طوفان الأقصى.. الاستحقاق الإلهي وتجسيد الفطرة البشرية
تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT
لم يكن فعل المقاومة الفلسطينية المتنامي – عبر تاريخها الممتد إلى الآن – فعلا خارجا عن الأطر القانونية، والاستحقاقات الإنسانية، المكفولة في جميع القوانين والدساتير والتشريعات السماوية والوضعية، ورغم جدلية الصراع بين نزعة الاستبداد ونزعة الحرية، إلا أن خطاب الهيمنة والتسلط، لم يفلح يوما في تغييب ثقافة الثورة، وقتل الفعل الثوري، في الوعي الجمعي للمجتمعات الإنسانية، ولذلك كانت الثورات – ومازالت – هي المحطات الأكثر إشراقا وإيجابية، في مسيرة التحولات التاريخية، والفاعل الأقوى حضورا في عمليات التطور الحضاري والتقدم الإنساني، ومن ذلك المنظور الفلسفي الإنساني، الذي لا خلاف عليه، يمكن النظر إلى فعل الثورة والمقاومة الفلسطينية، ضد الكيان الصهيوني الغاصب، في مسيرتها التصاعدية، ورصيدها النضالي التراكمي، الذي سطره المجاهدون الفلسطينيون، عبر الأجيال، ومازالوا إلى يومنا هذا، يسطرون أورع الملاحم والبطولات الأسطورية، ضد آلة القتل والإجرام والدمار والتوحش الصهيوني، الذي طالما أمعن في تحقيق معادلة وجوده، وتموضعه القسري الطارئ على الأرض الفلسطينية، بممارسة كل وسائل القوة والإجرام والتوحش، ومجازر الإبادة الجماعية الشاملة، بحق أصحاب الأرض والشرعية الحقيقية، من أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، ومقاومته الباسلة، ومجاهدية الأبطال، الذين لم يتوانوا لحظة واحدة، عن اجتراح كل مظاهر وصور الفعل الثوري المقاوم، الرافض لوجود وهيمنة الاحتلال الصهيوني، رغم محدودية الإمكانات والقدرات، وفارق التسليح الهائل، وخذلان المجتمع الدولي للقضية الفلسطينية، والتواطؤ العالمي الهادف إلى تصفية القضية، من خلال ممارسة استراتيجية المساواة بين الضحية والجلاد، والحرص على إيقاف الفعل الثوري المقاوم، بتوجيهه نحو متاهة المفاوضات اللانهائية، من ناحية، والسماح لآلة القتل الصهيوني الإجرامية، باحتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتهجير وقتل وإبادة ومحو جميع سكانها، من ناحية ثانية.
جاءت عملية أو معركة #طوفان- الأقصى بوصفها استحقاقا إنسانيا، مكفولا في كل الشرائع السماوية، ونتيجة طبيعية للرد على جرائم ومجازر الكيان الصهيوني الغاصب، وتعبيرا إنسانيا عن نزعة الحرية، في طبيعة الفطرة الإنسانية، وقد امتازت هذه العملية بميزات فارقة، في مسيرة المقاومة ورصيدها النضالي، حيث شكلت في مضمونها وصورتها، نقلة نوعية كبيرة، ومنعطفا استراتيجيا هائلا، في تاريخ المنطقة العربية والعالم، حيث رسمت مسار التحول التاريخي العالمي، وأسقطت – بتداعياتها المتوالية، وفاعليتها المستمرة – أقنعة الحرية وحقوق الإنسان والمشروع الحضاري، التي طالما غلفت حقيقة قبح القوى الاستعمارية الكبرى، التي سارعت بكل جرأة وقبح وانحطاط وعنصرية، إلى إعلان وقوفها الكامل، ودعمها المطلق، للكيان الصهيوني الغاصب، ومشاركتها العلنية كل جرائمه ومجازره، التي ينفذها بشكل جنوني وهيستيري، بحق الفلسطينيين المدنيين الأبرياء العزل، بعد عجزه عن ردع أبطال المقاومة الفلسطينية، في ميادين المواجهة، فلجأ إلى تنفيذ عمليات انتقامية وإبادات جماعية، على مرأى ومسمع من العالم، في محاولة يائسة لتغطية هزيمته النكراء، وللضغط على فصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية، لإيقاف عملياتها وإعلان استسلامها، والتخلي عن مكاسبها المادية – ممثلة في سيطرتها الجغرافية على غلاف غزة وما بعده – ومكاسبها المعنوية – ممثلة في قدرتها على تثبيت معادلات القوة والنصر ووحدة الفصائل والمحور – وهي تدخل يومها التاسع، ومازالت حتى اللحظة، في كامل عنفوانها وقدرتها وسيطرتها، وامتلاكها لزمام المعركة ميدانيا وإعلاميا.
يمكن القول إن يوم السبت السابع من أكتوبر لعام 2023م، قد أحدث نقلة نوعية، في مسار التاريخ السياسي والجيواستراتيجي العالمي، سواء من حيث إعادة صياغة خارطة التحالفات الإقليمية والعالمية، أو من حيث إعادة صياغة بنية الوعي الجمعي العالمي، لحقيقة المفاهيم والحقوق الإنسانية، وتهيئته لتبنيها، في تموضعه الشعبي، وتحريرها من مزايدات، طاولة قمار الأنظمة الاستعمارية، بما تمثله تلك المظاهرات، والخروج الشعبي المستمر، بذلك المستوى العالي من الزخم الجماهيري المتعاظم، والرفض الجمعي المطلق، لموقف القوى الاستعمارية الكبرى، المساندة للكيان الصهيوني المحتل مطلقا، والالتفاف الشعبي الجمعي الواسع، حول فلسطين أرضا وإنسانا، والمقاومة الفلسطينية خاصة، ومحور الجهاد والمقاومة عامة، كونه يمثل قيمة الحرية، بوصفها حقا إلهيا وإنسانيا وحضاريا خالصا، لا يمكن إخضاعه لمعطيات المصالح الاستعمارية الأنانية، ولا يقبل الكيل بمكيالين إطلاقا.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الشعر هو الفطرة البيضاء للإنسان
الشعر هو الفطرة البيضاء للإنسان والنشيد الذي يتردّد صداه عبر الأجيال، ليس لسان حال القبيلة كما كان سابقًا فحسب، بل هو لسان حال القلب والفكر في شتّى أحوالهما، وجوهر الشعر الحقيقي: الصدق في التعبير وجمالية اللغة، وقد اقترب الشعر المعاصر أكثر من نبض الحياة اليومية، متأثرًا بالتحولات الرقمية وقضايا الإنسان المعاصر مثل الغربة والانتماء وهواجس المستقبل.
ونحن على عتبة يوم الشعر العالمي الذي يصادف في 21 مارس (أذار) من كل عام، يناقش موقع 24، شعراء ونقاد، لهم باع طويل في فن الشعر، ويسلط الضوء على ما استجد من أمور تتعلق بمفهوم الشعر في العصر الحالي، ونظرتهم إلى سمات القصيدة الأقرب لذائقة العصر.
يقول الشاعر والكاتب الفلسطيني محمد إدريس: مع تسارع التغيرات الثقافية والاجتماعية والتكنولوجية، شهد مفهوم الشعر تحولات جوهرية أثرت في تعريفه وبنيته وملامحه الفنية، لم يعد الشعر مجرد تعبير إيقاعي عن العواطف والأفكار، بل أصبح فضاءً إبداعيًا مفتوحًا، يتفاعل مع المستجدات الرقمية ويعيد تشكيل رؤى الإنسان في عصر السرعة والمعلومات".
وعن تحولات مفهوم الشعر، يضيف: "ظل الشعر، عبر العصور، مرآة للذات والمجتمع، محكومًا بإيقاعات وأوزان محددة، ومع تطور الثقافة الإنسانية وظهور التيارات الحداثية، تحررت القصيدة من قيود الأشكال التقليدية، مما أتاح للشعراء مساحة أوسع للتعبير بحرية، وسمح باندماج الشعر مع أشكال فنية أخرى كالموسيقى والفنون البصرية، وحتى التكنولوجيا الرقمية."وبالنسبة لملامح القصيدة الحديثة، يوضح: "أصبحت القصيدة المعاصرة أكثر تكثيفًا وانسيابية، حيث تميل إلى الاقتصاد في الكلمات والتركيز على الصورة الشعرية، مع الحفاظ على الإيقاع الداخلي المتولد من تفاعل المفردات، لم تعد الموسيقى الخارجية (القافية والوزن) هي العنصر الأهم، بل بات الإيقاع ينبع من تناغم المعاني والصور، كما اقترب الشعر أكثر من نبض الحياة اليومية، متأثرًا بالتحولات الرقمية وقضايا الإنسان المعاصر مثل الغربة والانتماء وهواجس المستقبل".
وعن رؤيته لقصيدة النثر يذكر: " بلغة العصر في ظل هذه التحولات، تبرز قصيدة النثر كأحد أكثر الأشكال الشعرية قدرة على استيعاب روح العصر، إذ تمنح الشاعر حرية مطلقة في البناء والصياغة، دون الالتزام بأنماط تقليدية، هذه الحرية لا تعني الفوضى، بل هي إعادة تشكيل للغة بما يتناسب مع إيقاع الزمن الرقمي، حيث تمزج بين اللغة الشعرية الكثيفة والعبارات السريعة المباشرة التي تتناسب مع متغيرات العصر".
وحول الشعر والتكنولوجيا يقول: "تجربة تفاعلية جديدة مع التطور التكنولوجي، دخل الذكاء الاصطناعي إلى عالم الإبداع، مما فتح آفاقًا جديدة لتفاعل الإنسان مع النصوص الشعرية، تجربتي في دمج الذكاء الاصطناعي بالشعر كشفت عن إمكانيات غير متوقعة، حيث يمكن للتكنولوجيا أن تكون شريكًا في استكشاف اللغة والإيقاع والرؤية الشعرية، دون أن تفقد القصيدة جوهرها الإنساني".
ويذكر الشاعر محمد إدريس: "رغم كل التحولات، يبقى الشعر فنًا حيًا متجددًا، قادرًا على التكيف مع العصر دون أن يفقد أصالته، ومع استمرار تطور الوسائل الإبداعية، سيظل الشعراء يسعون إلى استكشاف مسارات جديدة تعكس روح الزمن الذي يعيشون فيه، دون أن يتخلوا عن جوهر الشعر الحقيقي: الصدق في التعبير وجمالية اللغة".
ويضيف: "عندما ننظر إلى نهر الشعر العربي اليوم، نراه نهراً جميلاً يشق الأرض العربية من أقصاها إلى أقصاها، ينشر الخصب، وينشر الجمال على ضفتيه، ولهذا النهر العظيم 3 روافد مختلفة، تصب فيه، وتحافظ عليه، وتضمن تدفقه واستمراه، وتتمثل هذه الروافد في الأشكال الشعرية الثلاثة الراهنة لهذا العصر، وهي الشكل العمودي، وشكل التفعيلة، والشكل الحر ( قصيدة النثر )، للأسف الشديد أن معظم المؤسسات الثقافية الرسمية في عالمنا العربي لا تمتلك مثل هذه الرؤية الشعرية المتقدمة، و لا يزال أكثرها ينكر الرافد الثالث، ولا يعترف به أبداً، مما تسبب في حرمان نهر الشعر العربي من رافد من أهم روافده الجديدة والرائعة، الذي استطاع أن يبرهن على قوته وحيويته في شتى الظروف، وفي كافة المناسبات.
يرتبط الشعر العربي عادة بالموسيقى، وباللغة العربية الجميلة، حيث يعبر عن الأحاسيس والرؤى والافكار الإنسانية الراقية، وعلى رأس هذه الأمور، تأتى عاطفة الحب، هذه العاطفة الجميلة التي تجمع بين البشر، و تفجر الطاقات، وتلون الحياة بألوان قوس قزح ".
ويقول الشاعر والناقد السوري مصطفى أحمد النجار: "لا ريب أن الشعر يستحق أن يُخصص له في كل عام (يوم الشعر العالمي) إشارة إلى الاهتمام الرمزي بقيمته الجماليّة والروحيّة وهو عند العرب فنّ العربية الأول، وديوانها الذي يشكّل حيزًا واسعًا من تراث الأمة، والشعر كما هو معروف الفن الجميل الذي تفتخر به سائر الأمم".
ويضيف: "الشعر هو الفطرة البيضاء للإنسان والنشيد الذي يتردّد صداه عبر الأجيال، ليس لسان حال القبيلة كما كان سابقًا فحسب، بل هو لسان حال القلب والفكر في شتّى أحوالهما، فهو حليب الرّوح في قيظ ماديات الواقع، والرعشات التي تُنعش جفاف الحياة، وبرغم منافسة الرواية للشعر واحتلالها مقعده كما رأينا، فهي لا تستغني عنه، إذ يشكل أحد مقومات نجاحها وشهرتها، ولا ريب أن مفهوم الشعر يختلف من شاعر إلى شاعر في العالم و لكن يأتلف الإجماع على أهمية تأثيره في متلقّيه إن كان صادقًا".
ويوضح النجار: "لقد طرأ على الشعر تبدّلات جذريّة أو ثانويّة خلال مسيرته المديدة فلن يعُد كما وصفه الناقد العربي قُدامة بن جعفر: "الشعر كلام موزون"، هذه التحولات أضافت الحياة إليه، بضخّ دم جديد في أوصاله، إذ قام شعراء من عدّة أقطار عربية بهذه المهمة، عبر حركة الشعر الحرّ في أربعينات القرن العشرين، متأثرين بموجة ( المثاقفة) أو موجة التأثّر الآتية مع رياح الآداب العالمية، فكانت الحصيلة ولادة أشكال جديدة، أضيفت إلى الشعر العربي المعروف، و كانت بداية مرحلةٍ ازدحمت فيها القرائح الشعرية، و محاولات التجريب و ارتياد آفاق جديدة و ولادة قصائد، منها راوَح في حيّز التقليد، و منها من أضاف إلى الحياة حيوية تستحق لقب القصيدة التي حققت شرطيها الجمالي ومحتواها الحضاري، كما شكلت القصائد بتنوعها قوس قزح يرمز إلى طموحات الإنسان المعاصر، وإلى أوجاعه فالشاعر الذي يضيف بإبداعه و بزاوية رؤيته للحياة والكون والإنسان هو حاضر و مجدّد في وجدان المتلقّي مهما كان شكل قصيدته، يظل منتميًا إلى جذور أمته".
وعن سمات القصيدة الأقرب إلى ذائقة العصر يقول مصطفى النجار: "في المشهد الشعري العربي المعاصر، ثمّة أصوات شعرية ونقدية أرادت من الشعر مرآة لعصرها وبيئتها، استطاعت كتابة قصيدة معاصرة، بمعنى أنها مرتبطة بالواقع بالبيئة المحلية، (المحلية طريق سالك إلى العالمية) بما انعكس في شخصية الإنسان المعاصر من تأثيرات جديدة ومستجدّة.
كتابة قصيدة تتوافر فيها سمات الصدق الواقعي، والنفسي والمشترك الإنساني، بين المرسل والمتلقي، فمن قرأ دواوين الشعر في تاريخنا المعاصر، سيقع على نمطين الأول: تعامل مع الواقع ومستجداته التكنولوجية، مثلًا ببساطة أشبه بالوصف السطحي والمقولات التي تشير إلى وسائل التطور الصناعي والالكتروني، بمعنى آخر هي أشبه بقصائد (مفبركة) لا تحمل شعورًا خاصًا.
والثاني: شعراء كان تفاعلهم مع العصر الراهن، مع العصر الذي عايشوه شعوريًا إذ أخضعوا الواقع وما يمرّ فيه من أحداث، ووقائع ومستجدّات، وظروف طارئة إلى مختبر شعورهم، وحوّلوا القضايا العامة إلى قضايا شخصية، فجدّدوا بالشكل وصدقوا في تصوير التجربة الإنسانية جماليً.
المهم أن تنطق القصيدة الجديدة بسماتٍ جديدة، تفيد من كلّ شيء حولها، تُفيد من الشعراء الأجداد، ومن التراث العالمي، من هؤلاء من تفاعل وجدّد في هذا المضمار بتوازن، ومنهم من غالى وعزل قصيدته عن المتلقي وعن الحياة بذريعة أنه يكتب للمستقبلِ".