سودانايل:
2024-10-02@04:17:44 GMT

أكتوبر الأحمر !!

تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT

وجاء أكتوبر موشحاً بعلم الكآبة ذي اللون الأحمر الصارخ، مكتحل بالسواد الكاسي لألبسة الحزن المقيم في أنفس السودانيين والسودانيات، مع إرهاصات الحرب الضروس التي أراد لها أعداء الظلام، أن تطمس ملامح الوجوه الطيبة المحتفية بثورة أكتوبر على مر السنين، احتفاءً متفائلاً يبشر بغدٍ جميل ومستقبل نضير، لم تمر على الأمم والشعوب السودانية هذه المناسبة الرامزة للتحرر والانعتاق من ربقة الدكتاتوريات العسكرية، مثلما هو الحال هذه المرة في هذا الشهر الأكتوبري الأحمر، لقد فارق الأمل والاستبشار الوجوه، وهجر الفرح الأصوات التي تغني وتنشد مع العملاق النوبي محمد وردي: (كان أكتوبر في أمتنا منذ الأزل)، وتاهت سفينة الشعب العاشق للحرية في متاهات البحار المتفجرة أعماقها ببراكين القنابل، وأمسى حلم العالم (الناس تتسالم والبني آدم الصافي النية)، ما عسانا أن نقول لمصطفى سيد احمد وهو يتبرم في قبره من هول فاجعة الدماء والأشلاء، التي مزّقت أحشاء هذا الآدمي الحسن السريرة؟، صبيحة أن قرر عشاق الظلام سفك دمه على أرصفة المدن المستحيلة، لم تكن الحرب خياراً لأمة الأمجاد المقاتلة سلمياً من أجل الديمقراطية، لكنه الابن العاق والسفيه، الذي جر الجرم فحل بأهله الخراب، ولقد قيل في الأثر أن (البلد يخربها ولدها)، وهذه بلادنا قد أحال أبناؤها العاقون نهارها إلى ليل وظلام دامس، بجلب قاذفات اللهب بدلاً عن تقديم باقات الورد في مهرجانات الثورة الاكتوبرية الكاسرة لشوكة الطغاة، ومن سوء طالع الدولة والأمة تسيّد الناشزين لأمر العامة، وطغيان القتلة والمجرمين والمفسدين على المشهد العام.


جادت قرائح الشعراء والمغنين والملحنين بالمفردات والمعزوفات الراسمة للوحات العتيقة، المطبوعة على جدران الذاكرة الوطنية، فما انفكت الألسن تلهج بالنشيد الاكتوبري الحماسي المترجم للواعج النفس السودانية المجبولة على عشق التراب، وكيفما كان النظام الحاكم عند حلول هذه الذكرى الوطنية الكبرى، تكون العزيمة والتمسك بالاستحقاق المدني والديمقراطي الرافض لكل أشكال المظاهر العسكرية الطافية على المشهد العام، لقد حاول الانقلابيون بمختلف حقبهم لجم الأفواه الهاتفة بحتمية الانتصار على الظلاميين، وإخماد شعلة أكتوبر المتقدة لتسع وخمسين عاماً، لكن أبت الحسناء الأكتوبرية إلّا وأن تصد الخاطبين لودها من منتعلي (البوت) وحاملي السلاح، وآخر هذه المحاولات اليائسة كانت من نصيب مدبري انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، فبرغم نجاحهم في اختيار التوقيت الموافق لشهر ميلاد الثورة الكبرى (شهر عشرة)، إلّا أن أكتوبر لا تقبل القرابين من يد العسكر الملطخة بالدماء، لأنها اندلعت من أجل إبعاد العسكر من سلطة الشعب، لذا لابد من وجود التضاد الأبدي بينها وبين كل من تسول له نفسه الانقضاض على حمل الديمقراطية الوديع عبر فوهة البندقة، فلا يجب أن يشغل جنرالات المؤسسة العسكرية بالهم حلم التحكم في مصير الشعوب، فبعد انجلاء السحابة القاتمة للحرب الأبريلية التي قادها مدبرو انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، فإنّ أكتوبر الأخضر قد توشح بثوب الثورة الجيفارية الحمراء الباقية.
بإشعال الحرب جنت العسكرتارية على نفسها مثلما جنت براقش، وليس هنالك سراً نكشفه إن قلنا أنه وبعد الخلاص من بقايا دويلة عشاق الظلام، هنالك مواكب شعبية سوف تجول وتصول لتنظيف العالق من الشوائب التي خلفتها الحرب، ولا يظن الظان ممن جعل السلاح وسيلة للترهيب والترغيب، بأن العنف الدموي سيكون وسيلة للتداول السياسي، فللديمقراطية ولتأسيس الدولة المدنية الحديثة حرب أخرى سوحها ميادين الفكر وبلاغة الحجة وبيان المجادلة بالتي هي أحسن، وهي الميادين التي ترعرع فيها مولود الحكم الديمقراطي القصير الأجل، إذ أن البلاد لم تهنأ بنعيم الحكم المدني منذ أن أعلن استقلالها الذي لا يعني لسكانها سوى (الاستغلال)، فاستغلت الطبقة العسكرية الضعف البائن في بنية الحكم المدني، واستخدمت طبقة الأفندية من خريجي كلية غردون التذكارية وصويحباتها، فجعلتها تسبح بحمد العسكر لأكثر من نصف قرن، ما أورث الشعوب المسكينة الحروب المطلبية المندلعة في أطراف البلاد، والمختومة بحرب المؤسسة العسكرية فيما بين مكونيها الرئيسيين في منتصف شهر أبريل الماضي، فانتهاء الحرب سيكون مفتاحاً للولوج إلى ميدان تأسيس الدولة المدنية، وإرساء قواعد الديمقراطية، التي لا يكون للجيوش فيها دور غير الحراسة، وليس هنالك تشريفاً أكثر من صون كرامة الإنسان وتأمينه، وسد الثغرات على طول الحدود الفاصلة بين البلاد والبلدان الإفريقية والشرق أوسطية، فأكتوبر الأخضر قد صار أحمراً كالجمر، قوي كالفولاذ، باقٍ كالسنديان، عميق كحبنا الوحشي للسودان.

إسماعيل عبدالله
20أكتوبر2023
ismeel1@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

مستشار بـ«الأكاديمية العسكرية»: العدو فشل في احتلال أي مدينة مصرية بعد «الثغرة» (حوار)

أكد اللواء دكتور محمد قشقوش، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، أن القوات المسلحة المصرية نجحت فى جعل «المستحيل» فى نظر الخبراء العسكريين الدوليين والمحللين الاستراتيجيين ممكناً، وذلك بفضل التخطيط المتميز، واستغلال القدرات المتيسرة فى استعادة الأرض من الاحتلال.. وإلى نص الحوار:

كيف علمت بموعد حرب أكتوبر المجيدة؟

- كنت أحد رجال قوات المظلات، وتم إبلاغنا قبل الحرب بـ3 ساعات برفع درجة الاستعداد، والجاهزية لاحتمالية تكليفنا بتنفيذ عمليات، وتمركزت بالفعل رفقة زملائى بالقرب من إحدى القواعد الجوية لنكون جاهزين للإسقاط الجوى على أى هدف قد نُكلَّف به، وخلال فعاليات الحرب، تم تكليفنا بالانتقال لنطاق الجيش الثالث الميدانى، ثم تم تكليفى من يوم 19 أكتوبر بمسئولية تأمين مركز القيادة الرئيسى للقوات المسلحة من الخارج، والمساعدة فى محور المظلات داخل غرفة العمليات.

وكيف ترى انتصارات القوات المسلحة؟

- أولاً يجب أن تعرف أن هزيمة عام 1967 تُصنَّف فى العلوم العسكرية على اعتبارها هزيمة بلا حرب؛ فالقوات المسلحة دفعت ثمناً لا ذنب لها فيه، وصدرت لنا أوامر الانسحاب دون أن نُحارب أو نواجه القوات الإسرائيلية، ورأيناهم لأول مرة على الضفة الأخرى من قناة السويس، لتبدأ حرب الاستنزاف بعدها، فهزيمة عام 1967 كانت بمثابة «نقطة الانطلاق» للشعب والجيش المصرى بعد رفض هذه الهزيمة، وحرص الشعب والجيش على الأخذ بالثأر.

وكيف رأيت حرب الاستنزاف؟

- كانت بمثابة «مرحلة انتقالية» من «الهزيمة» إلى «الاستعداد للنصر»، ثم «النصر» بداية من تطعيم المعركة، والتدريب على أشياء كثيرة جداً، وعلاج «الجرح المعنوى» الذى عانى منه المصريون بهزيمة عام 1967، ثم إيمان المصريين فى قدراتهم، والسعى لتحويل الهزيمة لنصر شهد له العالم أجمع.

ماذا تقصد بذلك؟

- أقصد أن الرئيس الراحل السادات حاول كثيراً توفير أعلى إمكانيات ممكنة للحرب، لكن البعض خذله، ولم يتم توفير كل الإمكانيات التى كانت تحلم بها قواتنا المسلحة للحرب، ومن هنا أصدر الرئيس السادات التوجيه السياسى والعسكرى لحرب أكتوبر، وقال إننا سنحارب بما لدينا، ولن ننتظر الدعم.

وكيف ذلك؟

- أعتى الخبراء العسكريين فى العالم كانوا يقولون إن خط بارليف حصين، وإن مصر لن تنتصر فى الحرب إذا أقدمت عليها، لكن الإعداد والتخطيط الجيد، والروح القتالية والمعنوية والدينية العالية، جعلت المستحيل ممكناً، وتفوق الجيش صاحب التخطيط المتميز والعقول والمهارات الفريدة من نوعها على الإمكانيات الأكبر، حتى قال كل خبراء العالم إن العنصر البشرى سر تفوق مصر فى الحرب والفوز بها.

وما ردك على المحاولات الإسرائيلية للادعاء بأنها انتصرت فى الحرب؟

- هناك معايير وقياسات دولية تقول إن المنتصر فى الحروب يجب أن يُحقق شرطين؛ أولهما هو الفوز فى أكبر عدد من المعارك، ومصر انتصرت فى كل معارك الحرب، وإسرائيل انتصرت فى معركة ونصف فقط، لفوزها فى معركة تطوير الهجوم، وإذا ما اعتبرنا أن «الثغرة» هى نصف معركة فازت إسرائيل بأولها بتنفيذها، لكن مصر كانت قريبة من تصفيتها لولا اتفاق وقف إطلاق النار، ما يجعلها نصف معركة، أما المعيار الثانى فهو تحقيق الهدف من هذه الحرب، ونجحت مصر بالفعل فى استرداد أراضيها كاملة، ما يجعل هذا الهدف قد تحقق أيضاً، ومن ثم فإن الادعاءات الإسرائيلية فى هذا الصدد موجهة للداخل الإسرائيلى، لأن قادتها ومسئوليها يعلمون جيداً كيف عانوا فى الحرب، وكيف خسروها، وإلا لم يكونوا لينسحبوا من سيناء لو كانوا منتصرين بالفعل، كما أن هناك دليلاً ميدانياً آخر على نصر مصر فى الحرب.

وما هو؟

- اتفاق وقف إطلاق النار لم ينه الحرب بشكل كامل، لكن حينما تم إبرام «فض الاشتباك» أخذ الإسرائيليون فى الاحتفال بانتهاء الحرب طوال الليل، وأخذوا يطلقون الألعاب النارية فى السماء طوال الليل، خصوصاً من كانوا متبقين فى «الثغرة»، وذلك لأن رقابهم قد أُنقذت من الموت، فوقف إطلاق النار تم ومصر فى موقع قوة، وليس فى موقع ضعف كما تصور إسرائيل لرأيها العام.

مقالات مشابهة

  • "دور المجتمع المدني في تعزيز المشاركة".. ندوة بمكتبة الإسكندرية
  • الطيران المدني: تحويل مسارات الطائرات التابعة لدولة الكويت لتكون في مأمن عن الأحداث التي تشهدها المنطقة
  • "دور المجتمع المدني في تعزيز المشاركة" ندوة بمكتبة الإسكندرية
  • مستشار بـ«الأكاديمية العسكرية»: العدو فشل في احتلال أي مدينة مصرية بعد «الثغرة» (حوار)
  • تعيين عبدالإله العسكر متحدثًا إعلاميًا للتأمينات الاجتماعية
  • الحزب الشيوعي السوداني … مخترق ام مختطف – الحلقة الأخيرة
  • النعيمي يؤكد أهمية مشروع رسم السياسات الزراعية التي تنطلق من موجهات قائد الثورة
  • رئيس الأركان العامة: تذليل العقبات التي تعترض تنفيذ البرامج والاستراتيجيات العسكرية وسبل تطويرها
  • جامعة حجة تدشن المرحلة الخامسة للدورات العسكرية المفتوحة “طوفان الأقصى”
  • أهداف وحصاد التدخل الدولي في السودان