من غزة المحاصرة.. شهاداتٌ من رحم الركام والدمار
تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT
أكثر من مئة طفل فقدوا أهاليهم بشكل كامل في غزة وبقوا وحيدين دون أحد لهم. ما يجعل من العسير التنبؤ بمستقبلهم في ظل غياب الأبوين وكيف ستكون قدرتهم على تجاوز هذا الجرح الغائر.
اعلانثلاثة عشر يوماً ولم تضع الحرب بعد أوزارها في غزة.. لكنها حملت في ذات الوقت الكثير من معاناة المواطنين الذين يفتقرون لأدنى الاحتياجات الانسانية.
ما يزيد عن مليون فلسطيني في القطاع أكثرُ من نصفهم نازحون ومشرّدون، يرزحون تحت وطأة الغارات المستمرة فكيف هي أشكال هذه المعاناة؟
إليكم شهادات بعض الفلسطينيين في غزة عما يكابدونه..
النزوح من شمال غزة إلى جنوب القطاع.. شهادات المدنيينفي صباح يوم الجمعة الرابع عشر من أكتوبر طلب الجيش الاسرائيلي من المواطنين في شمال قطاع غزة ومناطق مدينة غزة بالنزوح إلى جنوب وادي غزة أي إلى المناطق الوسطى وجنوب قطاع غزة لأنها آمنة كما يقولون. في ساعات الصباح الأولى بدأ المواطنون في التواصل مع أصدقائهم وأقربائهم في تلك المناطق أملا في أن تتم استضافتهم خلال أيام الحرب.
هذا ما وصفه هاني سليم "40 عاماً" واسترسل في حديثه قائلا:" أحد أصدقائي من مدينة خان يونس اتصل بي ودعاني للبقاء في منزله مع عائلته حتى تنتهي الحرب ونتمكن من العودة إلى منازلنا، لم تكن فكرة الانتقال من مدينة غزة إلى خان يونس سهلة في ظل القصف الشديد فنحن لا ثقة لدينا بالجيش الاسرائيلي الذي يمكن أن يستهدف سياراتنا خلال التنقل، لهذا تشاورت كثيراً مع عائلتي واتخذنا قرارا بأن ننتظر قليلاً لعل تهديدات الاحتلال تكون خاطئة، ولكن ليلة السبت كانت صعبة جداً. فالقصف الشديد في محيط المنطقة لم يهدأ للحظة واحدة، كنت أنتظر شروق الشمس حتى أخرج مع عائلتي من البيت ودعوت كثيراً أن ننجو من هذا القصف، كانت ليلة طويلة صعبة جداً وجاء الصباح. شعرت بحرقة قلب كبيرة وخوف شديد على عائلتي".
ويضيف هاني قائلاً:" مع ساعات صباح يوم السبت الأولى أعدّت زوجتي الأغراض التي سنحتاجها وخرجت مع أطفالي الخمسة إلى هناك، وجدت مئات العائلات على طريق النزوح إلى جنوب قطاع غزة، كانت جميع الوجوه حزينة مستاءة لتركها بيوتها وتشريدها إلى مناطق أخرى لا تعلم ما هو مستقبل الأحداث وإلى متى ستستمر، وصلنا إلى مدينة خان يونس ورأينا الشوارع مكتظة بالنازحين، نحن لا نشعر بالراحة في مكان آخر ونحتاج للعودة لبيتنا الذي لا نعرف إذا كان مازال سليماً أم دُمّر، فمدينة غزة شهدت دمار كبير جداً".
مدارس الأونروا.. ملاذ النازحين ولكن أين الأمان؟استقبلت مدينة خان يونس آلاف النازحين من المناطق الشمالية للقطاع ويفوق عدد السكان فيه 600 ألف مواطن، هؤلاء النازحون لجأوا إلى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا والمستشفيات ومنازل الأقارب والأصدقاء.
لكن النزوح إلى المدارس معاناة أصعب وأكبر، تقول سمر شرف" 54 عاماً" : أنا من بلدة بيت حانون تشردت في بداية الحرب إلى مدارس الأونروا وسط مدينة غزة كونها آمنة وتتبع لمؤسسة دولية، اشتدت وتيرة الحرب كثيراً وبدأت الصواريخ تنهال على بعض المدارس عدة مرات، ومن ثم طلب الجيش الاسرائيلي منا اخلاء مناطق مدينة غزة ولكن قلت أنني في مدرسة أونروا، ولن يلحق بنا ضرر بشكل مباشر ولكن الوكالة خرجت لتقول للإعلام إن مؤسساتها غير آمنة، لهذا أُجبرت على النزوح مرة أخرى إلى مدرسة تديرها الأونروا في مدينة خان يونس مع 20 شخصاُ من عائلتي".
تضيف سمر قائلة:" حياتا في المدرسة صعبة جداً لا يوجد طعام ولا ماء ولا كهرباء، لا يوجد أي من مقومات الحياة التي نستطيع من خلالها أن نبقى على قيد الحياة، إن لم نمت من الحرب سوف نموت من العطش وقلة الغذاء، لا توجد مواد تموينية بسبب كثافة السكان، لا يوجد خبز والحصول عليه أصبح صعب جداً، لا نستطيع طبخ أي شيء في المدرسة. لا يوجد أدوات للطهي، وأنا مريضة بداء السكري وأحتاج إلى علاج وغذاء لكي أستطيع أن أتحمل ما أعيشه هذا، نحن نعيش أصعب أيام في حياتنا، متى ستنتهي هذا كله؟ متى ستنتهي هذه الحرب المؤلمة؟
عشرات الأطفال بلا أب أو أم..أكثر من مئة طفل فقدوا أهاليهم بشكل كامل في غزة وبقوا وحيدين دون أحد لهم. ما يجعل من العسير التنبؤ بمستقبلهم في ظل غياب الأبوين وكيف ستكون قدرتهم على تجاوز هذا الجرح الغائر.
الطفل عودة أبو عكر " 12 عاماً " من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة فقد والديه وإخوته وكان الناجي الوحيد من قصف ضرب المكان الأربعاء 18 أكتوبر الجاري. يقول:" منذ بداية الحرب لم نخرج من بيتنا، عائلتنا كلها بقيت في المنزل وكنا مطمئنين معهم وشعرنا أننا بأمان، جاء إلينا عائلة أحد أصدقائنا ونزحوا إلى بيتنا، في الليلة التي سبقت القصف كنا نجلس مع أبي وأمي نتسامر ونضحك ولم نشعر بأن القصف سوف يصيبنا يوماً ما خلال الحرب، كنا نسمع صوت القذائف من الدبابات والصواريخ التي تتساقط في محيط المنطقة، لكن أبي كان يقول لي هذا القصف بعيد لن يصيبنا ضرر".
دخان كثيف متصاعد من غارة إسرائيلية على غزةيورونيوزويضيف قائلاً:" صباح أمس صباحاً سمعنا صوت صواريخ ومن ثم كان هناك دخان كثيف وأشياء سقطت على جسدي، جاء أحد لانتشالي من تحت الأنقاض كنت مصابا ونظرت حولي وجدت أعداد كبيرة من الناس تصرخ بصوت عالي شهيد وأشلاء وذهب إلى المشفى وكانت اصابتي متوسطة، كان حولي أبناء عمي يبكون وسألتهم عن أبي وأمي واخواتي قالوا لي أنهم ذهبوا إلى مكان أفضل من هنا، منذ أمس وأنا أبكي بشدة أريد عائلتي اشتقت لهم كثيراً".
في صباح يوم الثلاثاء الساعة السابعة استيقظ الحي السكني على صوت صاروخ قوي في المنطقة، خرج جميع المواطنين يصرخون من شدة الصوت ويبحثون عن المكان الذي قُصف، كان الاستهداف لبيت أحد الجيران الذي يضم عائلة مكونة من سبعة أفراد ونازحين، استشهد جميع النائمين في البيت ما عدا عودة ظل وحيداً يتيماً بدون عائلة.
عودة ليس الطفل الوحيد الذي أصبح وحيداً، قد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في وقت سابق أن أكثر من مئة طفل فقدوا جميع أفراد عائلتهم وبقوا وحيدين دون أي أحد.
لا ماء ولا كهرباء..
منذ ثالث أيام الحرب قطعت إسرائيل الكهرباء عن غزة بشكل كامل وأُغلقت المعابر ومُنع وصول الوقود إلى غزة لتشغيل محطة توليد الكهرباء. وقد ارتبطت معاناة التزود بالطاقة بشكل وثيق مع معاناة المياه التي قطعتها اسرائيل عن غزة بشكل كامل.
لا يستطيع المواطنون إيجاد الماء لاستخدامهم اليومي، ولا حتى الكهرباء لشحن هواتفهم أو إضاءة إنارة بسيطة على أطفالهم من خلال البطاريات الصغيرة.
أطفال في طوابير التزود بالمياه الصالحة للشربيورونيوزيقول أنس المصري" 33 عاماً " : منذ بداية الحرب ونحن نتساءل هل يوجد مياه كافية لدينا أو يوجد شحن في هواتفنا؟ هل متوفر خبز في البيت أم لا؟ في بيتي نازحون من بلدة بيت لاهيا ونازحون من مدينة غزة أي لديّ أكثر من 30 شخص، نحن بحاجة للمياه وللخبز أيضا. أقضي يومي على طوابير المخابز ومحطات المياه لتعبئة مياه للشرب، أبحث عن شخص لكي يساعدني في تعبئة خزان المياه للاستخدام فقط لغسل اليدين على الأقل لا أريد الاستحمام سأتحمل هذا الوضع ولكن لنجد مياه على الأقل في دورات المياه".
اعلانفلسطينيون يتجمعون حول نقطة توزيع المياه الصالحة للشرب في غزةيورونيوزيضيف قائلاً: لا يوجد حتى طريقة تواصل مع الأهل، جميعنا نعيش حالة قلق لفقدنا التواصل مع أهلنا، الاحتلال الاسرائيلي قصف شركة الاتصالات الوحيدة في القطاع ودمر أبراج الاتصالات كلها، نحاول عشر مرات لكي نتصل بأحد وخلال الحديث ينقطع الاتصال، نحن في حالة يرثى لها والعالم يشاهدنا وصامت، هل يعقل أن يعيش 2 مليون مواطن في هذا الحصار والحرب الصعبة".
ليل غزة طويل موحش .. بين الظلام وأزيز الطائرات ودوي الانفجاراتالليل له قصة أخرى مع أهالي غزة، هو أطول الليالي التي يعيشوها وكل دقيقة تمر ببطء شديد جداً وأصوات الطائرات تتعالى بكثافة كبيرة ومربكة للمواطنين، أصوات الصواريخ تهز المكان في كل دقيقة، تصفه منى خضر " 40 عاماً " قائلة: ظلام مخيف، الطائرات الحربية تغزو سماء وأرض غزة، القلق يقتل من تبقى يتنفس خوفاً على أطفاله ومن تبقى من أهله، نتلقف أخبار القنوات الإعلامية على مواقع الفيس بوك أو على الواتساب، نشحن البطاريات نهاراً بأية بدائل حتى يبقى ضوء بسيط او نقطة تواصل ليلا لأن ليل غزة موحش".
وتضيف قائلة " نتفقد أطفالنا بين الحين والآخر، نحاول أن نخفف عنهم هول ما يعيشونه. في كل ساعة مجزره جديدة وعائلات تسقط وتبقى تحت الركام، نحن في غزة نحب الحياة ونحب الورد ونحب لقاء أحبتنا وضحكاتنا".
شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية مشروع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.. خطة قديمة جديدة شاهِدُها حسني مبارك شاهد كيف تستعد إسرائيل للهجوم البري على غزة تهديدات بالقتل وفصل من العمل.. فلسطينيو الداخل يُلاحقون بسبب منشورات داعمة لغزة طوفان الأقصى غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني اعلانالاكثر قراءة بايدن: إذا كنتم تفكرون بمهاجمة إسرائيل فلتعدلوا عن هذه الفكرة لأن إسرائيل اليوم أقوى من أي وقت مضى طوفان الاقصى: غارات إسرائيلية على مدار الساعة في غزة ووعود بفتح معبر رفح الجمعة متظاهرون يهود في واشنطن يدعون إلى وقف إطلاق النار في غزة ويدينون التمويل الأميركي لإسرائيل شاهد: مظاهرات تضامن مع الفلسطينيين في دول أوروبية ودعوات إلى وقف إطلاق النار في غزة كيف تحولت فلسطين على الخرائط لإسرائيل في ظرف 7 عقود فقط؟ اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. طوفان الأقصى: 4137 قتيلا جراء القصف الإسرائيلي على غزة وغوتيريش في رفح يدعو لإدخال المساعدات يعرض الآن Next مشروع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.. خطة قديمة جديدة شاهِدُها حسني مبارك يعرض الآن Next شاهد: بوتين يتفقد المنطقة العسكرية الجنوبية في أوكرانيا يعرض الآن Next فيديو: حزب الله يستهدف مواقع عسكرية إسرائيلية على الحدود مع لبنان يعرض الآن Next شاهد: البرلمان الأوروبي يصوت لصالح قرار يطالب بهدنة إنسانية في غزة LoaderSearchابحث مفاتيح اليوم غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل طوفان الأقصى فلسطين حركة حماس فرنسا قطاع غزة الشرق الأوسط قصف روسيا مصر Themes My Europeالعالممال وأعمالرياضةGreenNextسفرثقافةفيديوبرامج Servicesمباشرنشرة الأخبارالطقسجدول زمنيتابعوناAppsMessaging appsWidgets & ServicesAfricanews Games Job offers from Amply عرض المزيد About EuronewsCommercial Servicesتقارير أوروبيةTerms and ConditionsCookie Policyتعديل خيارات ملفات الارتباطسياسة الخصوصيةContactPress OfficeWork at Euronewsتابعونا النشرة الإخبارية Copyright © euronews 2023 - العربية EnglishFrançaisDeutschItalianoEspañolPortuguêsРусскийTürkçeΕλληνικάMagyarفارسیالعربيةShqipRomânăქართულიбългарскиSrpskiLoaderSearch أهم الأخبار غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل طوفان الأقصى فلسطين حركة حماس My Europe العالم مال وأعمال رياضة Green Next سفر ثقافة فيديو كل البرامج Here we grow: Spain Discover Türkiye Algeria Tomorrow From Qatar أزمة المناخ Destination Dubai Angola 360 Explore Azerbaijan مباشرالنشرة الإخباريةAll viewsنشرة الأخبارجدول زمني الطقسGames English Français Deutsch Italiano Español Português Русский Türkçe Ελληνικά Magyar فارسی العربية Shqip Română ქართული български Srpskiالمصدر: euronews
كلمات دلالية: طوفان الأقصى غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل طوفان الأقصى فلسطين حركة حماس فرنسا قطاع غزة الشرق الأوسط قصف روسيا مصر غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل طوفان الأقصى فلسطين حركة حماس مدینة خان یونس طوفان الأقصى یعرض الآن Next بشکل کامل مدینة غزة من مدینة قطاع غزة لا یوجد أکثر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
اليورانيوم في ليبيا أين يوجد وهل يغير مستقبل البلاد؟
لطالما ارتبطَت الكعكة الصفراء بالقذافي، ومشروعه النووي الذي كُشف عنه الستار لأول مرة أوائل الألفية الثالثة، قبل أن يتخلى عنه تحت ضغطٍ أميركي كبير. ولكن لماذا نعيد فتح ملف اليورانيوم اليوم؟
ويكشفُ هذا التقرير -ولأول مرة- عن نسبة اليورانيوم المشعّ في ليبيا بطبقاته السطحية استنادًا إلى أول بحوث حقلية ودراسات نووية ليبية بحثت عن اليورانيوم في ليبيا، ليطرح عديد التساؤلات حول إمكانية أن يشكل اليورانيوم فرصة حقيقية -غير مستغلة- لتعزيز الاقتصاد وإحداث نقلة نوعية بمجال الطاقة.
كلية الهندسة النووية في طرابلس 1985 (عبد الحكيم الطويل) أين يتركز اليورانيوم الليبي؟اليورانيوم معدن ثقيل جدًا، ويتميز بلونه الفضي عندما يكون نقيًا، لكنه يتحول إلى الأسود عند تعرضه للأكسدة، وهو ينتمي إلى العناصر المشعة ويعد غير مستقر، مما يعني أنه يتحلل بمرور الوقت ليصدر إشعاعات، ويتحول إلى عناصر أخرى، ويوجد بالطبيعة في شكل نظائر، وهي أشكال مختلفة للعنصر نفسه، وأحد هذه النظائر هو اليورانيوم-235، وهو قابل للانشطار، مما يعني أنه يمكن استخدامه في توليد الطاقة النووية.
وفي دراسةٍ بحثية أجرتها الباحثة الجيولوجية وفاء الشريف عام 2004 بجامعة سبها أظهرتْ أنَ نسبة اليورانيوم المكتشفة في ليبيا هي 112 جزءا من المليون، وتتركز في طبقة الحجر الرملي التي توجد بها تراكيز عالية من الحديد، وحدّدت وفاء المنطقة التي جرى قياس تركيزات اليورانيوم فيها عند منطقة العوينات في الجنوب الغربي من البلاد.
إعلانواستنادًا إلى ذلك، يشير المهندس النووي والكاتب في الشؤون النووية عبد الحكيم الطويل إلى عدم وجود دراسات مُحَدَّثة حول كميات اليورانيوم القابلة للاستخراج بشكل اقتصادي، نتيجة الأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية التي مرّت بها ليبيا على مدار 13 عامًا.
وأوضح الطويل أن اليورانيوم موجود بكميات صغيرة في كل مكان، في التربة والصخور والماء وحتى أجسادنا، ومن المدهش أنه يوجد بكميات كبيرة وإن كانت مخففة في المحيطات، إذ تصل كميته إلى 4 آلاف مليون طن تقريبًا.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، توجد شذرات من اليورانيوم على شواطئ مدينة تاجوراء شرقي العاصمة طرابلس، امتدادًا إلى مدينة مصراتة بِحسب دراسة حقلية أجراها قسم الهندسة النووية بكلية الهندسة جامعة طرابلس، إلا أنَ إشعاعه أقل بكثير من متوسط الإشعاع الطبيعي العالمي الآمن -مجرد 4% منه- والمفارقة أن ورقة بحثية عن تربة مدينة غريان الجبلية الطينية التي تُستثمر منذ سنوات في العديد من الفخاريات التقليدية، أثبتت أنَ إشعاع تربة باب العزيزية -في طرابلس- كان أقل بنحو 5 إلى 10 مرات من الإشعاع الطبيعي لهذه الفخاريات.
وردًا على سؤال الجزيرة نت حول أبرز المواقع التي تحوي اليورانيوم، يُجيب الطويل "حدد فريقٌ مكونٌ من جيولوجيين وكيميائيين وفيزيائيين ومهندسين وتقنيين ليبيين وأجانب في دراساتٍ حقلية ومختبرية عديدة طوال سنوات في 5 مناطق رئيسة تحوي شذرات اليورانيوم تزيد عن معدلاتها الطبيعية العالمية".
ويوضح الطويل أن هذه المناطق هي تيبستي (المشترك مع تشاد) جنوب مدينة غدامس (قرب الحدود الغربية مع الجزائر) حوض سرت (على ساحل المتوسط شمالاً) العوينات الشرقية (قرب الحدود الشرقية المصرية السودانية) العوينات الغربية (سردلس قرب الحدود الغربية مع الجزائر).
اليورانيوم الطبيعي من كتاب "الطاقة النووية في بيتك" (عبد الحكيم الطويل) اليورانيوم في ميزان اقتصاد ليبيابالحديث عن تكلفة استخراج اليورانيوم، قدّرت وفاء الشريف بحسبِ دراستها أن تكون التكلفة عالية إذا قُورنت بعمليات استخراج معادن أخرى، إذ تتجاوز عملية الاستكشاف فقط حوالي 200 مليون دولار، في حين تبلغ تكلفة الاستخراج والتنقيب ما قيمتهُ 700 مليون دولار كحد أدنى، وفقَ الباحثة.
إعلانغير أن الطويل أكد عدم إمكانية الفصل في دقة هذه التقديرات إلا بعد حصر مكامن اليورانيوم وتقدير احتياطاته بدقة. ويضيف "وهذا ما لم نصل إليه بعد، ففي حال التأكد من وجود اليورانيوم بكميات اقتصادية مجدية ستكون هناك آفاق جاذبة جداً ليكون من موارد دخلنا خصوصاً في مرحلة نضوب النفط، كما أن أرضنا الشاسعة النائية والقاحلة يمكنها توفير فضاءات دولية آمنة لتكرير اليورانيوم تحت إشراف خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية وضمائر الوطنيين النوويين مهمة جداً هنا في تكريس أمانها".
بينما اعتبر المحلل الاقتصادي أحمد الخميسي أنَ الاستثمار في اليورانيوم ليس مجرد فرصة لتوليد العوائد المالية المباشرة، بل يمثل أيضًا وسيلة لبناء صناعات مساندة مثل التعدين والطاقة النووية، إذا استطاعت ليبيا استغلال احتياطياتها، مع افتراض وجود كميات كافية ودخولها السوق العالمي، فقد تصل العوائد إلى ما بين 1 و3 مليارات دولار سنويًا، مشيرًا إلى حاجة ليبيا الملحة لتوفير تشريعات تشجع الاستثمارات الأجنبية، والعمل على تخفيف المخاطر السياسية والأمنية.
وحدة التشغيل في مركز تاجوراء للبحوث النووية (عبد الحكيم الطويل) التوجّه نحو الطاقة النوويةاليورانيوم هو العنصر الأساسي المستخدم في محطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، وبشكل خاص يعد يورانيوم-235 النظير الأكثر أهمية في توليد الطاقة النووية لأنه قابل للانشطار. وعند عند ضرب نواته بجسيم دون ذري يسمى النيوترون، تنقسم تلك النواة إلى عناصر أصغر، مما يطلق طاقة حرارية هائلة ونيوترونات أخرى تستمر في سلسلة من التفاعلات.
وتستخدم الطاقة الناتجة عن الانشطار النووي لتسخين الماء داخل المفاعل، وتحويله إلى بخار عالي الضغط، يستخدم ليدير التوربينات التي تُشغل مولدات كهربائية، مما ينتج الكهرباء.
يقول الطويل إن اليورانيوم مادة إستراتيجية دولية جاذبة لكل الدول العظمى سواء لتعزيز ترسانتها النووية أو لفائدة محطات توليد الكهرباء النووية فيها التي تستخدم اليورانيوم كوقود لها، ولكن عندما يتعلقُ الأمر بليبيا فهناك العديد من التحديات التي تُعيق من الوصول إلى مكامنه المحتملة وتقدير احتياطياتهِ، ولتذليلِ هذه التحديات يجب جذب الشركات الدولية المُختصة في التنقيب والاستكشاف بالتنقيب عن اليورانيوم علنيةً، وإذا وجد بكميات تجارية سيكون اليورانيوم نفطَ ليبيا الجديد الذي تدرّ من وراء تصديره الملايين كما تفعل مع النفط.
إعلانومن منطلق مساحة ليبيا الشاسعة وخلو مساحاتٍ كبيرة منها من الأراضي الزراعية والمناطق غير المأهولة بالسُكان من الممكن -بعد موافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحت إشراف خبرائها- يقول الطويل إنه يمكن تأسيس محطات لتكرير اليورانيوم آمنة تعتمد معايير الأمان النووي والبيئي بأفضل من تلك المستخدمة في بيئة بعض دول الجوار الفقيرة.
ويضيف "بل إذا حاولنا مشاركة خبرة الشركات الأجنبية المماثلة العاملة في الجارة الجنوبية (النيجر) لنقل خبرتها إلى بلادنا فإننا سنستفيد جداً في تسريع توطين هذه الخبرة لتشابه البيئة وتقارب المسافة، مع توفير فرصة تدريب كفاءات وطنية بالداخل".
ماذا عن الوضع السياسي الراهن؟اشترط وزير النفط والغاز في حكومة الوحدة محمد عون عدم الخوضِ في مسألة اليورانيوم والطاقة النووية قبل أن تستقر البلاد وتُشكل حكومة واحدة موحدة تحرص على ثروات البلاد وتنميتها، وعند ذلك الوقت يمكن التوجه نحو استغلال هذا المورد واستكشافه وتطويره ليسهم في تنوع الاقتصاد، موضحًا أنه وبمقارنة ما تنفقه ليبيا على المحروقات الأجدر أن تخصص حجم الإنفاق لدعمِ هذا التحول.
ويتفق مع هذا التوجّه المحلل الاقتصادي أحمد الخميسي الذي أوضحَ أن الانقسام السياسي يحول دون التعويل على الاستثمارات الأجنبية بشكل كبير في الوقت الراهن، نظرًا لارتفاع درجة المخاطرة، لافتًا إلى الفارق الكبير بين التكلفة العالية المرتبطة باستكشاف واستخراج اليورانيوم وبين العائدات المحتملة، مما يجعل الجدوى الاقتصادية للاستثمار في هذا القطاع مرتبطة بشكل وثيق بتحقيق الاستقرار السياسي وتحسين الأوضاع الأمنية.
وبدورهِ يرى الدكتور عز الدين أبو غالية، وهو مستشار وخبير بمجال النفط والطاقات الجديدة والمتجددةّ، أنَ من أبرز العوائق التي تعترض إمكانية التوجه لاستغلالِ اليورانيوم كمصدرٍ للطاقة هما الوضعان السياسي والأمني المتذبذبان منذ عام 2011، مما يؤثر على حالتي الاستقرار والأمن اللازمتين لاستغلالِ هذا المورد الطبيعي، فضلاً عن افتقار ليبيا للبنية التحتية اللازمة ونقص المؤسسات المحليّة المتخصصة في مجال التنقيب عن اليورانيوم واستغلالهِ عِلاوةً على مخاطره البيئية والصحية.
إعلان أي آثار بيئية مترتبة؟وعن الآثار البيئية وطبيعة التكوين، يقول الطويل إن اليورانيوم وإن كان معدنا طبيعيا إلا أنه مادة مشعة، وسيتسبب هو ونواتج استخلاصه في تلويث شديد للبيئة ومنابع المياه والهواء، إذا تعامل معه غير المختصين.
ويشير الطويل إلى أنَ الأشعة -وإن كانت خطيرة حقاً- إلا أن خطرها نسبي وليس مطلقا، إذ يختلف كثيراً باختلاف نوع الأشعة ومصدرها وطاقتها وزمن التعرض لها وزمن إشعاعها، وحتى ما إذا كانت محفوظة في حاويات آمنة ذات معايير نووية محكمة أو في حاويات عشوائية ليست مناسبة أم مكومة في الخارج بعيداً عن معايير أمان الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
بدورها أشارت وفاء الشريف إلى ضرورة العمل وفقَ شروط وقوانين منظمة وصارمة لاستخراج اليورانيوم بما يتلاءم مع البيئة وعدم إلحاق الضرر بالمحيط النباتي والبشري، مؤكدةً عدم وجود أي دراسات تُعنى بالبحث في التأثير الصحي على السكان القريبين من تلك المناطق.
اليورانيوم من عبء أمني لمورد اقتصاديولتحويل اليورانيوم من عبء أمني ومشكلة بيئية إلى مورد اقتصادي يوصي الطويل بالتالي:
التخلص من فكرة أن اليورانيوم مجرد قنبلة نووية وأشعة حارقة، وتبنيه كمورد اقتصادي، فاستخراج خامته وتصديرها تجارة مربحة تماثل في أهميتها ومكاسبها صناعة وتجارة النفط. التوجّه نحو التطبيقات السلمية للأشعة النووية المستخدمة في مجالات الزراعة والصناعة والطب والبيئة ليس فقط في الدول المتقدمة بل دول أميركا اللاتينية وأفريقيا وجنوب شرق آسيا. تأسيس خبرة بشرية محلية نووية في مركز بحوثنا النووي وقسم الهندسة النووية الوحيدين حتى الآن في جامعة طرابلس ونشر هذه الدراسة في جامعتي بنغازي وسبها. العمل على وضع كوادر نووية وطنية ذات ضمير في أعلى سلم السلطة النووية المحلية. إنشاء جسم رسمي يحمل اسم المجلس الاستشاري النووي الوطني يتبع مؤسسة الطاقة الذرية الليبية يضم الخبرات النووية التي تقاعدت. إعلان