هل بدأ إسلاميو السودان التخطيط لمرحلة ما بعد البرهان؟
تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT
بعد دخول الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شهرها السابع؛ تحولت لغة الإسلاميين في السودان، من دعم قائد الانقلاب، عبد الفتاح البرهان، إلى مهاجمته علانيةً، وصولاً إلى تخوينه، ما يجبرنا على التساؤل: هل دشن النظام المباد مرحلة جديدة في أحلامه بالوصول إلى السلطة، بالتخلص من الجنرال.
الخرطوم: التغيير
وضعت الولايات المتحدة الأمريكية، رجل النظام المباد المطلوب للعدالة، علي أحمد كرتي في قوائمها السوداء للأشخاص والكيانات التي تعوق مسيرة الحل السلمي في السودان، ما يعني وجود يقين دولي بشأن تورط الإسلاميين في الحرب التي قتلت أكثر من 9 آلاف شخص، وشردت ما يزيد عن 7.
ويعد النظام المباد، المتهم الأول بإشعال فتيل الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، بإطلاقه للرصاصة الأولى ضد قوات حميدتي المرتكزة داخل مباني المدينة الرياضية بالعاصمة الخرطوم.
صلات قديمةيمتلك البرهان صلات قديمة جداً بالنظام المباد، فهو أحد رجالاته الباطشين في إقليم دارفور إبان حرب الإبادة الجماعية التي أحالت المخلوع البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية (2003 – 2008).
وخلال تلك الفترة في دارفور، توطدت علاقة البرهان بخصمه الحالي، وقائد قوات الدعم السريع، الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حيث عملا بتنسيق مشترك على تنفيذ أجندات الإسلاميين في غرب السودان.
وأدى إصرار الشباب على الحكم المدني، واعتصامهم أمام مباني قيادة الجيش الرئيسة، لإجبار العسكر على اتخاذ جانب الجماهير.
وفشل مخطط الإسلاميين بإحلال عوض بن عوف، مكان رئيسهم المخلوع، ومن ثم فشل مخططهم الثاني بإعادة عقارب الساعة لما قبل 11 أبريل 2019، بالمشاركة الفاعلة في تنفيذ مجزرة القيادة العامة التي راح ضحيتها ما يزيد عن 200 من الثوار، حيث أعاد الشارع كفة التوازن مجدداً، ليجبر العسكر على التوقيع على وثيقة دستورية، تضع مقاليد الأمر في يد المدنيين.
وبعد انحناءة قصيرة لعاصفة الثورة، عاود الإسلاميين نشاطهم الهدام، وتوجوا ذلك بانقلاب الجنرال البرهان على حكومة مدنية واعدة، في 25 أكتوبر 2021، عبر عمل ممنهج ارتكز على إثارة القلاقل، وافتعال الأزمات، وإشعال والصراعات القبلية، والطعن في ذمم وأخلاق المدنيين، وإظهار حكومتهم في مظهر المعادي للإسلام الذي يدين به السواد الأعظم من سكان البلاد.
واستبانت علاقة الإسلاميين في البرهان، في بيانه الانقلابي الأول، حيث سارع إلى تجميد عمل لجنة إزالة تمكين نظام البشير، وأعاد مفصولي النظام القديم إلى مناصبهم، ورد أصولهم وأموالهم، وفك نشاط مؤسساتهم المجمدة.
مرحلة ما بعد الحرببعد وصول إطار الاتفاق الذي يمهد لنقل السلطة للمدنيين، ويضمن خروج العسكر من العملية السياسية؛ حرض الإسلاميين البرهان على النكوص عن تعهداته، ومهاجمة الاتفاق والأطراف الداعمة له، بما في ذلك تأجيج الفتنة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وبعد إطلاق أول رصاصة يوم 15 أبريل، زينّ الإسلاميين للبرهان مسألة انتصاره على قوات الدعم السريع بأنها مسألة لن تستغرق سوى سويعات، قبل أن تثبت الأحداث خطل وهشاشة هذا التصور، ما دفعهم لتدشين مرحلة جديدة في خطتهم المتعلقة بمواصلة الحرب، لضمان عودتهم إلى الكرسي المنزوع، وشرعوا في تحويل الأنظار من تعثرات الميدان إلى خلق أعداء جدد، وبدء عمليات تخوين واسعة النطاق للقوى الرافضة للحرب، تارة باتهامهم بأنهم الذراع السياسي لقوات الدعم السريع، وتارة برميهم بأنهم من وراء إشعال الحرب ذاتها.
ولإعادة كفة التوازن للمعركة، طلب الإسلاميون من البرهان إعلان حالة الاستنفار العام، متجاوزين أعداداً كبيرة من جنود الاحتياط، بهدف إلحاق عناصرهم بالجيش، وهو ما نجحوا فيه بدرجة كبيرة، حد اعتراف الإسلاميين أنفسهم بوجود كتيبة كاملة تشارك في الأعمال القتالية، باسم (البراء بن مالك).
يذكر أن قادة الإسلاميين، وعلى الرغم من فرارهم من السجون، وصدور مذكرات توقيف بحقهم من النيابة العامة، ما يزالون يمارسون نشاطهم بحرية كاملة، فيما يتم التضييق على النشطاء والصحفيين المستقلين.
البرهان كعدوفي أول أيام الحرب، ساوى الإسلاميون بين البرهان والوطن، واعتبروا مجرد انتقاده تجرد عن أثواب الوطنية، وقاموا بنشر كل فيديوهاته التي تتحدث عن الحسم العسكري كخيار أوحد لحسم الصراع المتطاول.
ولكن هذه اللغة، انحسرت لتحل محلها تقول إن البرهان لا يعد رجلاً يليق بالمرحلة الحالية، ومن ثم تصاعد الخطاب مع كل تقدم لقوات الدعم السريع في هيئة تساؤلات عن سر تباطؤ الجنرال في استخدام القوة المميتة، وصولاً إلى التخوين بالقول إن البرهان كثيراً ما يتخلى عن نصرة جنوده، أو تصويره بأنه ظهير لقوات الدعم السريع.
قائد جديدبعث ترفيع اللواء الصادق سيد لقيادة سلاح المدرعات، بعديد التساؤلات بشأن نوايا الإسلاميين في الجيش، خاصة وأنه يجئ بعد أيام من غلالة شك كثيفة أحاطت بمقتل اللواء أيوب عبد القادر.
وما يزيد من هذه التساؤلات، إن الصادق منتم للحركة الإسلامية، في علاقة لا تحتاج إلى فحص، يدلل على ذلك اعتقاله من قبل قوات الدعم السريع، بتهمة “تحريك قوات دون أمر القيادة للمشاركة في فض اعتصام القيادة العامة”.
وغضّ الطرف عن إنكار البرهان وحميدتي، للمسؤولية في ارتكاب المجزرة، فإن عملية الفض تمت يومذاك بعلم المجلس العسكري.
عامل حسم جديدعزا ضابط برتبة وسيطة داخل الجيش، طالب (التغيير) بحجب اسمه، سر تدهور علاقة الإسلاميين بالبرهان، إلى الضغوط المتزايدة عليه من قبل الضباط المهنيين للانحياز إلى صالح الجندية.
ولفت إلى وجود تذمر كبير في أوساط الجيش من إدارة البرهان للعملية العسكرية، وأضاف بأن ذلك “أدى لانحسار سيطرة الجيش على العاصمة بالرغم من كل قدراته في مقار محدودة ما تزال محاصرة من عناصر الدعم السريع، ما يكذب كل قول عن قرب عودة سكان الخرطوم إلى بيوتهم”.
وكشف الضابط عن تصدعات مقلقة في جدران الجيش بسبب محاولات الضباط الإسلاميين السيطرة على مراكز اتخاذ القرار، وبروز ظاهرة التصفيات الجسدية، ورصد حالات تخابر بعض القيادات مع قوات الدعم السريع، ما أدى إلى إبادة متحركات كاملة للجيش أو سقوط مقار حيوية في يد المليشيا (على حد تعبيره).
وكان بيان صادر عن شرفاء القوات المسلحة (الدفعات من 39 إلى 43) أمهل البرهان 72 ساعة (تنتهي في 19 أكتوبر الجاري) لاتخاذ القرارات الحكيمة التي تخرج البلاد من النفق المظلم، أو أن يتحمل الضباط على كاهلهم مسؤولية اتخاذ هذه القرارات.
وطالب البيان قادة الجيش والدعم السريع بالجنوح إلى السلم، وحذر القوى السياسية من محاولات اتخاذ الجيش مطية للوصول إلى السلطة.
تأثير منبر جدةيرى المحلل السياسي، حسام إبراهيم، أن الإسلاميين بدءوا خطة جديدة لقطع الطريق أمام جولة مزمعة لمنبر جدة التفاوضي ويعتقد أنها حاسمة ومصيرية.
وقال لـ(التغيير) إن ذات الأسباب التي دفعت الإسلاميين لمعارضة الاتفاق الإطاري، تدفعهم اليوم لمناهضة منبر جدة.
وعن هذه الأسباب، لخصها في اتفاق يقضي بعودة الحرية والتغيير إلى مشهد الحكم، وخروج الجيش من المشهد السياسي بعد عمليات إصلاح وهيكلة كبيرة داخل صفوفه، تتضمن إبعاد العناصر التخريبية الإسلامية (على حد توصيفه).
ونوه إلى أن هذه التحركات تعكس يأس الإسلاميين من تحصيل السلطة بالوسائل السلمية، ما قد يدفعهم مجدداً إلى مغامرة الانقلاب مجدداً، أو الإطاحة بالبرهان طوعاً أو كرهاً.
خياراتهل يمكن أن ينفذ الإسلاميين انقلاباً على البرهان؟ لا يستبعد الضابط الذي طالب (التغيير) بحجب اسمه، ذلك السيناريو بناء على تطلعات الحركة الإسلامية في استخدام الجيش للعودة للحكم.
وتابع: البرهان بالنسبة للإسلاميين إما أن يكون أداة طيعة أو عدو ظاهر، وفي الحالة الأخيرة لن يتورعوا عن الإطاحة به طوعاً أو كرهاً.
أما حسام إبراهيم، فيحذر من أن مخططات الإسلاميين بشأن السلطة، كونها تتراوح بين استمرار الحرب، وتنفيذ الانقلاب العسكري، وصولاً إلى إحلال كتائب الظل محل الجيش الوطني.
وقال إن معركة الشارع مع الانقلابيين لن تنتهي بنهاية الحرب، وسيتم مساءلة كل المتورطين في الانقلاب ودماء الشهداء، أسوة بما كان يجري للمخلوع البشير على أيام الحكومة الانتقالية.
وختم إبراهيم بدعون من وصفهم بالضباط الشرفاء، لحمل البرهان للجلوس على طاولة التفاوض، مع المسارعة في إصلاح الجيش الذي تداعت قواه بشكل مخيف منذ 15 أبريل الماضي.
الوسومالبرهان الجيش السوداني النظام البائد حرب الجيش والدعم السريع حميدتي فلول النظام المباد قوات الدعم السريعالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: البرهان الجيش السوداني النظام البائد حرب الجيش والدعم السريع حميدتي قوات الدعم السريع قوات الدعم السریع الإسلامیین فی
إقرأ أيضاً:
الإمارات دربت الدعم السريع بذريعة القتال في اليمن.. هذه تفاصيل زيارة حميدتي
كشف مصدران يمنيان مطلعان أن قائد قوات "الدعم السريع" السودانية، محمد حمدان دقلو، زار اليمن بالتنسيق مع دولة الإمارات أثناء مشاركة قوات الجيش السوداني ضمن عمليات التحالف العربي الذي قادتها السعودية ضد الحوثيين منذ 2015.
وقال المصدران أحدهما عسكري لـ"عربي21" إن "حميدتي" وصل إلى منطقة الساحل الغربي اليمني القريب من مضيق باب المندب حيث ممر الملاحة الدولية عام 2017، في ذروة العمليات القتالية التي كانت تدور رحاها بين القوات اليمنية المدعومة من الإمارات والسعودية ومسلحي جماعة الحوثيين إلى الغرب من محافظة تعز، وفي المناطق الجنوبية من محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر.
وأشار المصدر العسكري إلى أن قائد قوات "الدعم السريع" السودانية الذي يقود تمردا على مجلس السيادة الانتقالي المعترف به دوليا في السودان، التقى باللواء، هيثم قاسم طاهر، وزير الدفاع اليمني الأسبق، أحد القيادات العسكرية الانفصالية المدعومة من أبوظبي والذي كان يقود لواءين في الساحل الغربي. في حين كانت "الدعم السريع" تشارك في العمليات القتالية ضد الحوثيين وقوات الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح وقتئذ، ضمن القوات التي تشرف عليها أبوظبي شريك الرياض في التحالف العسكري الذي بدء عملياته في مارس/ آذار 2015.
وتابع المصدر ذاته والذي كان حاضرا خلال زيارة "حميدتي" أن قائد قوات "الدعم السريع" مكث في الساحل الغربي اليمني أيام، قبل أن يغادر على متن طائرة خاصة إلى دولة الإمارات".
وحسب المصدرين فإن أبوظبي أنشأت معسكرات حشد وتجنيد السودانيين ضمن قوات "الدعم السريع" في الأراضي الإماراتية وفي جزيرة عصب الإرتيرية، حيث كانت تقوم بذلك تحت لافتة القوات السودانية المشاركة ضمن الائتلاف العسكري الذي تقوده الرياض لدعم السلطة الشرعية اليمنية وإنهاء انقلاب جماعة الحوثيين.
وأكدا أن "حميدتي" ضمن قيادات عسكرية سودانية أجروا زيارات إلى اليمن، بعد أن استقدمتهم دولة الإمارات تحت غطاء " إيفاد القوات إلى اليمن وفي إطار نظام الرئيس السابق، عمر البشير"، فيما كانت عمليات التحشيد والتجنيد للسودانيين ضمن قوات الدعم السريع لغايات أخرى، اتضحت مؤخرا في السودان.
وأوضح المصدران أن الضباط الإماراتيين ومخابرات الدولة الخليجية كانت تنشط بكثافة بين السودانيين الذين يتم استقدامهم إلى الساحل الغربي وكانت تقوم بتشكيلهم في وحدات عسكرية وتقوم بتعيين قيادات لتلك الوحدات ضمنت ولاءها.
كما أن الإماراتيين حولوا اليمن إلى منطقة تأطير لقوات "الدعم السريع" بقيادة حميدتي لتنفيذ أجنداتها في السودان، ونظمت خطوط التواصل وضباط الارتباط بينهما، والأدوار والمهام المنوطة بكل قيادي عسكري قبل أن يعودوا إلى معسكرات التجنيد الداخلية التي أنشأتها في البلد العربي الأفريقي، مستغلة علاقتها الجيدة مع عمر البشير قبل أعوام من الإطاحة به عام 2019.
وأفاد أحد المصدرين المطلعين أن حكومة أبوظبي كانت تقوم بحشد وطلب القوات المسماة بـ"الدعم السريع" وتقوم بتدريبها وتحمل تكاليف إعدادها وتسلحيها، ومن بوابة "اليمن" كانت تعد لمعركة السودان الحالية، مؤكدا أن الدولة الخليجية دخلت إلى الواقع السوداني عبر اليمن إذا قامت باستقدام قوات "الدعم السريع" كوحدات تابعة للجيش السوداني وبالتنسيق مع النظام الرسمي في الخرطوم قبل أن تعود هذه القوات كجيش موازي يقود حربا على الدولة السودانية".
فيما قال مصدر عسكري ثالث لـ"عربي21" إن مشاركة القوات السودانية في حرب اليمن كانت فاعلة بالنظر إلى الغزارة العددية التي ضمت "الألاف من السودانيين" والخبرة القتالية والحوافز الأخرى المادية والعقدية ووفرة أسلحة المشاة وتنوعها. فيما ذكر أحد المصدرين أن حجم التنسيق والعمل كان أكبر من المشاركة في حرب اليمن بل الإعداد لمعركة السودان الجارية منذ عامين تقريبا.
وتابع المصدر العسكري الثالث أن مشاركة السودان في عمليات التحالف القتالية بقيادة السعودية تمثلت في صنفين من القوات الأول بقوات ما تسمى "الدعم السريع" التي يقودها حميدتي ولعبت دور قتالي في الساحل الغربي.
أما الصنف الآخر، فكان عبارة عن "بعثات تدريبية من الجيش السوداني لتعزيز التدريب في صفوف القوات الموالية للحكومة الشرعية، حيث لعبت دورا كبيرا في تدريب قوات "العمالقة" (ألوية سلفية مدعومة من الإمارات والسعودية) وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بانفصال جنوب البلاد عن شماله قبل تشكيله أوساط 2017.
ولفت المصدر إلى أن هذه البعثات تابعة لوزارة الدفاع السودانية ولازال جزءا من هذه البعثات موجودة وبالتنسيق بين الحكومة اليمنية والسودانية، مؤكدا أن هناك قوات سودانية من الجيش النظامي موجودة أيضا، في الحدود الجنوبية من المملكة مع اليمن وتشرف عليها الرياض، ومن أبرزها وحدات مدفعية.