شهدت العلاقات بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا /آسيان/ في السنوات الأخيرة طفرة كبيرة في مختلف المجالات، لا سيما في المجالين الاقتصادي والتجاري، ما جعل /آسيان/ من أبرز الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون.
وتتويجا للعلاقات التي تتطور وتتعمق باطراد بين المنظمتين الإقليميتين، تستضيف العاصمة السعودية الرياض اليوم القمة الأولى بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا /آسيان/، حيث تهدف القمة من بين أمور أخرى إلى تعزيز الشراكات وتوسيع التعاون الاستراتيجي بين الجانبين، بما يتضمن دراسة ووضع توصيات لمستقبل العلاقات في مجالي التجارة الحرة والتعاون الاقتصادي.


وتعكس مشاركة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية و رابطة دول جنوب شرق آسيا /آسيان/، الأهمية الكبيرة التي توليها دولة قطر لتعزيز الترابط بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول " آسيان" في مختلف المجالات، والتزام الدولة القوي بتعزيز وتعميق شراكتها مع دول الخليج ودول رابطة الآسيان.
وبدأت التحضيرات للقمة منذ شهرين، إذ عقدت الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، اجتماعا تحضيريا في الـ15 من أغسطس الماضي، بمشاركة الأمانة العامة وسفراء دول رابطة جنوب شرق آسيا /آسيان/، ووفد من وزارة الخارجية بالمملكة العربية السعودية.
وبدأت خطوات التقارب بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة /آسيان/ منذ عدة سنوات، فقد قرر المجلس الوزاري في دورته الثامنة عشرة (مارس 1986م) الموافقة على إجراء اتصالات أولية مع بعض دول الشرق الأقصى، وعلى الأخص رابطة دول جنوب شرق آسيا /آسيان/، وجمهورية كوريا، وذلك لبحث إمكانية بدء اتصالات استطلاعية معهما.
كما قرر المجلس الوزاري في دورته السادسة والستين، وبناء على توصية من لجنة التعاون المالي والاقتصادي الموافقة على فتح حوارات اقتصادية مع الدول الواقعة في جنوب شرق آسيا.
وتنفيذا لذلك، قام المنسق العام للمفاوضات في فبراير 2000م بزيارة لمقر رابطة دول جنوب شرق آسيا /آسيان/ في إندونيسيا، حيث اجتمع مع السكرتير العام للرابطة وكبار المسؤولين فيها، وتم بحث سبل تعزيز التعاون بين دول المجلس ودول الرابطة.
كما قام أونج كينغ يونج، الأمين العام لرابطة دول جنوب شرق آسيا /آسيان/، بزيارة الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، يوم 15 أبريل 2007، حيث التقى الأمين العام لمجلس التعاون آنذاك لبحث سبل تطوير العلاقات، وتبادل وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، والاستفادة من تجربة مجلس التعاون في العمل الاقتصادي المشترك.
وعقد الاجتماع الوزاري المشترك الأول للحوار الإستراتيجي بين مجلس التعاون ورابطة /آسيان/ في مايو 2009، وتم توقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين الأمانتين على هامش الاجتماع. كما عقد الاجتماع الوزاري الثاني للحوار الإستراتيجي بين الجانبين يومي 31 مايو والأول من يونيو 2010م في سنغافورة فيما أقر الاجتماع خطة العمل التي شملت المجالات الاقتصادية والثقافية.
وتنفيذا للخطة، شكلت ستة فرق عمل متخصصة في مجالات الاقتصاد والتجارة، والاستثمار الزراعي والأمن الغذائي، والتعليم، والسياحة، والطاقة، والثقافة والإعلام. وعقد الاجتماع الوزاري الثالث بين مجلس التعاون ورابطة الآسيان في 26 نوفمبر 2013.
وتم اعتماد سفراء دول مجلس التعاون المعتمدين في العاصمة الإندونيسية جاكرتا لدى الأمانة العامة لرابطة /آسيان/ حسب ما تم الاتفاق عليه في الاجتماع الوزاري المشترك الثاني لدول مجلس التعاون ورابطة الآسيان (سنغافورة ـ يونيو 2010م).
أما بشأن اعتماد سفراء دول رابطة الآسيان في الرياض لدى مجلس التعاون، فقد قامت الأمانة العامة بإنشاء آلية الاعتماد وتمت الموافقة عليها من الدول الأعضاء في مجلس التعاون.
وتعتبر رابطة /آسيان/ منظمة سياسية اقتصادية تأسست في 8 أغسطس 1967، وتضم 10 دول، هي: إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند وبروناي وفيتنام ولاوس وميانمار وكمبوديا.
وتكمن أوجه التقارب بين رابطة /آسيان/ ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، في كونهما منطقتان جغرافيتان مؤثرتان، فموقع دول مجلس التعاون الخليجي يكتسب أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة، من حيث ممرات حركة التجارة الدولية، فضلا عن امتلاك دول مجلس التعاون الخليجي أكبر احتياطي نفطي في العالم يقدر بـ33 بالمئة من إجمالي الاحتياطي العالمي، فيما تصدر خمس دول من المجلس نحو 18 بالمئة من احتياجات العالم من النفط.
أما رابطة /آسيان/ فيبلغ عدد سكان دولها نحو 700 مليون نسمة، أي ما يعادل 8.8 بالمئة من سكان العالم، لكن سوق /آسيان/ التجاري يمتد إلى مليارين و300 مليون شخص، بما يوازي نحو ثلث النشاط الاقتصادي في العالم، ويتوقع توسعه بصورة أكبر خصوصا بعد توقيع اتفاق الشراكة الاقتصادية بين الرابطة ودول المحيطين الهندي والهادئ وأهمها الصين والهند.
وفي عام 2020، ووفقا للبنك الدولي، بلغ الناتج الاقتصادي الإجمالي لدول /آسيان/ 3 تريليونات دولار، مما يجعلها ثالت أكبر اقتصاد في آسيا وخامس أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا، ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد دول /آسيان/ بنسبة 4.7 في المئة في عام 2023 وبنسبة 5.0 في المئة في عام 2024 مدفوعا بالطلب المحلي الصحي وصافي الصادرات وانتعاش أسرع في قطاع الخدمات.
وإذ تبدو القوى الآسيوية دؤوبة في سعيها نحو حماية مصالحها في منطقة الخليج، والتي تتركز في توفير الطاقة وتأمين إمداداتها والحصول على فرص استثمار متبادل، فإن البيانات الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي في الأعوام الأخيرة تشير إلى تسارع استثماراتها الأجنبية المباشرة هناك، بما يؤطر العلاقة المستقبلية للسنوات المقبلة في الاقتصاد والأمن الغذائي والتقنيات، وسط المتغيرات التي تعصف بمناخ التنافس بين القوى الكبرى التقليدية عالميا.
واتجهت دولة قطر، لرفع مستويات الاستثمار وتنويع مصادرها واحتياجاتها من دول رابطة /آسيان/، حيث شهدت السنوات القليلة الماضية نموا مطردا، جسدته استثمارات قطرية متنوعة شملت قطاعات الطاقة والمالية والعقارات والاتصالات والأعمال التجارية الزراعية والضيافة والطب، وتوجت بافتتاح مكتب رئيسي لجهاز قطر للاستثمار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بسنغافورة، كما كان لبعض الشركات القطرية البارزة مثل أريد (Ooredoo) ونبراس للطاقة ومجموعة بنك قطر الوطني QNB حضورا في إندونيسيا.
وفي ماليزيا، استثمرت قطر حوالي 5 مليارات دولار في مجمع /بينجيرانج/ المتكامل للبترول في ولاية جوهور، كما وقعت قطر كذلك في عام 2013 مشروعا يسمح لماليزيا بالمنافسة مع سنغافورة لتصبح مركزا إقليميا للصناعات البترولية في جنوب شرقي آسيا.
على الصعيد ذاته، زادت استثمارات الدول الأعضاء في /آسيان/ في دولة قطر بشكل مطرد، مع وجود مشاريع بارزة في قطاعات النفط والغاز والضيافة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبناء والتجزئة، وتلعب بعض الدول الأعضاء في آسيان دورا حيويا في دعم جهود الأمن الغذائي في دولة قطر كجزء من رؤيتها الوطنية 2030.
أما خليجيا، فتشير بيانات نشرتها مجلة الـ"إيكونمست" في تقرير عام 2022 إلى أن حجم استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في دول رابطة /آسيان/ بلغ حوالي 13.4 مليار دولار في الفترة بين يناير 2016 وسبتمبر 2021، كما أن سنغافورة، وهي أحد أعضاء /آسيان/ لديها اتفاق للتجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي يعود إلى عام 2008 ويغطي حوالي 99 في المئة من السلع المحلية السنغافورية، وقد دخل حيز التنفيذ في عام 2013، ولا يزال في طور الاقتراح اتفاقان منفصلان للتجارة الحرة بين ماليزيا وإندونيسيا مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وتسابق دول مجلس التعاون الزمن، نحو الاستثمار في دول /آسيان/، فقد توجهت شركة البترول الكويتية إلى قطاع الطاقة في جنوب شرقي آسيا من خلال مشروع مصفاة النفط المشتركة في فيتنام، وشراكة مع شركة بيرتامينا الإندونيسية، لتطوير مجمع مصافي للنفط في شرق جزيرة جاوا الإندونيسية. وأعلنت شركة /أرامكو السعودية/ استثمارات تبلغ قيمتها 7 مليارات دولار مع /بتروناس/ للبتروكيماويات في ماليزيا في عام 2017، وهي تمثل أكبر استثمارات للشركة السعودية خارج المملكة.
وعلى صعيد مقابل، تسعى دول رابطة جنوب شرق آسيا لزيادة وارداتها من دول مجلس التعاون الخليجي التي كانت تبلغ 6 بالمئة فقط خلال الفترة بين عامي 2016 و2020. وحسب تقرير اقتصادي صادر في العام 2021، مثلت الإلكترونيات 28 بالمائة من واردات دول مجلس التعاون من الرابطة، تليها الآلات بنسبة 12 بالمئة.
واحتفلت رابطة دول جنوب شرق آسيا في شهر أغسطس الماضي، بالذكرى السنوية الـ56 لتأسيسها تحت رئاسة جمهورية إندونيسيا تحت شعار: /مسائل الآسيان: بؤرة النمو/، مع التأكيد على أن شعار العام الحالي يتناغم مع آفاق النمو ليس فقط مع الدول المكونة لهذا التجمع الإقليمي، ولكن أيضا مع شركائها الخارجيين الموثوق بهم.
وعدا عن مجلس التعاون الخليجي، تحتفظ دول رابطة آسيان باتفاقات مشاركة تنموية أو اقتصادية أو حوارية مع 96 دولة من أهمها: الصين وكوريا الجنوبية واليابان وكندا والولايات المتحدة والهند، ويمكن تصنيف رابطة /آسيان/ وفقا لكثير من تقارير المؤسسات الاقتصادية الدولية، بأنها من بين المناطق الأسرع نموا اقتصاديا على المستوى العالمي والإقليمي.
 

المصدر: العرب القطرية

كلمات دلالية: مجلس التعاون لدول الخلیج العربیة دول مجلس التعاون الخلیجی رابطة دول جنوب شرق آسیا الاجتماع الوزاری الأمانة العامة رابطة الآسیان دول رابطة دولة قطر بین دول فی عام

إقرأ أيضاً:

وزير البترول يبحث مع السفير الكندي الجديد سبل تعزيز التعاون

 

استقبل المهندس كريم بدوى وزير البترول والثروة المعدنية السفير الكندى بالقاهرة أولريك شانون والذى تسلم مهام عمله مؤخرًا والوفد المرافق له حيث تم بحث آخر تطورات جهود تحديث منظومة التعدين فى مصر وأنشطة الشركات الكندية العاملة فى مصر فى مجالات البترول والغاز والتعدين، بالإضافة إلى سبل تعزيز التعاون وتبادل الخبرات فى مختلف مجالات العمل البترولى والتعدينى، فضلًا عن الفرص الاستثمارية المتاحة أمام الشركات الكندية الراغبة فى الاستثمار فى مجالى البترول والتعدين فى مصر.

مقالات مشابهة

  • مبعوث وزير الخارجية يبحث تعزيز العلاقات مع فيجي وجزر مارشال
  • المملكة وسنغافورة تبحثان فرص التعاون في تعزيز جودة الإنفاق
  • مبعوث وزير الخارجية يبحث تعزيز العلاقات مع عدد من وزراء ومسؤولي فيجي
  • تعزيز التعاون الأمني مع إيطاليا
  • رئيس البرلمان العربي يبحث تعزيز التعاون مع رئيس مجلس النواب المصري
  • وزير البترول يبحث مع السفير الكندي الجديد سبل تعزيز التعاون
  • وزير دولة لشؤون الدفاع يبحث مع سفير إندونيسيا تعزيز التعاون
  • ذياب بن محمد بن زايد وبيل غيتس يبحثان تعزيز الشراكات الدولية
  • ذياب بن محمد بن زايد وبيل غيتس يبحثان سبل تعزيز الشراكات الدولية
  • سيف بن زايد يبحث سبل الارتقاء بمسيرة التعاون الأمني الخليجي