"الخراف تقضي كل عمرها خائفةً من الذئب.. فيأكلها الراعي"
.
المقدمة:
نود أن نتدارس في هذه السانحة المحن والمرائر التي مرت بها الأقليات المسلمة حول العالم، من خلال دراسة الأحداث والوقائع التي واكبت تلك المحن في بواكير تشكلاتها، ثم عملت كعلل ومقدمات منطقية أحدثت شروخا إجتماعية، كان لها الأثر السلبي الذي أفسد تعايش تلك الأقليات وسط حواضنها الإجتماعية في انسجام كان قد دام لمئات السنين.
إن من ابرز تلك المقدمات والعلل التي نسعى هنا لإلقاء الضوء عليها، هي ظاهرة نزوع متشددين في اوساط تلك الأقليات، وأحيانا من خارجها، لتبني العنف أو ما يصطلح على تسميته الجه/اد، كوسيلة تتخذ في ظاهرها شكل الثورة المطلبية المسلحة، بينما جوهرها تعود لدوافع ميتافيزيقية فردانية، مستقلة ومعزولة تماما عن مساقات الواقع الإجتماعي لتلك الأقليات، إذ أنها تتعلق في المقام الأول ببحث أولئك المسلحين عن موعدة ربانية اذا ماهم قضوا مقاتلين في سبيل الله.. إن أولئك المج/اهدين لا يكلفون أنفسهم العناء في جرد الأرباح والخسائر على مستوى الدماء والأرواح، التي ربما يجلبها هذا المنحى الذي يتبنونه في سعيهم للشهادة، والذي طالما خلف خسائر باهظة وجسيمة في حياة تلك الاقليات في الحرث والنسل والانفس والدماء والثمرات. يحدث ذلك العنف وسط مجتمعات مدنية مسالمة متعددة الاعراق والثقافات والأديان، اعتمدت في سائر أيامها الإنسجام والتعايش السلمي والنضال المدني الاعزل كوسائل وحيدة للتدافع من اجل المطالبة بالحقوق وتحسين الاوضاع الإجتماعية.
في البداية، يلزمنا كما اسلفنا أن نعدد الخلفيات التاريخية لأحداث كانت قد تخذت شكل العلل والمقدمات المنطقيه لأزمات أعقبتها، كابدتها تلك الأقليات في العديد من دول العالم. الشئ الذي يجعل دراسة تلك الفظائع التي عانى فيها مسلمون حول العالم من عمليات تعدي شملت الإبادة، التطهير العرقي، والتهجير القسري. إذ أن دراستها كظواهر مستقلة، وتناولها كأزمات من خلال سرديات تعزلها عن المقدمات والتداعيات التي كانت قد سبقتها، إنما تتعمد إهمال العبر والخلاصات المنطقية التي كان بإمكانها أن تساعد المجتمع الدولي، والعالم الإسلامي على سبيل الخصوص، لاتخاذ التدابير التي قد تعينه مستقبلا لتحاشي تكرار مثل تلك الفظائع وتجنيب العالم المزيد من الخسائر البشرية وشلالات الدماء.
النص:
أورد ههنا نماذج من ابرز الأزمات المعاصرة التي عاشتها وتعيشها اقليات مسلمة حول العالم، كانت قد تعرضت لعمليات إبادة وتهجير وتطهير عرقي.. من قبل نفس المجتمعات التي ظلت تعايشها وتتلاقح معها منذ مئات السنين.. نورد كمثال لذلك:
١/ مأساة الأوقر في الصين
في ما قبل العام ٢٠١٤ كانت قد انطلقت من الإقليم الواقع غربي الصين، عمليات جهادية شملت أعمال عنف مسلح وتفجيرات انتحارية تورطت فيها جماعات جه/ادية مسلحة تحت اسم حزب تركستان الإسلامي (تي آي بي) كحزب له ارتباطات بتنظيم الدولة الإسلامية وفق تقرير كانت قد أوردته صحيفة اللوموند الفرنسية¹.
كانت اعمال العنف تلك بمثابة مبرر كاف لحكومة الصين، مثل ستارا إعلاميا كثيفا لإطلاق عمليات عسكرية ضد سكان الأقليم، لم تقتصر على تجريم الطقوس الدينية، بل تعدتها لحشد الشباب في معتقلات تركيز جماعية بحجة تحييدهم من الأفكار والثقافات المتطرفة بحسبانها تمثل تحديا للنهج العلماني الذي تتبعه حكومة الحزب الشيوعي في الصين.
أسفر العنف الرسمي الذي شنته الحكومة الصينية عن عمليات قتل وتعذيب واختطاف وتهجير قسري واسعة النطاق، لم تقتصر على المسلحين والمتفلتين في التي آي بيه، بل شملت أحد عشر مليونا من مسلمي الأوقر العزل المسالمين.
٢/ مأساة مسلمي افريقيا الوسطى:
في العام ٢٠١٣ قامت مليشيات مسلحة مدعومة من قبل الحكومة الإسلامية في الخرطوم بالتعاون مع الجيش التشادي، تحت مسمى مليشيات السيليكا، بشن عدوان على نظام بوعزيزيه في بانقيه في افريقيا الوسطى، مما تسبب في إسقاط النظام القائم وإرسال رئيسه إلى المنفى.. وأعقب ذلك عمليات قتل طائفية واسعة النطاق في بانقيه، رافقتها أعمال نهب للأموال والممتلكات والقطعان.. ومما زاد الأمر سوءا إقدام تلك المليشيات على تنصيب رئيس بديل للبلاد من المسلمين فيها، علما بان المسلمين هناك يمثلون اقلية لا تتجاوز الخمسة وعشرين بالمائة من مجموع سكان البلاد.
أدى الأمر إلى إعتقاد ساد الأوساط الشعبية في بانقي بتورط الطائفة المسلمة فيها بتدبير العدوان، واعتبارها مسئولة بصفة غالبة عن أعمال العنف وإراقة الدماء، والنهب والسلب الذي طال معظم سكان البلاد ومدنها وقراها.
كانت النتيجة الحتمية لذلك العنف أن تعرض المسلمون من المدنيين والعزل في افريقيا الوسطى، ربما لأول مرة في التاريخ الحديث، لعمليات قتل وسلب وتهجير قسري افسد التعايش السلمي الذي ظلوا يتمتعون به في بلادهم من قبل شركائهم في الوطن والأرض والمصير.
٣/ مذابح الروهينغا في بورما:
في العام ٢٠١٣ إحتلت لقطة للكاهن البوذي المتطرف ويراثو صورة الغلاف في مجلة التايم الأمريكية، وقد علاها تعليق "الإرهاب البوذي".. كان ويراثو قد أسس جماعة بوذية متطرفة مسلحة في العام ٢٠١٤، لمواجهة اقلية مسلمي الروهينغا في إقليم اركان الذي تقطنه أغلبية بوذية. بدا ذلك كردة فعل إثر دعوات لمناصرة مسلمي الروهينغا في سعيهم لانتزاع حقوقهم المدنية، إنطلقت في العام ٢٠٠٩، لم تقتصر على أبناء الروهينغا بالشتات، والدول المسلمة المشاطئة للمحيط الهندي بل تجاوزتها لتشمل تنظيم القاعدة الذي كان يعتقد وقتها بصورة واسعة، ضلوعه بتدبير هجمات الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ على برجي التجارة في لاوار مانهاتن في نيويورك.
كانت صيحات التضامن التي أطلقها مسلحون مسلمون، كافية لدفع الجيش في ماينمار لارتكاب أكبر عملية قتل وإغتصاب، وتهجير قسري وخروج جماعي (إكسودس) عرفتها الإنسانية في تاريخها الحديث وفق تصنيف الأمم المتحدة².
٤/ المشكل المفاهيمي
لا يهدف هذا المنشور لنقد الحجج والبراهين التي تدعم فرضية حمل السلاح وإعلان الج/هاد المسلح لمناصرة مجتمعات تتعرض للعسف السياسي من قبل أنظمة مستبدة ومتشددة، أكثر مما يهدف للتدليل أنه في المجتمعات الغربية او الآسيوية الحديثة قد أصبح متاحا اكثر من ذي قبل وسائل وخيارات للنضال المدني السلمي، كالإضراب والتظاهر والمقاطعة، واللجوء للقضاء، ربما تكون أكثر فعالية واكثر انسجاما مع متطلبات التعايش المدني في اوساط المجتمعات المتباينة في ثقافاتها وعقائدها.. لا بد ان نعترف ان القضايا الاجتماعية حول العالم لا تتطابق وقع الحافر على الحافر، إنما تختلف عن بعضها كيفا ومقدارا.. وأن حلاً واحدا وهو العمل المسلح إن صلح في بعضها، ربما لا يكون خيارا منطقيا ناجعا في أكثرها.
إن كل الأديان والكتب السماوية ومقررات العهد الدولي لحقوق الإنسان، إنما تجرم إراقة الدماء، وإفساد الحرث والنسل، وإخراج الناس من ديارهم.. فإن كانت مثل هذه الفظائع إحتمالات حتمية الوقوع في حق الاقليات، إذا ما رفع متشددون السلاح للدفاع عنها، يصبح العمل المسلح خيارا فاسدا يخلو من الفعالية والمنطق، ما دام انه سيورث تلك المجتمعات من الأذى والاضرار ما يفوق آلاف المرات المظالم الإجتماعية التي كانوا قد عانوا منها أول الأمر.
إن انشغال متدينين بفرضية أنهم سيلاقون مصيرا أفضل حينما ينقلبون إلى ربهم وقد قضوا في معارك كانوا يحسبونها في سبيل الله، أكثر من إنشغالهم بمقدار الخراب الذي سيلحق بعد رحيلهم بالنساء والأطفال والمسنين، الذين طالما ادعوا انهم إنما يخوضون العمل المسلح زودا عنهم ودفاعا عن حقوقهم، إنما هو أمر لا يستقيم عقلا، بل أنه ينطوي في ظاهره على مغالطة منطقية، تتمثل في ان الخيار الذي اتخذته تلك الجماعات لمعالجة مشكل ما، قد تسبب في تعقيده بصورة مأساوية، وأنهم لسوء الطالع ربما كانوا على علم برجحان تلك التداعيات، إذ لا يخفى على العاقل تقدير موازين القوى ومعرفة مآلات المعارك الخاسرة. ما الذي تنشده السماء من تبجيل عمل أفسد عليها غاياتها النبيلة المتمثلة في تقديس حياة الإنسان وتكريمها.
"ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"..إن الله قد خلق الإنسانية لإعمار الأرض وإصلاحها، ونهى عن إفساد الحرث والنسل، وسفك الدماء، فكيف ينتظر أحدهم أن تحقق له السماء أحلامه الميتافيزيقية الموغلة في الذاتية والإثرة والإنعزال، من خلال فعل غير محسوب، تسبب في إفساد مشاريعها في الأرض.. فعل ساهم بصورة مباشرة في مضاعفة العناء والمظالم وإزهاق الأنفس وسفك الدماء وإخراج الناس من ديارهم، بينما لم يكن ذلك بخافٍ على أي من أولئك المجا/هدين كاحتمال راجح الحدوث عقب رحيلهم المقدس الميمون.. إن كل الفظائع التي تورط فيها الفرعون والتي وصفها الله بالبلاء العظيم، في تهجير بني إسرائيل وقتل رجالها واستبقاء نسائها، إرتكبها وتسبب فيها لمرةٍ واحدة وهو حي، بينما يتسبب فيها كل يوم، كنتائج راجحة الحدوث، المج/اهدون عقب رحيلهم الأبدي.. ربما دون علمهم وهم موتى..
إنتهى..
1.
https://www.lemonde.fr/international/article/2018/09/13/comprendre-la-repression-des-ouigours-de-chine-en-cinq-questions_5354
².
https://hal.univ-reunion.fr/hal-03603617
nagibabiker@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: حول العالم فی العام کانت قد من قبل
إقرأ أيضاً:
موظفة مايكروسف سابقة تفضح الشركة.. هكذا تتربح من سفك الدماء في غزة
لم يقتصر رفض ومعارضة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة على العرب والمسلمين فقط، بل تعداهم ووصل لأشخاص من جنسيات وأديان مختلفة، ووصل الأمر لأن يخسر بعض مؤيدي القضية الفلسطينية وظائفهم المُريحة والمُربحة ماديا.
وتصدر موظفون في شركات تكنولوجيا عالمية، رفض المشاركة في دعم الحرب الإسرائيلية على غزة، كان آخرهم المهندستين الهندية فانيا أغراوال والمغربية ابتهال أبو سعد اللتان فقدتا وظيفتهما بسبب معارضتهما لمشاركة "مايكروسوفت" في دعم جيش الاحتلال بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتخزين السحابي.
وقالت فانيا أغراوال في مقابلة خاصة ومصورة مع "عربي21"، "إنها وموظفين آخرين سابقين وحاليين في مايكروسوفت أسسوا حملة تطالب الشركة بإنهاء تواطؤها مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي والإبادة الجماعية".
وأكدت أغراوال "أنه رغم فصل الشركة لها بسبب احتجاجها في ذكرى تأسيس مايكروسوفت الخمسين، إلا أنها ليست نادمة ومتمسكة بما قامت به بقناعة، معتبرة فصلها من عملها وسام شرف".
وترى أن "شركات التقنية التي اعتُبرت محركا للابتكار والتكنولوجيا من أجل الخير، جميعها شركات تصنيع أسلحة متخفية، وهي ليست مجرد شركات ابتكار تقني، بل هي شركات تصنيع أسلحة راسخة الجذور في المجمع الصناعي العسكري، ومديروها التنفيذيون، هم من تجار الحروب".
وتاليا نص الحوار مع فانيا أغراوال كاملاً:
كيف ترين قرار مايكروسوفت بفصلك وزميلتك ابتهال أبو سعد بسبب موقفكما من تعاونها مع جيش الاحتلال؟
بداية أسمي فانيا أغراوال وأنا أحد منظمي حملة "لا آزور للفصل العنصري"، وهي حركة يقودها موظفين حاليين وسابقين في مايكروسوفت تطالبها بإنهاء تواطؤها مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي والإبادة الجماعية في غزة، وكجزء من الحملة، خططنا ونظمنا احتجاجات خلال حفلها بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسها.
لقد شعرنا أنه لا يمكن السماح بأي احتفال بينما (يدي) مايكروسوفت ملطخة بالدماء، لذا نظمنا هذه الفعالية سعيًا للحصول على إجابات من مسؤولي الشركة ومديريها التنفيذيين حول تواطؤهم في تسريع وتيرة الإبادة الجماعية، وفي 7 أبريل طُردت انا وابتهال بسبب احتجاجاتنا، لكنني أتمسك بما قمت به بقناعة، واعتبر فصلي وسام شرف.
وفصلنا من العمل ليس إلا دليلاً إضافياً على فشل مايكروسوفت في دعم حرية التعبير لموظفيها، وعلى ازدواجية المعايير المتبعة في أي خطاب يتعلق بفلسطين، لطالما تجاهلتنا، وأسكتتنا، وانتقمت منا لفضحنا نفاقها وتواطؤها، لكن الآن لا مجال لديهم للإنكار لقد استمعوا لمطالبنا بصوت عالٍ وواضح.
يجب على مايكروسوفت الكشف عن جميع علاقاتها بالجيش الإسرائيلي وسحب استثماراتها منه، وعليها الدعوة إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، كما يجب عليها حماية حرية التعبير لموظفيها الفلسطينيين والعرب والمسلمين ومؤيديهم.
إلى كل أصحاب الضمير الحي في كل مكان، ندعوكم للمطالبة بأن تكون أماكن عملكم بعيدة كل البُعد عن إسرائيل، وخاصةً العاملين في قطاع التكنولوجيا، مهما كان دوركم، ارفضوا أن يكون لعملكم وسلطتكم وجهدكم دوراً في دعم نظام الفصل العنصري والإبادة الجماعية.
أما الذين لا يعملون في مجال التكنولوجيا، استمروا في مقاطعة شركة مايكروسوفت وممارسة الضغط عليها حتى تتم الاستجابة لمطالبنا، استمروا في إغراق المنشورات على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات تُعبر عن مطالبنا بوقف دعمها للإبادة الجماعية في غزة.
ولا تنفقوا ولو دولارًا واحدًا على منتجات مايكروسوفت طالما أنها مستمرة في جني الأرباح من الإبادة الجماعية، لقد ولى زمن الصمت والسلبية فالفظائع والجرائم ضد الإنسانية في غزة تزداد رعبًا يومًا بعد يوم، علينا أن نرفع صوتنا ونتحرك، كل شيء تقدمه أو تضحي به - سواء كان وقتك، أو مواردك، أو طاقتك، أو حتى وظيفتك - له قيمة ويُحدث فرقًا.
كيف تدعم شركات التكنولوجيا الحرب على غزة؟
اليوم أصبحت تكنولوجيا الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي بنفس القدر من الحساسية والخطورة مثل القنابل والرصاص، والعلاقة بين شركة مايكروسوفت وقوات الاحتلال الإسرائيلي تعود لعقود.
ففي عام ٢٠٠٢ شاركت مايكروسوفت في أكبر صفقة برمجيات في إسرائيل آنذاك، وفي عام ٢٠٢١ وقّعت عقدًا مع وزارة الدفاع الإسرائيلية بقيمة ١٣٣ مليون دولار.
وأعتقد أننا عادةً عندما نفكر في مصنعي الأسلحة، فإننا نفكر في شركات مثل لوكهيد مارتن ورايثيون تيكنولوجيز و بوينغ وما إلى ذلك، ولكن في عصر الرقمية والذكاء الاصطناعي نحتاج إلى إعادة صياغة فهمنا للدور الذي تلعبه شركات التكنولوجيا في استمرار الفصل العنصري والإبادة الجماعية.
شركات التقنية هذه التي كنا نعتقد أنها محركات للابتكار والتكنولوجيا من أجل الخير، جميعها شركات تصنيع أسلحة متخفية، ولها علاقات طويلة الأمد مع المجمع الصناعي العسكري الأمريكي.
ولا يقتصر الأمر على مايكروسوفت، بل يشمل جوجل، وأمازون، و بالانتير ، وميتا، جميعها ليست مجرد شركات ابتكار تقني، بل هي شركات تصنيع أسلحة راسخة الجذور في المجمع الصناعي العسكري، ومديروها التنفيذيون، الذين عشقهم العالم لعقود، هم من تجار الحروب.
أما بالنسبة لشركة مثل مايكروسوفت، التي تفخر برسالتها وقيمها، يُعد هذا نفاق وتناقض كبير، كيف يمكن السماح لشركة بأن تزعم أنها تهدف إلى تمكين كل شخص وكل منظمة على هذا الكوكب من تحقيق المزيد، بينما تقوم بتسليح نظام الفصل العنصري بشكل نشط.
لم يعد بإمكان مايكروسوفت الاختباء وراء رسالتها أو مكانتها، ويستحق موظفيها أن يعرفوا بالضبط من يستفيد من عملهم، ولهم الحق في رفض الموافقة على استخدام عملهم في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
هل تشرحين لنا كيف يستخدم جيش الاحتلال الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري؟
يُمكنني التحدث تحديدًا عن مايكروسوفت، حيث أصبح لها موطئ قدم في جميع البُنى التحتية العسكرية الرئيسية في إسرائيل، وتشمل اتفاقيات الخدمات العسكرية بينها والجيش الإسرائيلي أكثر من 600 اشتراك أو حساب فردي مُدرج ضمن أقسام أو وحدات أو قواعد أو مشاريع مُحددة داخل الجيش، بما في ذلك وحدة 8200 والوحدة 81، وهما وحدتان حاسوبيتان واستخباراتيتان.
وقد تورطت هاتين الوحدتين بانتهاكات وجرائم ضد الفلسطينيين، أيضا تُزوّد مايكروسوفت الجيش الإسرائيلي بخدمات تخزين سحابي وذكاء اصطناعي عبر منصة Azure، وغيرها من الخدمات التي تُعدّ أساسية في أتمتة الجرائم الإسرائيلية المروعة والوحشية في غزة.
ويستخدم الجيش الإسرائيلي هذه التقنيات السحابية والذكاء الاصطناعي لإنشاء منصة أسلحة و"مصنع اغتيالات جماعية" تعمل على أتمتة الجرائم وتسريعها من خلال أنظمة مثل Gospel وLavender وWhere's Daddy، والتي تعمل على إنشاء قوائم اغتيالات، وبنوك أهداف، وتساعد في مراقبة وقصف الشعب الفلسطيني بشكل عشوائي.
بالإضافة إلى الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، تقدم مايكروسوفت أيضًا خدمات دعم برمجية للجيش والحكومة الإسرائيلية بملايين الدولارات من الأرباح، فعلى سبيل المثال تضع موظفين في وحدات عسكرية إسرائيلية للعمل على مشاريع حساسة وسرية للغاية مثل أنظمة المراقبة.
كما يقدّم موظفو مايكروسوفت والمقاولون المتعاونون معها استشارات متخصصة ودعمًا تقنيًا، سواء عن بُعد أو من داخل القواعد العسكرية، كما تستضيف منصة Azure برمجيات تُستخدم في تدريب قوات الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى تقديم البنية التحتية السحابية من مايكروسوفت.
أيضا توفر مايكروسوفت البنية التحتية السحابية لشركة بالانتير (Palunteer)، المعروفة بكونها تاجر أسلحة الذكاء الاصطناعي في القرن الحادي والعشرين.
وللشركة شراكات حكومية، وشراكات في مجالات السياسة والسجون، بالإضافة إلى عمليات غير قانونية تُنفَّذ على أراضٍ محتلة بشكل غير شرعي، بما في ذلك المستوطنات، والقائمة تطول وتطول في توثيق علاقات مايكروسوفت العميقة بالجيش والحكومة الإسرائيلية.
وكل هذه التفاصيل مذكورة بالكامل في تقرير التواطؤ الصادر عن حركة المقاطعة BDS)) بشأن مايكروسوفت، الحقيقة أصبحت الآن واضحة ولا يمكن إنكارها: مايكروسوفت تُشكّل العمود الفقري التكنولوجي لنظام الفصل العنصري والإبادة الجماعية المؤتمت في إسرائيل، وفي نهاية المطاف، هي شركة تصنيع أسلحة رقمية.
ما تعليقك على ملاحقة معارضي الحرب على غزة في الولايات المتحدة؟
نعم، يتعرض معارضي الحرب لاضطهاد شديد، يُطارد الطلاب ويُختطفون ويُرحّلون، يُجرّم المتظاهرون ويُرسلون ظلماً إلى السجون، إنه لأمر مرعب، إنه ظلم، وهو انتهاك صارخ لحقوق الناس التي يُفترض أنها محمية في هذا البلد.
الوقت الحالي مخيف جدًا للتعبير عن رأيك أو معارضة السياسات، لكن أعتقد أن هذا هو بالضبط ما يجعل هذا الوقت بالغ الأهمية للتحرك، وأعتقد أنه من المهم أيضًا أن نتذكّر أن كل خطوة في هذه الحركة لها قيمة.
لستَ مضطرًا للمخاطرة بوظيفتك أو سلامتك أو رفاهيتك لإظهار دعمك، وكما تعلمون، فإن احتجاجنا في الذكرى الخمسين لتأسيس مايكروسوفت كان نتيجة لعمل العديد من الأشخاص خلف الكواليس، وغالبًا ما يكون هذا العمل الهادئ والمتواضع هو الأهم والأكثر حاجةً.
لكن هل تعتقدين أن حرية التعبير في أمريكا انتهت منذ تولي ترامب منصب الرئاسة؟
لا أعتقد أن هذا الأمر بدأ بمجرد تولي ترامب منصبه، من المهم أن نتذكر أن حملتنا مضى عليها أكثر من عام، أي قبل انتخابه، مع ذلك، أعتقد أن تدهور حرياتنا، بما في ذلك حرية التعبير في جميع أنحاء البلاد، قد تسارع بسرعة كبيرة في عهده.
قمع وإسكات المتظاهرين والانتقام من المطالبين بالعدالة، كل هذا كان كامنًا ومتناميًا منذ فترة طويلة في هذا البلد، لكنه لم يكن بهذه القسوة من قبل، ولم يكن صاخبًا وواضحاً أمام أعيننا.
وينبع هذا من حقيقة أن شركات مثل هذه الشركات التكنولوجية العملاقة لديها حصة كبيرة في المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، إنهم في الواقع يبنون ثرواتهم ونفوذهم على التربح من الحرب.
ومع استمرارهم في النمو أكثر فأكثر وامتلاكهم لهذه الحصص في الحرب، فإن تحالفاتهم مع الجيش والحكومة الأمريكية تجعلهم امتدادًا للقوات المسلحة للدولة، إنهم لا يقدمون خدمات للبنى التحتية العسكرية فحسب، بل أيضا يساعدون في مراقبة المدنيين، واستهداف الأبرياء، وحتى إسكات المعارضة.
ماذا تقولين لأهالي قطاع غزة؟
لا أعتقد أن هناك شيئًا يمكنني قوله لشعب غزة قد يُخفف من معاناتهم أو يُحسّن من واقعهم، لا أستطيع تخيّل الأهوال والأحزان والآلام التي شهدوها وشعروا بها وحملوها لعقود جيلًا بعد جيل.
ولا عذر للعالم وقادته لتقصيرهم في التحرك في هذه اللحظة، لكن كل ما أستطيع قوله لهم هو أننا هنا ونراكم، وسنواصل النضال من أجل حقكم في العيش في فلسطين حرة ومُحررة خلال حياتنا.