاة

مقابل ما سبق من محاولات بحثية ونتائج مبدئية، ركزت دراسة كبيرة أجراها باحثون في كلية الصحة العامة بجامعة "هارفارد تي إتش تشان"، ونُشرت في شهر مايو/أيار الماضي، على "العواقب الصحية لأنواع معينة من الأطعمة فائقة المعالجة"؛ وخلصت إلى وجود "ارتباطات قوية بين زيادة خطر الوفاة، وتناول الأطعمة فائقة المعالجة بانتظام، وخاصة اللحوم المُصنّعة".

فمن خلال فحص الأنظمة الغذائية والحالة الصحية لقرابة 115 ألف بالغ أميركي، "ليس لديهم تاريخ إصابة بأمراض السرطان أو القلب أو السكري"، على مدى 30 سنة؛ توصل البحث إلى أن المشاركين الذين تناولوا "كمية أكبر" من الأطعمة فائقة المعالجة بأنواعها (بمعدل 7 حصص أو أكثر يوميا)، "واجهوا خطرا أعلى" بنسبة 4%٪ للوفاة لأي سبب، وبنسبة 8% للوفاة بسبب أمراض مثل الخرف وباركنسون؛ من أولئك الذين تناولوا "كمية أقل" من هذه الأطعمة (بمعدل 3 حصص يوميا).

ووجد الباحثون أن الفئات التالية هي الأكثر ارتباطا بزيادة خطر الوفاة:

اللحوم المصنعة. المشروبات المحلاة بالسكر مثل الصودا الدايت. الحلويات القائمة على منتجات الألبان.

لذا أوصى مينغيانج سونج، أستاذ علم التغذية المساعد بهارفارد تي إتش تشان، والمشرف على الدراسة؛ "بتجنب هاتين المجموعتين من الأطعمة فائقة المعالجة، أو الحد من استهلاكهما".

لكنه أوضح في الوقت نفسه، أن "الأطعمة فائقة المعالجة ليست كلها شرا محضا، فالخبز المصنوع من الحبوب الكاملة بطريقة فائقة المعالجة -على سبيل المثال- يحتوي على عدة عناصر غذائية مفيدة مثل الألياف والفيتامينات والمعادن".

مخاطر أخرى لنفس المجموعتين

وفي دراسة نُشرت مؤخرا في "مجلة لانسيت" الطبية، وشملت أكثر من 200 ألف بالغ في الولايات المتحدة، قام الباحثون بتحليل مخاطر تناول الأطعمة فائقة المعالجة، واستخلصوا أسوأ أنواعها.

ووجدوا أن "الذين استهلكوا أكبر قدر من الأطعمة فائقة المعالجة، كانوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 11%، وأكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب التاجية بنسبة 16%"؛ مقارنة بأولئك "الذين استهلكوا كمية أقل" من الأطعمة فائقة المعالجة؛ كما ارتفع خطر الإصابة بالسكتة الدماغية قليلا، "لدى أعلى المستهلكين لهذه الأطعمة".

وجمع الباحثون نتائجهم مع نتائج 19 دراسة أخرى، لتحليل منفصل لحوالي 1.25 مليون بالغ؛ ووجدوا أن أولئك الذين استهلكوا أكبر قدر من الأطعمة فائقة المعالجة، "كانوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 17%، وأكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب التاجية بنسبة 23% وأكثر عرضة للإصابة بسكتة دماغية بنسبة 9%"، مقارنة بأقل المستهلكين.

ينصح المختصون بتجنب اللحوم المصنعة والمشروبات المحلاة بالسكر والحلويات القائمة على منتجات الألبان (شترستوك)

كما قام الباحثون بتحليل ما إذا كانت أنواع معينة من الأطعمة فائقة المعالجة مرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية أكثر من غيرها.

فكان من بين فئات الأطعمة فائقة المعالجة العشر التي تم فحصها، "ارتبطت اثنتان بوضوح بمخاطر أكبر"، وهما:

اللحوم المصنعة والدواجن والأسماك، بما في ذلك الهوت دوغ والنقانق والسلامي. المشروبات المحلاة بالسكر.

وقال كيني ميندوزا، الباحث في هارفارد تي إتش تشان، والمشرف على الدراسة، إنه "عندما تم استبعاد هاتين الفئتين، اختفت معظم المخاطر المرتبطة باستهلاك الأطعمة فائقة المعالجة".

في المقابل، ارتبطت "بعض أنواع" الأطعمة فائقة المعالجة "بانخفاض مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية"، وشملت "حبوب الإفطار والزبادي المُنكّه والآيس كريم؛ والوجبات الخفيفة مثل الفشار والمقرمشات".

مقالات مشابهة

  • أهم 7 مهارات تطوير الذات.. سر النجاح في الحياة وتحقيق الأهداف
  • مفكران عراقيان: معرض الرياض الدولي للكتاب من أهم نوافذ الثقافة العربية
  • تأكيد نقل الكاتب الزعبي إلى سجن أم اللولو
  • الانسجام مع الذات
  • ضوابط جديدة لتراخيص البناء.. منها منع تشويه الواجهات
  • المسائل الكبرى.. ما بين منطق منحرف ومنطق مفقود
  • بعد إلغاء اشتراطات قانون 2021.. ما ضوابط البناء التي سيتم العمل بها الفترة المقبلة؟
  • «تراث الطيور» كتاب يكشف أسرار علاقة الإنسان بالطيور في الموروث العربي
  • كيد الجيران.. سيدة تنال جزاءها بعد تشويه وجه غريمتها
  • الأطعمة فائقة المعالجة ليست سواء وبعضها أسوأ من الآخر