يمانيون – متابعات
يعيش الشعب الفلسطيني المسلم المجاهد أياماً صعيبة بسبب جرائم العدو الصهيوني، التي يسعى من خلالها لتغطية هزائمه العسكرية المخزية بعملية طوفان الأقصى، وما رافق تلك العملية البطولية من تقدمات ميدانية للمقاومين الفلسطينيين، وانكسار مدوي لجيش الاحتلال رغم الفوارق الهائلة في العدة والعتاد.

وكما هي عادة اليهود دائماً، فإن الفارق في الميدان يعوضونه من دماء الأطفال والنساء كونهم الهدف الأسهل بالنسبة لسلاح الإبادة الجماعية القادم من الغرب.

بذلك يتضح جلياً مستوى الدناءة الأخلاقية لليهود التي كشف عنها القرآن الكريم قبل 14 قرناً، ومدى حقدهم على غيرهم من البشر، خاصة المسلمين.

ومن خلال تفحص طبيعة العدوان الهمجي على غزة يدرك الأعمى قبل المبصر، أن سياسة العقاب الجماعي وقتل العزل وتجويعهم وحصارهم، لا يتقنها ويتفنن بها إلا اليهود وأذنابهم في هذا العالم، فحرب روسيا وأوكرانيا المستمرة منذ قرابة العامين لم تشهد ولا حتى بعضاً من بشاعة الصهاينة خلال الأيام القلائل الأخيرة.

كما يدرك المتأمل أن العدوان على اليمن القائم منذ مارس 2015، ليس إلا نسخة أخرى من حروب الصهاينة غير الأخلاقية على شعوب أمتنا الإسلامية، حتى وإن تصدر الأعراب المشهد، وتحملوا تكاليفه المادية والأخلاقية بالكامل.

فالمجازر المروعة بحق المدنيين واستهداف المساجد والمنازل وتجمعات المدنيين في قاعات الأفراح والعزاء، والحصار والحرب الاقتصادية، كل ذلك عمل صهيوني بامتياز.

ونحن هنا لا نبرئ السعودية والإمارات، وإنما نضعهما في موقعهما الطبيعي بما يتناسب مع حجم كل منهما وتاريخه العسكري القريب والبعيد.

ولعل حرب الخليج الثانية بين عامي 1990 و1991 هي أبرز مثال على هشاشة النظامين، وعجز جيشيهما على إطلاق رصاصة واحدة في تلك المواجهة.

ونتذكر جميعاً الملك السعودي الأسبق فهد بن عبدالعزيز وهو يناشد الولايات المتحدة الأميركية بالتدخل ومنع قوات صدام حسين من التقدم عبر الكويت إلى المملكة، وذلك عقب أربعة أيام فقط من سقوط الكويت وقبل أن يحاول ولو مجرد محاولة بمواجهة خصمه العراقي رغم أن فارق التسليح، حتى في حينها كان لصالح الرياض.

فالسعودية تمتلك في ذلك الوقت أقوى سلاح جو في الجزيرة العربية، إضافة إلى امتلاك أحدث الآليات من دبابات ومدرعات تفوق في قوتها وقدرتها تلك التي غزا بها صدام الكويت.

وقد صدق بعض المحللين في تلك الفترة عندما وصف السلاح السعودي بأنه “سيف بتار بيد عجوز” فالمعدات العسكرية الضخمة لا يستطيع الجندي السعودي إدارتها إلا بوجود خبراء أميركيين تكون لهم القيادة في كل ذلك.

فمن يتذكر تلك الحقبة وما رافقها من استجداء سعودي للغرب يعلم علم اليقين أن ما تسمى “عاصفة الحزم” هي حرب أمريكيةـ صهيونية أخرى على الشعب اليمني المسلم، الذي يرفض التطبيع وينحاز بكل قوته إلى الثوابت القومية وفي مقدمها القضية الفلسطينية، بوصلة الأحرار كافة.

أما الإمارات فليس في تاريخها العسكري ما يستحق أن يُذكر، كما أن عدد مواطنيها لا يفي لتأسيس جيش نظامي، ويشهد بذلك مخافر الشرطة الإماراتية المكتظة برجال أمن من الهند وبنغلادش.

محمد الجوهري

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الأفريقي وحرب السودان: بين الحياد والمصير

مقدمة
منذ تأسيسه مطلع الألفية، ظل الاتحاد الأفريقي يسعى لتقديم نفسه كفاعل قاري مستقل، قادر على التصدي لصراعات القارة بعيدًا عن الوصاية الدولية. لكنه في كل أزمة كبرى، يجد نفسه متأرجحًا بين خطاب المبادئ وواقع العجز المؤسسي.

حرب السودان، التي اندلعت في أبريل 2023، وضعت الاتحاد في مواجهة اختبار غير مسبوق: حرب ذات طابع داخلي/إقليمي، تتقاطع فيها خيوط المليشيات، والجنرالات، و الاحزاب والمصالح الإقليمية المتشابكة.

في خضم هذا المشهد المعقد، جاء انتخاب محمود علي يوسف، وزير خارجية جيبوتي السابق، رئيسًا لمفوضية الاتحاد في فبراير 2025، ليمنح التنسيقية فرصة جديدة لإعادة صياغة نهج الاتحاد في التعامل مع النزاعات، خاصة في ظل توجهه المعلن و خبرته المعروفة نحو الدبلوماسية المتوازنة، وابتعاده عن التوجهات الأيديولوجية، بما في ذلك الإسلام السياسي الذي هيمن سابقًا على العديد من السرديات الإقليمية.

هنا تحديدًا، تبرز ضرورة أن تبادر قيادة "تأسيس" — هذا التحالف المدني الذي يسعى لإعادة بناء السودان على أسس علمانية ديمقراطية — نحو فهم البيئة الجديدة داخل الاتحاد، واستثمارها، بل والتأثير فيها. فالاتحاد ليس كيانًا جامدًا، بل ساحة لصراع الاتجاهات، وموقع المفوضية اليوم مفتوح لتأثير من يدرك مصادر القوة، ويخاطبها بلغة المبادئ والمصالح معًا.

لم يكن الاتحاد الأفريقي عبر تاريخه الحديث كيانًا متماسكًا أو محايدًا بالكامل في قضايا القارة. فقد ظل ساحةً مفتوحةً لصراع التأثير بين القوى الإقليمية والدول الكبرى، بل وحتى الأنظمة الأيديولوجية داخل أفريقيا نفسها. خلال حقبة الرئيس السوداني السابق عمر البشير، سعى النظام السوداني إلى التمدد داخل مؤسسات الاتحاد، عبر الدفع بكوادر أمنية ودبلوماسية محسوبة عليه لشغل مناصب في مفوضية الاتحاد وفي مجلس السلم والأمن، في محاولة لضمان غطاء سياسي وإقليمي في وجه الضغوط الدولية التي واجهها بسبب ملف دارفور، ومذكرة التوقيف الدولية من المحكمة الجنائية.

وقد رافقت هذه المحاولات توجهات خطابية تتلاعب بمفاهيم "السيادة" و"عدم التدخل"، بينما كانت في جوهرها تهدف لحماية منظومة الحكم الإسلاموي من المحاسبة، وللحد من تأثير المكونات المدنية السودانية في السياسة الإقليمية.

اليوم، يأتي انتخاب محمود علي يوسف — الدبلوماسي المخضرم ووزير خارجية جيبوتي السابق — رئيسًا لمفوضية الاتحاد، كإشارة واضحة إلى تحوّل في تركيبة الاتحاد وخطابه. فالرجل، المنتمي لحزب علماني يساري، بعيد تمامًا عن التيارات الإسلاموية، ويُعرف بتوجهه نحو دبلوماسية الحياد المتوازن والتكامل الإقليمي. كما أن بلاده، جيبوتي، لا تسمح بقيام أحزاب ذات مرجعية دينية، ما يعكس الخلفية السياسية التي جاء منها.

في ضوء هذه المعطيات، فإن الفرصة متاحة اليوم للقوى السودانية المدنية — وخاصة تحالف "تأسيس" — لإعادة التموضع داخل دوائر الاتحاد، ومخاطبة المفوضية بلغة سياسية جديدة، تنسجم مع طبيعة القيادة الحالية وتقطع مع الميراث الذي زرعه نظام البشير داخليًا وخارجيًا.
٢. موقف المفوضية الجديدة من حرب السودان: بين الحذر والفرصة
رغم مرور عامين على اندلاع الحرب في السودان، لم يقدم الاتحاد الأفريقي حتى الآن مبادرة متماسكة خاصة به يمكن اعتبارها خارطة طريق واقعية لإنهاء الصراع. اقتصرت مواقف المفوضية السابقة — بقيادة موسى فكي بالرغم من توجهه العلماني و بعده عن التوجهات الاسلاموية — على بيانات الشجب والدعوات المتكررة للحوار، دون ترجمة حقيقية لهذه الدعوات إلى آليات تنفيذية.

لكن مجيء محمود علي يوسف إلى رئاسة المفوضية في مارس 2025 يفتح نافذة جديدة، ليس فقط بسبب شخصيته الدبلوماسية المتوازنة، بل لأن خلفيته السياسية — كوزير خارجية لدولة علمانية — تجعله أكثر تحررًا من الميراث الإسلاموي.

حتى الآن، حافظ الدبلوماسي المرموق محمود علي يوسف على لهجة حذرة في تصريحاته بشأن السودان، مكتفيًا بدعوات عامة للحل السلمي، و باجتماعات فردية مع عدد من رؤساء الاقليم بما فيهم البرهان باعتباره رييسا لحكومة امر واقع غير معترف بها رسميا بواسطة الاتحاد الأفريقي . وهنا تكمن الفرصة. إذا تمكنت القوى المدنية، وعلى رأسها "تأسيس"، من بلورة خطاب واضح ومدني ومتكامل، فإن المفوضية الجديدة ستكون أقرب للاستماع، وربما للاستجابة.
٣. صمت الاتحاد الأفريقي إزاء الجرائم والانتهاكات: عجز أم تواطؤ بالصمت؟
ارتُكبت انتهاكات جسيمة بحق المدنيين في السودان، دون أن يصدر عن الاتحاد الأفريقي موقف عملي حاسم. صمته لا يمكن تبريره بالحياد، لأن الحياد في جرائم الإبادة هو شكل من أشكال التواطؤ.

الاتحاد لم يفعل أدوات المساءلة المنصوص عليها في ميثاقه، رغم توفّر الشروط القانونية لذلك. على القوى المدنية، وعلى رأسها "تأسيس"، أن تخاطب المفوضية بلغة القانون والمبادئ، وتطالبها بتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية.
٤. دور مصر وإثيوبيا وتشاد في التأثير على مواقف الاتحاد من السودان
مصر، إثيوبيا، وتشاد لها أدوار ملموسة في تشكيل مواقف الاتحاد من الأزمة السودانية، بما يتماشى مع مصالحها السياسية والأمنية.

مصر تميل إلى دعم المسار العسكري في السودان، أو على الأقل تحييد الاتحاد تجاهه. إثيوبيا تلتزم الحذر، لكنها لا تمارس الضغط. وتشاد تخشى من انعكاسات الفوضى السودانية على أمنها، فتتجنب التصعيد. هذا الثالوث الإقليمي لا يزال يؤثر على الاتحاد، ما يجعل من الضروري على "تأسيس" فهم هذه الخارطة الإقليمية والتحرك ضمنها بذكاء.
٥. تحالف "تأسيس" والقوى المدنية: الفرصة داخل مفوضية جديدة
تحالف تأسيس ليس مجرد تحالف سياسي، بل مشروع بديل لبناء الدولة. وفي ظل التوازن الجديد داخل مفوضية الاتحاد، تملك قيادة تأسيس فرصة ذهبية لتقديم نفسها كمخاطب شرعي ومدني للمؤسسة القارية.

لكن ذلك يتطلب مبادرة جريئة: إرسال وفود سياسية، تنسيق مع قوى مدنية أفريقية، صياغة رسائل سياسية مدروسة، وتدويل خطابها داخل أروقة أديس أبابا.
خاتمة: الاتحاد الأفريقي واختبار السودان
الاتحاد الأفريقي اليوم أمام اختبار أخلاقي وسياسي. إما أن يكون مؤسسة لحماية الشعوب، أو مجرد شاهد على الحريق.

لكن الأهم هو ما ستفعله قوى السودان المدنية. الفرصة متاحة، و"تأسيس" تملك الرؤية والجرأة. فهل تبادر؟ نعمً. يجب ان تبادر وبخطوات حثيثة لا يعترضها تاجيل مهما كان سببه و منطلقه

د. أحمد التيجاني سيد أحمد
٣٠ مايو ٢٠٢٥ روما نيروبي
مراجع وإشارات تحليلية
1. 1. ميثاق الاتحاد الأفريقي (Constitutive Act of the African Union)، المادة 4 (h) و (j) المتعلقة بالتدخل في حالات الجرائم الخطيرة.
2. 2. ميثاق الاتحاد الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم الرشيد (2007).
3. 3. بيانات مفوضية الاتحاد الأفريقي حول السودان (2023–2025)، من موقع الاتحاد الرسمي: https://au.int
4. 4. مقابلات وتصريحات محمود علي يوسف بعد انتخابه رئيسًا للمفوضية، مصادر متعددة: African Business, The East African.
5. 5. تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية حول الانتهاكات في دارفور والخرطوم، 2023–2024.
6. 6. دور مصر وتشاد في التأثير على قرارات الاتحاد الأفريقي من خلال مشاركتها في مجلس السلم والأمن (مجلة ISS Africa).
7. 7. بيانات وتحليلات صادرة عن مراكز أبحاث أفريقية مثل: Institute for Security Studies (ISS)، وAfrican Centre for the Constructive Resolution of Disputes (ACCORD).

ahmedsidahmed.contacts@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • يخاطب نفسه ويقوم بحركات غريبة.. مشهد مؤثر لرونالدو بعد خروج النصر السعودي من دوري أبطال آسيا
  • الاتحاد الأفريقي وحرب السودان: بين الحياد والمصير
  • صحيفة بريطانية: ترامب وعد بالسلام لكن “المدنيين” يقتلون في غزة واليمن
  • دنابيع السياسة العربية.. من دنبوع اليمن إلى دنبوع فلسطين
  • قبائل عنس بحجة تعلن النفير في مواجهة العدو الامريكي
  • قبل مواجهة الأهلي.. الاتحاد الآسيوي يعاقب الهلال السعودي
  • قبائل كسمة بريمة تعلن النفير العام وتؤكد مواصلة دعم فلسطين ومواجهة التصعيد الأمريكي
  • الاعيسر: نأمل من شعبنا الكريم تفهُّم الحيثيات التي أدت إلى تأخر البيان
  • استشهاد امرأة بنيران العدو السعودي بصعدة
  • استشهاد امرأة بنيران العدو السعودي في صعدة