من هنا تبدأ المقاطعة
هل صحيح أنه حتى لو امتلكنا القدرة فإن المقاطعة صعبة، لأن بعض السلع المطالبين بمقاطعتها باتت جزءاً من حياتنا اليومية؟
تذكر أن جزءاً من أموالك يذهب لدعم دولة الاحتلال في الحرب الإجرامية على غزة ويخصص لشراء أسلحة يقتلون بها أهالينا في الأراضي المحتلة.
انظر حولك، فمطعم الوجبات السريعة الداعم للاحتلال، الذي تذهب إليه أنت وأسرتك حتى ولو مرة كل عام يمكن أن يكون هدفا لمقاطعتك أنت ومن حولك.
ما الذي يخبرنا أن هذه السلع منتجة داخل دول الاحتلال ومستوطناته؟ ماذا بشأن السلع التي يتم استيرادها من إسرائيل عبر دولة ثالثة ويتم التلاعب في دولة المنشأ؟
* * *
نريد المشاركة وبقوة في حملة مقاطعة السلع الإسرائيلية ومنتجات الدول الداعمة لإسرائيل في الحرب الإجرامية على غزة، لكن ما باليد حيلة، العين بصيرة واليد قصيرة، نحن لا نملك مالاً أو شيئاً ثميناً وقدرة شرائية من الأصل حتى نشتري بها تلك السلع والمنتجات، وحتى لو امتلكنا القدرة فإن المقاطعة صعبة، لأن بعض السلع المطالبين بمقاطعتها باتت جزءاً من حياتنا اليومية.
مثلاً، الغاز الإسرائيلي الذي يتدفق إلى منازلنا لاستخدامه في الطهو وكذا إلى مصانعنا، كيف نفرق بين كونه غازاً محلياً أم مستورداً من دولة الاحتلال طبقاً لاتفاقات أبرمتها الحكومة ولمدة 15 سنة.
وإذا كانت بعض الدول العربية تغير في بيانات وباركود السلع المستوردة من إسرائيل لإعادة تصديرها للأسواق العربية، فما الذي يخبرنا أن هذه السلع مصنعة أو منتجة داخل دول الاحتلال ومستوطناته؟ وماذا بشأن السلع التي يتم استيرادها من إسرائيل عبر دولة ثالثة ويتم التلاعب في دولة المنشأ؟ نحن لا نعرفها حتى نقاطعها، هذا الأمر يحتاج إلى جهات متخصصة في أعمال الرقابة والتتبع.
بهذه الحيرة وتلك الكلمات يرد البعض منا على من يطالبهم بالمشاركة بفعالية في حملات المقاطعة التي اندلعت في العديد من دول المنطقة رداً على حرب إسرائيل على غزة، ويتجاهلون تلك الدعوات.
هؤلاء يتخيلون أو يتصورون أن مقاطعة السلع والمنتجات الإسرائيلية تبدأ من المرحلة الأصعب، وهي وقف الحكومات العربية استيراد الغاز والسلاح الإسرائيلي والبالغة قيمته نحو 5 مليارات دولار سنوياً، وهذا الأمر فوق طاقة الأفراد، لأن هذا دور الحكومات.
ويتخيلون أيضاً أن مقاطعة منتجات الدول الداعمة للاحتلال تبدأ بعدم شراء أفخم السيارات وأجهزة الكمبيوتر والموبايلات الأميركية، أو أن تبدأ بمقاطعة منتجات الشركات الفرنسية والألمانية، وغيرها من الشركات العالمية الكبرى ومتعددة الجنسيات.
المقاطعة أبسط من ذلك، انظر حولك، فمطعم الوجبات السريعة الداعم للاحتلال، والذي تذهب إليه أنت وأسرتك حتى ولو مرة كل عام يمكن أن يكون هدفا لمقاطعتك أنت ومن حولك.
والمقهى الشهير الذي تتناول منه قهوتك ومشروبك المفضل كل صباح يمكن أن تضعه في قائمة المقاطعة، وتنصح أفراد أسرتك وأصدقاءك بعدم الذهاب إليه في عطلة الأسبوع.
وشركة الاتصالات المملوكة لدولة تدعم علناً دولة الاحتلال وتستثمر مليارات الدولارات بها يمكنك وبسهولة استبدال خط تليفونها بشريحة أخرى من شركة محلية، أو حتى عالمية لا تدعم العدوان الإسرائيلي.
والبنك وشركة الصرافة وتحويل الأموال والسمسرة التي تتعامل معها ومملوكة لحكومة دولة داعمة للاحتلال يمكن استبدالها ببنك وشركة وطنية أخرى، ينطبق أيضاً على المستشفيات ودور الرعاية الصحية ومعامل التحاليل وغيرها من المرافق والمملوكة لشركات ومستثمرين تابعين لدول داعمة للاحتلال.
والقلم المستورد من فرنسا لن تنقلب الدنيا رأساً على عقب وتتوقف إبداعاتك الفكرية إذا لم تكتب به، وينطبق الأمر على الملابس والأحذية والسجائر والأدوات الكهربائية البسيطة والأجهزة المنزلية والدقيق والسلع الغذائية وغيرها.
المقاطعة مجالها واسع، فقط عندما تمد يدك لشراء سلعة أو منتج أو الحصول على خدمة مثل الاتصالات والبنوك وإدارة الأموال وغيرها، تذكر على الفور أن جزءاً من تلك الأموال يذهب لدعم دولة الاحتلال في حربها الإجرامية على غزة ويخصص لشراء أسلحة يقتلون بها أهالينا في الأراضي المحتلة.
*مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين إسرائيل حركة المقاطعة مقاطعة إسرائيل الاقتصاد الإسرائيلي الغاز الإسرائيلي الشركات الأجنبية الدول الداعمة لإسرائيل دولة الاحتلال على غزة
إقرأ أيضاً:
معلومات جديدة تكشف عن مشاورات إسرائيلية لربط خطوط أنابيب بالشبكة السعودية
قال المسؤول الأمني السابق، أمير أفيفي، في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، إنّ: "المحافل الاسرائيلية تتداول رؤوس أقلام من خطة أمريكية قيد التشكّل حاليا حول ربط خط أنابيب إيلات-عسقلان بخط الأنابيب السعودي في البحر الأحمر، بزعم أنها خطوة حاسمة لأمن دولة الاحتلال واقتصادها".
وأوضح أفيفي، في المقال الذي ترجمته "عربي21" أنّ ما يتم تداوله يأتي: "خاصة وأن زيارة بنيامين نتنياهو الأخيرة، للولايات المتحدة تشكّل لحظة حاسمة لدفع هذا المشروع الاستراتيجي الذي قد يضمن استقلال دولة الاحتلال في مجال الطاقة".
وتابع: "زيارة نتنياهو للولايات المتحدة تشكل فرصة استراتيجية لتنمية الدولة كمركز للطاقة، بما من شأنه أن يحولها قوّة اقتصادية وطاقوية إقليمية، وبجانب التحديات الأمنية التي تفرضها إيران، هناك مصلحة اقتصادية عميقة في ربط خط أنابيب إيلات-عسقلان بخط الأنابيب السعودي في البحر الأحمر".
وأشار إلى أنّ: "هذا الربط قد يؤدي لتغيير قواعد اللعبة، ووضع دولة الاحتلال كلاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمية، بزعم أنها منذ ستينيات القرن العشرين، امتلكت واحدة من أهم الأوراق على خريطة الطاقة الدولية، من حيث القدرة على نقل النفط بسرعة بين البحرينالأحمر والمتوسط".
منافسة قناة السويس
أبرز المسؤول الأمني السابق، أنّ: "خط الأنابيب السعودي الذي يربطه بميناء إيلات لمسافة 1200 كم، يشكل إمكانية لإقامة اتصال استراتيجي بالبنية التحتية للطاقة لدى الاحتلال، وهذا خط الأنابيب "بترولاين"، شرق-غرب، أحد خطوط الأنابيب المهمة لشركة "أرامكو".
وأكد أن "هذا الخط يربط حقل "بقيق" النفطي في المنطقة الشرقية بالمملكة بميناء "ينبُع" على البحر الأحمر، وتم بناؤه أثناء حرب إيران والعراق لتقليل الاعتماد على مضيق هرمز المسيطرة عليه إيران، ويسمح بنقل النفط بشكل آمن عبر مضيق باب المندب، مع تقليل الاعتماد على خطوط الأنابيب الأخرى كالخط المصري ذو القدرة الأقلّ".
وأوضح أنّ: "قناة السويس ذات بنية تحتية واسعة النطاق باتجاهين، تسمح لدولة الاحتلال بالحصول على تخزين أمني استراتيجي لحالات الطوارئ، وتتمتع مصر حاليًا بمكانة لا جدال فيها بنقل الطاقة من الخليج العربي إلى أوروبا عبر القناة".
التعاون مع الخليج
استدرك بالقول إنّ: "السنوات الأخيرة شهدت اكتشاف العالم لمدى ضعف هذا العبور، عقب هجمات الحوثيين والقراصنة، ونقاط التفتيش الأمنية، والازدحام المروري البحري، وحتى الانسدادات المفاجئة كالتي حدثت لسفينة "إيفر جيفن" في 2021 بأضرار اقتصادية بمليارات الدولارات".
وزعم أن "دولة الاحتلال وجدت نفسها في الصورة، حيث يساهم النقل البري عبرها بتوفير أوقات الانتظار في البحر، ويقلّل المخاطر الأمنية، ويسمح لمنتجي النفط بالحفاظ على المرونة اللوجستية، مع توفر خطط مستقبلية لربطها بشبكات الاتصالات التي من شأنها ربط الشرق بالغرب، وإمكانية جعلها مركزا تجاريا مهما، فضلا عن إتاحة هذا الممرّ التجاري الكبير بكلا الاتجاهين، بما فيه نقل النفط من أذربيجان إلى الصين، بطريقة أسرع وأكثر كفاءة".
وفي السياق نفسه، اتّهم الكاتب "دوائر صنع القرار في الدولة بعدم القدرة على الاستفادة من نفسها كرائدة في قطاع الطاقة، بسبب الأولويات غير المدروسة، وقصر النظر، والبيروقراطية، والفشل التنظيمي".
وأردف: "بدلاً من إدراك إمكاناتها الاقتصادية والاستراتيجية التي تتمتع بها شركة خط أنابيب الشراكة بين أوروبا الشرقية، فإنها تغرق في المناقشات السياسية والمخاوف البيئية، ما يسفر عنه خسارة الأرباح، وتكثيف المنافسة الإقليمية، وسينتج عنه تقاعسها عن العمل، مما سيؤدي بها لأزمة إمدادات حادة في حالة نشوب صراع عسكري واسع النطاق".
ولفت إلى أنّ: "أحداث حرب غزة ولبنان، أكدت أن دولة الاحتلال ليست محصّنة ضد الاضطرابات الخطيرة في سلسلة الطاقة، وقد تؤدي سياسة الخنق الذاتي لاعتمادها الخطير على الأسواق الأجنبية، في ضوء إدارتها الفاشلة لاقتصاد الطاقة، مما يضعها في خطر مباشر".
"ليس فقط على المستوى الاقتصادي، بل وأيضاً على المستوى الأمني، في ضوء ما كشفه تقرير مراقب الدولة عن ضعف استعدادها لأزمة الطاقة، مع فرض وزارة حماية البيئة قيوداً على تفريغ النفط الخام في إيلات، مما أدى لتفاقم الوضع فيها عشية اندلاع الحرب" استرسل المتحدث نفسه.
دروس حرب غزة
كشف أنّ: "وزارة الطاقة لم تخصص الميزانية المطلوبة للحفاظ على البدائل الأمنية وفائض الطاقة، مما ترك دولة الاحتلال دون خطة طوارئ مناسبة، مما قد يتسبب بإيقاف المشاريع الحيوية، وحرمانها من قدرتها على الاندماج في اقتصاد الطاقة العالمي".
وأردف: "لأن صفقة النفط التي أبرمتها شركة EAPC المملوكة للدولة مع شركة MRLBالإماراتية، وتحمل مخاطر محتملة كبيرة على البيئة ومرافق تحلية المياه، عائدات ضئيلة فقط لدولة الاحتلال، ستبلغ في أفضل الأحوال بضعة ملايين من الدولارات سنويًا".
وأكد أنّ: "تقرير مراقب الدولة وضع يده على عملية صنع قرار معيبة أدت لإبقاء EAPC محدودة في عملياتها، وغير قادرة على توفير استجابة كافية للأمن والطاقة، ولم يتم فحص القيود المفروضة على تفريغ النفط بميناء إيلات بشكل شامل بالتعاون مع وزارة الطاقة، مما أدى لانخفاض مخزونات التخزين وإمدادات الوقود في أوقات الطوارئ".
"هنا لا تستطيع دولة الاحتلال التصرف بمثل هذا الافتقار العميق للفهم، وتفويت الفرصة الهائلة لتشغيل خط الأنابيب من عسقلان إلى السعودية" أضاف أفيفي، فيما أشار إلى أنّ: "هذا الطريق للطاقة ليس مجرد ممر عبور، بل سيجعل دولة الاحتلال مصدرًا رئيسيًا للطاقة في المنطقة، ويشكل أهمية كبرى بنقل الطاقة لأوروبا، كما يشكل مركزاً استراتيجياً للتجارة العالمية، ما يستدعي ضمان عدم تشغيله بشكل متقطع، لأنهقد يؤدي للإضرار باستقراره وكفاءته".
واتّهم الكاتب "الوزارات الإسرائيلية المختصة بميلها للتخلف عن الركب، ما سيفسح المجال أمام آخرين لأخذ مكانها، لأن الشرق الأوسط يتغير، وتتغير معه القوى الاقتصادية التي تملي قواعد اللعبة الجديدة".
وختم بالقول: "هذا ما يتطلب الاستفادة من العلاقات مع السعودية وغيرها من شركاء الخليج، والتنافس مع مصر على نفوذها في قناة السويس، وتعزيز احتياطيات الطوارئ، وتعزيز الاقتصاد الإسرائيلي وأمنها".