تعذيب وتنكيل.. طريقة إسرائيل في الانتقام من عمال غزة
تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT
نابلس- بهمجية غير مسبوقة، اعتقلت الشرطة الإسرائيلية العامل الفلسطيني إسماعيل أبو أحمد بملابس نومه، بالاضافة إلى 15 من زملائه في العمل، ممن ينحدرون من قطاع غزة، بعدما اقتحمت مسكنهم بمنطقة "هرتسيليا" في إسرائيل ظهر يوم عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وقيدت أيديهم وأرجلهم، ثم اقتادتهم إلى مركز شرطة المدينة.
كما اعتقلت الشرطة عشرات آخرين من أماكن العمل المجاورة، مما يرفع عدد المعتقلين إلى أكثر من 4 آلاف عامل، وأكثر من 120 مقاوما، وفق وسائل إعلام إسرائيلية.
يقول إسماعيل للجزيرة نت، إنه تعرض لانتهاكات على يد الشرطة والمحققين الإسرائيليين، وخضع وباقي المعتقلين لتحقيق قاسٍ حول طريقة قدومهم إلى إسرائيل، وأماكن وجودهم بغزة وأي معلومات عن القطاع، ومدى ارتباطهم بأشخاص هناك.
ويضيف إسماعيل "هم يعرفون تماما أنه لا شأن لنا بما يجري، لدينا تصريح للعمل ولدخول إسرائيل، لكنه الاستفزاز والتنكيل".
وبعد نحو 14 ساعة من الاحتجاز لدى الشرطة، نُقل إسماعيل وعمال آخرون إلى حاجز مدينة قلقيلية العسكري، وعلى بعد 150 مترا من الحاجز، ألقى بهم الاحتلال لينكل بهم جنود آخرون مجددا مع تهديدهم بالقتل.
ويروي إسماعيل، "بمجرد أن أخبرنا الجنود أننا من غزة، كادوا يفرغون رصاص بنادقهم بأجسامنا، كانوا يصرخون ويتهموننا بقتل رفاقهم، ثم اعتقلونا مرة ثانية واقتادونا لمعسكر قريب للجيش، وهناك أجلسونا أرضا لأكثر من 12 ساعة دون طعام وشراب، أو الذهاب للمرحاض".
كما تعرض فادي -رفيق إسماعيل بالعمل- للتعذيب، حيث احتجزه جنود الاحتلال بالعراء، وأجلسوه فوق الحجارة لساعات طويلة، مع محاولات ابتزاز واستفزاز.
ويقول فادي للجزيرة نت، "أسوأ من التحقيق والتنكيل والضرب هو السب والشتم بألفاظ بذيئة، تحمل حقدا وعنصرية مقيتة".
وأفرج الجنود عن إسماعيل ورفيقه وآخرين، بعد الاحتجاز وفحص الهواتف الخلوية، لينتشروا بمختلف مدن الضفة الغربية وقراها، التي باتت تضم قرابة 5 آلاف عامل من غزة.
ورغم ظروفه الصعبة وفقدان عمله ومصدر رزقه، فإن أكثر ما يقلق إسماعيل وغيره من العمال حال عائلاتهم في غزة، فهو يعيل 4 أطفال وزوجته، بينما يتوزع أكثر من فرد من عائلته ومن أشقائه وأبنائهم في أكثر من مكان، خشية قصفهم معا.
وكانت القناة 12 الإسرائيلية ذكرت أن إسرائيل تحتجز في منشآت أمنية حوالي 4 آلاف عامل من غزة، وهو رقم أكده الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، إضافة إلى 120 مواطنا اعتقلتهم أثناء عملية "طوفان الأقصى"، وتخضعهم للتحقيق بزعم الاشتباه بهم.
"غوانتنامو" جديد
ويؤكد قدورة فارس، وزير هيئة شؤون الأسرى، أن عدد أسرى عمال غزة تضاعف بنسبة 100% خلال 13 يوما من الحرب، وأن ما يثير القلق هو آلية ومكان اعتقالهم، إضافة إلى تحفظ إسرائيل، وعدم نشرها أي معلومات حولهم، ورفضها التعاطي مع مؤسسات حقوقية وإنسانية.
ويقول قدورة للجزيرة نت، إن الأمر الأخطر هو تصنيف وزير الحرب الإسرائيلي للمناضلين من أسرى غزة بأنهم "مقاتلون غير شرعيين"، ومن ثم سجنهم بمعسكر للجيش يُعرف بـ"حقل اليمن"، يقع بين مدينتي بئر السبع وغزة جنوبا، قرر أن يجعل منه "غوانتنامو جديدا يُقلد فيه أسياده الأمريكيين الذين يدعمونهم بالكامل"، حسب توصيف قدورة.
وهذه القرارات لا تستند -وفق قدورة- إلى معيار قانوني، بل تندرج تحت بند "أخذ القانون باليد"، وأكد أن اعتقال العمال المصرح لهم بدخول إسرائيل والتنكيل بهم يعدّ أحد مظاهر العدوان الشامل على كل فلسطيني، سواء كان مقاوما أو لا؛ لأن "الانتقام هو المحرك لإجراءات الاحتلال".
معاملة وحشية
ويوضح المتحدث ذاته أن عدم كشف إسرائيل أي معلومات لأي جهة كانت عن هؤلاء الأسرى، وعدم السماح بزيارتهم، يؤكد بأنهم يتعرضون لمعاملة وحشية، وعمليات تعذيب وابتزاز للحصول على معلومات، "ولدينا شكوك بقتل بعضهم بعد التحقيق معهم".
ويشدد وزير هيئة شؤون الأسرى على أن إسرائيل تمارس العقاب الجماعي بحق الأسرى، ولديها ما تخطط له وتخفيه بشأنهم، وهو دليل على أنهم في أوضاع خطيرة، خاصة أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تتناغم والرأي العام بإسرائيل، الذي يحرض على أسرى غزة.
وحذر الوزير من خطورة ما يواجهه الأسرى بشكل عام داخل السجون الإسرائيلية، مشيرا إلى أن عددهم ارتفع لنحو 1000 أسير منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وتصاعدت العقوبات الإسرائيلية بحقهم منذ بداية الحرب.
ويؤكد قدورة فارس أن الأسرى يتعرضون للتجويع والعطش والاعتداء عليهم جسديا بشكل يومي، "وبعضهم كسرت أطرافه وأسنانه وهُشم وجهه في اعتداء وحشي غير مسبوق"، كما حوّل الاحتلال أكثر من نصفهم للاعتقال الإداري.
وأفاد شاهر سعد الأمين العام لعمال فلسطين -للجزيرة نت- بأن 19 ألف عامل من غزة يعملون بإسرائيل، وبأن 9 آلاف تزامن وجودهم فيها مع اندلاع الحرب، وهو ما رفع أعداد المعتقلين لنحو 4 آلاف عامل.
وأوضح شاهر أن الاحتلال أعاد، في الأيام القليلة الماضية، اعتقال نحو 130 عاملا بمدينة الخليل، كان أطلق سراحهم من قبل، "وهو خطر بات يتهدد الجميع".
من جانبه، أكد سعيد عمران مسؤول الدائرة الإعلامية بالاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، أن رفض إسرائيل التجاوب عبر كل المراسلات التي تمت عن طريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومؤسسة حقوق الإنسان الإسرائيلية (هموكيد)، حول أوضاع هؤلاء المعتقلين، يشكل خطرا على حياتهم.
من جهته، أوضح عصمت منصور المختص الفلسطيني بالشأن الإسرائيلي، أن معتقلي غزة تحتجزهم إسرائيل في ظروف مشددة في منطقة غير محصنة، مما يمثل خطرا على مصيرهم.
وحول أسباب اعتقالهم، قال عصمت -للجزيرة نت-، إن إسرائيل تريد قطع اتصالهم مع الخارج، وتجميع أكبر قدر من المعلومات عن غزة، فهم "مادة بحث مهمة" بالنسبة لها، ولاستبعاد أي خطر أمني عليها منهم، أو قيامهم بأي رد فعل ضدها نتيجة ما تعيشه أسرهم في غزة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: للجزیرة نت آلاف عامل أکثر من من غزة
إقرأ أيضاً:
فيلم المسجون.. شخصيتان في دوامة العزلة المكانية ونزعة الانتقام
يعد المكان عنصرا أساسيا وقيمة جمالية وتعبيرية في الفيلم يكمل الشخصية ويعكس جوانب كثيرة منها فضلا عن كونه الحيّز الذي يشهد الأفعال والأحداث ونمو الصراعات التي يترقبها المشاهدون وهم يستقبلون تلك الإشارات الضمنية التي تجعل المكان انعكاسا للشخصية.
من هنا وعلى الرغم من التنوع المكاني وغزارة الاستخدامات المكانية من خلال مئات الأفلام عبر تاريخ السينما إلا انه في المقابل هنالك اختزال كلّي للمكان في أفلام أخرى إلى درجة الوصول إلى المكان الواحد الذي يجعل الشخصية أسيرة ومعزولة فيه.
ولقد قدمت السينما العديد من الأفلام التي تنتمي إلى فكرة العزل المكاني وجعل الشخصية خاضعة لسطوة المكان ومن ذلك نذكر أفلاما مثل ساو بأجزائه المتعددة (2004 - 2008)، وفيلم الامتحان -2009، وفيلم الجوع -2010، وفيلم الغرفة القاتلة – 2007، وفيلم هي -2013، وفيلم الزيارة -2015، وفيلم تسعة موتى -2007، وفيلم منزل الشمع -2005، وفيلم الشعوذة -2013، وفيلم الكابينة الخشبية -2011، وفيلم غرفة الهلع -2005، وفيلم الغرفة -2015، وفيلم الانفصال -2016، وفيلم المقيّد -2012، وفيلم التعذيب-2010، وفيلم غير المدعو -2009 وغيرها من الأفلام.
وفي هذا الفيلم للمخرج ديفيد ياروفيسكي هنالك الكثير من المعطيات والتفاصيل التي شاهدناها في ذلك النوع من أفلام الشخصيات المعزولة مكانيا وهي تكابد من أجل الخلاص وكل ذلك يتم من خلال شخصيتين في مكان واحد، إذ يعرّفنا الفيلم في البداية بالشاب إيدي - يؤدي الدور الممثل بيل سكارسجارد، وهو شخص فقير ولكنه متمرد ويقوم بسرقات صغيرة لكي يعتاش منها ساعيا من خلال ذلك إلى إثبات أنه أب صالح ومسؤول تجاه ابنته الصغيرة وزوجته على الرغم من أن المحكمة جردته من رعاية ابنته بسبب سوء سلوكه ولم تتح له سوى مشاهدتها ولقائها لمرتين في الأسبوع.
وها هو في يومياته في وسط أكثر الأحياء فقرا في إحدى المدن الأمريكية وحيث تنتشر البطالة والجريمة وتتفشى المخدرات يحاول أن يعثر على سيارة ربما يكون قد نسي سائقها إقفال أبوابها، فيتسلل هو إليها لغرض السرقة.
لكن ما لم يكن في حسبان ايدي أن يسقط في فخ نصبه أحد الأثرياء وهو وليام - يؤدي الدور الممثل الكبير أنطوني هوبكينز، إنها عملية عشوائية واختيار السيارة الخطأ التي تتميز بالفخامة وهي مفتوحة الأبواب وما إن يستقر فيها حتى تغلق أبوابها أوتوماتيكيا ويصبح هو أسير ذلك المكان المعزول.
ويليام الرجل الكهل المصاب بالسرطان، والذي يزيد من حزنه على مقتل ابنته كرهه الشديد للفقراء وجيل الشباب الذي يعتقد أنه يأخذ أكثر مما يعطي، وهو رجل غني يمتلك من الثروة لدرجة أنه "لا يستطيع تتبعها" كما يقول، فلماذا لا ينفق بعضها على سيارة فاخرة يتم تصنيعها بطريقة تستدرج لصوصا محتملين ولن يكون ايدي إلا ذلك اللص الذي يحمل التسلسل السابع من بين اللصوص الذين أوقع بهم وليام عن طريق تلك الخدعة.
يتحدث ويليام إلى إيدي عبر الشاشة ولوحة قيادة السيارة، كاشفا أنه حوّل سيارته المتطورة تلك إلى قفص متحرك للإيقاع بأمثاله، ويمكن استخدام مقاعدها كأجهزة صعق كهربائي، وهي عازلة للصوت وتتمتع بحاجز يمنع أي اتصال خلوي أو واي فاي، والنوافذ مضادة للرصاص ومعنى ذلك أن من يسقط في ذلك الفخ ويصبح أسير ذلك السجن المتحرك سوف ينعزل عن العالم الخارجي كليا ولهذا لن تجدي استغاثات ايدي ولا صرخاته ولا محاولاته تكسير الزجاج والأبواب، بل ترتد عليه بعقاب متنوع، فتارة يتم رفع درجة الحرارة وتارة تجميد داخل السيارة وتارة إطلاق الموسيقى بصوت مرتفع بما يجعل ايدي يصرخ صاما أذنيه دون جدوى.
يتحدّث الناقد برايان تاليريكو في موقع روجر ايبيرت، عن هذا الفيلم قائلا:" يبدأ هذا الفيلم بداية واعدة، ثم يكاد يصبح أسير المكان، مُحاصرًا بفكرته الخاصة وعدم الرغبة في فعل أي شيء باتجاه أن يغني موضوعه أبعد من فكرة جنون الأثرياء وكيف يمكن للصدمة أن تؤدي ببعض الناس إلى أن يصبحوا أشخاصا لا يستطيعون التعرف على انفسهم لجهة ماضيهم.
إنه فيلم قائم على فكرة تعذيب الأغنياء للفقراء، أو على ندرة التعاطف في معاملة المجرمين في داخل المجتمع، ولهذا يتجه إلى مشهد تعذيب جديد في كل مرة، ليس هنالك صراع إرادات حقيقي، فنحن نعلم أن ذلك السجين سينجو في النهاية، لأن أحداث الفيلم لا توحي بخلاف ذلك، ولهذا سوف نفتقد أي توتر حقيقي. هذا النوع من الأفلام يعيش ويموت أثناء الرحلة".
أما الناقد غريغوري نوسين فقد نشر رأيا آخر في موقع سلانت، قائلا: "لا شك أن هذا الفيلم له متعته، خاصة عندما يستغل صانعو الفيلم رهاب الأماكن المغلقة لصالحهم، بينما هناك إثارة معينة في الشعور بوطأة التطرف الذي تعبر عنه الشخصية الرئيسية طوال الفيلم، إذ يشرح ويليام فلسفة سياسية يمينية ساخرة، أن جيل الشباب لا يفهم معنى العمل الجاد؛ وأن الفقراء يعتاشون على أموال دافعي الضرائب؛ وأن كل فرد في أمريكا يحظى بفرصة عادلة، وبالتالي فإن من يحاول مقاومة النظام هم مجرد مشاغبين يستحقون أن يُلقنوا درسا، أو حتى أن يُقتلوا، على ايدي الأثرياء، دون أن يحاسبهم أحد".
هذه الأجواء هي التي تم تكريسها في الفيلم ولتمضي المشاهد الفيلمية من خلال ذلك الحوار الندّي ما بين وليام وايدي ولا احد غيرهما وهنا تتضح الرؤية اليمينية المتطرفة لذلك الثري الكهل وسعيه للانتقام من كثير ممن هم حوله واتهامهم بأنهم فئات فاشلة ومؤذية ثم لنكتشف أن ما زاد من حقد وليام هو مقتل ابنته أمامه على ايدي عصابة من أبناء الشوارع كما يقول.
هذا البناء السردي القائم على فكرة السجال بين الشخصيتين هو الركيزة الأساسية للفيلم وهو ما سوف يتطور إلى مزيد من الأفعال العنيفة مع انكشاف شخصية وليام الحقودة فيما يعود ايدي بنفسه إلى حالة من الندم الشديد على مساوئه وإهماله ابنته الوحيدة واستعداده لفعل أي شيء من أجل العودة إليها ورعايتها.
ولعل السؤال الذي يطرح في وسط هذه الدراما الفيلمية والسلوك الانتقامي المتواصل الذي يمارسه ذلك الأرستقراطي المتشدد، ما النتيجة التي يمكن الوصول إليها مادام ايدي قد أعلن توبته واعتذاره عما بدر منه من دخول سيارة شخص آخر ومحاولة سرقتها؟
لا شك أن الإشكالية هنا تتعلق بشخصية سايكوباثية مركبة تجمع ما بين الكراهية والتلذذ بعذابات الآخرين وهوما سوف نشهد نهاياته في الحضور الفعلي لويليام وفيما يشبه عملية اختطاف تنتهي تلك النهاية المروعة.
...
إخراج/ ديفيد ياروفيسكي
سيناريو / مايكل روز
عن رواية 4 في 4 لماريو كوهن و غاستون دوبارت
تمثيل / بيل سكارسكارد في دور ايدي، انتوني هوبكينز في دور ويليام
مدير التصوير/ مايكل دالاتوري
موسيقى / تيم ويليامز
التقييمات/ روتين توماتو 70%، آي ام دي بي 7 من 10، مستخدمي كوكل 78%