منصة دولية.. كيف حصلت اليمن على مقاتلات إف-5 إي تايجر؟ (ترجمة خاصة)
تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT
تعتبر ملحمة F-5E Tiger II (إف-5 إي تايجر2) اليمنية بمثابة أحجية جيوسياسية لقصة شملت السعودية وتايوان، وفقا للصحفي "*أوليفر باركين".
وقال باركين على منصة "ذا ور زون" في تحليل ترجمه للعربية "الموقع بوست" "خلال الحرب الباردة، ربما كانت القوات الجوية لليمن الشمالي- الجمهورية العربية اليمنية- معروفة أكثر بتحليق مقاتلات ميج 17 وميج 21 السوفيتية.
وأضاف "مع ذلك، قام اليمن الشمالي كذلك بتشغيل مقاتلات خفيفة من طراز إف- 5 إي تايجر2 التابعة لشركة نورثروب منذ عام 1979، وهو النوع الذي حلق لأول مرة قبل بضع سنوات فقط في العام 1972. إن كيفية حصول اليمن على أسطوله الصغير من طائرات إف-5 إي الأمريكية هي قصة غريبة في حقيقة الأمر".
وذكر أن اقتناء البلاد لهذه الطائرات كان مرتبطا على نحو وثيق بالحرب اليمنية الثانية في مارس 1979. تاريخيا، كان شمال اليمن جزءا من الإمبراطورية العثمانية السابقة خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فيما كان اليمن الجنوبي رسميا جزءا من الإمبراطورية البريطانية منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وتابع "قد جرى الاعتراف باليمن الشمالي- اليمن - لأول مرة كدولة ذات سيادة من قبل الولايات المتحدة في 1948، على الرغم من أن جذورها تعود إلى العام 1918. كما جرى الاعتراف بالبلاد لاحقا باسم الجمهورية العربية اليمنية في عام 1962، وكذلك الاعتراف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بجنوب اليمن، وهي دولة شيوعية لها علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفييتي السابق، وذلك في العام 1967. ونشبت حرب أهلية مريرة بين البلدين في الفترة من 1962 إلى 1970، الأمر الذي أدى إلى انتصار الشمال".
وأردف لقد كانت أوائل السبعينيات هي الفترة التي شهدت اضطرابات كبيرة وعدم استقرار سياسي بين الشمال والجنوب، مما أدى إلى الحرب اليمنية الأولى عام 1972. واستمر الصراع مدة ثلاثة أسابيع بين سبتمبر وأكتوبر، حيث تعهدت الدول بتوحيد البلاد كجزء من اتفاق حكومة القاهرة. لكن الاستقرار لم يدم، مع اندلاع الحرب اليمنية الثانية في أواخر فبراير 1979.
وطبقا للتحليل فإنه في عهد الرئيس جيمي كارتر، قررت الولايات المتحدة مساعدة الجمهورية العربية اليمنية من خلال توفير مجموعة من المعدات العسكرية في أوائل مارس 1979، بتمويل من السعودية- حيث قدمت المملكة مساعدات عسكرية للجمهورية العربية اليمنية خلال الحرب اليمنية الأولى.
وأكد أن المساعدات بقيمة 390 مليون دولار شملت 12 طائرة من طراز إف-5 إي، ثماني منها تم تصنيعها في الأصل لإثيوبيا ولكن تم حظرها بعد ذلك، وأربع منها كانت جديدة. وتضمنت الحزمة كذلك طائرتي نقل من طراز سي 130، و60 دبابة من طراز إم 60، و50 ناقلة جنود مدرعة من طراز إم 113، و302 صاروخ جو-جو من طراز أيم9- سايد وايندر بالإضافة إلى مدافع هاوتزر وقاذفات قنابل يدوية وذخائر أخرى. فضلا عن ذلك، سمحت إدارة كارتر للسعودية بإرسال أربعة من مقاتلاتها ذات المقعدين من طراز F-5B Freedom Fighters إف- 5 بي فريدم فايترز إلى الجمهورية العربية اليمنية.
وأشار إلى أن قرار الرئيس كارتر كان بتزويد الجمهورية العربية اليمنية بالمعدات العسكرية توضيحا لسياسة الولايات المتحدة المتغيرة تجاه الشرق الأوسط- وهو نتاج لواقع جيوسياسي معقد داخل المنطقة. وبطبيعة الحال، كانت الإدارات السابقة قد قدمت المعدات إلى الجمهورية العربية اليمنية. ففي عام 1976، على سبيل المثال، زودت إدارة فورد الجمهورية العربية اليمنية بمعدات زودتها بها الولايات المتحدة بقيمة 140 مليون دولار، والتي تتكون في المقام الأول من أسلحة وعتاد للقوات البرية بما في ذلك مدافع الهاوتزر، وأنظمة صواريخ أرض جو، والشاحنات.
يواصل باركين تحليله بالقول "بحلول عام 1979، وعلى الرغم من الجدل الكبير داخل إدارة كارتر حول الوجود العسكري الأمريكي في الخليج العربي، بدأت الولايات المتحدة في تبني وجود عسكري أكثر نشاطا في المنطقة. ففي يناير من ذات العام، تم بيع 12 طائرة أمريكية من طراز إف-15 إلى السعودية– في المقام الأول كبادرة تطمين من الولايات المتحدة فيما يتعلق بأمن المملكة، ولتخفيف تأثير اتفاق السلام المصري الإسرائيلي المرتقب، والذي تم التوصل إليه لاحقا، وقعت في مارس. ومع ذلك، بحلول فبراير 1979، أوضحت إدارة كارتر أن مثل هذه اللفتات كانت جزءا من تحول كبير في سياسة الولايات المتحدة في المنطقة".
وقال وزير الدفاع آنذاك هارولد براون خلال رحلة استغرقت عشرة أيام إلى الخليج والشرق الأوسط في ذلك الشهر: "لقد اتخذنا قرارا سياسيا بشأن القيام بدور أكثر نشاطا في المنطقة". وتابع "لقد أخبرنا تلك الدول بأشياء لم تسمعها منذ فترة طويلة- وهي أن الولايات المتحدة مهتمة بشدة بالشرق الأوسط، ونحن قلقون بشأن ما يفعله السوفييت، ونعتزم المشاركة". وخلال رحلة براون، التي ركزت بشكل أساسي على التفاوض على عمليات نقل الأسلحة، انتهى الأمر بوزير الدفاع إلى وعد السعودية بأن الولايات المتحدة ستزود الجمهورية اليمنية بطائرات إم60 وإف-5، في حال دفع السعوديون الفاتورة.
باركين أيضا قال "قبل أن يتم عرض تعهد براون أمام الكونجرس، شنت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية غزوا للجمهورية العربية اليمنية في 28 فبراير 1979، بقيادة طائرات ميغ-21 وسو-22 التابعة للقوات الجوية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. ومع تزايد الضغوط، بدأت إدارة كارتر تنظر بشكل متزايد إلى الوضع في اليمن باعتباره تهديدا خطيرا لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، يغذيه العدوان المدعوم من السوفييت. وفي 7 مارس 1979، قيم كارتر أن القتال يشكل حالة طوارئ تهدد الأمن القومي الأمريكي واستلزم تطبيق المادة 36 (ب) من قانون مراقبة تصدير الأسلحة لعام 1976 لأول مرة. ويسمح استخدام البند المذكور للرئيس بتجاوز الحصول على موافقة الكونجرس على تصدير الأسلحة عندما يكون الأمن القومي الأمريكي مهددا. وعلى هذا النحو، تم تسريع المساعدات التي تبلغ قيمتها 390 مليون دولار للجمهورية العربية اليمنية، بما في ذلك 12 طائرة من طراز إف-5إي".
واستدرك "عندما وصلت أولى طائرات إف-5 إي قبل ستة أسابيع من الموعد المحدد، لم يكن لدى القوات الجوية اليمنية الشمالية الطيارين ولا الموارد اللازمة لتشغيلها. وأدى هذا التسليم المتسارع إلى تدافع السعوديين لتجنيد طيارين أجانب لتدريب طياري الجيش العربي اليمني على هذه الطائرات. وفي نهاية المطاف، تم التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والسعودية مع تايوان لإرسال عدد من الطيارين التايوانيين لتشغيل وصيانة طائرات إف-5 إي في شمال اليمن. وتتمتع القوات الجوية لجمهورية الصين بخبرة سنوات عديدة في العمل مع طائرات إف-5 إي على وجه التحديد، والتي استلمتها لأول مرة في مايو 1975، بينما تم تسليم أول طائرات إف5 من الولايات المتحدة في عام 1965".
وقال "على الرغم من هذه الجهود لتزويد الجيش اليمني الشمالي بسرعة بطائرات إف-5 إي، انتهت الحرب اليمنية الثانية بسرعة في 19 مارس 1979. وفي المجمل، استمر الصراع ثلاثة أسابيع ويومين. ومع ذلك، فإن وجود الأفراد التايوانيين في شمال اليمن كان طويل الأمد. ففي البداية، تم إرسال 80 فردا- بما في ذلك الطيارين وأفراد الطاقم الأرضي- من تايوان إلى صنعاء لتشغيل وصيانة طائرات إف-5 إي بقيادة المقدم تشي مينج سيان. وبحلول نهاية عام 1979، وصلت 16 طائرة من طراز إف-5 إلى قاعدة الديلمي الجوية بصنعاء".
واستطرد "وقد تم دمج الطيارين التايوانيين مع السرب 112 التابع للقوات الجوية للجمهورية العربية اليمنية، والذي كان يُعرف أيضا باسم "سرب الصحراء". وكما يشير توم كوبر في كتابه، الأجواء الساخنة فوق اليمن: الحرب الجوية فوق شبه الجزيرة العربية الجنوبية: المجلد الأول- 1962-1994، كانت فرقة عمل القوات الجوية لجمهورية الصين المتمركزة في شمال اليمن تابعة لمكتب الاتصال العسكري التايواني في السعودية. ويشرف رئيس مكتب الاتصال العسكري لجمهورية الصين في المملكة، والذي عادة ما يكون برتبة عقيد، على عمل فرقة العمل التي يقع مقرها الرئيسي في قاعدة الديلمي الجوية".
يضيف "حتى عام 1985، كان الطيارون التايوانيون والطاقم الأرضي يشكلون غالبية السرب 112، وفي ذلك الوقت تم تدريب عدد كافٍ من طياري الجمهورية العربية اليمنية على طائرات إف-5 إي للبدء في تولي المسؤولية. ومع ذلك، فإن طياري الجمهورية المبتدئين، الذين لم يكن لديهم سوى الحد الأدنى من فرص التدريب، ناضلوا للتكيف مع الطائرات الأمريكية وغيرها من المعدات الجديدة، بما في ذلك طائرات ميج 21 المسلمة من الاتحاد السوفيتي. وبحلول نهاية عام 1985، فقدت القوات الجوية اليمنية 25 طائرة في حوادث مختلفة، بما في ذلك أربع طائرات من طراز ميج 21 وطائرة جديدة من طراز إف-5 إي، والتي انتهى بها الأمر إلى تحطمها عندما كان طيار سعودي يقودها إلى المملكة لإجراء إصلاحات خفيفة".
ونوه إلى أن الطيارين التايوانيين بقوا في البلاد لعدة سنوات بعد عام 1985. وتشير الوثائق التي رفعت عنها السرية مؤخرا إلى أنه تم نشر أكثر من 1000 طيار تايواني وطاقم أرضي في الجمهورية العربية اليمنية في الفترة من 1979 إلى 1990 كجزء مما كان يُعرف باسم برنامج الصحراء الكبرى.
وأوضح "وفي عام 1990، اتحد اليمنان ليصبحا الجمهورية اليمنية".
أما بالنسبة لمصير طائرات إف-5 في البلاد، يتابع "فقد شهدت هذه الطائرة نشاطا في عام 1994 عندما اندلعت حرب أهلية لفترة وجيزة بين الشمال والجنوب في الفترة من مايو إلى يوليو. في أوائل مايو، أسقط الرائد نابي علي أحمد طائرة واحدة على الأقل من طراز ميج 21 جنوبية أثناء قيادته لطائرة من طراز إف-5 إي، ونشر صواريخ إيم-9 سايد وايندر. وفي وقت لاحق من شهر مايو، أسقطت طائرة من طراز إف-5 إي تابعة للقوات الجوية للجمهورية العربية اليمنية يقودها الرائد محمد يحيى الشامي بنيران مضادة للطائرات. وفي يونيو، نجحت طائرتان من طراز إف-5 إي تابعة للجمهورية العربية اليمنية، نجحت في إسقاط طائرة ميج 21 جنوبية يقودها الرائد عبد الحبيب صلاح. وفي أعقاب الصراع القصير، الذي أدى إلى انتصار الشمال وإعادة توحيد البلاد، تم دمج طائرات إف-5 المتبقية في القوات الجوية اليمنية".
وقال إنه تم استخدام طائرات إف-5 إي على نطاق واسع من قبل القوات اليمنية ضد المتمردين الحوثيين- المتمردين الشيعة الذين لهم صلات بإيران- خلال تمردهم، الذي بدأ في عام 2004 واستمر حتى عام 2014. وفي عام 2015، في أعقاب مؤشرات على أن بعض أعضاء القوات الجوية اليمنية على الأقل قد تحولوا ولاء لحركة الحوثيين، دمرت القوات السعودية طائرة إف-5 إي خلال غارة جوية.
واختتم باركين تحليله بالقول "في الآونة الأخيرة، انتشرت عبر الإنترنت صور للمتمردين الحوثيين وهم يقودون طائرة واحدة على الأقل من طراز إف-5 قديمة. وشوهدت تلك الطائرة وهي تظهر بشكل مفاجئ في عرض عسكري في سبتمبر".
ووفقا لدليل القوات الجوية العالمية لعام 2023، لدى سلاح الجو اليمني حاليا 11 طائرة إف-5 إي نشطة وطائرتين تدريبيتين من طراز إف-5 بي.
*يمكن الرجوع للمادة الأصل: هنا
*ترجمة خاصة بالموقع بوست
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی طائرة من طراز إف 5 الحرب الیمنیة شمال الیمن فی المنطقة بما فی ذلک لأول مرة فی عام مع ذلک
إقرأ أيضاً:
صحيفة إسرائيلية تكشف تخادم وتعاون بين الإعلام العبري والسعودي في سردية الأحداث بالمنطقة (ترجمة خاصة)
كشفت صحيفة عبرية عن التخادم والتعاون بين الإعلام العبري والسعودي في سردية الأحداث بالمنطقة خاصة الأحداث والتطورات الأخيرة في لبنان واليمن وسوريا وكذلك غزة.
وقالت صحيفة "هآرتس" في تحليل لها ترجمه للعربية "الموقع بوست" إنه "عندما يكون تدفق التقارير من مسارح الحرب المختلفة مستمرا، تقتبس وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل متزايد من وسائل الإعلام السعودية. وقد تجلى ذلك بشكل خاص في أعقاب اغتيال هاشم صفي الدين، الوريث الظاهر للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله".
وأضافت "في 3 أكتوبر/تشرين الأول، ضربت إسرائيل في بيروت. بعد يوم واحد، نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية تفاصيل عن الهجوم، مستشهدة ب "تقارير سعودية" في عناوينها.
وذكرت "واينت" أن "قناة الحدث السعودية نقلت عن مصادر قولها إن إسرائيل أكدت مقتل هاشم صفي الدين"، في حين بثت إذاعة "كان 11" مادة مماثلة: "تقرير سعودي: هاشم صفي الدين قتل في هجوم للجيش الإسرائيلي". بعد ثلاثة أسابيع فقط أصدر الجيش الإسرائيلي بيانا رسميا يؤكد الاغتيال.
وتابع التحليل "في أوائل كانون الأول/ديسمبر، في أعقاب اغتيال سلمان جمعة، مسؤول اتصال حزب الله بالجيش السوري، في غارة في دمشق، نقل الصحفيون الإسرائيليون عن الحدث نقلا عن "تقرير سعودي". وبعد بضع ساعات، أكد الجيش الإسرائيلي أن جمحة قد اغتيل بالفعل في غارة شنها سلاح الجو الإسرائيلي".
عرض معرض مفتوح
"لا أعتقد أن هذه مصادفة"، قال صحفي كبير لصحيفة هآرتس. "نحن نعلم أن هناك اتصالات بين مصادر إسرائيلية مختلفة واثنين أو ثلاثة وسائل إعلام في الخليج. ستظهر قصة فجأة على الحدث، وسيقتبس منها الصحفيون في إسرائيل عندما لا يستطيع بعضهم حتى التحدث بالعربية. كيف اكتشفوا ذلك؟ يحصلون على الترجمة. من اقترب منهم؟ مصادر في إسرائيل. هذه إحدى الطرق لتجاوز الرقابة، وهي طريقة ملائمة للعمل".
وحسب التحليل "على الرغم من أن المملكة العربية السعودية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، إلا أن التقارير على وسائل الإعلام الخاصة بها تحتل مكانة مرموقة في وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ بداية الحرب.
وقد تناول جاكي هوغي، معلق الشؤون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلي، هذا الاتجاه في مقال نشرته صحيفة "معاريف" العبرية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وكتب "طوال الحرب، كانت وسائل الإعلام السعودية بمثابة منفذ معلومات حصري لمصادر رسمية إسرائيلية من أجل الإفصاح عن أسماء الأشخاص الذين استهدفتهم الطائرات المقاتلة".
وزاد أن "المصادر الإسرائيلية تفضلها على وسائل الإعلام الإسرائيلية. كانت طقوسا عادية: هاجمت طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي شخصا ما في سيارته أو في المبنى الذي كان يختبئ فيه أو في نفق عميق تحت الأرض. في غضون دقائق، مع استمرار اشتعال النيران في سيارته، وقبل أن يتلقى أقاربه خبر وفاته، كانت القنوات الإخبارية السعودية تنقل اسمه ولقبه".
يعتقد الصحفيون الإسرائيليون الذين تحدثوا إلى صحيفة هآرتس أن هناك اتصالات بين مصادر إسرائيلية وقناتي التلفزيون السعوديتين "العربية" و"الحدث". ومع ذلك رفض معظمهم قول ذلك في السجل. علاوة على ذلك، رفض خبراء الإعلام الإسرائيليون التحدث عن هذه المسألة.
وفقا لصحفي في وسيلة إعلامية إسرائيلية كبرى، قال "من المعروف جيدا بين الصحفيين أن وسائل الإعلام السعودية، وخاصة الحدث والعربية، تعمل مع إسرائيل.
وأضاف "المفهوم هنا هو أنه عندما تقوم وسيلة إعلامية سعودية بالإبلاغ عن شيء ما أو تقتبس منه، فمن المحتمل أنها حصلت عليه من مصدر إسرائيلي ومن المحتمل أن يكون موثوقا به تماما. تثق بها وسائل الإعلام الإسرائيلية لأنها أثبتت نفسها. في كثير من الحالات، كانت وسائل الإعلام السعودية أول من أبلغ عن تفاصيل تبين لاحقا أنها صحيحة".
قناة الحدث هي جزء من قناة العربية، بتمويل من الحكومة السعودية، ويعمل نفس المراسلين والمذيعين في كلتا المحطتين. كلاهما يعطي مركز الصدارة للزاوية الإسرائيلية. تعكس مقابلاتهم مع الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري خلال الحرب منظورا يرتبط بوجهة نظر الجيش الإسرائيلي.
أجريت مقابلة مع هاغاري على قناة العربية والحدث في يونيو الماضي، وتحدثت عن الحرب في الشمال. وقال لقناة العربية: "التقيت بمدنيين يعيشون هنا". "إنهم مجموعة من الأبطال يقفون إلى جانب الجيش ويدعمونه. من ناحية أخرى، أرى كيف يستغل حزب الله الشعب اللبناني وجنوب لبنان، ولست متأكدا تماما من أن الناس يدركون الحقيقة الكاملة حول الوضع هناك".
كانت صحيفة إيلاف التي تتخذ من لندن مقرا لها أول وسيلة إعلامية سعودية تبدأ في إجراء مقابلات مع شخصيات إسرائيلية بارزة دون إخفاء أسمائها. في عام 2015 ، أجرى دوري جولد ، المدير العام لوزارة الخارجية آنذاك ، مقابلة مع الوسيلة الإعلامية.
وحسب التحليل "بعد عام واحد، أجرت الصحيفة مقابلة مع يوآف مردخاي بصفته منسق أعمال الحكومة في المناطق، وتحدث عن الوضع الأمني في شبه جزيرة سيناء والروابط بين تنظيم الدولة الإسلامية وحماس. في نفس العام، أجريت مقابلة مع زئيف إلكين، الذي ظهر على الموقع الإلكتروني كوزير لاستيعاب المهاجرين ووزير شؤون القدس، بالإضافة إلى عضو في مجلس الوزراء.
وقال "قبل شهرين من هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، أجرت الصحيفة – التي أسسها الصحفي البريطاني السعودي عثمان العمير في عام 2001 ، وهو أيضا مؤسس الشرق الأوسط – مقابلة مع وزير الخارجية إيلي كوهين ، الذي تحدث عن السلام المحتمل والتطبيع مع المملكة العربية السعودية".
في ديسمبر الماضي، كتب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي مقالا لصحيفة إيلاف حول مستقبل غزة في اليوم التالي لانتهاء الحرب. "إسرائيل ستنتصر"، كتب. "ليس لدينا خيار آخر، ولن نتنازل عن أمن مواطنينا. سنقاتل بشجاعة وشراسة ضد جميع أعدائنا".
يوضح روعي قيس ، مراسل الشؤون العربية في "كان 11" ، أن اتفاقيات إبراهيم لعام 2020 ، التي أدت إلى التقارب بين إسرائيل ودول الخليج ، أثرت بشكل كبير على الوصول إلى وسائل الإعلام السعودية. "تحاول إسرائيل بث روايتها للعالم العربي، وهذا يحدث من خلال وسائل الإعلام السعودية والإماراتية. مشيرا إلى أن القنوات السعودية لديها مصادر على الأرض، وقال "أنا على انطباع بأن هناك تعاونا إعلاميا بينها وبين المصادر الإسرائيلية".
وبحسب قيس فإن القنوات السعودية تتمتع بسمعة إيجابية في إسرائيل، مقارنة بالقنوات القطرية، وعلى رأسها قناة الجزيرة. "إذا سألت صحفيا إسرائيليا أيهما يفضل، العربية أو الجزيرة، فسوف يختارون العربية. ترتبط الجزيرة بقطر وحماس. من أجل تقديم الصورة المناسبة، من المهم إخبار المشاهد أو القارئ أو المستمع بما هو المنفذ الإعلامي المعني. تسمع أحيانا عبارة "تقرير عربي" ولا يعجبني. لأن ماذا يعني ذلك؟ في اللحظة التي أكتب فيها عن مصدر في حماس يتحدث إلى صحيفة الشرق الأوسط السعودية، بدلا من مصدر في حماس يتحدث مع صحيفة الأخبار اللبنانية المرتبطة بحزب الله – فإن الطريقة التي ينظر بها إلى التقرير مختلفة".
تجاوز الرقابة
لم تبدأ علاقات إسرائيل السرية مع وسائل الإعلام في العالم العربي خلال هذه الحرب. يشرح الصحفيون الإسرائيليون المخضرمون الذين تحدثوا إلى صحيفة "هآرتس" أن هذه ممارسة قديمة ومعروفة.
يقول أحد كبار الصحفيين: "إنها ليست مجرد تسريبات أمنية". "في الأوقات العاصفة وبين وسائل الإعلام التي لا ترتفع معاييرها بالمقاييس الإسرائيلية أو العربية - وجدت بعض المصادر الإسرائيلية طريقة لتجاوز الرقابة دون ترك آثار أقدام. لأننا في النهاية لا نعرف من هو الشخص الذي سرب".
في عام 2011، بعد أربع سنوات من تأسيس جريدة، كتب جاك خوري قصة في صحيفة هآرتس بعنوان "كيف أصبحت صحيفة كويتية ناطقة بلسان مكتب رئيس الوزراء؟" وكتب "يعتقد الكثيرون في العالم العربي أن العديد من التقارير كانت تهدف إلى إيصال رسائل من إسرائيل إلى سوريا ولبنان". "أحد ما تعرضه للصحيفة، على الأرجح بالاعتماد على مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، أدى في النهاية إلى إقالة عوزي عراد من منصب مستشار الأمن القومي. وقد ادعى معلقون في لبنان من قبل أن الصحيفة، التي تعتبر وسيلة إعلامية مستقلة، مدعومة ماليا من إسرائيل وتستخدم للدعاية".
انتقد بعض الصحفيين الإسرائيليين الذين تمت مقابلتهم من أجل هذا المقال حقيقة أن التقارير تمر بشكل متكرر عبر وسائل الإعلام العربية قبل أن تصل إلى الجمهور الإسرائيلي. "بعض القضايا ليست سرية أو لا تتطلب السرية"، يقول صحفي إسرائيلي.
"لنفترض أن رئيس الوزراء يريد تقديم تنازلات بشأن صفقة الرهائن - لن يقول ذلك لوسائل الإعلام الإسرائيلية. من الأسهل إيصال الأخبار إلى صحيفة في المملكة العربية السعودية. يمكن لرئيس الوزراء بعد ذلك ، بناء على ردود الفعل ، تأكيد التقرير أو نفيه. وهذا يوفر للشخص الذي يقوم بالتسريب الفرصة لقياس ردود الفعل في الجمهور الإسرائيلي وتحديد كيفية معالجة القضية هنا، في إسرائيل. إذا تم الإبلاغ عن نفس الأخبار لصحفي إسرائيلي، فسيكون من المستحيل إنكارها أو المناورة".
تسريب تفاصيل صفقة الرهائن
وحدث مثال واضح على ذلك في كانون الأول/ديسمبر الماضي عندما نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية تقريرا في إيلاف عن صفقة جديدة لأخذ الرهائن. وقال التقرير إن "المحادثات جارية بين وفد قطري ووفد إسرائيلي في أوروبا"، وأن "الصفقة ستشمل إطلاق سراح ثلاثة ضباط رفيعي المستوى من أسر حماس".
عندما تم الإبلاغ عن ذلك في وسائل الإعلام الإسرائيلية، نفى مسؤولان إسرائيليان كبيران التقرير. "كان من الصعب جدا إنكار ذلك إذا تم الإبلاغ عنه من قبل صحيفة نيويورك تايمز، على سبيل المثال. لن تجد أي نفي إسرائيلي هناك"، يقول الصحفي الإسرائيلي. لكن مع وسائل الإعلام العربية، تسمح هذه المصادر نفسها بالإنكار".
إن إمكانية وصول وسائل الإعلام العربية إلى مصادر غير إسرائيلية هو سبب آخر للاقتباس من تقاريرها. "خلال المفاوضات حول صفقة الرهائن في وقت مبكر من الحرب، لم تأت أخبار دقيقة من إسرائيل بل من وسائل الإعلام العربية"، يقول صحفي مخضرم في وسيلة إعلامية كبرى.
ويشير جزئيا إلى صحيفة العربي الجديدة الممولة قطريا وإلى القاهرة الأخبارية، وهي وسيلة إعلامية تديرها المخابرات المصرية. هذه تسريبات قطرية ومصرية مباشرة للصحافة".
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية تقارير عن صفقة رهائن محتملة بين إسرائيل وحماس ظهرت في صحيفة الشرق الأوسط المملوكة للسعودية ومقرها لندن. نقلا عن مصادر فلسطينية في غزة، ذكرت الصحيفة مؤخرا أن أفراد حماس بدأوا في اتخاذ إجراءات لتحديد مكان الرهائن المحتجزين لدى الحركة والجماعات المسلحة الأخرى في غزة.
في غضون ذلك، على الجانب الإسرائيلي، وفقا للصحفي المخضرم، تقوم إسرائيل نفسها بتسريب تفاصيل الصفقة إلى قناة الشرق المملوكة للإمارات، وإلى قناة الراد المملوكة للإمارات. يقول: "ربما تكون هذه مبادرة من مسؤول إسرائيلي، يعتقد أنه من الجيد التسريب إلى وسائل الإعلام العربية ثم تحويل انتباه الصحفيين إلى التقارير - لأن الإنكار ممكن. إذا جاء البيان من مصدر رسمي بعنوان واسم، فيجب دفع الثمن".