دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يعيش سكان جزيرة بونزا قبالة ساحل روما داخل كهوف مريحة منذ فجر التاريخ.

وتقع شواطئ وقرية الصيادين بونزا التي تُعد أكبر جزيرة في أرخبيل بونتينيه، قبالة الشاطئ بين روما ونابولي، حيث المنازل عبارة عن كهوف منحوتة في المنحدرات البحرية الوعرة، وتتمتّع بمناظر خلابة.

هذه المنازل، الباردة صيفًا والدافئة شتاء، لا تحتاج إلى تدفئة أو تكييف.

إنها جوهرة الجزيرة، وتحظى الآن بشعبية لدى المصطافين.

منذ القرن التاسع عشر، بدأ السكان المحليون يهاجرون إلى الخارج، خصوصًا إلى الولايات المتحدة بحثًا عن حياة جديدة. ومن بين هؤلاء عائلة أفيلينو.

وكان لويجي أفيلينو أول فرد من عائلته يغادر بونزا في مطلع القرن العشرين، حيث كان يتنقل بداية بين الجزيرة ومدينة نيويورك الأمريكية، قبل أن يستقر في الولايات المتحدة بشكل دائم.

ثم انضمّ إليه أتيليو أفيلينو، أحد أبنائه التسعة، المولود ببونزا  في عام 1946.

لكن الآن، بعد عقود من الإقامة في الولايات المتحدة، عاد أحفادهما إلى الجزيرة، ويعيشون داخل منزل العائلة القديم (منزل الكهف) الذي قاموا بتجديده، وفقًا لمعايير حديثة.

بيوت منحوتة من الصخر عادت بريجيدا أفيلينو ولوريدانا رومانو من الولايات المتحدة للعيش في "منزل الكهف" الخاص بأسلافهم في بونزا.Credit: Loredana Romano

تعيش بريجيدا أفيلينو (70 عامًا)، ابنة أتيليو، مع ابنتها لوريدانا رومانو، 44 عامًا، في أحد أجمل منازل الكهوف في بونزا. ويتميّز بجدران سميكة مطلية باللون الأبيض، وشرفة مطلة على جزيرة بالمارولا غير المأهولة. ونُحتت الأرائك، والكراسي، والمقاعد، والسلالم، والأسرة، والطاولات، والخزائن، كلها في الكهف.

وقالت رومانو لـ CNN: "هذه الكهوف جزء من حمضنا النووي وتراثنا، ففي كل مرة يولد فيها طفل جديد، كان الوالدان يحفران غرفة أخرى داخل الجرف، لتوسيع منزل الكهف".

انتقل الجيل الأصغر إلى بونزا في عام 1980، عندما أصيب أتيليو أفيلينو بنوبة قلبية في نيويورك. ووصف له طبيبه الهواء النقي، والعيش في مكان هادئ، لذلك عادت العائلة إلى مسقط رأسه.

يحتوي الكهف على تراس مطل على الجزر القريبة.Credit: Loredana Romano

وتتمتع أفيلينو، ابنته السبعينية، بذكريات جميلة عن طفولتها في الولايات المتحدة. وفيما تقدّم بونزا أسلوب حياة أبطأ، فإنها تفتقد عالم نيويورك المحموم.

وأعربت أفيلينو عن مشاعرها بالقول إنها "تعلّمت أنه يمكنك أن تأخذ فتاة بعيدا عن المدينة الكبيرة، لكن لا يمكنك أن تقتلع المدينة الكبيرة من قلبها. إنها ما زالت في داخلي، رغم عودتي إلى بونزا منذ عقود".

انتقلت أفيلينو إلى نيويورك مع والدتها في عام 1955، عندما كان عمرها عامين. كان والدها وجدّها يعيشان ويعملان هناك بالفعل، جنبًا إلى جنب مع أعمامها وخالاتها.

وروت لـCNN: "لقد عملت في مصنع للصلب مدة 22 عامًا. لقد أحببت الفوضى، وحركة المرور، والضجيج، والضوضاء، وكل هؤلاء الأشخاص الذين يهرعون إلى العمل في أي وقت من النهار".

Credit: Loredana Romano

كان والدها وجدها يعملان في جميع أنواع الوظائف عندما وصلا إلى الولايات المتحدة، من إدارة مصايد الأسماك، إلى العمل في سفن الحاويات، وطهي المأكولات الإيطالية، وبناء ناطحات السحاب.

وتابعت:"قد تصفوني بالجنون، لكنني أفتقد إيقاع نيويورك حقًا. كنت أتجول طوال الوقت في عطلات نهاية الأسبوع، وأستقل القطارات، وأذهب إلى السينما مع أصدقائي، والمطاعم، ومصفف الشعر، وأمشي كثيرًا". وأضافت المرأة السبعينية: "ما زلت أحلم بطاقة تلك المدينة".

ورغم عمرها ومشاكلها الصحية المتزايدة، تقول إنها ترغب بالعودة لاختبار أسلوب الحياة المحموم والنشط في مدينة نيويورك الذي سمح لها بمقابلة العديد من الأشخاص.

ولفتت إلى أن "مدينة نيويورك منحتني الفرصة للحصول على الكثير من الخبرات وفرص العمل. لقد كانت حياة مثيرة".

صراعات ثقافية تم نحت منزل العائلة من الصخر على يد أسلاف أفرادها.Credit: Loredana Romano

يعيش سكان بونزا الأصليون على الزراعة وصيد الأسماك، لكن بشكل أساسي على السياحة الموسمية. تعود الحياة إلى الجزيرة في الفترة الممتدة بين يونيو/ حزيران وأكتوبر/ تشرين الأول، فيما يتّسم الجزء المتبقي من العام "بالهدوء المميت"، بحسب ما ذكره رومانو.

وقالت أفيلينو التي تحتفظ بجواز سفرها الأمريكي وتشعر بأنها أمريكية أكثر من بونزية إنها اضطرت للعودة إلى بونزا بعد إصابة والدها بنوبة قلبية.

التقت في هذه الجزيرة بزوجها المستقبلي، سيلفيريو، وهو مواطن بونزي أصلي، وأنجبت منه لوريدانا التي أنشأت علاقات مع أقاربه في الولايات المتحدة.

كلما ولد طفل نحت الجد غرفة له.Credit: Loredana Romano

وتنقلت ذهابًا وإيابًا بين الولايات المتحدة وبونزا بين سن الـ20 والـ30 عامًا، حيث عملت نادلة في أحد مطاعم عمتها بولاية فلوريدا الأمريكية. وهي الآن فخورة بأنها تعيش في منزل الكهف الذي حفره جدها الأكبر من الجرف بيديه.

وتواصل الآن مهمتها لاستعادة أصول أجدادها.

وحول هذا الأمر، أوضحت: "لقد ورثت هذا الكهف، والذي قمت مؤخرًا بإعادة تصميمه بسخاء. لقد بناه جدي الأكبر قبيل مغادرته إلى الولايات المتحدة للعمل. وأوضح رومانو: "لم يكن في الواقع مهاجرًا اقتصاديًا، ولم يكن فقيرًا، بل أراد فقط تغيير حياته والبحث عن فرص جديدة على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي".

يقع المسكن الكهفي الذي تبلغ مساحته 262 مترًا مربعًا في أكثر المناطق الخلابة في بونزا، ويطل على مسبحين بحريين طبيعيين محميين بمنحدرات الغرانيت الأبيض. لديها إمكانية الوصول المباشر إلى المياه الاستوائية.

تعود الحياة إلى جزيرة بونزا صيفًا. Credit: Image Professionals GmbH/Alamy Stock Photo

تحتوي غرفة المعيشة على بئر قديمة كانت تُستخدم في الماضي كخزان لتجميع مياه الأمطار التي لا تزال رومانو تستغله عندما يكون هناك القليل من المياه الجارية خلال فصل الصيف.

وفي هذا العام، قامت بإعادة تجديد واجهة الكهف، وزرعت الباذنجان والكوسا في حديقة صغيرة، حيث أعدت بهما وصفات محلية.

وبخلاف والدتها، لا تشعر رومانو التي تعمل في قطاع السياحة ببونزا، بالحنين إلى نمط الحياة في الولايات المتحدة.

تفتقد بريجيدا أفيلينو إلى الحياة في نيويورك.Credit: Loredana Romano

وقالت: "في فلوريدا عشت في الحي الإيطالي. الأميركيون طيبون للغاية، فهم يلقون التحية دومًا، لكن عندما تعيش في مدينة فيها الكثير من الناس ولا تعرف الكثير منهم، فإنك تجد نفسك حقًا وحيدًا وأكثر عزلة من وجودك على جزيرة".

وبرأيها أن الأميركيين يعيشون من أجل العمل فقط. وليس لديهم الوقت للذهاب إلى البقالة لشراء الطعام الطازج أو قضاء وقت ممتع مع الأصدقاء والأقارب. ولا يطبخون، بل يفضلون تناول الطعام خارجًا.

أما صغر حجم جزيرة بونزا فإنه يُشعر رومانو بالأمان، وخاصة أن الجيران وأهل الجزيرة يتشاركون الأحزان والأفراح.

إيطاليارحلاتنشر الجمعة، 20 أكتوبر / تشرين الأول 2023تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتكوبونز CNN بالعربيةCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2023 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: رحلات فی الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

البيجر ودور الولايات المتحدة

«ليست القنابل هي التي تقتل في حد ذاتها، بل القائمة التي تضع المدنيين في طريقها»، جيمس بامفورد، صحفي أمريكي.

في تناقض واضح، نفت الولايات المتحدة نفيًا قاطعًا أي صلة لها بتفجيرات البيجرات في لبنان، لكنها في الوقت نفسه لم تعلن إدانة هذه العملية الإرهابية، بل اكتفت بتعبير مبهم عن خشيتها من اندلاع حرب بين حزب الله والكيان الصهيوني، هذا الموقف المتردد والغامض يثير الشكوك حول مدى صدق نفيها، كما يثير تساؤلات حول موقفها الحقيقي من هذا العمل الإجرامي!

وهل يمكن تصديق هذا الهراء؟ الله وحده يعلم هل كانت لها علاقة مباشرة بهذه العملية الإرهابية أم لا، فبينما لا يمكننا الجزم بدورها المباشر، إلا أن الأدلة المتاحة تشير إلى تورط غير مباشر، وهي مسؤولة مسؤولية لا تقل عن تلك الدولة المارقة الإرهابية. وسأذكر بعض الشواهد التي تدعم وجهة نظري، وتضع الولايات المتحدة موضع المسؤولية، وتجعلها شريكة في هذه الجريمة النكراء:
1- كشف ضابط الاستخبارات الأمريكي السابق «إدوارد سنودن» عن مذكرة سرية موقعة في عام 2009 بين وكالة الأمن القومي الأمريكية ووحدة الاستخبارات الصهيونية «سيغنيت»، المعروفة بالوحدة 8200، تكشف الوثيقة أن الولايات المتحدة تشارك الصهاينة معلومات استخباراتية غير مفلترة عن المواطنين الأمريكيين، بما في ذلك المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني، دون حجب البيانات الشخصية المتعلقة بهوياتهم.

هذا النوع من البيانات يُسمى «الاستخبارات الإشارية الخام»، ورغم أن الاتفاقية نصت على احترام الخصوصية وعدم استهداف المواطنين الأمريكيين، إلا أنها لم تفرض على الكيان الصهيوني أي قيود قانونية أو إجرائية.

2- قد يكون الصهاينة قد حصلوا على هذه المعلومات عبر التجسس، إذ لديهم تاريخ طويل في التجسس على الولايات المتحدة وتساهل كبير من الولايات معها بهذا الخصوص، وهناك العديد من الحوادث التي تؤكد ذلك، ولعل أشهرها قصة جوناثان بولارد، الموظف السابق في البحرية الأمريكية، الذي سلّم الكيان المحتل معلومات غاية في السرية تتعلق بالأمن القومي الأمريكي، خصوصًا حول النشاطات العسكرية في الشرق الأوسط، والتي تضمنت تفاصيل القدرات العسكرية لدول عربية، وبعد سجنه لفترة، طلب المغادرة إلى الدولة المارقة وسُمِح له بذلك.

كما أن هناك فضيحة بيني غانتس، حيث إن إسرائيل تجسست على الولايات المتحدة باستخدام تقنيات حديثة، مثل برنامج «بيغاسوس»، وكان بطل هذه القصة وزير الدفاع الصهيوني غانتس آنذاك، الذي حاولت الولايات المتحدة في فترة ما استبدال نتنياهو به! ولا ننسى بالطبع قصص التنصت الشهيرة على البيت الأبيض في عام 2019، من خلال إنشاء أبراج هاتف محمولة مزيفة.

3- الولايات المتحدة شاركت الكيان الصهيوني في الإبادة التي تحدث في غزة باستخدام القنابل الغبية، كما تدعمه أيضًا بالمعلومات الاستخباراتية، ولا يوجد مثال أوضح من قصة تحرير أربع رهائن صهاينة من قبضة حماس، حيث وفرت الولايات المتحدة الدعم والاستشارات التي ساعدت في تحديد مواقع الرهائن، وقدمت الدعم اللوجستي والاستخباراتي، وقد عُرفت هذه العملية بمجزرة النصيرات، التي راح ضحيتها مئات الأبرياء.

4- يظل الدعم الاستخباراتي سريًّا، وتستطيع الولايات المتحدة نفيه بسهولة، مما يحمي صورتها ولا يؤجج الرأي العام ضدها.

5- الولايات المتحدة بحاجة إلى الأجهزة الاستخباراتية الصهيونية لتحقيق مصالحها في المنطقة، كما أن الوجود القوي للصهاينة هناك يخدم تلك المصالح.

أغلب الظن أن اختراق الكيان الصهيوني لسلاسل التوريد تم نتيجة العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على حزب الله، فالحزب بحاجة إلى شركات وهمية لتأمين مشترياته، وقد حصلت شركة مجرية وهمية على ترخيص لاستخدام العلامة التجارية لشركة تايوانية، من المحتمل أن الولايات المتحدة وجهت الحزب للتعامل مع هذه الشركة المجرية بطريقة غير مباشرة.

لقد أثبت طوفان الأقصى أن الكيان الصهيوني نمر من ورق، لا يستطيع الحياة يومًا دون دعم الولايات المتحدة، ولولا الدعم العسكري والاستخباراتي والمالي، لانهار هذا الكيان منذ زمن بعيد.

(الدستور الأردنية)

مقالات مشابهة

  • إيران تنفي أي تواصل مع الولايات المتحدة قبل هجومها على إسرائيل
  • الولايات المتحدة تعترض عددا من الصواريخ الإيرانية الموجهة لإسرائيل
  • حصيلة قتلى إعصار هيلين في الولايات المتحدة ترتفع لـ93 شخصاً
  • البيجر ودور الولايات المتحدة
  • عبدالله بن زايد ووزير خارجية الباراغواي يبحثان في نيويورك التعاون المشترك
  • عبدالله بن زايد يبحث تعزيز التعاون مع أمين عام الأمم المتحدة في نيويورك
  • أخنوش يلتقي رئيس الوزراء البريطاني الجديد في نيويورك
  • وزير الخارجية يلتقي بأعضاء بعثة مصر لدى الأمم المتحدة وقنصلية نيويورك
  • إيطاليا: مستعدون لإرسال قوات ضمن بعثة أممية لدعم قيام دولة فلسطينية
  • الرئيس العليمي يغادر نيويورك بعد ختام مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة