حين أغلق الباحث صلاح الصادي باب مختبره في قطاع غزة قبل ما يزيد على شهر ليلتحق ببرنامج منحة "فولبرايت" الأميركية لتطوير الريادة، لم يكن يعلم أنه الإغلاق الأخير. فالباب الذي عبر منه نحو عالم المختبر الذي احتضن تجاربه واختراعاته التي فاز بعضها بجوائز عالمية لم يعد هناك، لقد مسحه تماما العدوان الإسرائيلي.

يتحدث الصادي الباحث في الكيمياء الصناعية (40 عاما) للجزيرة نت، بعد فوز مشروعه "الفلتر الأزرق" بالنسخة الأولى من جائزة صندوق قطر للتنمية والاستدامة على هامش حوار قطر الوطني حول تغير المناخ الأحد الماضي، عن رغبته الدائمة المدفوعة بفضوله مذ كان طفلا لإيجاد حلول يتجاوز بها صعوبات الحصار على القطاع، وتمكن مشاركتها مع العالم أيضا.

يتخصص مشروع "الفلتر الأزرق" في معالجة المياه وتنقيتها عبر بذور النباتات ويسهم في دعم الزراعة المستدامة والحفاظ على البيئة.

فحين كان الصادي يحضّر مشروع تخرجه في الدراسات العليا عن تنقية المياه من عنصر النترات المرتفع بها، وسط معاناة القطاع من تلوث مياه يصل إلى 97% ويؤدي إلى تفشي أمراض خطيرة، أراد أن يكون لنتائجه العلمية أثر ملموس يحسّن جودة حياة الناس ونوعية المياه المستخدمة في الزراعة.

إذ يسهم مشروع الصادي في توفير فرص اقتصادية وتحسين الأمن الغذائي في القطاع الذي ارتفع به معدل انعدام الأمن الغذائي إلى 69% عام 2021 نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمر منذ عام 2007.

ويشير الصادي إلى أنه واجه تأخيرات عدّة في أثناء إنجازه مشروع "الفلتر الأزرق" فرضها الحصار، لا سيما أنه لا يستطيع إجراء التحاليل اللازمة في ظل ارتفاع كلفتها في غزة وعدم وجود الأدوات اللازمة لإجراء بعض الاختبارات، "فبعض التحاليل التي يفترض أن تُنجز في غضون 5 ثوانٍ، حصلت عليها بعد 6 شهور لأني اضطررت إلى إرسال العينات لتحليلها في مصر، ناهيك عن غياب التمويل لدراسة العينات الكبيرة"، حسبما يقول الصادي.

غير أن مشكلة المياه التي يحاول مشروع الصادي معالجتها لا توجد في قطاع غزة فحسب، بل يمكن استعمال مشروعه في معالجة مشكلة تلوث المياه العالمية، حسب ما يؤكد الباحث الفلسطيني، خصوصا أن المشروع قائم على أدوات قابلة لإعادة التدوير ولا تلحق أي ضرر بالبيئة.

الصادي حصل على جائزة صندوق قطر للتنمية عن مشروعه المعني بالأمن الغذائي (الجزيرة) فرصة للتعريف بفلسطين

لم يستطع الصادي القدوم إلى قطر لاستلام جائزته، لكن التزامه ببرنامج المنحة الأميركية مكّنه من تعريف المشتركين من مختلفي الجنسيات على القضية الفلسطينية حين شنّت إسرائيل عدوانها على غزة بعد تعرضها لعملية "طوفان الأقصى" المباغتة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لا سيما مع انتشار المعلومات المضللة عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الإعلام الغربي.

وفي هذا الصدد، يقول الصادي إنه شرح معاناتهم في قطاع غزة للمشتركين في المنحة، إذ "لم يعرفوا أي شيء"، لكنهم الآن يتابعون الإعلام العربي بحثا عن المعلومات الحقيقية لما يجري في فلسطين.

ويضيف الصادي أن إدارة المنحة الأميركية عرضت عليه البقاء في الولايات المتحدة، لا سيما أنه يستطيع تقديم طلب لجوء في ظل استمرار الحرب على غزة، لكنه يوضح أنه يريد الاستمرار في البحث وريادة الأعمال بالدول العربية، رافضا هجرة العقول، ومتسائلا لماذا قد يريد أن تخدم أفكاره دولا أجنبية لا يشاركها الثقافة، في حين يمكنه أن يشارك خبرته ومعرفته مع الشباب العربي.


"الحرب لا تعني أن نتوقف"

عاش الصادي حروب قطاع غزة جميعها، التي تركت انعكاساتها على حياته وإنجازاته العلمية.

ففي حرب عام 2019، التي أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية معركة "صيحة الفجر" واندلعت بعد اغتيال الاحتلال لقائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا في شقته السكنية، لم يتمكن الصادي من السفر لينال جائزة فوزه بأفضل مشروع تخرج عن مرحلة الماجستير بتفوق على 120 جامعة أوروبية.

ويردف الصادي أن إغلاق معبر رفح وصعوبة سفر الغزيين منعه من المشاركة في عديد من المؤتمرات العلمية التي دُعي إليها، وتلقي جوائز عن مشاريع وأبحاث فاز بها.

الحروب تدمر كل شيء في حياة المرء، لكن لا يمكنه إلا أن يستمر الكفاح، حسب ما يقول الصادي الذي يوضح أن سبيله للخروج من الحيرة التي تخلّفها الحروب في نفسه هو استمراره في العمل والإنجاز ليترك تأثيرا إيجابيا عند الناس من شأنه رفع هممهم.


مختبر جديد

يخطط الصادي للعودة إلى غزة بعد انتهاء الحرب، حتى يستفيد من جائزة صندوق قطر للتنمية بتطوير عمله البحثي ومشاريعه الريادية بما يتعلق بالبيئة والصحة، وبدء الخطوات الأولى لبناء مختبر علمي ضخم.

وجد الصادي راحته في العمل بمختبره الذي دمره القصف الإسرائيلي الانتقامي، رغم أنه لم يكن مجهزا بآلات تساعده على إنجاز كل ما يريده، لكنه كان "مكان تحقيق الطموحات والأحلام"، كما يقول الصادي.

ويطمح الصادي للاستفادة من مشروع "الفلتر الأزرق" بمعالجة ملوحة مياه البحر حين يعود إلى قطاع غزة، قائلا إن لديه فريق عمل يساعده في مشاريعه البحثية ويعمل حاليا على تأسيس فريق دولي في أثناء وجوده في أميركا.

قد يكون من الصعب إعادة بناء مختبر مجهز بآليات حديثة مع نقص التمويل في القطاع المحاصر الذي يواجه عدوان إسرائيل المتكرر، لكن الصادي يؤمن بأن "الله سيعوضنا بكل خير" وبأن الأهداف التي تبدو صعبة التنفيذ تكون بداية المشاريع المهمة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

الخارجية الفلسطينية جرائم الهدم في الضفة نسخة متدحرجة من صورة الدمار الذي ارتكبه العدو في قطاع غزة

متابعات ـ يمانيون

أدانت وزارة الخارجية الفلسطينية ، جرائم هدم المنازل والمنشآت ودور العبادة، وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، وتدمير شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، وتجريف الأشجار والأراضي الزراعية، التي ترتكبها قوات العدو الصهيوني ، كما يحصل في القدس وجنين ومخيمها، وطولكرم ومخيميها، ومسافر يطا، والأغوار، وفي تقوع وغيرها.

كما أدانت الوزارة، في بيان اليوم الثلاثاء، حملات العدو المستمرة في توزيع المزيد من إخطارات الهدم كما هو حاصل في سلوان وقرية النعمان شرق بيت لحم وفروش بيت دجن شرق نابلس وغيرها.

واعتبرت الخارجية الفلسطينية جرائم الهدم في الضفة نسخة متدحرجة من صورة وحجم الدمار الهائل الذي ارتكبته قوات العدو في قطاع غزة، وهي جريمة تطهير عرقي بامتياز ترتقي إلى مستوى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، وتهدف إلى ضرب مرتكزات الوجود الوطني والإنساني للشعب الفلسطيني على أرضه وفي وطنه، لدفعه بعدة أشكال إلى الهجرة بالقوة عنه.

وحمّلت حكومة العدو الصهيوني المسؤولية الكاملة والمباشرة عن نتائج استمرارها في ارتكاب تلك الجرائم، خاصة تداعياتها على ساحة الصراع والمنطقة برمتها، كما تحمل الوزارة المجتمع الدولي المسؤولية عن صمته تجاه جرائم الهدم والتهجير المركبة والمتداخلة.

وقالت الوزارة: إنها إذ تتابع جرائم الهدم مع الدول والمنظمات والمجالس الأممية المختصة، فإنها تطالب بتدخل دولي عاجل لوقفها وحماية شعبنا ولجم الاحتلال ومستعمريه، والشروع الفوري في ترتيبات دولية ملزمة لفتح مسار سياسي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الصهيوني لأرض دولة فلسطين ضمن سقف زمني محدد، كما جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اعتمد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية.

مقالات مشابهة

  • بين وقفَي إطلاق النار.. اغتيال قادة حماس تدمير غزة واحتلال الأراضي
  • نهيان بن مبارك يكرم خريجي برنامج “مستقبلي” الذي نظمه صندوق الوطن
  • وكيل صحة بالمنوفية يُكرم الفائزين بجائزة أفضل مشروع تحسين جودة الرعاية الصحية
  • 10 خطوات لحجز معاينة وحدات مشروع «داره» في 9 محافظات
  • أحمد موسى: صاحب الأرض يتمسك بها ولا يتركها للمحتل الإسرائيلي
  • الخارجية الفلسطينية جرائم الهدم في الضفة نسخة متدحرجة من صورة الدمار الذي ارتكبه العدو في قطاع غزة
  • العقل المدبر وراء تطبيق DeepSeek الذي أرهق العمالقة!
  • مجلس النواب يبحث الصعوبات التي تواجه جهاز «مشروع النهر الصناعي»
  • شاحنات قافلة صندوق تحيا مصر تعبر إلى الأراضي الفلسطينية عبر رفح.. صور
  • تفاصيل حجز شقق «داره» في محافظة السويس.. «تشطيب سوبر لوكس»