الفصول الدراسية الثلاثة.. صناعة قرار
تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT
سلمى بنت مطلق المالكي*
“الأهم في هذا الموضوع هو الاتفاق على عدد أيام الدراسة” مبرر منطقي ذكره “يوسف البنيان” وزير التعليم في المؤتمر الصحفي الذي عُقد الأربعاء ٤ سبتمبر الماضي لمناقشة أبرز المستجدات في التعليم العام.
وحول تقييم الوزارة لنظام الفصول الدراسية الثلاثة، أوضح معالي الوزير أن الأهم في هذا الموضوع هو الاتفاق على عدد أيام الدراسة، فإذا نظرنا إلى المعايير الدولية نجد أن دول مجموعة العشرين تتراوح أيام الدراسة مابين ١٨٠ إلى ١٨٥ يوماً، وأن هذا العدد يعتبر ضروريًا لضمان تنفيذ العملية التعليمية بشكل فعال .
وفي نفس السياق ذكر المستشار التعليمي والتربوي عبداللطيف الحمادي تعقيبًا على تصريحات الوزير البنيان أن عدد الأيام الدراسية 180 يومًا دراسيًا حتى لو تمت إعادة نظام الفصلين الدراسيين كما هو معمول به في الجامعات التي عادت لنظام الفصلين حاليًا.
إذًا ما يجب أن نتفق عليه هو عدد أيام الدراسة، وأن الهدف منها رفع مستوى تحصيل الطلاب، وتعويض الفاقد التعليمي، وموائمة عدد الأيام الدراسية في المملكة مع الأيام الدراسية في نظيراتها من دول مجموعة العشرين ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بما يتوافق مع متطلبات العملية التعليمية.
ثم بعد ذلك يتم تقييم القرار حول نظام الفصول الدراسية الثلاثة، وهذا ما أكده الوزير حيث ذكر أن النظام يخضع حاليًا لدراسة وتقييم دقيق، مشيرًا إلى أن الهدف منه هو تعزيز قدرة أبناء وبنات المملكة على المنافسة العالمية.
إنك إذا أردت أن تزرع ثمارًا وتنتج محصولاً نافعًا لا بد أن تنتظر لحين نضجه، لا أن تقطفه قبل أوانه، فمن الطبيعي إذا قطفته قبل النضج لن يكون مفيدًا، هذا فيما يتعلق بالماديات التي تكون نتائجها واضحة ومحددة، فما بالك في استثمار العقول البشرية التي لا تظهر نتائجها إلا بعد فترة معينه!.
وعلى صعيد ردود الأفعال المتباينة حول تطبيق نظام الفصولالدراسية الثلاثة أكدت وزارة التعليم من خلال مسؤوليها والتصاريح التي أُطلقت بالتزامن مع تطبيق القرار؛ أنها تراهن على هذه النقلة التطويرية رغم الانتقادات المتزايدة؛ مطالبة بمنح النظام الجديد الوقت المستحق ليحقق أهدافه مرحليًّا؛ مؤكدة أن هناك لجانًا تعمل بشكل يومي، وهناك خطط بديلة واستعداد لأي مخاطر أو تهديدات، وأن هذا التغيير العميق يستحق الصبر مع وجود حلول وبدائل مثل اللجوء للتعليم المدمج، والمنصات والتعليم عن بُعد، ومتفهمة أنالتغيير من الطبيعي أن يُواجه بالتشكيك وعدم التقبل أحيانًا، كما أنه على مستوى الطالب قد يواجه مشاكل فيالاستيعاب وغيرها، وهي – أي الوزارة – لديها خطط تعديل ومعالجة مستمرة.
كما أن النظام يمثل المرحلة الأولى – وليست النهائية – عن طريق إدخال تحديثات جديدة سواء على المستوى الشكلي من حيث نظام الدراسة ومواعيدها وعدد أيام الدراسة الفعلية، أو من الناحية الموضوعية التي تضمنت تطوير المناهج التي يدرسها الطلاب؛ فمن خلال خطة الوزارة التي نشرتها على موقعها يتبين لنا أن التطوير اشتمل على مجموعة من المتطلبات صاحبت تطبيق القرار منها: إضافة مواد دراسية جديدة ، وزيادة عدد ساعات بعض المقررات التي يحتاج إليها سوق العمل، وكذلك التوسع في تدريس بعض المقررات.
وكأم ومربية وأكاديمية فاسمحوا لي القول بأنه إذا كان لدينا شيئًا ماديًا نقوم بتنظيفه جيدًا على الدوام، سيبقى بريقه لامعًا، أما إذا تركناه لفترة طويلة، فإن الغبار يتراكم عليه، حتى يغطي سطحه كله، فيكون من الصعوبة بمكان تنظيفه وإعادته لوضعه الذي كان عليه، وهكذا فإن العقل حين نتركه دون تفكير ولا ينشغل بمسائل ذهنية لفترة طويلة، يتراكم عليه غبار الجهل فيصاب بالجمود والخمول الفكري، وإذا حاولنا أن نسترجع قواه، فسيحتاخ الأمر منا وقتًا طويلاً، ونهدر الكثير من الوقت، أما إذا انشغل على الدوام فسيعمل العقل بأفضل طاقته.
ذكرتُ هذا التشبيه، لكي تتضح الصورة التي جعلت وزارة التعليم بالمملكة تطبق نظام الفصول الثلاثة، بدلاً من نظام الفصلين، فهي أرادت نفض الغبار عن عقول أبنائها، أو بمعنى أدق اللحاق بها قبل أن يتراكم عليها الغبار؛ ففي النظام القديم كان الطالب يُترك فترة الإجازة ما يقارب أربعة أشهر دون أن يتلقى أي كم معرفي مما يؤثر على تطوره ونموه العقلي بشكل سلبي؛ وهذه المدة الكبيرة للانقطاع عن الدراسة كفيلة بمسح ما تَعَلمه الطالب خلال العام الدراسي؛ حيث يصل الفاقد التعليمي للطلاب إلى نسبة كبيرة بين سنوات السلم التعليمي وفترة التدريس الفعلية بالنظام الثنائي والتي قدرها بعض المسؤولين بأكثر من ثلاث سنوات هدر.
فضلاً عن أن الفصل الدراسي الواحد كان يمتد لسبعة عشر أسبوعًا يُختبر الطالب بعدها وهي مدة طويلة ومرهقة تؤدي لكثرة تغيب الطلاب؛ أما في النظام الجديد فكل فصل من الفصول الثلاثة ثلاثة عشر أسبوعًا توزع فيها المقررات الدراسية بدلاً من توزيعها على فصلين؛ فذلك سيعمل على عدم تكدس المواد والدروس التي تشتت الذهن، وبالتالي فهو يحقق التوازن في التحصيل العلمي لدى الطلاب والطالبات ويعمل على كسر ملل طول مدة الدراسة في الفصل الواحد، ويقرّب الطالب إلى المؤسسة التعليمية، وذلك يجعلهم أكثر حماسًا لمصادر التعلم، كما يتيح للمعلمين والمعلمات كسر الجمود والإبداع والتخطيط بشكلٍ جيد فيما يخص مناهجهم وتقديم دروسهم للطلاب والطالبات.
وختاماً.. هناك دول كثيرة طبقت هذا النظام – ولم تكن المملكة وحدها -، وفي مقدمتها اليابان، البرتغال، هونج كونج، والمملكة المتحدة، والإمارات ، ودول أخرى. والمملكة حين استفادت من تجارب تلك الدول لم يكن ذلك إلا بعدالاطلاع على نتائج هذا النظام في تلك الدول، علاوة على عددأيام الدراسة، التي تسعى المملكة لموائمتها مع دول مجموعة العشرين؛ مما يجعلنا نقول أن النظام يتميز ببناء قدرات الطلاب والطالبات بما يتلاءم مع مهارات القرن الواحد والعشرون والثورة الصناعية الرابعة، ورفع نتائج الطلاب والطالبات في الاختبارات الدولية، ويسهم في تحقيق رحلة التطوير الاستثنائية لتحقيق رؤية المملكة 2030، وأهداف برنامج تنمية القدرات البشرية وتلبية احتياجات المستقبل، وتطلعًا لمواكبة التغيرات السريعة المعرفية والتكنولوجية والمعلوماتية، وبالتالي فتعود آثاره على جميع أبناء المملكة سياسيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، وفكريًا.
* باحثة أكاديمية ومهتمة بالشأن التعليمي.
Salma_Mutlaq@
المصدر: صحيفة المناطق السعودية
كلمات دلالية: الدراسیة الثلاثة صباح ا
إقرأ أيضاً:
من الابتدائية إلى الثانوية.. بكين تدمج الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية
تعتزم المدارس الابتدائية والثانوية في بكين تقديم حصصاً تعليمية مخصصة للذكاء الاصطناعي، ابتداءً من العام الدراسي المقبل.
وحظيت صناعة الذكاء الاصطناعي في الصين باهتمام دولي هذا العام بعد أن أطلقت شركة "ديب سيك" DeepSeek نسخة جديدة من روبوت المحادثة العامل بالذكاء الاصطناعي في يناير (كانون الثاني)، ما أحدث موجة صدمة عبر الأسواق العالمية.
وذكرت وكالة "شينخوا" الصينية للأنباء أن المدارس في العاصمة ستخصص ما لا يقل عن ثماني ساعات من دروس الذكاء الاصطناعي لكل عام دراسي بدءاً من الفصل الدراسي الذي يبدأ في أوائل سبتمبر (أيلول)
ويمكن للمدارس أن تدير هذه المواد كحصص مستقلة أو أن تدمجها في مواد دراسية قائمة أساساً مثل تكنولوجيا المعلومات أو العلوم.
وأفادت لجنة التعليم التابعة لبلدية بكين في بيان أنه "سيتم تقديم أساليب تدريس مبتكرة، باستخدام أجهزة مرافقة وأدوات مساعدة بحثية بالذكاء الاصطناعي، وغيرها من برامج المساعدة الذكية لتسهيل التعلم من خلال الحوار بين الإنسان والآلة".
وأشارت إلى أن بكين تخطط أيضا لاستكشاف المزيد من الفرص للتعاون بين الجامعات والمدارس الثانوية، لتنمية المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي.
ويتضمن ذلك تطوير سلسلة من "دورات التعليم المتقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي والتي تركز على التطوير المبكر للمواهب المبتكرة الاستثنائية".
وفي الشهر الماضي، أجرى الرئيس الصيني شي جينبينغ محادثات مع كبار رجال الأعمال في قطاع التكنولوجيا الصيني، في حدث نادر أثار التفاؤل بشأن زيادة الدعم للقطاع.
وعزز شي دور الشركات المملوكة للدولة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، كما تصدى للتوسع "غير المنظم" في العديد من القطاعات.
وحظيت "ديب سيك" بإشادة السلطات، كما حضر مؤسسها الاجتماع مع الرئيس الصيني.
وتتجه الأنظار حالياً إلى برامج الذكاء الاصطناعي الجديدة في الصين، الساعية لمنافسة "ديب سيك"، وكشفت شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة "علي بابا" الأسبوع الماضي عن نموذج ذكاء اصطناعي يسمى QwQ-32B، تقول إنه يتمتع "بأداء مماثل" لـ "ديب سيك" بينما يتطلب بيانات أقل بكثير للعمل.
إلى ذلك، فإن "مانوس" Manus، وهو مساعد جديد وقوي يعمل بالذكاء الاصطناعي، يُحدث ضجة في البلاد، مع قدرات تُعتبر بشكل عام أكثر تقدماً من تلك الموجودة في روبوتات المحادثة.