اتصلوا بمنزلي: بعد 6 أشهر من الصراع، السودانيون محاصرون في حرب دامية
تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT
إعداد: فريق تحرير مراقبون 6 دقائق
في الـ 15 من أبريل/نيسان 2023، انخرط كلٌ من الجيش السوداني وميليشيات قوات الدعم السريع في اشتباك مسلح في العاصمة السودانية الخرطوم. بعد مرور ستة أشهر، حصيلة الضحايا لهذه الحرب الأهلية صادمة: 5000 قتيل، و5 ملايين من اللاجئين والنازحين. المدنيون هم أول من يدفع الثمن الباهظ للصراع الدائر على السلطة بين الجنرال البرهان ومنافسه "حميدتي".
بدأ الصراع الدائر في السودان في العاصمة الخرطوم والمدينتين المجاورتين لها، أم درمان وبحري، حيثُ شهدت الأيام الأولى اشتباكاً مسلحاً بين الطرفين المتنازعين ووُثقت أولى انتهاكاتهما.
في غياب امتلاكها لقواعد عسكرية، تحتك قوات الدعم السريع بشكل مباشر مع السكان من خلال تواجدها في الشوارع. عشرات مقاطع الفيديو تثبت انتهاكاتهم: المدنيون معرضون للاعتقال التعسفي والإهانة بالإضافة إلى اتهامهم، دون دليل، بالتعاون مع الجيش النظامي...
"لقد اتهموني بالانتماء إلى الجيش والإسلاميين وأجهزة المخابرات".تتجلى سياسة الإرهاب هذه في عمليات الاستيلاء على الممتلكات: لم يتردد عناصر قوات الدعم السريع بتصوير أنفسهم وهم يقومون بطرد المدنيين من منازلهم ونهب ممتلكاتهم أو الاستقرار فيها. اضطر العديد من السكان إلى الفرار. مراقبنا محمد جمال (اسم مستعار) تمكن من التخلص من مهاجميه..
ينهبون الممتلكات الثمينة وما خف وزنه وزادت قيمته. طرقوا الباب وفتحت لهم. وبعد ذلك مضت ست ساعات طويلة تعرضت خلالها للضرب و الاتهامات والإهانات.
طلبوا مني مفاتيح السيارة وأن أحضر لهم المقتنيات الثمينة. واتهموني تارة بأنني أنتمي للجيش والنظام البائد وتارة للإستخبارات العسكرية وهكذا. لم ينجحوا في دفعي إلى أن أفقد برودة أعصابي. يقيت هادئاً وعرفت كيف أتكلم إليهم ونجوت.
"مليشيات الجنجويد تقتحم مدينة الجنينة بشكل كامل"وسرعان ما امتد الصراع إلى دارفور، المنطقة المتاخمة لتشاد والتي دمرتها عقودٌ زمنية من العنف بين المجموعات العرقية الأفريقية والسكان العرب. شهدت المنطقة اشتباكات بين ميليشيات أفريقية، مكونة بشكل أساسي من رجال جماعة المساليت العرقية، وميليشيات الدعم السريع. الدعم السريع كانت تُعرف باسم "الجنجويد"، وهم رجال عرب مسلحون متهمون منذ عام 2003 بارتكاب جرائم إبادة جماعية في دارفور. بعد مرور عشرين عاماً على هذه الجرائم، أصبح البعد العرقي للفظائع التي يرتكبونها اليوم أمراً لا شك فيه.
وفي 14 يونيو/حزيران، اغتيل والي غرب دارفور خميس عبد الله أبكر في مدينة الجنينة، عاصمة الإقليم. أبكر هو من جماعة المساليت ومراقبنا إبراهيم كان يعيش في المدينة عندما تم اغتياله.
مقتل الوالي خميس عبدالله أبكر كانت فاجعة كبيرة. إنه أول مسؤول سياسي يُقتل منذ بداية المعارك في السودان. ما حدث هو اعتراف ضمني من قبل ميليشيات الدعم السريع بتنفيذها عملية تطهير عرقي للقبائل الأفريقية في ولاية غرب دارفور.
كانت الفظائع بشعة جدا بالتحديد بين 15 و 17 حزيران/يونيو. اجتاحت ميليشيات الجنجويد مدينة الجنينة كاملة وأخذ عناصرها يقتلون المدنيين في الشوارع. آلاف الناس لما كانوا في طريقهم من الجنينة إلى أدري تم اغتيالهم بشكل جماعي.
في دارفور، كما هو الحال في الخرطوم، يتميز هذا الصراع باللجوء المفرط للاغتصاب الذي بات يُستخدم كسلاح حرب من قبل طرفي النزاع : جنود الجيش النظامي وعناصر ميليشيات الدعم السريع.
رغم صعوبة توثيق حوادث الاغتصاب في مناطق الحرب، أظهرت مقاطع مصورة صورها وشاركها شهود عيان حالات اغتصاب واضحة.
إحدى هذه المقاطع الصادمة والتي صورها أحد سكان المباني المجاورة في الخرطوم بحري في يونيو/حزيران، توثق حالة اغتصاب في الشارع العام. الفيديو الثاني، لا يطاق على الإطلاق، يثبت أيضًا حقيقة هذه الممارسة. وتعد هذه الدلائل المرئية غاية في الأهمية، لأن العديد من النساء خائفات من الإدلاء بشهاداتهن، بينما لا تستطيع أخريات القيام لأسباب متعلقة بانهيار المؤسسات الصحية في دارفور على وجه الخصوص.
رسمياً، تم توثيق نحو مئة حالة اغتصاب. لكن هذه الأعداد لا تمثل سوى جزء صغير من حقيقة هذه الممارسة. تقول نهلة خزرجي من منظمة "مستقبل" المتخصصة في توثيق حالات العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في غرب وجنوب دارفور.
لقد تحدثت شخصيًا مع حوالي مئة ضحية لهذه الممارسة عبر الهاتف، لكن رسميًا وافقت 24 امرأة فقط على إبلاغ وحدة حماية المرأة والطفل بما تعرضت له. وفي حي واحد فقط في نيالا، سُجلت 12 حالة اغتصاب.
يتصل معظمنا بشكل مجهول فقط للحصول على علاج أو اختبار طارئ، ولكن لا يريدون نشر ذلك على الملأ. فنقوم بجمع الشهادات ونحصل على العلاجات من وحدة الحماية، ثم نسلمها للضحايا.
وبالإضافة إلى الاغتصاب، فإنهن يعانين من الضغط الاجتماعي والعار لكونهن ضحية للاغتصاب. من الصعب جدًا إقناع الناجين بالثقة، ونحن نفضل التبادلات الخاصة حتى نتمكن من تزويدهم بالحد الأدنى من الرعاية الطبية.
يشكر فريق التحرير مراقبينا محمد جمال وإبراهيم شامو ونهلة خزرجي على وجه الخصوص، وكذلك العشرات من الرجال والنساء السودانيين الذين ساعدونا في توثيق الأحداث كتحديد أماكنها وتسليط الضوء على جوانبها المتعددة لتزويد العامة بسياق هو الأقرب لمجريات ووقائع هذه الحرب الأهلية.
شكرًا لمبارك ومصطفى وياسر وسليمة وموسى وسلافة وعشرات الآخرين الذين لبوا النداء من السودان وفرنسا وكندا والمملكة العربية السعودية ونيوزيلندا. بدونهم، لم يكن هذا التحقيق ليرى النور.
بعد ستة أشهر من الصراع الذي تبدو عليه جميع ملامح الاستدامة، يحمل الجميع نفس الرسالة: لا تنسوا السودان. في وقت تركزُّ فيه أعين العالم على صراعات مناطق أخرى، تواصل الصورة القاسية للحرب الأهلية السودانية بالانتشار، يؤمن الكثيرون ممن لم يتمكنوا من الفرار بأهمية توثيق انتهاكات هذا الصراع بهدف إيصال المسؤولين عن الفظائع للعدالة.
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: بيئة خبر كاذب جرائم حرب السودان الجيش بيئة الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
هل تسعى الدعم السريع لتقسيم البلاد؟
مع تسارع الأحداث بالسودان، بين التقدم الميداني المتواصل للجيش السوداني وارتفاع مستويات النشاط السياسي الإقليمي لإيجاد مسارات تؤدي لإنهاء الحرب الأهلية، برز تفصيل جديد مرتبط بسير الأحداث العامة يبدو أنه سيكون له أثر كبير، على الأقل في الوقت الحالي، على مجريات الأحداث. دخلت كينيا، الدولة الواقعة إلى الجنوب الشرقي لجنوب السودان، على خط الحدث السوداني، واستضافت مؤتمرا ضم قوات الدعم السريع، أعلن فيه عن توجه لتشكيل حكومة سودانية موازية. ماذا يعني هذا الكلام؟ وهل يتجه السودان نحو تقسيم جديد؟
اتهمت الحكومة السودانية كينيا بانتهاك سيادة السودان، من خلال استضافة حدث يرتقب أن تعلن خلاله قوات الدعم السريع حكومة موازية الجمعة.
وأدانت الخارجية السودانية كينيا لسماحها باستضافة الحدث، وفي بيان صدر مساء الثلاثاء قالت الوزارة “هذا يعني تشجيع تقسيم الدول الأفريقية وانتهاك سيادتها والتدخل في شؤونها، في خرق لميثاق الأمم المتحدة والأمر التأسيسي للاتحاد الأفريقي والقواعد التي استقر عليها النظام الدولي المعاصر”.
الحكومة الموازية التي يعتزم الدعم السريع ومجموعة من القوى السياسية والحركات المسلحة الإعلان عنها في مناطق سيطرة الدعم السريع، تأتي في وقت عصيب يمر به السودان حيث تعاني البلاد من انقسام سياسي وفوضى أمنية.
ويأتي قرار قوات الدعم السريع بالتوقيع على ميثاق مع الفصائل السياسية الموالية لها وإعلان حكومة في الأراضي التي تسيطر عليها، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تعزيز قبضتها على دارفور ما سيؤدي فعليا إلى تقسيم السودان.
“نظام حكم جديد في السودان”
عبد العزيز الحلو، رئيس الحركة الشعبية شمال، وهي إحدى التشكيلات التي شاركت بالمؤتمر في كينيا وقاتلت الحكومات السودانية المتعاقبة من قواعدها في جبال النوبة، تعهد بالعمل على وضع نهاية للحروب في السودان، والانخراط مع الأطراف الداعية لبناء نظام حكم جديد في البلد.
وأكد الحلو في خطابه خلال فعاليات توقيع ميثاق تشكيل حكومة مدنية في السودان في العاصمة الكينية نيروبي الثلاثاء، أن “الحركة الشعبية شمال ستعمل مع الأطراف السودانية لوضع حلول جذرية لأزمة البلاد”، التي قال إن جلها يتمثل في “هيمنة المركز وتجاهل قضايا الهامش ومحاولة فرض دولة دينية في بلد متعدد الأعراق والثقافات”.
وأضاف الحلو أن الحرب كشفت عن جوهر الصراع في السودان، موضحا “السودان يعيش صراعا بين المركز والهامش، مركز استأثر بالسلطة والثروة والتفوق الاجتماعي، وهامش محروم من كل شيء”.
وقال الحلو “نحن بحاجة إلى دستور جديد وصياغة عقد اجتماعي جديد من شأنه أن يحل السؤال الأبدي حول كيفية حكم السودان”.
كما قدم متحدثون آخرون قوات الدعم السريع على أنها حركة مؤيدة للديمقراطية، وبُثت صور عدة خلال الاجتماع لزعيم المجموعة محمد حمدان دقلو من شاشة ضخمة وسط هتافات صاخبة.
“حكومة موازية ستؤدي للتقسيم”
صحيفة “نيويورك تايمز” اعتبرت في تقرير أن السودان بات على طريق التقسيم، حيث أن الجماعات الانفصالية التي شاركت في مؤتمر كينيا اقتربت الثلاثاء من الإعلان عن حكومة انفصالية.
وجاء في تقرير الصحيفة أن اجتماع كينيا جاء بمثابة “لحظة رمزية مذهلة” لقوات الدعم السريع، التي تعاني من ضربات مستمرة من الجيش السوداني ومن خسارات متتابعة لمواقعها في عدد من المحاور.
وعليه، تأمل الدعم السريع إنهاء سلسلة الهزائم وتعزيز مطالبها بالحكم، من خلال تشكيل حكومة تسيطر من خلالها على المساحات الشاسعة التي تسيطر عليها من السودان.
ومنذ نيسان/أبريل 2023، تسببت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع بمقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من 12 مليون شخص، وبأكبر أزمة إنسانية في العالم.
وفيما يسيطر الجيش على شرق وشمال السودان، تسيطر قوات الدعم السريع على كل منطقة دارفور تقريبا ومساحات من الجنوب. وفي الأسابيع الأخيرة، قاد الجيش هجوما في وسط السودان واستعاد المدن الرئيسية وكل العاصمة الخرطوم تقريبا.
مونت كارلو
إنضم لقناة النيلين على واتساب