لم يكن فعل المقاومة الفلسطينية المتنامي – عبر تاريخها الممتد إلى الآن – فعلا خارجا عن الأطر القانونية، والاستحقاقات الإنسانية، المكفولة في جميع القوانين والدساتير والتشريعات السماوية والوضعية، ورغم جدلية الصراع بين نزعة الاستبداد ونزعة الحرية، إلا أن خطاب الهيمنة والتسلط، لم يفلح يوما في تغييب ثقافة الثورة، وقتل الفعل الثوري، في الوعي الجمعي للمجتمعات الإنسانية، ولذلك كانت الثورات – ومازالت – هي المحطات الأكثر إشراقا وإيجابية، في مسيرة التحولات التاريخية، والفاعل الأقوى حضورا في عمليات التطور الحضاري والتقدم الإنساني، ومن ذلك المنظور الفلسفي الإنساني، الذي لا خلاف عليه، يمكن النظر إلى فعل الثورة والمقاومة الفلسطينية، ضد الكيان الصهيوني الغاصب، في مسيرتها التصاعدية، ورصيدها النضالي التراكمي، الذي سطره المجاهدون الفلسطينيون، عبر الأجيال، ومازالوا إلى يومنا هذا، يسطرون أورع الملاحم والبطولات الأسطورية، ضد آلة القتل والإجرام والدمار والتوحش الصهيوني، الذي طالما أمعن في تحقيق معادلة وجوده، وتموضعه القسري الطارئ على الأرض الفلسطينية، بممارسة كل وسائل القوة والإجرام والتوحش، ومجازر الإبادة الجماعية الشاملة، بحق أصحاب الأرض والشرعية الحقيقية، من أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، ومقاومته الباسلة، ومجاهدية الأبطال، الذين لم يتوانوا لحظة واحدة، عن اجتراح كل مظاهر وصور الفعل الثوري المقاوم، الرافض لوجود وهيمنة الاحتلال الصهيوني، رغم محدودية الإمكانات والقدرات، وفارق التسليح الهائل، وخذلان المجتمع الدولي للقضية الفلسطينية، والتواطؤ العالمي الهادف إلى تصفية القضية، من خلال ممارسة استراتيجية المساواة بين الضحية والجلاد، والحرص على إيقاف الفعل الثوري المقاوم، بتوجيهه نحو متاهة المفاوضات اللانهائية، من ناحية، والسماح لآلة القتل الصهيوني الإجرامية، باحتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتهجير وقتل وإبادة ومحو جميع سكانها، من ناحية ثانية.


جاءت عملية أو معركة #طوفان- الأقصى بوصفها استحقاقا إنسانيا، مكفولا في كل الشرائع السماوية، ونتيجة طبيعية للرد على جرائم ومجازر الكيان الصهيوني الغاصب، وتعبيرا إنسانيا عن نزعة الحرية، في طبيعة الفطرة الإنسانية، وقد امتازت هذه العملية بميزات فارقة، في مسيرة المقاومة ورصيدها النضالي، حيث شكلت في مضمونها وصورتها، نقلة نوعية كبيرة، ومنعطفا استراتيجيا هائلا، في تاريخ المنطقة العربية والعالم، حيث رسمت مسار التحول التاريخي العالمي، وأسقطت – بتداعياتها المتوالية، وفاعليتها المستمرة – أقنعة الحرية وحقوق الإنسان والمشروع الحضاري، التي طالما غلفت حقيقة قبح القوى الاستعمارية الكبرى، التي سارعت بكل جرأة وقبح وانحطاط وعنصرية، إلى إعلان وقوفها الكامل، ودعمها المطلق، للكيان الصهيوني الغاصب، ومشاركتها العلنية كل جرائمه ومجازره، التي ينفذها بشكل جنوني وهيستيري، بحق الفلسطينيين المدنيين الأبرياء العزل، بعد عجزه عن ردع أبطال المقاومة الفلسطينية، في ميادين المواجهة، فلجأ إلى تنفيذ عمليات انتقامية وإبادات جماعية، على مرأى ومسمع من العالم، في محاولة يائسة لتغطية هزيمته النكراء، وللضغط على فصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية، لإيقاف عملياتها وإعلان استسلامها، والتخلي عن مكاسبها المادية – ممثلة في سيطرتها الجغرافية على غلاف غزة وما بعده – ومكاسبها المعنوية – ممثلة في قدرتها على تثبيت معادلات القوة والنصر ووحدة الفصائل والمحور – وهي تدخل يومها التاسع، ومازالت حتى اللحظة، في كامل عنفوانها وقدرتها وسيطرتها، وامتلاكها لزمام المعركة ميدانيا وإعلاميا.
يمكن القول إن يوم السبت السابع من أكتوبر لعام 2023م، قد أحدث نقلة نوعية، في مسار التاريخ السياسي والجيواستراتيجي العالمي، سواء من حيث إعادة صياغة خارطة التحالفات الإقليمية والعالمية، أو من حيث إعادة صياغة بنية الوعي الجمعي العالمي، لحقيقة المفاهيم والحقوق الإنسانية، وتهيئته لتبنيها، في تموضعه الشعبي، وتحريرها من مزايدات، طاولة قمار الأنظمة الاستعمارية، بما تمثله تلك المظاهرات، والخروج الشعبي المستمر، بذلك المستوى العالي من الزخم الجماهيري المتعاظم، والرفض الجمعي المطلق، لموقف القوى الاستعمارية الكبرى، المساندة للكيان الصهيوني المحتل مطلقا، والالتفاف الشعبي الجمعي الواسع، حول فلسطين أرضا وإنسانا، والمقاومة الفلسطينية خاصة، ومحور الجهاد والمقاومة عامة، كونه يمثل قيمة الحرية، بوصفها حقا إلهيا وإنسانيا وحضاريا خالصا، لا يمكن إخضاعه لمعطيات المصالح الاستعمارية الأنانية، ولا يقبل الكيل بمكيالين إطلاقا.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

المفاوضات والوسطاء حصان طروادة الإمبريالية

 

جرت العادة أن القوى الاستعمارية، حين تُهزم في ميدان المواجهة العسكرية، أو في ميدان فرض مشاريع الهيمنة الاستعمارية، فإنها كانت تلجأ دائماً، إلى الخطة البديلة، المتمثلة في تفعيل استراتيجية المفاوضات حيناً، وتحريك مبادرات الوسطاء حيناً آخر، لتبقى الشعوب في حالة انتصار مع وقف التنفيذ، حيث كان المهزوم “المستعمِر” يحجر على المنتصر فرحته، ويمارس عليه وصاية إلزامية، بتأجيل فرحته بالنصر، حتى تحدد المفاوضات والوسطاء، طبيعة وكيفية وحدود الفرحة، بعد موافقة الطرف الآخر “المهزوم الإمبريالي”، الذي يعمد إلى تفكيك معادلة الصراع، حين يقدم اعتراضه على صورة الفرحة ذاتها، بمعزل عن النصر الذي أنتجها، متجاهلاً ما يقابل شرف انتصار الآخر، من عار الهزيمة عليه، فيأتي بمنطق الخبير في صناعة وتنسيق الأفراح، ليقترح على المنتصر، الجلوس إلى طاولة المفاوضات، والاستفادة من نصائحه المجانية، في صياغة طقوس فرائحية، أكثر حداثية وتطوراً، لتحظى بمباركته واعترافه، وقبوله انضمامها إلى سجل التحولات الكبرى، في مشروعه الحضاري الإمبريالي، وهنا يأتي دور الوسطاء، الذين يزينون للمستضعفين المنتصرين، ذلك العرض الإمبريالي، ويشيدون بعدالته وإنسانيته، ويقسمون على مصداقيته، ويشهدون على أخلاقه ونبله، وحرصه على عدم إراقة المزيد من الدماء، ويضمنون الوفاء بالتزاماته، مؤكدين أفضلية الفرحة المعترف بها دولياً، على تلك المصنفة في قائمة الإرهاب، وهو ما يقتضي بالضرورة، نبذ مشروع الجهاد والمقاومة وإلقاء السلاح، للخروج من حالة العنف، والتهيئة للدخول في الحوار والمفاوضات، وما إن يجلس قادة الجهاد والمقاومة (المنتصرون)، إلى تلك الطاولة، حتى يكون الفرح بالنصر، أول جرم يوقعون على عقوبته مرغمين، ليتم تنفيذ العقوبة مباشرة، في صورة مجازر جماعية، تحصد أرواح المئات والآلاف، من المدنيين الأبرياء، الذين فرحوا (بالنصر)، حسب طبيعتهم العفوية وأسلوبهم الفطري، وهو ما رآه القاتل الإمبريالي، مظهرا من مظاهر التطرف والعنصرية، والعداء للسامية والحضارة؛ حينها تتجاوز الشعوب سؤال:- كيف تفرح؟ إلى سؤال:- بماذا تفرح؟، خاصة وأن الحرية، قد أصبحت حلماً بعيد المنال، والانتصار وهماً مسكراً باهظ الثمن، في ظل قيادة وطنية عاجزة، سلمت قوتها لعدوها المتوحش، أملاً في إنسانيته المزعومة، وثقة في وعود وضمانات الوسطاء، الذين حقق بهم المستعمر الإمبريالي المحتل الغاصب، ما عجز عن تحقيقه هو، بقوة السلاح ومجازر الموت، وهو ما يؤكد أنهم ليسوا فقط جزءاً من المشروع الاستعماري، وإنما هم رافعته الأساس، ومركز الثقل الأكبر فيه.

ولولاهم لما سلّم مجاهدو المقاومة أسلحتهم – كما حدث في فلسطين عام 1948م – ولما فقدوا حاضنتهم الشعبية، ولما تنازلت الشعوب عن حقها في الحرية، ونزعتها الفطرية للفرح بالنصر، ولما سقط جسر الثقة، الذي كان يربطها بقادتها، في مستنقع التخوين المتبادل، وهكذا نجح الوسطاء، في إرغام أو إقناع عامة الشعب، بالتعايش مع المحتل المجرم، والاكتفاء بالمطالب الناقصة، والحريات الجزئية (حرية التعبير، حرية المعتقد، حرية التنقل، …..إلخ)، بدلاً من انتزاع الحرية الكاملة، واستجداء فتات الحقوق (حق العودة، حق الأسرى، حق المعتقلين حق الـ …..)، من لصٍ جلادٍ غاصب، لا يملك أدنى ذرةٍ من حق، أو مشروعية وجود على هذه الأرض، كما نجح الوسطاء، في تدجين المقاومة بالمفاوضات، ورغم وصولهم إلى طريق مسدود، إلا أنهم لم يجرؤا على إعلان ذلك، بل استمروا في تسويق أوهام اقتراب الحلول، والتعويل على دور بعض الوسطاء، أو المنظمات والمؤسسات الدولية، وبهذا أصبح الموت بالخروج من المفاوضات ورفضها، لا يختلف عن الانتحار بالاستمرار فيها.

منذ بواكيره الأولى في التاريخ، اعتمد العقل الاستعماري، على توظيف الوسطاء والمفاوضات، لاستعادة ممكنات قوته وسيطرته، ولم يبتكر جديداً سواهما، وربما كان ذلك شاهداً على عجزه وجموده، أو دليلاً على كفايتهما أكثر من غيرها، وفاعليتهما في جميع الأزمنة والأمكنة، وليس هنالك ما هو أكثر خطراً على النصر الوليد، من خدعة المفاوضات، التي تعيده إلى درجة الصفر، وتسلب صانعيه مقومات قوتهم الميدانية والشعبية، وتلك هي خلاصة دروس التاريخ عبر العصور، وصولاً إلى مفاعيل النشاط الاستعماري في العصر الحديث، وسياسته التسلطية الإجرامية، من أمريكا الشمالية إلى أستراليا، إلى جنوب أفريقيا، وصولا إلى الاستعمار الغربي في الوطن العربي، والالتفاف على الثورات التحررية، من خلال استراتيجية المفاوضات مع المستعمر، وعودته بعد ثورات الربيع العربي، من خلال الوساطات ومبادرات الوسطاء، وعندما وُجِدَ مشروعٌ تحرري حقيقي في اليمن، استعصى على خداع الوسطاء وأوهام المفاوضات، تكالبت عليه كل قوى الشر والإجرام والعمالة والارتزاق.

ربما كانت فلسطين هي الشاهد التاريخي الأبرز، الذي جسد دور الضحية، في تلك الحالة الاستعمارية، بتكرارها المستمر، ورغم أن قادة الجهاد والمقاومة الفلسطينية حاليا، قد استوعبوا الدرس جيداً، فلم يذهبوا للمفاوضات – بعد 15 شهراً من طوفان الأقصى – إلا وسلاحهم في أيديهم، بالإضافة إلى أوراق ضغط كبيرة وقوية، داخلية وخارجية، إلا أن الوسطاء، مازالوا يمارسون دورهم الخياني القذر، ويسعون للضغط على فصائل الجهاد والمقاومة، بمختلف السبل والوسائل، طمعاً في تحقيق أهداف الكيان الغاصب، في سلب حماس قوتها، وإخراجها من غزة، وهو ما عجزت عنه ترسانة الغرب الإمبريالي مجتمعة، على مدى 15 شهراً.

 

مقالات مشابهة

  • مسير ومناورة لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في مديرية جحانة بصنعاء
  • مسير شعبي في الشعر بإب لخريجي دورات “طوفان الأقصى”
  • مسير ومناورة لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في جحانة بصنعاء
  • المفاوضات والوسطاء حصان طروادة الإمبريالية
  • لجان المقاومة الفلسطينية تؤكد أن المجازر الصهيوني في غزة ترتكب بقرار وسلاح أميركي
  • مسير في السودة بعمران دعماً لفلسطين وتأكيد الجهوزية لمواجهة العدوان
  • خريجو طوفان الأقصى بعزلة بني موهب في عمران ينظمون مسيراً راجلاً
  • مسيرات راجلة لخريجي دورات ” طوفان الأقصى ” في عدد من مديريات عمران
  • الدفاع المدني بغزة يستنكر استهداف العدو الصهيوني معدات يستخدمها للخدمات الإنسانية
  • طوفان الأقصى كسر وهم القوة وسردية الاحتلال.. قراءة في كتاب