الجزيرة:
2024-07-12@18:27:05 GMT

هل ورّطت المقاومة غزة في معركة غير متكافئة؟

تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT

هل ورّطت المقاومة غزة في معركة غير متكافئة؟

منذ اندلاعِ الأحداث والمجازرِ اليوميّة في غزةَ، فيما صاحب عملية (طوفان الأقصى)، والنقاشاتُ لا تتوقّف، تارةً ما بين السياسيّ، وتارة أخرى يغلَّف النقاش بمسحة الدين، أو الفتوى، وبعض هذه النقاشات يبدو في ثوب الشّفقة والخوف على أهل غزةَ، والمقاومة، لكن بطرحٍ مضمونه وهدفه التشكيكُ، وإلقاء اللوم والتبعة على المقاومة، بأنّها ورّطت أهل غزة في معركة غير متكافئة، وآذت المدنيين، وبسبب تسرعها فيما قامت به، فقد كلفت الشعب الفلسطيني ضريبة فادحة.

فهل هذا الطرح صحيح؟

ربما يكون صحيحًا في حالة لا يختلف عليها أحد، وهي حالة: أن الكيان الصهيوني، يكفي خيره شره، ويجلس ساكتًا هادئًا، وقد أعدّ عدته للخروج من الأراضي المحتلة، وتم عقد هدنة بين الأطراف كلِّها، فقامت المقاومة بخرقها، وقد التزم بها العدوّ، وحافظ على التزامه وسطاءُ، ربما في مثل هذه الحالة، كان يمكن القول بأن هناك تسرعًا في أي خطوة تقوم بها المقاومة نحو العدوّ.

لكن العجيب في هذا المنطق الذي ظاهره العقلُ وباطنه الاستخفاف بالعقل والمنطق معًا، أنه في غالب كلامه يوجه اللوم للضحية ويترك الجلاد، ومضمون خطابه أنّ على الضعيف أن يظل ضعيفًا طَوال عمره، والمحتل المتجبر يظل متجبرًا، وعلى الناس التسليم له، وكأن المحتل جاء بسلام، ودخل البلاد بالورود، وسيخرج بالطريقة نفسها، بعد أن ينهي رسالته!

ومثل هذا الكلام ينطوي على مغالطات تحتاج للوقوف معها، منها مغالطات شرعية، ومنها مغالطات سياسية وواقعية؛ لأنَّ من يطرح مثل هذه الشبهة، أو المغالطة في ثوب النصيحة والشفقة، يغلّفها بالنصوص الشرعية التي نهت الإنسان عن أن يلقيَ بنفسه إلى التهلكة، وأن السياسة هي فنّ الممكن، ومن غير الممكن تحرير مثل هذه الأراضي من محتلّ يؤيده الشرق والغرب، والشمال والجنوب، من شتى أصقاع الأرض.

هل البادئ المقاومة أم العدو؟

وأوّل ما ينبغي طرحه هنا: من البادئ بالعدوان هل المقاومة والشعب الفلسطيني أم العدو الصهيوني؟ إنّ الحقيقة التي لا تخفى على متابع للشأن الفلسطيني، أنَّ عدوان المحتل لم يتوقف يومًا، مهما تبدَّل المسؤولون فيه، فإن جاء الليكود أو العمل أو أي حزب آخر لسُدة الحكم، فهناك رؤية واستراتيجية لا يختلف عليه أحد، الاختلاف في تفاصيل التنفيذ، أمّا الرؤية فلا خلاف عليها لديهم، وفي القلب منها: تهويد القدس، وبناء المستوطنات، وطرد أصحاب الأرض.

فهل توقف ذلك يومًا؟ لم يتوقف، بل إن الإحصاءات تقول: من شهر مايو 2023م حتى يوليو من العام نفسه، أي قبل الأحداث بقليل، عددُ الشهداء في فلسطين أكثرُ من (450) منهم: (67) طفلًا، وهي إحصائية استشهد بها تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودي السابق؛ أي في أقلّ من ثلاثة أشهر نجد هذا العدد، ولم يكن هناك (طوفان الأقصى)، ولا أي تصعيد من المقاومة.

ثم قبل (طوفان الأقصى) بشهور، إلى قُبيله بأيام قلائل، والاعتداءات المتكررة على الأقصى ليلَ نهار، والاعتداء على النساء، والرجال الكبار، بشكل مستفزّ، يدمي قلوب الناس داخل فلسطين وخارجها، فما الحدث الذي دفع بالاحتلال أن يصعّد هذا التصعيد؟ لا يوجد، إنما كما يفهم كل من يدرس عقلية هذا المحتل، أنه احتلال استيطاني، سواء قاوم أهل البلد، أم صمتوا، أم سلّموا، فلا يفرق معه سوى في طريقة تكملته خُطته ورؤيته.

 

وإذا غامر هذا العدو مغامرات لا حدود لها، ليقيم كيانه المحتل، وليقيم كل هذه العلاقات من حوله، من مادي ومعنوي، بعد أن كان محارَبًا من الجميع، ومكروهًا من العالم بأسره، فصبر وتحمّل حتى يصل لهدفه، فالأولى بأصحاب الحق والأرض أن يكونوا كذلك

لَيّ أعناق النصوص

أمّا الاستدلال بالنصوص الدينية، كقوله تعالى: (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُواْ ‌بِأَيۡدِيكُمۡ ‌إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ وَأَحۡسِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) البقرة: 195، فإنَّ الآية لا تتحدث عمّن يضحّي بنفسه في سبيل الله، بل عمّن يبخل بالمال عن الجهاد في سبيل الله، فضلًا عن التضحية بالنفس، والتي دائمًا ما تقرن في القرآن الكريم بالمال، وتقدم في معظمها التضحية بالنفس على المال، ولذا تجد مَن يستدلّ بالآية، يبترها من سياقها فيقول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، ولو جاءَ بما قبلها مباشرة، لوجدَها تأمر بالإنفاق في سبيل الله.

وما يفعله البعضُ في هذه النصوص، فهو ليٌّ لأعناقها، وإلا فهل كانت غزوات النبي- صلى الله عليه وسلم- ضد أعدائه المعتدين من المشركين واليهود والروم تهوراً! بل إن النبي- صلى الله عليه وسلم- من أول يوم جاء بدعوته، وأُخبر من ورقة بن نوفل بأن الباطل لن يتركه، حيث قال له ورقة: ليتني أكون فيها جذعًا إذ يخرجك قومك، فقال: أو هم مخرجي؟ قال: ما أتى أحد بمثل ما أتيت به إلا أُخرج وأُوذي.

فهل كانت مواجهة الباطل هنا تهورًا؟ أو معركة غير متكافئة اندفع إليها؟ إن معارك الحق والباطل، والتحرر والاحتلال، دائمًا ما تكون عنيفة ومتجبّرة من الباطل، مهما كانت أخلاقية المناضل عن الحقّ، والقائم بها يعلم أنه لا ينتظره سوى أمرَين: إما النصر، وإما الشهادة، مصداقًا لقوله تعالى: (قُلۡ هَلۡ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلَّآ إِحۡدَى ‌ٱلۡحُسۡنَيَيۡنِۖ وَنَحۡنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمۡ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٖ مِّنۡ عِندِهِۦٓ أَوۡ بِأَيۡدِينَاۖ فَتَرَبَّصُوٓاْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ) التوبة: 52.

ولذا ذكرَ القرآنُ الكريم لنا قصةَ أصحاب الأخدود، في سورة البروج، وهم قوم كانوا سلميين تمامًا، لم يفعلوا شيئًا سوى أنهم آمنوا بالله وحده، فأمسك بهم الحاكم الظالم، وقام بقتلهم جميعًا، ولم يُبقِ منهم أحدًا حيًا، فهل تهور القوم لأنّهم آمنوا؟! وهل بإبادتهم جميعًا هُزمت قضيتهم؟ لا، بل كان نصرهم معنويًا، وإن كانوا ماديًا استشهدوا جميعًا، ومثل هذه القضايا تُوزن بهذا المعيار أولًا.

ما الإعداد المطلوب للمقاوم؟

وما ذكرناه من قبلُ لا يعني عدم الإعداد والتخطيط السديد للمعارك، ولكن هنا مسألة مهمة أيضًا، وهي: ما الإعداد المطلوب من المقاومة وأهلها، حتى نقول: إنّها جاهزة ومستعدة لكي تتحمل حربًا تدخلها؟ إنها مسألة لو وقفت المقاومة في كل الشعوب عليها، لما تحرّكت بلدان لنَيل حريتها، فما من مقاومة لمحتل إلا وبدأت ضعيفة، ثم قويت شيئًا فشيئًا، ولا ننسى ما كان يقال عن صواريخ القسّام من قبل، مثلًا من أحد مشايخ السلفية في مصر، وهو الشيخ محمد حسين يعقوب، حين قال: إنها صواريخ لا تخرم حائطًا، وكلام أبو مازن محمود عباس عنها أيضًا، وقد أسماها: البمب، نكاية في السخرية من أثرها، والتشبيه بلعب الأطفال: بمب العيد!! ثم دارت الأيام، والآن أصبحت هذه الصواريخ متطورة، وتقوم بدور مقاوم لا يستهان به، بل يحسب العدو الصهيوني حسابها آلاف المرات.

وقد كفانا القرآن الكريم مؤونة النقاش في هذه القضايا، حين قال تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ‌ٱسۡتَطَعۡتُم ‌مِّن ‌قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ) الأنفال: 60، والأوامر الشرعية من رحمة الله بالناس ولطفه بهم، مرهونة بالاستطاعة، فيقول تعالى عن الحج: (وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ ‌حِجُّ ‌ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ) آل عمران: 97، فلم يأمر الله المجاهدين بالإعداد المكافئ تمامًا للعدو، بل طالبهم ببذل أقصى جهد يمكن، من حيث الإعداد والتدريب، والتضحية، وإلا فإنّه لن يكون هناك مقاومة، وسُنن الله في كونه، أنه لا شيء يبدأ كاملًا، سواء كان ماديًا أم معنويًا.

التعلم من العدو

ما يغيب عن هؤلاء الذين ينظرون للمقاومة ولجمهورها بهذا الخطاب السلبي، أنّهم لا يتعلمون من العدو، فإن العدو الصهيوني بدأ مشواره الاحتلالي، وهو مبغوض من كل أطراف الدنيا، وبدا مشروُعه حُلمًا صعبَ التحقق، بل مستحيلًا، وهو ما كان يعبّر عنه اليهود أنفسهم لتيودور هرتزل، ولو عاد هؤلاء لأدبيات الغرب نفسه قبل قيام الكيان الصهيوني، ومن كان معه، ومن كان ضده، لعرَفوا أن طبيعة المعارك في هذه الحياة حساباتها مختلفة من زمن لآخر.

وإذا غامر هذا العدو مغامرات لا حدود لها، ليقيم كيانه المحتل، وليقيم كل هذه العلاقات من حوله، من مادي ومعنوي، بعد أن كان محارَبًا من الجميع، ومكروهًا من العالم بأسره، فصبر وتحمّل حتى يصل لهدفه، فالأولى بأصحاب الحق والأرض أن يكونوا كذلك، وهم كذلك بالفعل، ولا يفتّ في عضدهم مثل هذه الدعاية السلبية، وأن يكونوا إما مقاومين، أو عونًا للمقاوم، كما قال صلى الله عليه وسلم: "من جهّز غازيًا، فقد غزا، ومن ‌خلف ‌غازيًا في أهله بخير، فقد غزا".

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: مثل هذه

إقرأ أيضاً:

حرب غزة وتغيّر المعادلات السياسية

من يومٍ إلى آخر، يختلف تقدير الموقف وموازين القوى، مع تصاعد مراحل الحرب في قطاع غزة. فمواقف الدول المعنية تختلف مع التطورات على الأرض، وتغير اتجاهات الرأي العام، مما يجعل تقدير الموقف السياسي عملية متجددة تتطلب مراجعة مستمرّة.

ولكن هناك سمات لم تتغير على مدار الحرب، إذ يمكن القول إن المقاومة احتفظت بزمام المبادرة طوال الوقت، وبقيت يدها هي العليا، متفوقة في الحرب البرية.

سمة أخرى لم تتغير، هي وجود مسارين منفصلين في هذه الحرب، أحدهما الحرب البرية بين المقاومة، والجيش الصهيوني، والثاني هو مسار حرب الإبادة الإنسانية التي يشنها جيش الاحتلال ضد المدنيين. هاتان حربان تسيران في مسارين متوازيين، وحرب الإبادة هي جريمة قائمة بذاتها، ولا صلة لها بالحرب التي تخوضها إسرائيل ضد المقاومة، ولا تحقق أيًا من أهدافها.

هذه الجريمة ضد الإنسانية، استفزت الضمير العالمي، فثار ضدها، كما أدت لزيادة تعاطف الرأي العام مع المقاومة والشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية. واستمر هذا ثابتًا طوال الأشهر التسعة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

أما المتغير الأبرز، فهو تبدل المواقف بين يوم وآخر. على سبيل المثال، خلال الأسبوع الأول من يوليو/تموز الجاري، توقف الحديث عن مفاوضات بين أميركا ومصر وقطر لمتابعة دفع اتفاق الهدنة المتعثر.

قبلها بأسبوع أو أكثر، كانت أميركا قد سحبت مشروعها لاتفاق الهدنة الذي حمل توقيع عدة دول، واتهمت حماس بأنها المسؤولة الوحيدة عن فشل ذلك الاتفاق، وبرأت نتنياهو من أي مسؤولية عن ذلك، وزعمت أنه كان موافقًا عليه.

والمفارقة، أن حماس كانت هي من وافقت علنًا ورسميًا على مشروع الاتفاق، فيما طلب نتنياهو إجراء تعديلات تعجيزية عليه، واستخدم التحفظ على تعديلاته حجة للانسحاب الصامت، وهو الذي لم يعلن أبدًا في أي لحظة أنه كان موافقًا على الاتفاق.

كان سحب أميركا مشروعها يعني إعفاء نتنياهو من أي ضغوط أميركية أو أوروبية تثنيه – ولو جزئيًا- عن قراره الثابت باستمرار الحرب حتى النهاية. وتحميل المسؤولية لحماس عن استمرار تلك الحرب. وبهذا حظي نتنياهو بالحسنيين، وهما: وقف الضغوط عليه لإيقاف الحرب، وإعفاؤه في نفس الوقت من أي مسؤولية عن استمرارها، وهذا هدفه الأسمى. وفيما كان بايدن منشغلًا بهزيمته في المناظرة أمام ترامب، مضى الجيش الصهيوني، بأوامر مباشرة من نتنياهو، مطلق اليد في حرب الإبادة ضد الإنسان والبيوت المأهولة، مركزًا على توسيع المجاعة، ووقف دخول المساعدات في حدها الأدنى.

لكن المفارقة اللافتة كانت قدرة المقاومة على تصعيد عملياتها، لتنزل خسائر فادحة بالجيش الصهيوني، ضباطًا وجنودًا ودبابات ومعدات، وكأنها عادت أقوى مما كانت عليه طوال تسعة أشهر.

لا ينشغل نتنياهو كثيرًا باحتساب خسائره في الميدان، سواء في غزة أو على الحدود مع لبنان، أو بسبب الحصار البحري الذي يقوده ضده الحوثيون. فأولويته هي البقاء في السلطة؛ خوفًا من الخروج منها إلى السجن إذا ما انتهت الحرب، وأهم ما يحرص عليه لتحقيق هذا الهدف هو الحفاظ على أغلبية أربعة أصوات في الكنيست ليبقى في السلطة، وهو ما يؤمنه له التحالف مع بن غفير، وسموتريتش.

كل التطورات التي حدثت منذ بدأت هذه الحرب كانت في غير مصلحة الكيان الصهيوني وجيشه، فهو يدفع فاتورة باهظة في الميدان العسكري سواء في غزة أو الميادين الأخرى المساندة للمقاومة، ويخسر معركة الرأي العام داخليًا وخارجيًا، وتتآكل مصداقيته السياسية والأخلاقية على المستوى العالمي.

بضعة أشهر من هذه الخسائر كانت كافية لاتخاذ قرار وقف العدوان، والاعتراف ولو ضمنيًا بالهزيمة، لكن ذلك لم يحدث بسبب حسابات لا علاقة لها بالحرب، ولا بأصول إدارة الصراع، وإنما إرضاء للغرور وشهوة الانتقام، والخوف من نتائج إعلان الهزيمة.

قبل أن ينتهي الأسبوع الأول من يوليو/تموز 2024، تقدّمت قيادة حماس، بتفاهم مع قيادة الفصائل المقاومة الأخرى في غزة، بمقترحات جديدة للخروج بمفاوضات الهدنة من مأزقها، فغيرت هذه المبادرة على الفور معادلة الحراك السياسي التي كانت دخلت مرحلة الاختناق.

والأهم أنها شكلت، إرباكًا للأميركيين الذين حاولوا إلقاء الكرة في ملعب حماس بتحميلها المسؤولية عن فشل المفاوضات ولنتنياهو الذي اطمأن إلى ذلك، فإذا بها تعيد الكرة إلى ملعبهم وتحملهم مسؤولية أفعالهم وقراراتهم.

أثبتت قيادة المقاومة في قطاع غزة، مهارة فائقة في إدارة الصراع السياسي، بقدر مهارتها في ميدان الحرب البرية، الذي حولته إلى شبكة من الأفخاخ تحيط بالجيش الصهيوني حيث ذهب، ولعله من غير المبالغة أن نقول إن ذكاءهم وتكتيكهم القتالي الدفاعي والهجومي، أضافا فصولًا جديدة إلى علم الحروب غير المتكافئة وقتال المدن.

وهكذا، بكلمة من حماس وقادة المقاومة، تغيّر المشهد الدولي في أقلَّ من 24 ساعة، وأصبحت العيون مشدودة إلى مفاوضات الدوحة، في انتظار ردّ نتنياهو ومَن وراءه، وعندها ستتغير المعادلة مرّة أخرى سلبًا أو إيجابًا. هذا التغيير من يوم إلى يوم، هو السمة التي رأيناها تتكرّر خلال الأشهر التسعة من الحرب في غزة.

تبقى ملحوظة أخيرة على هامش ما سبق، وهي أنّ نظرة متأنية إلى أحوال القيادة في أميركا والكيان الصهيوني والعالم الغربي عمومًا، تكشف أنها تتجه يومًا بعد يومٍ نحو مزيد من التدني والتراجع وانحطاط المستوى، وعلى العكس من ذلك، فلو نظرنا إلى مستوى قيادة المقاومة وجنودها لوجدناه يسير نحو النمو والازدهار.

نحن أمام وليدٍ ينمو ويشبّ ويزداد فتوة في ناحية، وشيخ هرم تزيده الأيام ضعفًا كلما مرّت.. وفي هذا وحده بابٌ للأمل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • يزبك: لن تتوقف المقاومة ما دامت العمليات لم تتوقف على غزة
  • من الهدهد-2 إلى رسائل نصر الله.. حزب الله يتقدّم في الحرب النفسية؟!
  • المقاومة اللبنانية تعيد استهداف موقع “زبدين” لجيش العدو في مزارع شبعا
  • بسرب من المسيرات الإنقضاضية.. حزب الله يشن هجوم جوي على مواقع العدو الصهيوني
  • قوات الاحتلال: طائرات حربية تغير على أهداف لحزب الله في جنوب لبنان
  • حزب الله يستهدف موقعي الرمثا والسماقة في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة
  • معركة شهادة وزير التعليم المصري المزورة تصل البرلمان.. ورئيس الحكومة: لديه رؤية
  • نصر الله: ما تقبل به حركة حماس سنقبل به جميعا
  • نصر الله: حماس تفاوض بالنيابة عن نفسها ومحور المقاومة.. نرضى بما ترضى به
  • حرب غزة وتغيّر المعادلات السياسية