باريس- هاتف وميكروفون وبطاقة الصحافة، هذا ما يلزمني لأقوم بعملي الميداني في فرنسا. وفي كل مرة أخرج فيها لتغطية حدث أو مظاهرة، كنت أشعر أنني محمية بمظلة حرية مزاولة هذه المهنة. لكن هذه المرة، فوجئت أن كل هذه الأدوات لا تنفع بشيء ولا قيمة لها في مظاهرة "مؤيدة لفلسطين"، فقد أصبح من يحضرها يعتبر داعما لـ"شر يهدد أمن البلاد".

ورغم منع وزارة الداخلية أي احتجاجات تتضامن مع فلسطين منذ 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ذهبت إلى ساحة الجمهورية في باريس، الأربعاء، بعد انتشار دعوات على منصات التواصل لتنظيم مسيرة تضامنية مع قطاع غزة المحاصر، قبل أن ينتهي بي المطاف بين أيدي قوات الأمن، وأجد نفسي مجبرة على دفع غرامة قدرها 135 يورو.

وزارة الداخلية الفرنسية منعت أي احتجاجات داعمة لفلسطين (الجزيرة) طوق أمني

عند وصولي إلى ساحة الجمهورية، وجدت عددا مهولا من قوات مكافحة الشغب ورجال الشرطة يحومون بسياراتهم ودراجاتهم النارية السوداء.

في البداية، تابعت ما يجري من بعيد، ثم اقتربت شيئا فشيئا من المتظاهرين وسط الساحة التي طالما انطلقت منها الاحتجاجات بشتى أنواعها. وفي ظرف دقائق معدودة، وجدنا أنفسنا داخل طوق أمني من رجال الشرطة الذين أجبروا الجميع على البقاء داخله، منهم الصحفيون.

حركة مباغتة أعقبتها عملية التحقق من هويات الأشخاص، كل فرد على حدة، قبل أن يأتي دوري. قال لي رجل أمن "أريد هويتك فقط، ولم يكترث لبطاقة الصحافة، ستدفعين غرامة 135 يورو؛ لأنك مشاركة في مظاهرة ممنوعة في مكان عام".

شرحت له مرارا وتكرار أن سبب وجودي مرتبط بعملي، لكن لا حياة لمن تنادي. وبعد انتهائه من إدخال معلوماتي الشخصية، أمرني بالتوقيع فطلبت أن أقرأ ما كتب أولا، مؤكدة أنه من حقي معرفة على ماذا سأوقع.

قوات الأمن الفرنسية تفرض غرامة 135 يورو على صحفيين بتهمة تغطية مسيرة مساندة لفلسطين (الجزيرة) تهديد

صرخ في وجهي قائلا "هل ستوقعين أم لا؟"، فأصررت على قراءة الشاشة الإلكترونية التي يمسكها بيده. ثم هددني مرة أخرى "ستوقعين أم لا؟"، مديرا وجهه هذه المرة نحو سيارة الشرطة خلفه، في إشارة إلى اعتقالي إذا رفضت الامتثال لأوامره.

تمكنت من تصفح بعض الجمل سريعا قبل أن أوقع مجبرة. وجاء في نص المخالفة أنني شاركت في مظاهرة ممنوعة تهدد أمن البلاد واستقرارها دون ذكر السبب الحقيقي لوجودي في المكان في أي جزء في النص.

وبالطبع، أخذوا بعين الاعتبار أنني صحفية فقط من خلال إجباري على وضع الهاتف داخل حقيبتي وعدم التقاط أي صور أُثبت بها تعرضي للغرامة أو تسجيل ما دار من حديث.

وأثناء خروجي أخيرا من الطوق الأمني الخانق، قال لي شرطي آخر مبتسما "أنصحك بعدم المشاركة مجددا في أي مظاهرة مؤيدة لفلسطين هذه حتى لا تدفعي مجددا الثمن نفسه".

عناصر الشرطة الفرنسية يضعون كاميرات صغيرة على ستراتهم للاحتفاظ بصور وجوه المتظاهرين (الجزيرة) مراقبة

ومدفوعة بنزعة حرية التعبير، جادلته قائلة "ماذا عن قرار مجلس الدولة اليوم بالطعن ضد برقية وزير الداخلية المتعلقة بمنع التظاهر دعما للقضية الفلسطينية؟"، صرخ متقدما بخطوتين باتجاهي "نحن ننفذ الأوامر!".

وفي هذه اللحظة، انتبهت إلى أن كل عناصر الشرطة من حولي يضعون كاميرات صغيرة مضيئة باللون الأخضر على ستراتهم يستطيعون من خلالها الاحتفاظ بالصور المسجلة لوجوه المتظاهرين وتصرفاتهم مدة قد تصل إلى 6 أشهر.

ويذكر أن قاضي مجلس الدولة أعلن الأربعاء -يوم الواقعة ذاته- أن الأمر متروك لمحافظي كل منطقة لتقييم ما إذا كان "خطر الإخلال بالنظام العام" يبرر حظر المظاهرة، مما يعني عدم ترك القرار بيد وزارة الداخلية حصرا.

وكان وزير العدل إيريك دوبوند موريتي، قد اعتبر أن "التعليقات التي تميل إلى تشجيع الآخرين على إصدار حكم إيجابي على جريمة مصنفة على أنها "إرهابية" -في إشارة إلى هجوم حركة حماس- أو حتى التلفظ بها في إطار مناقشة ذات اهتمام عام، فسيكون ذلك بمثابة "اعتذار عن الإرهاب"، حسب تعبيره.

تغريم كل المشاركين في مظاهرة الأربعاء حتى الصحفيين (الجزيرة) تكميم الأفواه

وهذا يعني أنه لم يعد بإمكان أي أحد في فرنسا -التي توصف ببلد حرية التعبير- أن يدلي برأيه، أو يعلق بغض النظر عن المكان والمناسبة، سواء في الراديو أو التلفزيون أو خلال مؤتمر أو اجتماع، لأن القول بأن فلسطين تدافع عن نفسها ضد الاحتلال سيعتبر تحريضا على الإرهاب، وقد يعرض قائله إلى عقوبة السجن لمدة تتراوح بين 5 إلى 7 سنوات.

وفي تمام الساعة السادسة والنصف من يوم الخميس، تجمّع آلاف المؤيدين لفلسطين من عرب وفرنسيين في ساحة الجمهورية في باريس، رغم محاولة الشرطة مضايقتهم وإلقاء الغاز المسيل للدموع باتجاههم.

ويا للمفاجأة! تراجعت الشرطة وسمحت للحشد بالاستمرار في التظاهر بقرار من المحكمة الإدارية في العاصمة الذي جاء في نص حكمها "تم تعليق تنفيذ أوامر مدير الشرطة بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لأنها تحظر التجمع المخطط له بين الساعة 7 مساء و8 مساء".

واعتبرت المحكمة أن "احترام حرية التظاهر والتعبير التي لها طابع الحريات الأساسية، يجب أن يتوافق مع المطلب الدستوري لحماية النظام العام".

وفور انتهاء الساعة الوحيدة المسموح بها للاحتجاج، عادت قوات الأمن للتعبئة مرة أخرى -ولم تضع الوقت كعادتها- لتبدأ في قمع المتظاهرين ودفعهم خارج الساحة وسط صيحات استهجان وشعارات "كلنا فلسطينيون" و"ماكرون متواطئ".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی مظاهرة

إقرأ أيضاً:

مقتل 18 مدنيا في هجوم لقوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة

قتل 18 مدنيا وأصيب آخرون جراء هجوم لقوات الدعم السريع على قرى في ولاية الجزيرة وسط السودان.

وقالت شبكة أطباء السودان (غير حكومية) أمس الاثنين في بيان إن 13 شخصا قتلوا وأصيب آخرون جراء هجوم للدعم السريع على قرية البروراب بمجمع قرى الشيخ مكي شرقي ولاية الجزيرة.

وأشارت الشبكة إلى أن الهجوم أسفر عن نزوح عشرات الآلاف إلى عدد من الولايات المتاخمة، مما تسبب في كارثة إنسانية.

من جانبها، أفادت منصة "نداء الوسط" السودانية بأن قوات الدعم السريع هاجمت أمس الاثنين القرية 50 في منطقة أم القرى شرق الجزيرة وقتلت 5 أشخاص.

استنكار أممي

وقال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي إن 25 امرأة على الأقل تعرضن لعنف جنسي، من بينهن فتاة تبلغ من العمر 11 عاما لقيت حتفها نتيجة لذلك.

وأضاف المكتب أن تقارير وصلته تقول إن قوات الدعم السريع صادرت أجهزة إنترنت في 30 قرية على الأقل، وأحرقت محاصيل زراعية.

وقالت كليمنتاين نكويتا سلامي ممثلة الأمم المتحدة في السودان "أشعر بصدمة وانزعاج شديدين إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في ولاية الجزيرة، والمماثلة للمستوى الذي شهدناه في دارفور العام الماضي"، في إشارة إلى إقليم دارفور غرب السودان.

طرد وقتل وسلب

وفي سياق متصل، قالت إحدى الناجيات لوكالة رويترز -وهي أم لرضيع يبلغ من العمر شهرا واحدا- إن قوات الدعم السريع اقتحمت منازل المواطنين في ولاية الجزيرة أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وطردتهم خارج القرية بالسياط، ثم أطلقت عليهم النار.

بدوره، قال هاشم بشير -الذي بُترت إحدى ساقيه قبل الحرب- إن قوات الدعم السريع طردته من منزله في قرية النايب، كما قالت ابنة أخيه فائزة محمد إن القوات نزعت منها مجوهراتها وسرقت هاتفها ولم تسمح لهم بأخذ أي شيء معهم، حتى وثائق الهوية.

وتتعرض ولاية الجزيرة منذ أسبوعين لهجمات عنيفة استهدفت 65 قرية وبلدة على الأقل زادت حدتها بعد انشقاق قائد قوات الدعم السريع في الولاية أبو عاقلة كيكل وإعلان انضمامه إلى الجيش.

ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 11 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة.

مقالات مشابهة

  • مقتل 18 مدنيا في هجوم لقوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة
  • الشرطة البريطانية تحقق مع أكاديمي يهودي بعد خطاب مؤيد لفلسطين
  • الحكم 3 سنوات على ناشطة مؤيدة لفلسطين بتهمة الإرهاب في فرنسا
  • بُترت يد أحدهم..هجوم بفأس على 4 ركاب على متن قطار في فرنسا
  • فرنسا: 4 إصابات في هجوم بفأس.. والسبب غريب!
  • فرنسا.. جرحى في هجوم بفأس على متن قطار
  • الشرطة الهولندية تطارد طفلا يحمل مسدس لعبة خلال احتجاجات داعمة لغزة
  • وكيكل إذا «تدعَّم» أو «تكوزن»: ففي الحالتين إنسان الجزيرة ضائع
  • قائد عام شرطة دبي: يوم العلم يجسد مسيرة حافلة من التقدم والازدهار
  • الشرطة الألمانية تعتقل عديد المتظاهرين خلال مسيرة داعمة لفلسطين