فرنسا.. تغريم صحفيين والتهمة تغطية مسيرة داعمة لفلسطين
تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT
باريس- هاتف وميكروفون وبطاقة الصحافة، هذا ما يلزمني لأقوم بعملي الميداني في فرنسا. وفي كل مرة أخرج فيها لتغطية حدث أو مظاهرة، كنت أشعر أنني محمية بمظلة حرية مزاولة هذه المهنة. لكن هذه المرة، فوجئت أن كل هذه الأدوات لا تنفع بشيء ولا قيمة لها في مظاهرة "مؤيدة لفلسطين"، فقد أصبح من يحضرها يعتبر داعما لـ"شر يهدد أمن البلاد".
ورغم منع وزارة الداخلية أي احتجاجات تتضامن مع فلسطين منذ 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ذهبت إلى ساحة الجمهورية في باريس، الأربعاء، بعد انتشار دعوات على منصات التواصل لتنظيم مسيرة تضامنية مع قطاع غزة المحاصر، قبل أن ينتهي بي المطاف بين أيدي قوات الأمن، وأجد نفسي مجبرة على دفع غرامة قدرها 135 يورو.
عند وصولي إلى ساحة الجمهورية، وجدت عددا مهولا من قوات مكافحة الشغب ورجال الشرطة يحومون بسياراتهم ودراجاتهم النارية السوداء.
في البداية، تابعت ما يجري من بعيد، ثم اقتربت شيئا فشيئا من المتظاهرين وسط الساحة التي طالما انطلقت منها الاحتجاجات بشتى أنواعها. وفي ظرف دقائق معدودة، وجدنا أنفسنا داخل طوق أمني من رجال الشرطة الذين أجبروا الجميع على البقاء داخله، منهم الصحفيون.
حركة مباغتة أعقبتها عملية التحقق من هويات الأشخاص، كل فرد على حدة، قبل أن يأتي دوري. قال لي رجل أمن "أريد هويتك فقط، ولم يكترث لبطاقة الصحافة، ستدفعين غرامة 135 يورو؛ لأنك مشاركة في مظاهرة ممنوعة في مكان عام".
شرحت له مرارا وتكرار أن سبب وجودي مرتبط بعملي، لكن لا حياة لمن تنادي. وبعد انتهائه من إدخال معلوماتي الشخصية، أمرني بالتوقيع فطلبت أن أقرأ ما كتب أولا، مؤكدة أنه من حقي معرفة على ماذا سأوقع.
صرخ في وجهي قائلا "هل ستوقعين أم لا؟"، فأصررت على قراءة الشاشة الإلكترونية التي يمسكها بيده. ثم هددني مرة أخرى "ستوقعين أم لا؟"، مديرا وجهه هذه المرة نحو سيارة الشرطة خلفه، في إشارة إلى اعتقالي إذا رفضت الامتثال لأوامره.
تمكنت من تصفح بعض الجمل سريعا قبل أن أوقع مجبرة. وجاء في نص المخالفة أنني شاركت في مظاهرة ممنوعة تهدد أمن البلاد واستقرارها دون ذكر السبب الحقيقي لوجودي في المكان في أي جزء في النص.
وبالطبع، أخذوا بعين الاعتبار أنني صحفية فقط من خلال إجباري على وضع الهاتف داخل حقيبتي وعدم التقاط أي صور أُثبت بها تعرضي للغرامة أو تسجيل ما دار من حديث.
وأثناء خروجي أخيرا من الطوق الأمني الخانق، قال لي شرطي آخر مبتسما "أنصحك بعدم المشاركة مجددا في أي مظاهرة مؤيدة لفلسطين هذه حتى لا تدفعي مجددا الثمن نفسه".
ومدفوعة بنزعة حرية التعبير، جادلته قائلة "ماذا عن قرار مجلس الدولة اليوم بالطعن ضد برقية وزير الداخلية المتعلقة بمنع التظاهر دعما للقضية الفلسطينية؟"، صرخ متقدما بخطوتين باتجاهي "نحن ننفذ الأوامر!".
وفي هذه اللحظة، انتبهت إلى أن كل عناصر الشرطة من حولي يضعون كاميرات صغيرة مضيئة باللون الأخضر على ستراتهم يستطيعون من خلالها الاحتفاظ بالصور المسجلة لوجوه المتظاهرين وتصرفاتهم مدة قد تصل إلى 6 أشهر.
ويذكر أن قاضي مجلس الدولة أعلن الأربعاء -يوم الواقعة ذاته- أن الأمر متروك لمحافظي كل منطقة لتقييم ما إذا كان "خطر الإخلال بالنظام العام" يبرر حظر المظاهرة، مما يعني عدم ترك القرار بيد وزارة الداخلية حصرا.
وكان وزير العدل إيريك دوبوند موريتي، قد اعتبر أن "التعليقات التي تميل إلى تشجيع الآخرين على إصدار حكم إيجابي على جريمة مصنفة على أنها "إرهابية" -في إشارة إلى هجوم حركة حماس- أو حتى التلفظ بها في إطار مناقشة ذات اهتمام عام، فسيكون ذلك بمثابة "اعتذار عن الإرهاب"، حسب تعبيره.
وهذا يعني أنه لم يعد بإمكان أي أحد في فرنسا -التي توصف ببلد حرية التعبير- أن يدلي برأيه، أو يعلق بغض النظر عن المكان والمناسبة، سواء في الراديو أو التلفزيون أو خلال مؤتمر أو اجتماع، لأن القول بأن فلسطين تدافع عن نفسها ضد الاحتلال سيعتبر تحريضا على الإرهاب، وقد يعرض قائله إلى عقوبة السجن لمدة تتراوح بين 5 إلى 7 سنوات.
وفي تمام الساعة السادسة والنصف من يوم الخميس، تجمّع آلاف المؤيدين لفلسطين من عرب وفرنسيين في ساحة الجمهورية في باريس، رغم محاولة الشرطة مضايقتهم وإلقاء الغاز المسيل للدموع باتجاههم.
ويا للمفاجأة! تراجعت الشرطة وسمحت للحشد بالاستمرار في التظاهر بقرار من المحكمة الإدارية في العاصمة الذي جاء في نص حكمها "تم تعليق تنفيذ أوامر مدير الشرطة بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لأنها تحظر التجمع المخطط له بين الساعة 7 مساء و8 مساء".
واعتبرت المحكمة أن "احترام حرية التظاهر والتعبير التي لها طابع الحريات الأساسية، يجب أن يتوافق مع المطلب الدستوري لحماية النظام العام".
وفور انتهاء الساعة الوحيدة المسموح بها للاحتجاج، عادت قوات الأمن للتعبئة مرة أخرى -ولم تضع الوقت كعادتها- لتبدأ في قمع المتظاهرين ودفعهم خارج الساحة وسط صيحات استهجان وشعارات "كلنا فلسطينيون" و"ماكرون متواطئ".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی مظاهرة
إقرأ أيضاً:
بعد تهديدات ترامب بإرسال قواته لقطاع غزة.. ما هي أبرز التفويضات التي أقرها الكونجرس؟
أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإرسال قوات أمريكية إلى قطاع غزة الكثير من التساؤلات حول قانونية إرسال القوات الأمريكية خارج البلاد.
وبحسب الدستور الأمريكي فإن أي إعلان رسمي بشنّ حرب من صلاحيات الكونجرس الأميركي، لكن القانون يعطي الرئيس حق شن ضربات عسكرية أو إرسال قوات أميركية إلى الخارج لأسباب متعلقة بالأمن القومي الأمريكي، ويلزمه بإبلاغ الكونجرس خلال فترة 48 ساعة من شن أي ضربة، كما أنه يمنع بقاء أي قوات أمريكية في أرض المعركة أكثر من 60 يوماً من دون إقرار تفويض.
ونرصد في السطور التالية أبرز التفويضات التي أقرّها الكونجرس للرؤساء الأمريكيين .
فقد منح الكونجرس الرؤساء الأميركيين أكثر من تفويض للتصدي لأي تهديد يحدق بالولايات المتحدة، وهذة هي أبرز التفويضات التي أقرها الكونجرس
تفويضات الكونجرس
ويشير "أكسيوس" إلى تواريخ مثيرة تتعلق بتفويضات الحروب الأمريكية السابقة، فقد صدر تفويض بالحرب في طرابلس (ليبيا) عام 1802 وتم إلغائه فقط بعد 154 عاماً، وتحديدًا في العام 1956.
كما صدر تفويض أمريكي للحرب في الجزائر عام 1815، بينما لم يتم إلغاؤه إلا في العام 1956 أيضاً، أي بعد 141 عاماً.
وكذلك التفويض بالحرب في فرنسا عام 1798، وتفويض بالحرب ضد القراصنة عام 1819، وتفويض بالحرب في الشرق الأوسط عام 1957، هذا بالإضافة إلى تفويضين لحربي العراق عامي 2002 و1991.
وكان ترامب قد أدلى، الثلاثاء، بتصريحات مثيرة للجدل، أشار فيها إلى رغبته في "الاستيلاء على قطاع غزة وتطويره" بعد إعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى، مؤكدًا أنه لا يستبعد نشر قوات أميركية لدعم إعادة الإعمار.
وفي حديثه للصحفيين، بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال ترامب: "لدينا في غزة وضع خطير، خاصة مع وجود الذخائر غير المنفجرة والأنفاق"، مشددًا على ضرورة نقل سكان غزة إلى مناطق أخرى.
وأضاف: "لا أعتقد أن سكان غزة يجب أن يعودوا إلى القطاع"، معتبرًا أن إعادة التوطين هي الحل الأمثل لضمان حياة آمنة للفلسطينيين.
موقف ترامب من الاستيطان الإسرائيلي في غزة
على الرغم من تصريحاته حول السيطرة على غزة، أكد “ترامب” أنه لا يدعم استيطان إسرائيل في القطاع، مشيرًا إلى أنه يفضل إعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى حيث يمكنهم العيش دون خوف من العنف.
وكشف الرئيس الأمريكي أن فريقه يجري مناقشات مع كل من الأردن ومصر ودول أخرى في المنطقة بشأن إمكانية إعادة توطين الفلسطينيين، معربًا عن رغبته في إيجاد اتفاق يتيح للفلسطينيين العيش في "منازل لطيفة حيث يمكنهم أن يكونوا سعداء دون التعرض لإطلاق النار أو القتل".