عربي21:
2025-04-30@21:10:32 GMT

معادلات في صالح المقاومة

تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT

كثيرون لم يكونوا يتصورون أن يكون الموقف العربي خادما لموقف المقاومة في هذه المعركة، واعتقدوا أن المعادلة السابقة لا تزال حاكمة، فالوضع الذي أنشأه اتفاق أوسلو، ثبت معادلة، جعلت السلطة الفلسطينية والدول العربية -على السواء- في موقف رافض لاستمرار تبني الفصائل الفلسطينية للخيار العسكري، لأن الاعتقاد الافتراضي الذي كان سائدا لهذه الأطراف، أن قيام الدولة الفلسطينية سيكون ثمرة للالتزام بمقتضى هذا الاتفاق، وأن المنتظم الدولي سيدعم هذا الاتجاه، وسيمنع الكيان الصهيوني من الاستمرار في سياسات الاستيطان والتهجير واستهداف المسجد الأٌقصى وتهويد المناطق الإسلامية والمسيحية.


اليوم، تغيرت المعادلات جميعها، وصارت المقاومة الفلسطينية في وضع مريح، فقد شاهد العالم فشل الضغوط الأمريكية والأوروبية في دفع الدول العربية والسلطة الفلسطينية إلى إدانة حماس والفصائل والفلسطينية المقاومة، وحتى السقطة التي وقع فيها الرئيس الفلسطيني عباس أبو مازن، بحديثه عن حماس بطريقة فجة، اضطر فيها للاعتذار، لما تابع الموقف العربي، ورأى كيف تذرع بالأسباب الحقيقية وراء فعل المقاومة، وأن السياسة الإسرائيلية الاستيطانية والتهجيرية القمعية هي التي تقف وراء ذلك.
ثمة اليوم على الأقل ثلاث معادلات أكبرى تغيرت بالكامل، وصارت في شكلها الجديد خادمة للمقاومة. الأولى، أن الدول العربية، وخاصة منها الأردن ومصر، أدركت أن الأجندة الإسرائيلية الأمريكية، تعد لحل سياسي، بعيدا عن أطروحة اتفاق أوسلو، وبعيدا عن فكرة حل الدولتين، وأنها أضحت ترى في الأردن حلا للضفة الغربية، وفي سيناء حلا لغزة، وأن التهجير إلى الدولتين (مصر والأردن) ولو في بعده المؤقت (حتى يتم الانتهاء من هدف القضاء على المقاومة) سيدخل هاتين الدولتين في حسابات استراتيجية وأمنية، تؤول بها في النهاية إلى أن تتحول هي نفسها إلى موضوع تهديد حقيقي.
الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي شرح بالتفاصيل الدقيقة السيناريوهات الممكن تصورها لفكرة التهجير في سيناء، وكيف سيتم التذرع بصعوبة القضاء على «الإرهاب» وكيف يمكن أن تتحول المرحلة المؤقتة إلى مرحلة دائمة، وكيف يشكل ذلك تهديدا كبيرا للأمن القومي المصري، وكيف سينسف عملية السلام من أساسها.
ملك الأردن الملك عبد الله الثاني فهم هذه الأجندة منذ وقت بعيد، وعبر عن رفضه لصفقة القرن، وحرك دينامية واسعة من أجل إبعاد شبح التهجير عن الأردن، والمقاومة الفلسطينية اليوم، تمنحه الفرصة المواتية للضغط والعمل بكل قوة على جعل هذا الحل مستحيلا، وهو يتحرك في اتجاه مصر، وربما بعدها في اتجاه بقية العواصم العربية، ليس فقط لمنع حدوث هذا السيناريو، بل لحشد دعم عربي كامل لمقاومته وإسقاطه.
وهكذا فالمعادلة على هذا المستوى تخدم المقاومة الفلسطينية، من جهة تشبث الفلسطينيين بأرضهم رغم قوة القصف والاستهداف المروع الذي هدد المنشآت الذي يفترض أنها خط أحمر لا يمكن قصفها أ استهدافها (المستشفيات) ومن جهة الدول العربية، التي باتت تدرك أن حل التهجير يستهدف أمنها القومي، وأن الخيار البديل هو الاشتغال على وقف التصعيد، والعودة إلى الحل السياسي، وإعادة التأكيد على حل الدولتين، ووضع المنتظم الدولي أمام مسؤوليته التاريخية بهذا الخصوص.
من هذه الجهة، أو وفق هذه المعادلة، ربحت المقاومة الفلسطينية، حياد الدول العربية إزاء عملياتها، فبدل الإدانة واتهام حماس بأنها تقوض السلم، وبدل الحديث الضبابي الذي ينسب العنف إلى الطرفين، ويسوي بين الضحية والجلاد، تغيرت لغة الدول العربية، وأضحت تنظر لعمليات فصائل المقاومة على أساس أنها تمظهر لمشكلة أعمق، توجد أسبابها في السياسة الإسرائيلية التوسعية الاستيطانية التهويدية.
المعادلة الثانية التي تغيرت، تتعلق بالموقف الدولي نفسه، فالتحولات التي تخترقه تكشف عن فرز كبير بين دول باتت غير قادرة على تحمل ازدواجية الغرب خاصة فيها يتعلق بالأبعاد الإنسانية، والتغطية التي يحظى بها الكيان الصهيوني على حساب مبادئ القانون الدولي والقيم الإنسانية الحقوقية، ودول أخرى (الولايات المتحدة الأمريكية وجزء مهم من الاتحاد الأوروبي) اضطرتها المعادلة القائمة إلى الخروج عن المنطقة الرمادية، وتبني الأطروحة الصهيونية بالكامل، بل والتوجه للإسناد العسكري، والإيحاء بالمشاركة الفعلية في المعركة البرية كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية التي أرسلت حاملة الطائرات فورد التي ترسو في شواطئ المتوسط على حدود الكيان الصهيوني، وقررت إرسال حاملة الطائرات إيزنهاور للدعم والإسناد.
البعض يتصور أن الذي يحرك هذه الخطوة غير المسبوقة هو تخوف الولايات المتحدة الأمريكية من حرب مفتوحة ودخول حزب الله بشكل رسمي على الجبهة، وربما دخول إيران أيضا، أو حتى مصر. والبعض الآخر، يرى أن هذه الخطوة هي ضمانة لئلا تتكرر تجربة الهزيمة الإسرائيلية في غزة، وأن إخفاق إسرائيل في المعركة البرية، سيفتح المجال لمعادلة أخرى، تبدأ فيها بداية النهاية للدولة العبرية، لكن في الجوهر، لا يمكن أن نفسر هذه الخطوة بمعزل عن سياسة الضغط والردع التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية ضد مصر والأردن، حتى لا تكون لهما القدرة على مواجهة خيار التهجير، وحتى لا تفوت الفرصة المواتية لفرض هذا السيناريو.
المعادلة الثانية تغيرت بشكل كبير، لأن العالم الغربي المحدود المكونات أضحى معزولا تماما، وأضحى غير قادر على خلق لغة وخطاب مواز لخطاب شرعية المقاومة في مواجهة الاحتلال، وخطاب حماية المدنيين وحماية الأطفال والنساء، وخطاب أخلاقيات الحرب، ما يفسر ذلك أن منصات التواصل الاجتماعي، خاصة الفيسبوك والانستغرام، وسعت من دائرة التضييق، ليشمل مختلف التعبيرات التي تدعم فلسطين وحقها في الوجود والصمود.
المعادلة الثالثة التي تغيرت، هي التي ترتبط بالعلاقات البينية بين فصائل المقاومة الفلسطينية من جهة، والعلاقة بفصائل المقاومة غير الفلسطينية، من جهة ثانية.
التحول في هذه المعادلة، هو بروز منطق جديد يؤطرها بات يعرف بـ «وحدة الساحات» وحضور تنسيق منظم، تحكمه استراتيجية بعيدة، وتكتيكات مدروسة، تفضي في جميع خطوطها على خلق حالة ارتباك كبير في الداخل الصهيوني.
استقراء الموقف الصهيوني اليوم يؤشر على وجود حالة ضبابية في الرؤية، وتخبط في الرهان الاستراتيجي، فضلا عن عدم انسجام الخيارات العسكرية والعملياتية، فهناك شبه إجماع لدى الخبراء العسكريين الذين قدموا تحليلاتهم بشأن شكل الرد الصهيوني، على عدم وجود رؤية، وأنهم لا يكادون يفهمون الخلفية العسكرية والعملياتية وراء عمليات الاستهداف في قطاع غزة، هذا فضلا عن غموض حول سبب تأخير الحرب البرية.
البعض منهم حاول الربط بين الحراك الدولي والعربي وبين تأخير المعركة البرية، بحجة انتظار الكيان الصهيوني قبول الدول العربية لمخطط التهجير، وأنه في الوقت الذي تم فيه الإعلان بشكل قاطع عن رفض الخطوة بدأ الحديث عن قمة الجهوزية للتحرك للحرب البرية، والبعض الآخر، فسر الأمر بالضغوط الدولية لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وأنه يستحيل الجمع بين الحرب البرية وبين فتح معبر رفح، والبعض الآخر، فسر الأمر، بأن الكيان الصهيوني يريد كسب معركة الرهائن قبل الحرب، وأنه سيقايض الرهائن بالمساعدات الإنسانية، وأن رد حماس، هو الذي أبطل هذه الورقة.
التقدير، أن الكيان الصهيوني سيفشل في خيار المقايضة، وسيعمل على جعل الاستمرار في عمليات دخول المساعدة الإنسانية ورقة لمعاودة طرح خيار المقايضة من جديد، وأن استبعاد الحرب البرية سيبقى خيارا مطروحا، مثله في ذلك مثل خيار التوغل، وأن دائرة الصراع، بعد أن حَد الموقف العربي من بعض خياراتها، ستبقى مقتصرة على فعالية ورقتي كسب المعركة البرية وإدارة ملف الأسرى.
(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال غزة الاحتلال طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة رياضة صحافة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الأمریکیة المقاومة الفلسطینیة الکیان الصهیونی الدول العربیة من جهة

إقرأ أيضاً:

الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية

يأخذك الحديث وأنت تتأمل فيلم غيوم لمُزنة المسافر إلى التطور الفني والموضوعي في تجربتها، موضوعا التعددية الثقافية والعرقية في المجتمع العماني كمصدر ثراء غني، تتجه إليه مزنة في استقصائها الطويل، مزيلة وهم ما يفصل بيننا، عبر البحث عن ما يجمع بيننا ويأتلف في نسيج اجتماعي واحد. عبر هذا الثراء العرقي واللغوي نخلق تجانسنا الحقيقي، التجانس المميز لمجتمعنا منذ جذوره التاريخية البعيدة. فنيا يشكل فيلم غيوم تحولا نوعيا تخرج به مزنة عن الطرح الأفقي للتجربة، عن أحكام البداية فتتسلسل الأحداث وصولا إلى نهايتها. فيلم غيوم يخرج عن القوالب التقليدية في السينما منحازا إلى شاعريتها، الغائب والماضي والمفقود هم من يشكل وهج الأحداث، ويدفع بشخوصه إلى المحبة والأسى والفراق والندم، محكومة بالماضي الذي تسدل ظلال أحداثه على الحاضر والمستقبل معا. فنيا ينحاز السيناريو إلى الصورة السينمائية عنه إلى الحوار، الصورة خاصة في تجسيدها المباشر لملامح شخوص الفيلم، قادرة حقا على نقل عواطفهم واختلاجات قلوبهم، سينمائيا تضفي هذه اللغة الجمال السينمائي، الذي تريد مزنة إيصاله إلينا، ما لا يستطيع الحوار نقله عبر السينما.

اختيار مُزنة لطرح تجربتها جبال ظفار، عائدة بنا إلى عام ١٩٧٨م، أي بعد ثلاثة أعوام من نهاية حرب الجبل بعد حرب طويلة استمرّت عشرة أعوام. هذه الحرب هي الماضي الذي يثقل أرواح رعاة الجبل، الماضي الذي يسدل على الحياة مشاعر الفقدان والخوف من عودة الحرب ثانية. الحرب التي تركت في كل منزل قتيلًا، أو قريبًا لقتيل، أحرقت المراعي وفتكت بالإبل مصدر حياة سكانه، والأثقل أنها تركت روح الفرقة بين أبناء الجبل، نظرا لتغير مواقفهم من موقع إلى آخر، ذلك ما نقرأ ثقله في حياة بطل الفيلم دبلان الذي يتحول بعد الحرب إلى رجل منطو على نفسه، يرفض مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم ويقضي معظم وقته في العناية ببندقيته، وملئها بالرصاص حتى تكون جاهزة للقضاء على النمر في أي وقت تتكرر عودة الحرب ثانية إلى جبال ظفار.

مزنة في هذا الفيلم العميق والشاعري في آن تبتعد عن تقديم الرصاص والقصف والقتلى، كما أن المرأة القتيلة لم تظهر في الفيلم أبدا، رغم ظهور ذكراها المتواصل، كهاجس يومي يلازم حياة الأب وابنه عمر وابنته سلمى، المرأة ومقتلها الغامض هي السر المكتوم في الفيلم، ابنها عمر كل ليلة ينام في حضن أخته الكبرى، متخيلا والدته تنام على سحابة بعيدة في السماء، يراقب أباه يوميا أثناء تنظيف وتعمير بندقيته، محاولا أكثر من مرة خطفها منه، دون أن يتبين لنا السبب المباشر لذلك، حتى نجاح اختطافه البندقية في مشهد سينمائي أخاذ، يوجّه فيه عمر البندقية إلى صدر أبيه طالبا منه فك لغز اختفاء أمه، تكون الفرصة مؤاتية آنذاك للأب للاعتراف لابنه وابنته أن الأم قد توفيت برصاصة طائشة أثناء معارك الجبل، دون أن يحدد من أي طرف جاءت الرصاصة، ذكاء مزنة يوقف التجربة برمتها أمام تقييم جديد يكشفه التاريخ في مستقبل الأيام، والوقت ما زال باكرا لإدانة طرف ضد آخر، فقط الخوف من عودة الحرب ثانية، هي النمر الذي يستعد دبلان يوميا لمواجهته. وأخيرا لتعليم ابنه طريقة استخدام البندقية لقتل النمر وحش الحرب قبل وصوله إلى الجبال.

مصدر إيحاء غيوم هي مجموعة من الصور الوثائقية التقطها والدها الفنان موسى المسافر، الذي دون شك عاصر مرارة تلك الأحداث، تكشف لنا جانبا مهما من حياة أبناء الجبل في ظفار أثناء الحرب وبعد انتهائها. من تلك الصور الوثائقية استمدت مزنة هذا الإلهام المتدفق، وصاغت سيناريو فيلم غيوم، الذي يأتي ليس لإدانة طرف دون آخر، بل لإدانة الحروب البشرية برمتها، ذلك لأنها نظرت لنتائجها الوخيمة في عيني دبلان رب العائلة الذي مع خروجه حيا منها إلا أنه خرج مهزوما فاقد القدرة على الحياة، معذبا بالماضي الذي قدمته مزنة كنمر يفترس كل ما أمامه دون تمييز ورحمة.

مزنة تعي جيدا آثار الحروب على تغيير العلاقات الاجتماعية بين البشر، العلاقة بين دبلان وشيخ القبيلة بعد الحرب، ليست هي العلاقة إياها قبل الحرب، يتقدم شيخ القبيلة المتقدم في العمر لخطبة سلمى صبية دبلان، المرتبطة بعلاقة عاطفية مع سالم الصبي الجبلي من جيلها. يقف دبلان وهو راعي الإبل الجبلي موقفا متقدما عندما يرفض تزويج ابنته شيخ القبيلة الثري، مزوجا إياها الصبي الفقير مع مباركة الأب له بحبات من شجرة اللبان الأسطورية والتي تصل محبة أبناء الجبل لها إلى درجة التقديس، نظرا لارتباط استخدامها بطقوس دينية في معابد الأديان الهندية بل وفي معابد الأديان السماوية قديما.

الفيلم ناطق بالشحرية لغة رعاة الجبال بظفار، كان ذلك ضروريا، هذا ما أدركته مزنة، منذ بداية اشتغالها على المشهد السينمائي العماني، بما يحمله من تنوع عرقي وثقافي أخاذ منذ قديم الزمان. قبلها قدمت فيلم شولو الناطق بالسواحيلية وفيلم بشك الوثائقي الناطق بالبلوشية. هي السينمائية التي لا تعترف بفوارق وهمية بين أبناء الوطن الواحد، القادرة على اكتشاف النسيج الاجتماعي المخفي، الرابط أبناءه روحيا على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة.

فيلم تشولو، تناقش مُزنة فيه تجربة الانتماء الوطني والحنين إلى الجذور البعيدة خلف البحار، تدور أحداثه في زنجبار، موطن أساسي لهجرة العمانيين عبر التاريخ لقرون مضت، يستقبل تشولو الصبي أخاه عبدالله القادم من عُمان، يعيشان معا توافق البحث عن جذورهم المشتركة، يتعرضان للاعتداء من رجال أفارقة بسبب انتماء عبدالله العربي الواضح في لونه، تتراءى عمان وطنا بعيدا مجهولا لتشولو، أرضا سحرية لن يعود إليها أبدا، يعود عبدالله مع أبيه ويظل تشولو ينظر إلى البحر، إلى السفن وهي تبحر عائدة إلى عمان التي لن يراها أبدا، هكذا تتكرر تجربة الماضي الساكن كقيد يرتبط به المرؤ. ولكن بشكل إيجابي في تشولو عنه في غيوم، مزنة تتجاوز تجربة الحنين النوستالجي إلى الماضي، في الفيلمين تنظر إلى الماضي كقيد يجب علينا كسره والانطلاق إلى المستقبل دون الالتفات إليه. خاصة في مرارة أحداثه كما هو في فيلم غيوم، حيث يبقى الدم الأفريقي العماني المشترك، تجربة حضارة مشتركة أيضا، تغذي النسيج الاجتماعي العماني بخصوبة العطاء في فيلم تشولو، أي أنها تنطلق من الإيجابي في ثراء الوجود العماني بشرق إفريقيا، الثراء الذي دفع بالأفارقة إلى ما هو مثمر، حيث حمل العمانيون معهم الأساليب الحديثة في الزراعة، وارتياد آفاق العمل التجاري، ونشر الدين الإسلامي وغيرها من الدلائل الحضارية المهمة، التي تؤكد إيجابية وجودهم المبكر في شرق إفريقيا. وحش الماضي الذي يصوب له دبلان وابنه عمر البندقية لمواجهته، يحتفظ له تشولو وأخيه عبدالله بمئة قطعة من المندازي الذي خبزته لهما جدتهم الإفريقية، يحشوان فم النمر المفترس بها حتى لا يكون قادرا على افتراسهما معا. ذلك دون شك مشهد طفولي ساحر يؤكد وحدة الأخوين ضد وحش الحرب المأساوية بين العمانيين والأفارقة، أي من المحبة المشتركة بينهما نخلق إمكانية التعايش المشترك والوحش الذي يطعمه الطفلان العماني والأفريقي المندازي، هي الحرب التي خلقت روح الكراهية بينهما، وآن لنا جميعا طي صفحاتها الدموية، نحو خلق عالم أجمل لأجيالنا القادمة.

مُزنة التي جاءت بعد ستين عاما على مأساة خروج العمانيين من شرق إفريقيا بطريقة مأساوية فقد فيها العمانيون الآلاف من أبنائهم ثم أنها جاءت بعد خمسين عاما أيضا بعد نهاية حرب الجبل بظفار، تنصت إلى أوراق التاريخ التي تحفظ لنا ما فقد وتم نسيانه، مؤهلة حقا للذهاب أبعد مستقبلا، نحو تقديم تجارب العطاء العماني المتدفق عبر التاريخ، ورفد السينما العمانية الناشئة بلغة شاعرية متميزة، ذلك حقا جوهر الفن الطليعي الجاد، يضيء كالنجوم ترشد المسافرين في ليل البحار إلى المجهول.

فيلم غيوم /روائي قصير /ناطق بالشحرية/ جائزة أفضل فيلم روائي قصير /المهرجان السينمائي الخليجي ٢٠٢٤م. إخراج مزنة المسافر.

فيلم تشولو/ روائي قصير/ ناطق بالسواحيلية /جائزة أفضل سيناريو /مهرجان أبوظبي السينمائي ٢٠١٤ م. إخراج مزنة المسافر.

سماء عيسى شاعر عُماني

مقالات مشابهة

  • محاولة اغتيال فاشلة تطال قياديًا بارزًا في المقاومة بتعز.. الاسم
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • المقاومة الفلسطينية تكشف: فككنا عدد من أجهزة تنصت زرعها العدو بغزة
  • العدو الصهيوني يستعين بـ”الروبوتات” لتعويض نقص جنوده بسبب هروبهم من المعركة
  • العدو الصهيوني يستعين بالروبوتات لتعويض نقص جنوده بسبب هروبهم من المعركة
  • حماس: “الحرب الشاملة محاولة إسرائيلية يائسة لكسر المقاومة الفلسطينية
  • حماس: الاحتلال يُحاول يائسا كسر المقاومة الفلسطينية
  • عاجل - المقاومة الفلسطينية تستهدف جنود الاحتلال شرقي حي التفاح بمدينة غزة
  • بأس “الحوانين” يواصل كسر “السيف” الصهيوني.. ملاحم انتصار أجــدّ في غزة