كاتب ألماني: تعامل ألمانيا مع تاريخها لا يبرر قمعها للأصوات الفلسطينية
تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحافي والمؤلف الألماني هانو هونستين، الذي قال إن على ألمانيا مواجهة قضاياها بشأن إسرائيل والماضي، ولكن إسكات الأصوات الفلسطينية لا يساعد في الأمر.
وتذكر أنه كان مع صديقة له في حانة بتل أبيب عام 2012 حيث كانت إسرائيل تقصف غزة، وتحدثا لسياح ألمان، قال أحدهم "كل الفلسطينيين هم إرهابيون"، وقال لصديقته اليهودية الإسرائيلية الذي لم تكن تدعم العملية: "عدم دعم الجيش الإسرائيلي هو خيانة لتراثك".
وفي المجتمع الألماني تبدو هذه الآراء طبيعية، فدعم إسرائيل ينظر إليه كشرط في الهوية الجمعية الألمانية، ومع أن موضوع الحساسية تجاه إسرائيل مفهوم في ضوء التاريخ القاسي، إلا أن الموضوع أصبح أكثر إشكالية في السنين الماضية. وعادة ما يتم شحب الكتاب والفنانين الفلسطينيين ورعاة الفن من عالم الجنوب واليسار الإسرائيلي، بسبب مواقف من إسرائيل تعتبر غير مستساغة.
ففي الأسبوع الماضي، ألغت الرئيسة المشاركة للحزب الاشتراكي الديمقراطي ساسكيت إيسكن لقاء مع السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز لموقفه من الحرب الحالية بين إسرائيل وحماس، وخسر ساندرز اليهودي الكثير من أفراد عائلته في الهولوكوست.
وتعتبر حالة عدنية شبلي، الأخيرة والمثال الأكثر حدة لهذه الأمور الغريبة. وتحكي رواية شبلي "تفصيل ثانوي" عن اغتصاب جنود إسرائيليين عام 1949 لفتاة بدوية وقتلها. وهي منشورة من دار فيتزكارالدو عام 2020، وقد حصلت على جائزة ليتبروم الادبية لكاتبة من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية لعام2023. ولكن المنظمين لحفل تقديم الجائزة المقرر في 20 تشرين الأول/ أكتوبر قرروا تأجيله بسبب الحرب في غزة.
ويقول الكاتب إنه قرأ الرواية بترجمتيها الإنكليزية والألمانية، وهي رواية محكمة عما يطلق عليه الفلسطينيون والمؤرخون "النكبة" والجرائم التي ارتكبها الإسرائيليون في فلسطين التاريخية أثناء إنشاء دولة إسرائيل. ويراوح سرد الرواية بين ضابط إسرائيلي مسؤول عن العمل ثم رواية فلسطينية من رام الله لا تنام الليل، حيث تتحرك الرواية بين السردين. وفي الجزء الثاني تحاول شبلي تصوير تجربتها وما عانته من صعوبة في البحث عن الرواية التاريخية ومنظور الضحية في إسرائيل المعاصرة. ويقودها بحثها للقيام برحلة فيها مخاطرة لمكان الجريمة في الجنوب وأبعد مما يسمح لفلسطينية بهوية الوصول إليه. ويعلق الكاتب هناك وبلا شك رابطة بين إلغاء مناسبة شبلي والحساسيات الألمانية.
ففي هذا الصيف غادر أورليتش نولر لجنة التحكيم احتجاجا على الكتاب. وبحسب نولر، فالكتاب "يخدم السرديات المعادية لإسرائيلية ومعاداة السامية". وقبل أيام من إعلان اللجنة عن اختيار الرواية، كتب الصحافي كارستين أوتي في صحيفة اليسار "تاز" أن النبرة المؤكدة في الراوية "تغطي على المشكلة الرئيسية: ففي هذه الرواية القصيرة كل الإسرائيليين هم مرادفون للاغتصاب وقتلة". واشتكى أوتي أكثر عندما قال إن رواية شبلي تتجاهل العنف المرتكب ضد المدنيين الإسرائيليين، ولهذا تقوم الرواية على "أساس أيديولوجي غير إنساني". وبعد هجوم حماس على إسرائيل فتقديم الجائزة لشبلي يعد "أمرا لا يحتمل" وفق رأيه.
وبالنسبة لهونستين فإن القراءة هذه ليست تبسيطية فقط، بل هو هزيمة ذاتية سياسية ومعاداة واضحة للأجانب. أولا وقبل كل شيء، فهي تقوم على سوء فهم أساسي لدور الأدب، والذي لا يهدف أبدا لتقديم رواية متوازنة للتاريخ أو عرض على طريقة ويكيبديا والوظيفة المدرسية، فمن خلال استكشاف الذاتية وبعيدا عن حدود العرق والذاكرة وحتى الموضوعية، فإن إمكانيات الأدب العظيمة هي إلقاء ضوء على القصص المجهولة وفتح طرق جديدة للتفكير بالعالم.
ويبدو أن نقاد شبلي الألمان يعيشون تحت فرشة دافئة من الخيال التاريخي، فهم متمسكون برؤية النشوء الإسرائيلية الطاهرة، وهي رؤية تم نقدها بشكل كامل من المؤرخين الفلسطينيين والإسرائيليين والذين يمكن الرجوع لأبحاثهم. ويبدو أن لديهم اعتقادا ضمنيب بأن إنشاء إسرائيل هو نفي لجرائم أجدادهم، و"كألماني، فإنني أستطيع الارتباط بهذا الوهم، ومع ذلك، فهذا لا يمحو العنف التاريخي أو يجعل من السرديات الأدبيات أقل شرعية".
وأكثر من هذا فإن نقاد شبلي لم يهتموا بأن نقدهم القوي يتردد صداه مع تفكير اليمين المتطرف والقوميين التي تحكم إسرائيل اليوم، والتي يحاول أفرادها إما التقليل من النكبة او نفيها. "في الحقيقة، فإنني أشك بفهمهم التضاريس التي يتحركون فيها، وهي التضاريس التي يُنظر فيها للأصوات الفلسطينية بأنها مزعجة وليس إثراء للخطاب. وفي غياب التعاطف من جانبهم، فإن هؤلاء النقاد يدافعون عن مبدأ غير معياري والذي يمنع التسامح مع منظور آخر". وبحسب بيان الجمعية المنظمة، فإن قرار التأجيل اتخذ بالتشاور مع الكاتبة، ولكن الأخيرة أوضحت أن القرار تم بدون موافقتها. وفي بيانها قالت إنها لم تكن لتستخدم المناسبة للتأمل في الوضع الحالي، وهو ما يجعل قرار اللجنة مثيرا للغضب.
وكألماني، فإننا لا نستطيع التخلي عن الخطاب التعددي. وفي رسالة وقع عليها 350 كاتبا منهم حائزون على نوبل، وبّخوا فيها معرض فرانكفورت لإسكات الأصوات الفلسطينية "وهذه مسؤوليتهم لفتح مساحا للكتاب الفلسطينيين لكي يشاركوا أفكارهم ومشاعرهم وتأملاتهم".
تخبرنا حالة عدنية شبلي شيئا واحدا، هو أن الجهل الاستعراضي وتجنب موضوع إسرائيل- فلسطين لن يساعدنا على تجاهل السؤال الأصعب حول تاريخ عائلاتنا وللأبد، ولن يمنع معاداة السامية اليوم. وكان هذا صحيحا قبل جرائم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وهو صحيح قبل أن تتولى الحكومة الحالية المتطرفة السلطة في إسرائيل. ولو استمرت ألمانيا في رفض إشراك كل من الأصوات الفلسطينية والإسرائيلية في المجتمع فإنها تسير نحو الهامشية الثقافية وفقدان الأهمية، "والضجة التي أحدثها (قرار) معرض الكتاب يجب أن تكون إنذارا خطيرا".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة إسرائيل الفلسطينية المانيا إسرائيل فلسطين حرية التعبير صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
تحليل عبري: هل تحارب إسرائيل الحوثيين أم دولة اليمن.. وما الصعوبات التي تواجه السعودية والإمارات؟ (ترجمة خاصة)
قالت صحيفة عبرية إنه مع تراجع الصراعات مع حماس وحزب الله تدريجيا، تتجه إسرائيل الآن إلى التعامل مع الهجمات المستمرة من الحوثيين في اليمن.
وذكرت صحيفة "جيرزواليم بوست" في تحليل لها ترجمه للعربية "الموقع بوست" إنه مع تدهور حزب الله بشكل كبير، وإضعاف حماس إلى حد كبير، وقطع رأس سوريا، يتصارع القادة الإسرائيليون الآن مع الحوثيين، الذين يواصلون إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار على إسرائيل.
وأورد التحليل الإسرائيلي عدة مسارات لردع الحوثيين في اليمن.
وقال "قد تكون إحدى الطرق هي تكثيف الهجمات على أصولهم، كما فعلت إسرائيل بالفعل في عدة مناسبات، وقد يكون المسار الآخر هو ضرب إيران، الراعية لهذا الكيان الإرهابي الشيعي المتعصب. والمسار الثالث هو بناء تحالف عالمي - بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - لمواجهتهم، لأن الحوثيين الذين يستهدفون الشحن في البحر الأحمر منذ السابع من أكتوبر لا يشكل تهديدًا لإسرائيل فحسب، بل للعالم أيضًا.
وأضاف "لا توجد رصاصة فضية واحدة يمكنها أن تنهي تهديد الحوثيين، الذين أظهروا قدرة عالية على تحمل الألم وأثبتوا قدرتهم على الصمود منذ ظهورهم على الساحة كلاعب رئيسي في منتصف العقد الماضي ومنذ استيلائهم على جزء كبير من اليمن".
وأكد التحليل أن ردع الحوثيين يتطلب نهجًا متعدد الجوانب.
وأوضح وزير الخارجية جدعون ساعر يوم الثلاثاء أن أحد الجوانب هو جعل المزيد من الدول في العالم تعترف بالحوثيين كمنظمة إرهابية دولية.
دولة، وليس قطاعاً غير حكومي
وحسب التحليل فإن خطوة ساعر مثيرة للاهتمام، بالنظر إلى وجود مدرسة فكرية أخرى فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الحوثيين، وهي مدرسة يدعو إليها رئيس مجلس الأمن القومي السابق جيورا إيلاند: التعامل معهم كدولة، وليس كجهة فاعلة غير حكومية.
وقال إيلاند في مقابلة على كان بيت إن إسرائيل يجب أن تقول إنها في حالة حرب مع دولة اليمن، وليس "مجرد" منظمة إرهابية. ووفقاً لإيلاند، على الرغم من أن الحوثيين لا يسيطرون على كل اليمن، إلا أنهم يسيطرون على جزء كبير منه، بما في ذلك العاصمة صنعاء والميناء الرئيسي للبلاد، لاعتباره دولة اليمن.
"ولكن لماذا تهم الدلالات هنا؟ لأن شن الحرب ضد منظمة إرهابية أو جهات فاعلة غير حكومية يعني أن الدولة محدودة في أهدافها. ولكن شن الحرب ضد دولة من شأنه أن يسمح لإسرائيل باستدعاء قوانين الحرب التقليدية، الأمر الذي قد يضفي الشرعية على الإجراءات العسكرية الأوسع نطاقا مثل الحصار أو الضربات على البنية الأساسية للدولة، بدلا من تدابير مكافحة الإرهاب المحدودة"، وفق التحليل.
وتابع "ومن شأن هذا الإطار أن يؤثر على الاستراتيجية العسكرية للبلاد من خلال التحول من عمليات مكافحة الإرهاب إلى حرب أوسع نطاقا على مستوى الدولة، بما في ذلك مهاجمة سلاسل الإمداد في اليمن".
ويرى التحليل أن هذه الإجراءات تهدف إلى تدهور قدرات اليمن على مستوى الدولة بدلاً من التركيز فقط على قيادة الحوثيين - وهو ما لم تفعله إسرائيل بعد - أو أنظمة الأسلحة الخاصة بها. ومع ذلك، هناك خطر متضمن: تصعيد الصراع وجذب لاعبين آخرين - مثل إيران. وهذا ما يجعل اختيار صياغة القرار مهمًا.
وأشار إلى أن هناك أيضًا آثار إقليمية عميقة. إن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية من شأنه أن يناسب مصالح دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تنظر إلى الحوثيين باعتبارهم تهديدًا مباشرًا والتي قاتلتهم بنفسها.
إعلان الحرب على اليمن يعقد الأمور
أكد أن إعلان الحرب على اليمن من شأنه أن يعقد الأمور، حيث من المرجح أن تجد الإمارات العربية المتحدة والسعوديون صعوبة أكبر في دعم حرب صريحة ضد دولة عربية مجاورة.
وقال إن الحرب ضد منظمة إرهابية تغذيها أيديولوجية شيعية متطرفة ومدعومة من إيران شيء واحد، ولكن محاربة دولة عربية ذات سيادة سيكون شيئًا مختلفًا تمامًا.
وطبقا للتحليل فإن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية يتماشى مع الرواية الإسرائيلية الأوسع لمكافحة وكلاء إيران، ومن المرجح أن يتردد صداها لدى الجماهير الدولية الأكثر انسجاما مع التهديد العالمي الذي يشكله الإرهاب. ومع ذلك، فإن تصنيفهم كدولة يخاطر بتنفير الحلفاء الذين يترددون في الانجرار إلى حرب مع اليمن.
بالإضافة إلى ذلك حسب التحليل فإن القول بأن هذه حرب ضد منظمة إرهابية من الممكن أن يعزز موقف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في حربها ضد الحوثيين، في حين أن القول بأنها حرب ضد اليمن من الممكن أن يضفي الشرعية عن غير قصد على سيطرة الحوثيين على أجزاء أكبر من اليمن.
وأكد أن ترقية الحوثيين من جماعة إرهابية إلى دولة اليمن من الممكن أن يمنحهم المزيد من السلطة في مفاوضات السلام والمنتديات الدولية. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع دول أخرى، وتغيير طبيعة التعامل الدولي مع اليمن.
يضيف "قد يؤدي هذا الاعتراف إلى تقويض سلطة الحكومة المعترف بها دوليا في العاصمة المؤقتة عدن ومنح الحوثيين المزيد من النفوذ في مفاوضات السلام لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن بشكل دائم".
ولفت إلى أن هناك إيجابيات وسلبيات في تأطير معركة إسرائيل على أنها ضد الحوثيين على وجه التحديد أو ضد دولة الأمر الواقع في اليمن.
وتشير توجيهات ساعر للدبلوماسيين الإسرائيليين في أوروبا بالضغط على الدول المضيفة لتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية إلى أن القدس اتخذت قرارها.
وخلص التحليل إلى القول إن هذا القرار هو أكثر من مجرد مسألة دلالية؛ فهو حساب استراتيجي له آثار عسكرية ودبلوماسية وإقليمية كبيرة.