أكتوبر 20, 2023آخر تحديث: أكتوبر 20, 2023

رامي الشاعر

كاتب ومحلل سياسي

صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في حديثه للصحفيين بأن خطر تصاعد النزاع الفلسطيني الإسرائيلي إلى صراع إقليمي مرتفع للغاية.

كما رفض لافروف إلقاء اللوم على إيران في كل شيء، مشددا على أن روسيا تعتبر تلك المحاولات استفزازا، وترى أن القيادة الإيرانية تتخذ موقفا مسؤولا ومتوازنا إلى حد ما، وتدعو إلى منع هذا الصراع من الانتشار إلى المنطقة بأكملها والدول المجاورة.

على الجانب الآخر، وبسبب تصريحات بايدن المخزية التي يعلن فيها صراحة عن وقوفه إلى جانب مجرمي الحرب، وإرهاب الدولة، ويلقي باللوم في تفجير المستشفى المعمداني في غزة على الضحية لا على الجلاد، رفض الأردن استقبال الرئيس الأمريكي، تضامنا مع الشعب الفلسطيني، وهو موقف يستحق الاحترام والتقدير والتعبير عن العرفان، إلا أنه ليس أمرا غريبا على الأردن، حيث يربط الشعبان الأردني والفلسطيني أواصر الدم ويعتبران في واقع الأمر شعبا واحدا.

إن إلغاء القمة يأتي كتعبير صريح من قبل الأردن ومصر والرئاسة الفلسطينية عن رفضهم للسياسة المنحازة، والدور الخبيث الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في دعمها لإسرائيل في عملية التصفية الجسدية للشعب الفلسطيني، والتصفية المعنوية والسياسية للقضية الفلسطينية، ونسف حل الدولتين من أساسه.

ولولا ثقة القيادة الإسرائيلية في دعم إدارة البيت الأبيض لها ومشاركتها له في كل ما ترتكبه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني، لما قامت بقصف المستشفى في غزة، وتدمير مركز التجأت إليه أفواج من سكان غزة الأبرياء مؤقتا للوقاية من الضربات المجرمة للجيش الإسرائيلي ضد الأطفال والنساء والشيوخ.

إن توقيت ضرب المستشفى قبل ساعات من وصول بايدن إلى المنطقة مدروس على نحو دقيق، ويحمل هدف تقوية وتعزيز مهمة بايدن في “إقناع” الفلسطينيين والعرب بعدم وجود خيار آخر سوى تنفيذ المخطط الإجرامي الذي تسعى إليه إسرائيل بتهجير سكان القطاع جنوباً، من أجل تفادي المزيد من الضحايا.

كان بايدن يود أن يطرح على القادة العرب في عمان أن يترك شعبنا الفلسطيني في غزة أرضه، ويتجه جنوباً نحو سيناء، وكان سيطلب من مصر والأردن توفير مناطق أخرى سواء في صحراء سيناء أو الأردن، وبذلك يدفع نحو تنفيذ أهداف صفقة القرن المشؤومة بالقوة، طالما فشلت عملية تنفيذها بالإغراء.

وبعد الجريمة التي ارتكبها بايدن، وإعلانه بكل وضوح عن مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الجريمة، فإن الولايات المتحدة قد فقدت كل ما تزعم الدعوة إليه من قيم أخلاقية وإنسانية، بينما لا تتردد في قتل آلاف الأطفال والنساء والشيوخ، بل ومستعدة للتضحية بالإسرائيليين أنفسهم في سبيل تحقيق أهدافها وحماية مصالحها. أكرر أن مشكلتنا الأساسية كفلسطينيين وكعرب هي الولايات المتحدة، وصراعنا معها بالذات.

لقد فقدت الولايات المتحدة أي احترام أو مصداقية كي تلعب دورا كلاعب رئيسي على الساحة الدولية وكذلك على الساحات الإقليمية، ومن الممكن أن تفقد قريبا أدوارها في ساحات أخرى كدول حلف “الناتو” أو الاتحاد الأوروبي. وهي تعي ذلك تماما، بينما يتجه العالم بسرعة نحو عالم متعدد الأقطاب، لذلك تقوم بمحاولات بائسة يائسة لاستعادة دورها من خلال ما أسمته يوما “إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا في أرض المعركة” من خلال ذراعها الأوكراني، وما تحاوله الآن من محاولات للتصعيد في الشرق الأوسط، من خلال ذراعها الإسرائيلي، بحيث تفرض ما تظنه “هيبة” إسرائيل في العالم العربي وإفريقيا.

إن قرار مصر والأردن والقيادة الفلسطينية إلغاء زيارة بايدن إلى عمان ورفض اللقاء معه بمثابة هزيمة منكرة للولايات المتحدة ودورها في التسوية الفلسطينية. إنه بمثابة ترجمة عملية لتصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن ما يحدث أمامنا اليوم هو تجسيد لفشل السياسة الأمريكية في المنطقة، ونتيجة لسنوات من عرقلة عمل الرباعية الدولية التي تشكلت بقرار مجلس الأمن الدولي (والتي تضم روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وهيئة الأمم المتحدة للعمل على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة) وسائر الآليات السياسية، والرغبة الأمريكية في احتكار التسوية.

إن الاشتباكات الجارية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي تشي بدخول حزب الله صراعه المرتقب مع الصهيونية العالمية. ولولا حزب الله لكانت المحاولات الأمريكية المستمرة لجعل لبنان متممة لإسرائيل كقاعدة متقدمة للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، وعلى البحر الأبيض المتوسط. لهذا لم يكن من قبيل الصدفة أن تبني الولايات المتحدة عمليا أكبر سفارة لها في الشرق الأوسط بأصغر بلد (21 ملعب كرة قدم، و2.5 مساحة البيت الأبيض!).

إن حزب الله اليوم، وبمساندة إيران، التي يبدو أنها أيضاً ستدخل في الصراع بشكل مباشر، ولن استغرب دخول دول عربية أخرى، ما سيسفر عن هزيمة الولايات المتحدة كما حدث في أفغانستان وأوكرانيا، وسيتم تعطيل حاملتي الطائرات الأمريكيتين باستخدام ما لا يقل عن 20 ألف طائرة مسيرة ستنطلق مباشرة من أماكن متفرقة. قد لا تغرق هذه الطائرات المسيرة حاملتي الطائرات، إلا أنها ستعطل عملها وأدائها أيا من مهامها العسكرية. إلا أن الكارثة الأكبر التي يمكن أن تلحق بإسرائيل، هو إذا ما هيئت لها حماقتها استخدام رؤوس نووية في القتال، حينها سيكون هناك هدف على الأراضي الإسرائيلية سيتم استهدافه، وستكون نتيجته نفس ما يمكن أن تؤدي إليه القنبلة الذرية.

في الوقت نفسه، تعاني هيئة الأمم المتحدة من شلل عضال، ولا تأثير لها. وكان الأولى بالأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش ألا يكتفي بندائه لوقف إطلاق النار فحسب، بل أن يتضمن هذا النداء ذكر القضية التي لم يتم حلها منذ 75 عاما، حيث كان على الأمم المتحدة اتخاذ قرار يضمن حق الشعب الفلسطيني في التمتع بدولته المستقلة، وكان الأجدى به أن يذكّر المجتمع الدولي بذلك.

لقد اجتمع مجلس الأمن مؤخرا بطلب من روسيا والإمارات، وكان من الواضح أن الولايات المتحدة سوف تستخدم حق النقض “الفيتو” لأي مبادرة تهدف إلى مساعدة الشعب الفلسطيني، وبرغم أن الاجتماع لم يتوصل إلى أي قرار، بطبيعة الحال، إلا أنه ظل دليلاً دامغاً وساطع الوضوح أمام العالم أجمع على إصرار الولايات المتحدة على تصفية القضية الفلسطينية، وعدم احترام أي مبادرات، بما في ذلك من الدول العربية.

لكن القضية ستظل ماثلة أمام منصات الأمم المتحدة لتذكّر العالم بأسره بأن هناك شعب وحيد لم ينفذ بحقه قرار صادر منذ 75 عاما ينص على قيام الدولة الفلسطينية. بهذا الصدد، أعتقد أن غالبية الشعوب العربية تشاركني التقدير لتصريحات الرئيس بوتين، الذي أعلن بشكل واضح لا لبس فيه أن حل الأزمة الراهنة لن يكون سوى بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وتنفيذ كافة قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

في العالم الجديد الذي تبزغ شمسه الآن، العالم متعدد الأقطاب، سيتغير وضع الأمم المتحدة، وسيتم تعديل هياكلها ومؤسساتها بما يتناسب مع الآليات والتدابير والإجراءات وموازين القوى الجديدة، وسيكون للمنظمة قوانينها العادلة والمتوازنة والتي تساوي بين سيادة جميع الدول بصرف النظر عن حجمها. إلا أنني أتمنى أن يتم الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية قبل ذلك، لأن انتظار الشعب الفلسطيني قد طال، ودفع من دماء أبنائه الزكية الكثير، ليروي أرضه العطشى التواقة للحرية.

المجد والخلود لكل شهداء فلسطين، والتعازي الحارة لأسر الشهداء في غزة والضفة الغربية.

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

كلمات دلالية: المتحدة الأمریکیة الدولة الفلسطینیة الولایات المتحدة الشعب الفلسطینی الأمم المتحدة الأمریکیة فی حزب الله إلا أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

بين الأحلام والأوهام.. العرب يراقبون الانتخابات الأمريكية!

Your browser does not support the audio element.

لا تقل مراقبة العالم العربي للانتخابات الأمريكية، التي دخلت منعطفا مهما، عن تلك التي تحدث داخل أمريكا نفسها؛ فالنتيجة النهائية تؤثر بشكل كبير في الشرق الأوسط بشكل عام وفي العالم العربي بشكل خاص كما لا تؤثر انتخابات دولية أخرى.. والمصالح العربية مرتبطة بشكل أساسي بالبيت الأبيض باعتباره «حليف» استراتيجية «مفترض» للدول العربية.

ويدور سؤال الانتخابات الأمريكية في العالم العربي كما يدور في أمريكا، أي المرشحَين أفضل للعالم العربي، هل هو بايدن أم ترامب؟.. وهذا سؤال مؤلم، مع الأسف الشديد، حيث تُرتهن المصالح العربية بإدارة دولة هي حليف استراتيجي وراع وممول لعدوهم الأول: الإسرائيلي!

وفي محاولة لفهم التجربتين: تجربة ترامب وتجربة بايدن يجد القارئ لهما الكثير من التناقضات والكثير من الالتباسات.

تميزت فترة بايدن بعودة الارتباطات الدبلوماسية التقليدية بين أمريكا والمنطقة، وعودة النهج الحذر فيما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط. وحاولت إدارة بايدن تحقيق التوازن بين المصالح الأمريكية والاستقرار الإقليمي. ورغم الموقف «المتوقع» لإدارة بايدن من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة الذي كان منسجما مع تعهدات أمريكا بحماية أمن إسرائيل وضمان تفوقها في منطقة الشرق الأوسط، فإن بايدن بقي متمسكا في خطابه السياسي بحل الدولتين وأعاد المساعدات للفلسطينيين التي كان قد أوقفها سلفه ترامب. كما كانت سياسة بايدن تجاه القضية الفلسطينية قبل 7 أكتوبر، على الأقل، تهدف إلى إعادة بناء الثقة وتعزيز الحوار، على الرغم من غياب أي تقدم حقيقي وملموس في القضية الفلسطينية حتى ذلك الوقت.

ينظر العديد من العرب في مراكز صناعة القرار السياسي إلى أن استمرار بايدن في منصبه قد يشكل عامل استقرار نسبيًا؛ حيث يتناقض أسلوبه الدبلوماسي بشكل واضح مع نهج وأسلوب ترامب الأكثر اعتمادًا على المصالح الآنية عبر تكتيكات الضغط العلنية والتحالفات المشروطة بمصالح اقتصادية. وفي حين أن بايدن لم يغير سياسة الولايات المتحدة بشكل جذري في المنطقة، فإن ثبات إدارته ساعدت دول المنطقة على التنبؤ بالخطوة التالية في منطقة تعاني من تقلبات سياسية كبيرة.

وعلى عكس ذلك كانت فترة حكم ترامب مليئة بالإثارة والمفاجآت خاصة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط. طرح ترامب ما أسماه حينها بـ«صفقة القرن» التي سرعان ما اكتشف العرب أنها مبنية لصالح إسرائيل وحدها ولا شيء فيها يمكن أن يلبي حتى الحد الأدنى من أحلام العرب تجاه القضية الفلسطينية. وكانت ذروة مفاجآت ترامب تتمثل في اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إلى القدس، قبل أن يعود لاحقا ويصفي القضية الفلسطينية برعايته توقيع أربع دول عربية على اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل فيما عرف باتفاقيات «أبراهم» دون أي عائد ولو شكليًا للقضية الفلسطينية.

وفي العموم كانت سياسة ترامب في الشرق الأوسط تتميز بنهج يتضمن الاستفادة القصوى من النفوذ الأمريكي لانتزاع تنازلات من الدول العربية، وهي استراتيجية وصفها بعض النقاد بأنها ليست إلا «ابتزازًا» علنيًا من دولة عظمى. وكشفت معاملات ترامب مع الدول العربية حينها وبشكل واضح عن سياسة الحوافز الأمنية مقابل المواءمة السياسية.

بهذا المعنى ينظر الكثير من العرب إلى احتمال إعادة انتخاب بايدن بشكل أكثر إيجابية عن نظرتهم لعودة ترامب. ويُنظر إلى سياسات بايدن، رغم كل الانتقادات التي صاحبت الحرب على غزة، على أنها أكثر اتساقا مع السياسة التاريخية الأمريكية في المنطقة وأقل إزعاجا.

وفي المقابل، فإن احتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض يثير الكثير من المخاوف بشأن عودة تكتيكات الضغط الأقصى والقرارات الأحادية مرة أخرى. وقد يخشى بعض القادة العرب تكرار القرارات السياسية غير المتوقعة في كثير من الأحيان والتي ميزت ولاية ترامب الأولى. ومع ذلك، فإن بعض الدول العربية قد ترحب بعودة ترامب، وترى فيه فرصة لتعزيز أهدافها الاستراتيجية. وسواء فاز بايدن أو ترامب، يجب على العالم العربي أن يبقى قادرا على التكيف مع متغيرات السياسة الأمريكية وتحولات اهتماماتها الاستراتيجية.

يقدم كلا المرشحَين تحديات وفرصًا مختلفة. توفر دبلوماسية بايدن الثابتة ما يشبه القدرة على التنبؤ والحفاظ على التوازنات القائمة. وفي المقابل، يمكن لاستراتيجيات ترامب المفاجئة أن تعيد تشكيل التحالفات الإقليمية وديناميكيات القوة في المنطقة.

وفيما يخص القضية الفلسطينية فإن على العرب أن يؤمنوا، تمام الإيمان، أن إسرائيل خط أحمر كبير بالنسبة لأمريكا والغرب، أيضا، ولا ينتظروا من أمريكا أن تتنازل عن تلك الخطوط الحمراء، وأن يستعدوا لعودة استراتيجية الضغط من أجل التطبيع المنفرد مع إسرائيل.. ودون مقابل!

مقالات مشابهة

  • وصفها بـ«المجنونة».. ترامب يسخر من رئيسة مجلس النواب الأمريكية السابقة
  • مشيرة خطاب: دور مصر في القضية الفلسطينية أدى إلى اعتراف 149 دولة بفلسطين
  • وقفات قبلية في حجة تضامناً مع فلسطين ومباركة للإنجاز الأمني
  • بين الأحلام والأوهام.. العرب يراقبون الانتخابات الأمريكية!
  • عنترة بن شداد والولايات المتحدة الأمريكية
  • رئيس وزراء فلسطين يُثمن الجهود المصرية والأردنية لدعم القضية الفلسطينية
  • انتقادات لاذعة تطال الخارجية الأمريكية لدعمها الانتهاكات الإسرائيلية بغزة
  • الاستخبارات الأمريكية :روسيا تفضل فوز دونالد ترامب على نظيره جو بايدن
  • باحث فلسطيني: الولايات المتحدة لا تستطيع الضغط على نتنياهو.. لهذا السبب
  • فوز الكويتي عبد الله الحسيني بجائزة غسان كنفاني للرواية العربية