بوابة الوفد:
2024-09-18@11:35:05 GMT

الشرق الأوسط الجديد ودعوات التهجير

تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT

فى بداية القرن العشرين نجح اللوبى الصهيونى فى تصدير مشكلة (اليهودية) إلى الشرق الأوسط واستطاع إقناع يهود العالم بأن تهجيرهم إلى فلسطين هو العودة إلى أرض الميعاد، وبالفعل قامت الامبريالية الغربية بزعامة أمريكا بتبنى تلك الفكرة، ليكون الوجود اليهودى والصهيونى الجديد جبهة أمامية للدفاع عن مصالح العالم الغربى فى المنطقة، وعليه فقد صدر قانون العودة عام 1950 ليعطى اليهود حق الهجرة والاستقرار فى فلسطين المحتلة ونيل الجنسية.

وفى عام 1970، عُدل القانون ليشمل أصحاب الأصول اليهودية وأزواجهم. 

وقد صدق المفكر الراحل عبدالوهاب المسيرى، حينما قال إن إسرائيل دولة «طفيلية»، فهم كائنات طفيلية شرهة تبحث عن الحراك الاقتصادى، وأنها لن تنهار من الداخل استنادًا الى أن مقومات استمرارها من الخارج لا من داخل المجتمع، ما دام الدعم الأمريكى والغياب العربى موجودين. 

وليس خافيًا على أحد ذلك المخطط الغربى الذى يهدف لتقسيم منطقة الشرق الأوسط وإعادة تخطيطها وفقا لرؤية انطلقت منذ منتصف القرن 19، بضرورة تقسيم العالم العربى والإسلامى إلى دويلات إثنية ودينية مختلفة، حتى يسهل التحكم فيه، فيما أطلق عليه «الشرق الأوسط الجديد».

ففى كتابه «المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل» يشرح محمد حسنين هيكل، كيف نشأت فكرة إقامة دولة صهيونية يهودية، ليست عربية ولا إسلامية فى فلسطين؛ للفصل بين مصر وسوريا، خاصة بعد تجربة محمد على وضمه لدولة الشام كلها، وهى التجربة التى لو كانت كتب لها النجاح، لكانت تحكمت فى الشرق الأوسط كله، خصوصًا أن تتحكم فى المدخل الرئيسى لمنطقة الشرق الأوسط بالنسبة للغرب، ولعدم تكرار تلك التجربة مرة أخرى، فكان لابد من وجود دولة كإسرائيل، فيقول:

«طوال القرن التاسع عشر كان العالم مشغولاً بأربع قضايا: ظاهرة الوطنية، وظاهرة التسابق إلى المستعمرات والتنافس عليها بين القوى الأوروبية، والمسألة الشرقية أى التربّص بإرث الخلافة العثمانية، والمسألة اليهودية، فقد كان اليهود هدف عداء استفحل خصوصاً حول تواجد كثافة الوجود اليهودى فى شرق أوروبا وروسيا ووقتها كان 90 بالمائة منهم يعيشون على تخوم ما بين روسيا وبولندا».

والأمر ذاته أشار إليه عبدالوهاب المسيرى فى إحدى مقالاته حين قال: «فى إطار التقسيم تصبح الدولة الصهيونية الاستيطانية، المغروسة غرسا فى الجسد العربى، دولة طبيعية بل قائدة. فالتقسيم هو فى واقع الأمر عملية تطبيع للدولة الصهيونية التى تعانى من شذوذها البنيوى، باعتبارها جسدًا غريبًا غرس غرسًا بالمنطقة العربية».

ومن عجبٍ أن تلك الرؤية تنطلق متجاهلة الإرادة العربية، وكأن الدول العربية مجرد ظلال غيبية لا حقيقة لوجودها، ولا سبب يدعو لوضعها فى الحسبان عند التقسيم، فهم مجرد أداة تتشكل حسبما أرادت زعيمة العالم وطفلتها المدللة. 

على أن تلك الدعوات المستفزة بتهجير الإخوة الفلسطينيين الى سيناء، لحين إعادة بناء غزة، تطرح على الطاولة ذلك المخطط الصهيونى للتقسيم، والذى ينظر لسيناء على وجه الخصوص «على رأس ذلك المخطط»، بأنها كنز يجب أن يستعيده الإسرائيليون، بعدما أجبروا على تركه، فقد سُئل موشيه ديان ذات مرة عن قاعدة شرم الشيخ البحرية، التى أنشأتها إسرائيل فى شبه جزيرة سيناء بعد نكسة 1967 ، فقال إنها أهم من السلام مع مصر .

وفى تقرير بمناسبة الاستعدادات لإعادة العريش، إلى مصر عام 1979، قالت السفارة البريطانية فى تل أبيب إن «أهمية سيناء لإسرائيل كانت، وتظل، استراتيجية».

فهى «ساحة قتال ضار، غير أنها فى أوقات أخرى ملعب مترامى الأطراف لجيش الدفاع الإسرائيلى، وحلم سياحي وذخيرة طبيعية ومشروع تجريبى زراعي. وهى أيضا نقطة التقاء تجمع البدو بالجمال. وفوق كل هذا هى امتداد لحدود إسرائيل الضيقة يوفر متنفسا روحيا من ضغوط الحياة». 

وبينما كان النقاش يستعر فى إسرائيل بشأن الانسحاب الكامل من سيناء، طرح بعض الساسة الإسرائيليين، وأيدهم مناحيم بيجن رئيس الوزراء فى ذلك الوقت، مبدأ استثناء رفح من أى اتفاق والاحتفاظ بها كاملة.

مؤكدين أنه «منذ عام 1967، وبخاصة بعد عام 1973، كان جزء من الحكمة السياسية الشائعة فى إسرائيل يقول إنه لا ينبغى أبدا إعادة رفح وجوارها إلى مصر لأنه يجب عزل قطاع غزة ومنعه من أن يصبح مرة أخرى خنجرًا موجهًا إلى قلب إسرائيل».

وقال السفير البريطانى فى إسرائيل باتريك هاملتون موبرلى، فى تقرير عن الوضع العام فى إسرائيل حينها، إن الإسرائيليين «يتركون حقول النفط والمطارات، والرحابة المريحة فى فضاءات سيناء الخالية التى تمتعت بها إسرائيل على مدار 15 عامًا». 

كان لهذه «الصدمة» سبب اقتصادى حيوي. فحسب التقديرات البريطانية، حينها، فإن حقوق النفط فى خليج السويس «أثبتت أهميتها الاقتصادية لإسرائيل، إذ توفر لها ما بين 20 فى المئة إلى 30 فى المئة من إجمالى احتياجاتها النفطية». 

هكذا يتضح جليًا ما يرمى إليه ذلك المخطط الصهيونى الغربى تجاه الشرق الأوسط، والذى لا يغفل سيناء كعنصر أهمية استراتيجية واقتصادية لإسرائيل.. فهل بعد كل ذلك يظنوننا غافلين؟ «عُبط إحنا بقا!».

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الشرق الاوسط دعوات التهجير نبضات القرن العشرين اللوبي الصهيوني اليهودية يهود العالم الشرق الأوسط ذلک المخطط فى إسرائیل

إقرأ أيضاً:

العرب في مصيدة الانتخابات الأمريكية

تقوم الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط على ثلاث ركائز: الالتزام المطلق بدعم إسرائيل في كل الظروف والمواقف، والتحالف مع صناعة النفط في الخليج، والعداء المزمن لإيران. أُضيف لهذه العوامل في وقت لاحق غير بعيد موضوع الجماعات الجهادية وانتشارها في المنطقة وزعمها تهديد الوجود الأمريكي. ورغم الاستثمار الكبير، من حيث الموارد والتجنيد والدعاية، لم يرقَ موضوع الإرهاب والجهاديين إلى أن يصبح ركيزة رابعة ثابتة للهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط.

تتداخل هذه الركائز فتعزز إحداهما الأخرى لتُبقي الولايات المتحدة حبيسة مأزق عسكري واستراتيجي دائم في المنطقة بشكل يجعل الوجود الأمريكي فيها عامل توتر وتأزم أكثر منه عامل أمن وطمأنة.

في وقت من الأوقات قد يتراجع حضور إحدى الركائز الثلاث مقارنة بالاثنتين الأخريين، لكن لا يمكن أن يأفل حضور كل الركائز في وقت واحد بحيث يعطي الانطباع بأن الفراغ غالب وبأن الولايات المتحدة باتت غائبة أو بلا تأثير.

حتى مع الانسحاب من العراق في عهد الرئيس باراك أوباما ومن أفغانستان في عهد بايدن، وبينهما سعي ترامب لسحب بلاده من التزاماتها الدولية، القانونية والسياسية، عجزت الولايات المتحدة عن التواري كليا. كل ما حدث كان مجرد إعادة انتشار تكتيكي وظرفي.

تدفع مجمعات الصناعة الحربية الأمريكية السياسيين والمشرِّعين في واشنطن إلى إبقاء جذوة الحضور مشتعلة، ونُذر التوتر قائمة بشكل يجعل الولايات المتحدة ضرورة لا غنى عنها.

هناك طرف آخر لا يقل حرصه على الوجود الأمريكي، ومن ورائه إبقاء جذوة التوتر مشتعلة ونُذر الحرب قائمة، عن حرص مجمعات التصنيع الحربي: إسرائيل واللوبيات الداعمة لها.
تدفع إسرائيل في كثير من الأحيان نحو صراع أمريكي مع إيران بأي شكل من الأشكال
تدفع إسرائيل في كثير من الأحيان نحو صراع أمريكي مع إيران بأي شكل من الأشكال.. سياسي، دبلوماسي، عسكري، استراتيجي، ولو اجتمعت كل هذه الأشكال في وقت واحد سيكون ذلك بمثابة الجائزة الكبرى. أكثر ما تخشاه إسرائيل أنه في غياب عداوة تقترب من المواجهة المسلحة بين الولايات المتحدة وإيران، قد يبدأ الأمريكيون في التساؤل عما إذا كانت بلادهم في حاجة فعلا إلى تحالف مع إسرائيل.

حضر الشرق الأوسط في المناظرة الرئاسية بين المرشحين دونالد ترامب وكمالا هاريس الأسبوع الماضي. لكنه حضور بريكزتين فقط، إسرائيل وإيران وتغييب واضح لركيزة الصناعة النفطية الخليجية. بينما اختفى موضوع الإرهاب والجهاديين تماما، كما كان منتظرا.

لا يعني هذا «التغييب» أيّ تغيير استراتيجي في المقاربة الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط والخليج بعد الانتخابات المقبلة، أيًّا كان الفائز فيها.

بالعكس، ستكون الاستمرارية هي المحرّك الأساسي. لقد حاول الرئيس بايدن البناء على «الاتفاقيات الإبراهيمية» التي ورثها عن سلفه ترامب بجر السعودية إليها، لكنه فشل لأسباب أقوى منه.

وستواصل هاريس المحاولة بكل قواها على الرغم من أن ترامب هو صاحب الاتفاقيات المذكورة. ومن نافلة القول إن ترامب نفسه سيجعل منها ورقته الأساسية في التعاطي مع الشرق الأوسط وأزماته.

طبيعة السياسة الأمريكية، التي منحت بموجبها واشنطن لنفسها صفة شرطي العالم، وتداخل مصالحها في كل زاوية من زوايا الكرة الأرضية، ثم بروز المنافسة الصينية والإزعاج الروسي، كلها عوامل تجعل واشنطن في حاجة للجميع وتستعمل الجميع لخدمة مصالحها.

وعلى الرغم من أن المنطقة مقسَّمة تلقائيا إلى مجموعات أو فضاءات متجانسة إلى حد كبير، إلا أن المخططين في واشنطن متمسكون بالتعامل معها فرادى ووحدات.

ضمن هذا المنطق تعمل واشنطن على الحفاظ على علاقات طيبة مع السعودية بحكم التحالف الاستراتيجي الذي عمره أكثر من سبعة عقود، وبحكم أن المملكة منبع النفط العالمي.

وإذا أُضيف لهذين العاملين موضوع التطبيع المحتمل بين السعودية وإسرائيل، يصبح من ضروب المستحيل تقريبا أن تتخلى واشنطن عن الرياض.

وتحتاج الولايات المتحدة لدولة الإمارات كقوة إقليمية مؤثرة استراتيجيا واقتصاديا تُحقق لها بطرقها الخاصة ما لا تستطيع تحقيقه بالطرق التقليدية. إضافة إلى أن أبوظبي أحد أكبر زبائن السلاح بطموح كبير وموارد هائلة تتفوق بكثير على بقية الزبائن.

وتحتاج الولايات المتحدة للحفاظ على علاقات مع قطر بسبب قاعدة «العديد» العسكرية والحاجة إليها في موضوع الوساطات إقليميا ودوليا.

والحال نفسه يتكرر تقريبا في العلاقة مع عُمان التي تلعب أدوارا دبلوماسية فعَّالة بقدر ما هي هادئة، وتروق لصانع القرار في واشنطن. كما تحتاج الولايات المتحدة لعلاقات قوية مع الأردن رغم صغر حجمه وتأثيره في المنطقة الذي يبدو للبعيد ثانويا، مع مصر هناك حاجة لواشنطن لتأمين علاقات طبيعية في حدها الأدنى لأن العلاقات المصرية الأمريكية تعجز عن أن ترتقي إلى درجة التميّز، وفي الوقت نفسه لا يجب أن تتدهور أو تنقطع.

رغم أن انتخابات 2024 ستجري في سياق شرق أوسطي مختلف تماما عنوانه حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على سكان غزة، واحتمالات اشتعال المنطقة برمتها، كانت المناظرة بين ترامب وهاريس فرصة للمرشحَين لتأكيد تشابه سياساتهما (وسياسات جميع المرشحين، سابقا ولاحقا) بشكل كبير عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط وإسرائيل والحاجة الملحة للحفاظ على الوضع القائم.

كرَّست المناظرة الأخيرة المعروف في المقاربة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. كل ما يستطيعه بعض المرشحين، وفي حالات محددة، طرح سردية تعطي الانطباع بالتمرد عن المألوف، ثم تتوقف عند سقف معيّن. النموذج عن ذلك في انتخابات 2024 المرشحة كمالا هاريس وحديثها عن معاناة المدنيين في غزة وضرورة أن تتوقف الحرب فورا.

هذا أقصى ما تستطيعه. وقبلها باراك أوباما وبدرجة أقل بيل كلينتون. لكن بعد الكلام نصف المعسول تتواصل شحنات السلاح لإسرائيل من قنابل خارقة للتحصينات وصواريخ موجهة وغير ذلك. وتتواصل المساعدة الاستخبارية التي تجعل الولايات المتحدة شريكة رئيسية في حرب الإبادة على غزة.

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية يؤكد ضرورة إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل
  • أمريكا وإسبانيا تشددان على أهمية تحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط
  • أسعار النفط تستقر بالأسواق العالمية
  • البنتاجون: لا تعديل لوضع القوات الأمريكية في الشرق الأوسط بعد تفجيرات لبنان
  • كيا الشرق الأوسط وأفريقيا تطلق سبورتاج L
  • طالبة تونسية تحتج على أستاذ اعتبر إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط
  • العرب في مصيدة الانتخابات الأمريكية
  • بلينكن يزور مصر في أول زيارة إلى الشرق الأوسط لا تشمل إسرائيل منذ 7 أكتوبر
  • سيولد (الشرق الأوسط الجديد وعاصمته العراق) من حرب اقليمية او عالمية ثالثة !
  • روسيا ومصر تبحثان النزاع في الشرق الأوسط