دراسة حديثة: الذكاء الاصطناعي يزداد قوة .. وغموضاً!
تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT
يخشى الخبراء من مدى السرية والغموض اللذان تحيط شركات التقنية بهما عمليات تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها
في مارس/آذار من هذا العام، نشرت شركة أوبن إيه آي تفاصيل نموذج الذكاء الاصطناعي تشات جي بي تي ChatGPT، واحتوت الصفحات المائة على الكثير من المعلومات، لكن الباحثين أغفلوا بعض التفاصيل المهمة، لعل أحدها كيفية بناء هذا النموذج أو طريقة عمله.
إخفاء "متعمد" للمعلومات؟
وفي تقرير مطول يشير موقع "وايرد" الأميركي المتخصص في التقنية إلى أن هذا الأمر لم يكن ذلك سهواً عرضياً، حيث تحرص كبرى شركات الذكاء الاصطناعي على إبقاء طريقة عمل خوارزمياتها المتطورة محاطة بالغموض، ويرجع ذلك جزئياً إلى الخوف من إساءة استخدام التكنولوجيا وأيضاً بسبب المخاوف من المنافسين.
في هذا الصدد، أظهرت دراسة أصدرها باحثون في جامعة ستانفورد هذا الأسبوع مدى عمق السرية المفروضة حول نموذج الذكاء الاصطناعي GPT-4 وأنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة الأخرى، إذ يقول بعض باحثي الذكاء الاصطناعي إن هناك تحول غامض في أساس الطريقة التي يتم من خلالها عمل تلك الأنظمة لا يعلم عنه الكثيرون شيئاً، فيما حذر خبراء آخرون من أن يصبح هذا المجال أقل انفتاحاً وأقل احتمالاً لإنتاج مادة علمية متجددة وأن يقل بالتالي حجم المساءلة ومعه تنخفض الموثوقية والسلامة.
بحثت الدراسة في 10 أنظمة مختلفة للذكاء الاصطناعي واسعة الانتشار من شركات مثل غوغل وأوبن إيه آي وأمازون، كما قام الباحثون بفحص نماذج الذكاء الاصطناعي "مفتوحة المصدر" التي يمكن تنزيلها مجاناً بما في ذلك نموذج توليد الصور والفيديوهات.
الكل سقط في اختبار الشفافية!
قام فريق ستانفورد بعرض هذه النماذج على 13 معياراً مختلفاً، بما في ذلك مدى شفافية بيانات الجهة القائمة على التطوير، وأُطر البرامج المستخدمة، واستهلاك الطاقة في المشروع.
ومن خلال هذه المقاييس ، وجد الباحثون أنه لا يوجد نموذج حقق أكثر من 54 في المائة على مقياس الشفافية على كافة المعايير، بما فيها النماذج مفتوحة المصدر، حيث لا يعرف أحد على وجه التحديد طبيعة البيانات المستخدمة في تدريبها، ولا كيف تم جمع هذه البيانات وتنظيمها، أو من قام بالعمل.
في هذا الإطار، قال ناثان شتراوس ، المتحدث باسم أمازون ، إنه "من السابق لأوانه قياس شفافية النموذج الأساسي قبل أن يكون جاهزاً لطرحه للناس"، فيما رفضت ميتا التعليق على الدراسة ولم تستجب OpenAI لطلب التعليق.
يقول ريشي بوماساني، طالب الدكتوراه في جامعة ستانفورد وأحد أفراد الفريق البحثي إن الدراسة تعكس حقيقة أن الذكاء الاصطناعي أصبح أكثر غموضاً حتى عندما أصبح أكثر تأثيراً في حياتنا، وأن هذا "يتناقض إلى حد كبير مع الطفرة الكبيرة الحادثة مؤخراً في الذكاء الاصطناعي"، وأن "الانفتاح السابق في عرض البيانات ساهم في الإسراع من زيادة قدرات هذه النماذج بما في ذلك التعرف على النصوص والأصوات والصور".
دعوات للانفتاح
الأمر نفسه دعا إليه علي فرهادي عالم الكمبيوتر والأستاذ في جامعة واشنطن والرئيس التنفيذي لمعهد ألين للذكاء الاصطناعي، إذ دعا إلى "الانفتاح الجذري" لنماذج الذكاء الاصطناعي لإضفاء الطابع الديمقراطي على البحث والتطوير في هذا المجال الذي يعتقد الكثيرون أنه أهم تقدم تكنولوجي للبشرية منذ عقود، بحسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.
وتقول الشركات إن نهج السرية المحيط بتطوير هذا القطاع يقلل من خطر قيام لصوص الانترنت وجواسيس التقنية باختطاف التكنولوجيا لإغراق الإنترنت بالمعلومات الخاطئة والاحتيال أو الانخراط في سلوك أكثر خطورة، وفق ما أفادت نيويورك تايمز.
يشير تقرير ستانفورد أيضاً إلى أن نماذج الذكاء الاصطناعي لا تحتاج إلى أن تكون سرية للغاية لأسباب تنافسية. يقول كيفن كليمان، الباحث في جامعة ستانفورد، إن حقيقة أن مجموعة من النماذج الرائدة تسجل درجات عالية نسبياً في مقاييس مختلفة للشفافية تشير إلى أن جميعها يمكن أن تصبح أكثر انفتاحا دون أن تخسر أمام منافسيها.
وفي الوقت الذي يحاول فيه خبراء الذكاء الاصطناعي معرفة إلى أين سيؤدي هذا التطور الشديد الحادث في وقت قصير، يقول البعض إن السرية تخاطر بجعل المجال أقل تخصصاً من الناحية العلمية والبحثية ليصبح تخصصاً مدفوعاً بالربح فقط.
عماد حسن/ ع.أ.ج
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: أوبن إيه آي الذكاء الاصطناعي تشات جي بي تي التكنولوجيا جامعة ستانفورد الذكاء الاصطناعي GPT 4 أمازون غوغل حرية المعلومات الشفافية دويتشه فيله أوبن إيه آي الذكاء الاصطناعي تشات جي بي تي التكنولوجيا جامعة ستانفورد الذكاء الاصطناعي GPT 4 أمازون غوغل حرية المعلومات الشفافية دويتشه فيله الذکاء الاصطناعی فی جامعة إلى أن بما فی
إقرأ أيضاً:
عندما يلتقي الذكاء الاصطناعي والعاطفي
د. سعيد الدرمكي
الذكاء الاصطناعي (AI) هو قدرة الأنظمة الحاسوبية على محاكاة الذكاء البشري، مثل التعلم واتخاذ القرار، ويُستخدم في مجالات عدة كالصحة، والصناعة، والتكنولوجيا، مما يعزز الكفاءة والإنتاجية. في المقابل، يشير الذكاء العاطفي (EI) إلى القدرة على فهم وإدارة العواطف، مما يسهم في تحسين التواصل، والقيادة، واتخاذ القرارات الفاعلة. ورغم اختلاف مجاليهما، فإن تكاملهما أصبح ضروريًا لتعزيز الفاعلية في مختلف المجالات.
كان يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي على أنهما كيانان منفصلان، إذ ارتبط الذكاء الاصطناعي بالقدرات الحسابية والمنطقية، حيث يركز على تحليل البيانات واتخاذ القرارات بناءً على الخوارزميات، دون أي بُعد عاطفي. في المقابل، اعتُبر الذكاء العاطفي مهارة بشرية بحتة، تتمحور حول إدارة المشاعر والتفاعل الاجتماعي، مما جعله وثيق الصلة بالقيادة والتواصل. الفرق الأساسي أن الذكاء الاصطناعي يُعامل كأداة تقنية، بينما يُنظر إلى الذكاء العاطفي كجزء من الذكاء البشري يصعب محاكاته بالتقنيات.
يُعد كل من الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي مكملًا للآخر، حيث يواجه كل منهما تحديات دون الآخر؛ فالذكاء الاصطناعي، دون الذكاء العاطفي، يعاني من ضعف في فهم المشاعر البشرية واتخاذ قرارات تتسم بالتعاطف، مما قد يؤثر على جودة التفاعل مع البشر. في المقابل، يواجه الذكاء العاطفي صعوبات في تحليل البيانات الضخمة، والتنبؤ بالاتجاهات، وتحسين الإنتاجية، واتخاذ القرارات المعقدة دون الاستعانة بقدرات الذكاء الاصطناعي. لذلك، أصبح التكامل بينهما ضروريًا لتعزيز الكفاءة البشرية والتقنية معًا.
ويمكن تحقيق هذا التكامل من خلال توظيف الذكاء الاصطناعي في تحليل المشاعر عبر النصوص، والصوت، وتعبيرات الوجه، مما يتيح فهمًا أعمق للتفاعل البشري. في المقابل، يسهم الذكاء العاطفي في تحسين الذكاء الاصطناعي من خلال تطوير برمجيات تجعله أكثر استجابة للمشاعر البشرية، مما يساعد في إنشاء واجهات مستخدم أكثر إنسانية وتفاعلية، تعزز تجربة المستخدم وتجعل التقنيات الذكية أكثر توافقًا مع الاحتياجات الاجتماعية.
ويسهم تكامل الذكاءين في تحسين العديد من المجالات. ففي قطاع الأعمال، يُستخدم الذكاء الاصطناعي العاطفي لتعزيز تجربة العملاء من خلال تحليل مشاعرهم والاستجابة لها بذكاء. وفي مجال الطب، تُوظَّف الروبوتات لدعم المرضى نفسيًا وعاطفيًا، مما يسهم في تحسين رفاهيتهم. أما في الموارد البشرية، فتعتمد الشركات على أدوات متطورة لتحليل رضا الموظفين وتعزيز تفاعلهم، مما يساعد في خلق بيئات عمل أكثر استجابة ومرونة.
ورغم الفوائد الكبيرة لهذا التكامل، فإنه يواجه تحديات تتعلق بالخصوصية والانحياز الخوارزمي وتأثيره على التفاعل البشري. فالذكاء الاصطناعي لا يمتلك وعيًا حقيقيًا، بل يعتمد على تحليل الأنماط والاستجابات المبرمجة، مما يجعله غير قادر على الإحساس الحقيقي. كما إن هناك مخاوف بشأن جمع البيانات الشخصية دون إذن، والانحياز في تحليل المشاعر، ومخاطر التلاعب النفسي بالمستخدمين. ويبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين التكنولوجيا والعنصر البشري، بحيث لا يحل الذكاء الاصطناعي محل الذكاء العاطفي، بل يكمله لتعزيز الفاعلية دون المساس بجوهر التفاعل الإنساني.
أما فيما يتعلق بدور الأبحاث والتكنولوجيا في تحقيق التكامل، فيجب تطوير أنظمة قادرة على فهم المشاعر البشرية باستخدام تقنيات التعلم العميق وتحليل اللغة الطبيعية. كما ينبغي تعزيز الذكاء العاطفي الاصطناعي ليكون أداة داعمة للتجارب البشرية، بحيث يساعد في تحسين التفاعل والتواصل دون أن يحل محل المشاعر الإنسانية.
المستقبل يعتمد على التكامل بين الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي، مما يؤدي إلى ثورة في مجالات العمل والتعليم والتفاعل الاجتماعي، مع ضرورة وضع ضوابط أخلاقية تضمن التوازن البشري. يسهم هذا التكامل في تحسين بيئات العمل من خلال تحليل مشاعر الموظفين وتعزيز الإنتاجية، كما يتيح التعليم التكيفي الذي يستجيب لعواطف الدارسين، مما يعزز تجربة التعلم. وفيما يتعلق بالعلاقات البشرية، فإنه يدعم التواصل الفاعل، لكنه قد يؤدي إلى تراجع المهارات الاجتماعية إذا أُسيء استخدامه، مما يستدعي توجيه هذا التطور بما يحقق أقصى فائدة دون الإضرار بالجوانب الإنسانية.
من هنا، يمكن الاستنتاج أن التكامل بين الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي ضروري لتحقيق توازن فاعل بين الكفاءة التقنية والبعد الإنساني. فالذكاء الاصطناعي يُسهم في تعزيز الإنتاجية والدقة، بينما يضمن الذكاء العاطفي اتخاذ قرارات تتماشى مع القيم الإنسانية. وعلى الرغم من أن التكنولوجيا لا تستطيع محاكاة المشاعر البشرية بشكل كامل، إلا أنها قادرة على دعم الفهم العاطفي وتعزيز التفاعل البشري.
لذا.. فإنَّ تحقيق أقصى استفادة من هذا التكامل يتطلب توجيه التطور التكنولوجي نحو تعزيز القيم الإنسانية، وضمان الاستخدام الأخلاقي للابتكارات التقنية، بما يسهم في رفاهية المجتمعات واستدامة التطور ودعم مستقبل أكثر ذكاءً وإنسانيةً.