أبادر فأقدم تمهيداً لما أود مناقشته، أشير فيه- فى عجالة- إلى تحقق المقولة الشهيرة: «ما أشبه الليلة بالبارحة» فى استعادة قراءة صيحة الدكتور طه حسين، أو مشروعه، الذى طرحه ونادى به فى صيحة مستقبلية منذ أكثر من ثمانين عاماً فى كتابه (مستقبل الثقافة فى مصر) الذى كان- فى أصله- تقريرين، أحدهما: عن التعليم العام، والآخر: عن الجامعة، وكان من المفترض أن يقدمهما طه حسين إلى وزير المعارف- آنذاك- لكن الظروف أعجلتــه، والتغيرات السياسية صرفتــه عن تقديم التقريرين؛ فظلا حبيسى الأدراج وثيقتين تاريخيتين، حتى بر بوعده فنشرهما فى كتابه الشهير هذا، والذى فجر- آنذاك- وما زال يفجر- حتى الآن- قضايا ما تزال متفجرة، وبالحدة ذاتها، حتى كتابة هذه السطور، وإلى ما بعدها.
الكتاب- إذن- قديم جديد معاً، ماض ومستقبل معاً، وما ذلك إلا لأنه يضع أيدينا- بمثل ما وضع يدى طه حسين من قبل- على قضايا نعيشها ونحياها ونكابدها، ونملأ الصفحات شرحا وتوصيفا لها بمثل ما سبقنا صاحبها.
ضم الكتاب 60 فصلا، منها 12 فصلا عن الثقافة بنسبة خمس الكتاب، و48 فصلا عن التعليم، ومهمة الدولة تجاهه، حتى رأى أن الوزارة المختصة هى (عين الدولة)، وعن التعليم الأولى (الابتدائى)، وخطورته وأهمية تطويره، وقضية إعداد المعلم وحقوقه، والديمقراطية، والتعليم الثانوى، والعام، وإصلاح التعليم، والكتاب المدرسى، والتعليم الخاص ومشكلاته، واستقلال الجامعة، والتعليم الدينى، والتكدس البشرى، أو الكثافة الطلابية (فى الأربعينيات فما بالك اليوم؟)، والامتحانات، والقراءة الحرة، واللغات الأجنبية، والشرقية، والترجمة، وتجديد النحو، والصلة بين الإعلام والتعليم، وهى قضايا الساعة، وما بعد الساعة، بمثل ما كانت قضايا سنوات القرن الماضى.
وعلى الرغم من أن معاصرى صيحة طه حسين رأوا أن الكتاب معبر عن عصره أكثر مما هو معبر عن مستقبله، وأنه يمزج بين الثقافة والتعليم، فإن واقعنا- الآن- يقر بأن قضايا الكتاب هى، عينها، قضايا عصرنا فى القرن الحادى والعشرين، وأن قضايا الثقافة والتعليم ممتزجتان متكاملتان.
لقد نادى بالنهوض بحال المعلم الابتدائى، وطالب كما قال بالحرف: «بتقاضيه أعلى الرواتب»، وهاجم التعليم التلقينى من طرف واحد، وجعل القراءة الحرة (نصف التعليم العام)، وناقش قضية تسويق الكتاب التعليمى قائلا: «نترك التجارة للتجار، والتأليف للمؤلفين»، وناقش تمويل التعليم وتكافؤ الفرص، والازدواجية اللغوية، والجامعة والمجتمع، وتمويل البحث العلمى، ودور المؤسسات المالية ورجال الأعمال والعمل الخيرى.
كان الزمان المحيط بصيحة طه حسين ظروف الثلاثينيات من القرن الماضى، وكان دافع توجهه إلى حضارة البحر المتوسط التأسى بنجاح الحضارة الإسلامية بتفاعلها مع الحضارات الأخرى وسيادتها الثقافة العالمية قروناً مضت، وهنا رأى البعض فى مشروع طه حسين «تمريراً ثقافياً لمعاهدة 1936»، كما رأوا فيها «تغريباً، أو انبهاراً بالغرب ونفوراً من الشرق»، بينما اعتدلت آراء الآخرين، فنفوا عن دعوته صفة «التغريب والتقليد»، ورأوا فيها ما أسموه «العقل الناقد»، الناظر فى متطلبات الأمة، وأوجه القصور فيها، وأنه لا ينكر نفسه ولا يجحد ماضيه، ولا يدعو للفناء فى الأوروبيين. بل يكون نداً لهم، نتعلم مثلهم، ونعمل مثلهم، بدليل مناداته بمشروع الترجمة، إذ كان صاحب فكرة مشروع (الألف كتاب).
والآن ونحن فى العقد الثالث من القرن الحادى والعشرين، وبعد مضى أكثر من ثمانين عاماً، نجد أنفسنا أمام القضايا ذاتها، تلك التى كانت مثارة، آنذاك، بعينها. بل لعلى لا أبالغ إذا قلت إن الوضع قد تفاقم عما كان عليه وقت صيحة طه حسين؛ إذ لم تكن القضايا والمشكلات مستفحلة ومتورمة بمثل ما صارت عليه الآن، فهل نظل نعيد القول فيما قيل، أو نعيد قول ما قيل؛ لندور فى حلقة مفـرغة؟. أم نعكف على التحليل والتأمل والدراسة، ومن ثم نطمح إلى التقدم خطوة إلى الأمام؟.
هل نطرح التساؤلات؟!.
أم نجيب عن التساؤلات؟.
نلتقى فى الأسبوع القادم إن شاء الله.
عضو المجمع العلمى المصرى، وأستاذ النقد الأدبى بجامعة عين شمس.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: لغتنا العربية جذور هويتنا الدكتور طه حسين التعليم العام طه حسین
إقرأ أيضاً:
وزير الثقافة يلتقي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية باليابان
المناطق_واس
التقى صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة، اليوم، معالي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان توشيكو آبي، وذلك في إطار زيارة سموِّه الرسمية لليابان لرعاية وحضور حفل روائع الأوركسترا السعودية في مدينة طوكيو.
وهنّأ سموُّ وزير الثقافة في بداية اللقاء نظيرته اليابانية بمناسبة تولّيها منصب وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية، مشيرًا إلى أن مشاركة المملكة بجناحٍ وطني في معرض إكسبو 2025 أوساكا تأتي في ظل العلاقات الوطيدة التي تربط بين البلدين الصديقين، متمنيًا سموُّه لليابان حكومةً وشعبًا التوفيق في استضافة هذا الحدث الدولي الكبير.
أخبار قد تهمك وزير الثقافة يوقّع مع نظيرته اليابانية مذكرة تفاهم في المجال الثقافي بين البلدين 22 نوفمبر 2024 - 11:27 صباحًا وزير الثقافة يشهد توقيع هيئتي المتاحف والتراث أربعة برامج تنفيذية في الصين 17 أكتوبر 2024 - 5:34 مساءًوتناول اللقاءُ أهميةَ تعزيز العلاقات الثقافية المتينة التي تربط بين المملكة واليابان، وبحثَ سُبل تنميتها عبر المشاريع الإستراتيجية المشتركة في مختلف المجالات الفنية والثقافية، وتبادل المعرفة في الأنظمة والتنظيمات المعنية بالشؤون الثقافية، والمشاريع المتعلقة بالحِفاظ على التراث بجميع أنواعه، وتقنيات الحفظ الرقمي للتراث، إلى جانب تطوير برامج الإقامات الفنية، وتنمية القطاعات الثقافية.
وتطرق اللقاء إلى أهمية تعزيز التعاون القائم بين هيئة الأدب والنشر والترجمة والجانب الياباني لتدريب الطلبة السعوديين على فن صناعة القصص المصورة “المانجا”.
حضر اللقاءَ معالي نائب وزير الثقافة الأستاذ حامد بن محمد فايز، ومعالي مساعد وزير الثقافة الأستاذ راكان بن إبراهيم الطوق، وسفير خادم الحرمين الشريفين لدى اليابان الدكتور غازي بن زقر.