من يوقف الاعتداءات الإسرائيلية الممنهجة في حق الأبريـاء بقطاع غزة؟
تاريخ النشر: 19th, October 2023 GMT
بقلم: إسماعيل الحلوتي
لا أعتقد أن الكاتب الفرنكفوني الشهير والحاصل على جائزة الغونكور الطاهر بنجلون ومعه عدد من المغاربة، الذين سارعوا إلى وصف حركة "حماس" الفلسطينية بالجماعة الإرهابية، بدعوى ارتكابها جرائم إنسانية في حق مدنيين إسرائيليين، بالاعتماد فقط ودون دليل واضح على الروايات المفبركة والكاذبة للإعلام الإسرائيلي، إبان الهجوم المباغت الذي نفذه المقاتلون من المقاومة الفلسطينية صباح يوم السبت 7 أكتوبر 2023 على مستوطنات غلاف غزة تحت اسم "طوفان الأقصى"، مخلفا أعدادا كبيرة من القتلى والجرحى والأسرى الإسرائيليين.
سيعودون اليوم للاعتذار على اعتبار أن الاعتذار من شيم الكبار، والتكفير عما خطت أقلامهم أو نطقت به أفواههم من اتهامات باطلة في حق المقاومة الفلسطينية الباسلة وهم يتابعون على شاشاتهم في بيوتهم الفاخرة بشاعة الجرائم الإنسانية التي ما انفكت إسرائيل تقترفها ضد الغزاويين من المدنيين العزل، وخاصة بعد عملية "طوفان الأقصى" المباركة، حيث الغارات الجوية تكاد لا تتوقف لحظة واحدة عن تدمير البنى التحية وهدم المباني والمساجد والمدارس والمستشفيات والبيوت فوق رؤوس الأطفال والنساء والعجزة، سعيا إلى تسويتها مع الأرض.
والأخطر من ذلك ولعله الأكثر فظاعة مما سبق، هو ما ارتكبته قوات الاحتلال الإسرائيلي يوم الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 من مجزرة فظيعة في واضحة النهار أمام أنظار العالم، من خلال القصف الجوي المتعمد مع سبق الإصرار والترصد الذي استهدف ساحة المستشفى الأهلي المعمداني وسط مدينة غزة، وأدى إلى استشهاد أزيد من 500 شخص فلسطيني معظمهم من المرضى والأطفال والنساء والأطباء والممرضين وغيرهم من المدنيين الأبرياء. وهو ما جعل الرئيس الفلسطيني محمود عباس يؤكد على أن قصف المستشفى يعد كارثة إنسانية وجريمة إبادة جماعية، ومن ثم يلغي حضوره للاجتماع الرباعي الذي كان قبل تعليقه مقررا عقده مع الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الأربعاء 18 أكتوبر 2023 في الأردن، والعودة على وجه السرعة إلى مدينة رام الله معلنا الحداد لثلاثة أيام مع تنكيس الأعلام، فيما دعت جميع الفصائل الفلسطينية في الضفة إلى التصعيد ضد العدو الغاشم.
فإسرائيل منذ نشأتها في عام 1948 وهي تحظى بدعم الغرب المنافق، وقد تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم المزيد من الدعم العسكري بعد الضربة القوية التي تلقتها من قبل حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وعديد الفصائل الفلسطينية في عملية "طوفان الأقصى" غير المسبوقة، لذلك لا تكترث بارتفاع الأصوات المنددة بغطرستها وجرائمها الإنسانية المتوالية، ولا تتوانى عن انتهاك حقوق الإنسان والعبث بالقوانين، ضاربة عرض الحائط بالقيم الأخلاقية ومبادئ القانون الدولي، الذي يدعو إلى توفير الحماية للمدنيين والمواقع المدنية من منازل ومدارس وجامعات ومستشفيات ودور عبادة وغيرها من المنشآت المحمية بموجب ذات القانون، وفق ما تنص عليه اتفاقية جنيف الرابعة "1949" والبروتوكولين الأول والثاني لاتفاقيات لاهاي "1954" وجنيف "1977".
وتجدر الإشارة إلى أن المادة "18" من اتفاقية جنيف الرابعة خصصت حماية استثنائية للمستشفيات، حيث لا يجوز بأي حال من الأحوال الهجوم على المستشفيات المدنية المعتمدة في تقديم الرعاية اللازمة للمرضى والجرحى والأطفال والنساء والعجزة، وتستدعي الضرورة القصوى السهر على احترامها وحمايتها في جميع الأوقات. كما أن المادة "19" من نفس الاتفاقية تنص هي الأخرى على "عدم جواز وقف الحماية الواجبة للمستشفيات المدنية، دون أن نغفل كذلك أن –المادة الثالثة المشتركة- بين اتفاقيات جنيف الأربع، تلزم جميع الأطراف بوجوب "جمع الجرحى والمرضى والعناية بهم".
فهل تجهل الدول المنحازة لإسرائيل والداعمة لها، أن ما تقوم به من هجمات مقصودة على المستشفيات والأماكن التي يتجمع فيها المرضى والجرحى والمدنيون، هو أمر مرفوض ويشكل مخالفة جسيمة للمواثيق الدولية وأعراف الحرب، بموجب نظام روما الأساسي، وهو أيضا "جريمة حرب نكراء" بمقتضى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؟ إن إقدام إسرائيل على تلك المجازر الوحشية في عدوانها المتواصل على قطاع غزة، يستوجب متابعتها أمام محكمة العدل الدولية، ويفرض على الأمم المتحدة القيام بواجبها الإنساني والتصدي لهمجيتها، ناهيكم عن انتهاكها الدائم لقواعد القانون الدولي، من خلال عدم الالتزام بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين، وتعمد الإضرار بالمدنيين وتدمير ممتلكاتهم بواسطة القصف العشوائي...
علينا أن نعلم جميعا أن القضية الفلسطينية تمر اليوم بأخطر منعطف في تاريخ الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، ولا يكفي لمواجهتها وتعطيل آلياتها الحربية المدمرة تصاعد الاحتجاجات وتزايد الإدانات الدولية. وبات من الواجب على المنتظم الدولي أن يتحمل كامل مسؤولياته التاريخية والسياسية والخروج عن صمته المريب، ويقوم بممارسة الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف هذا المسلسل من المجازر البشرية والإبادة الجماعية في حق شعب أعزل، ذنبه الوحيد أنه يسعى فقط إلى انتزاع حقوقه الوطنية المشروعة وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
إن المغرب بقيادة ملكه ورئيس لجنة القدس محمد السادس، يدين بشدة قصف القوات الإسرائيلية مستشفى المعمداني وما خلفه من مئات الضحايا، ويشدد في بلاغ لوزارة الخارجية على أن الحاجة اليوم جد ملحة لتضافر جهود المجتمع الدولي، والتدخل العاجل لإيقاف هذه الجرائم الإسرائيلية المتلاحقة، وإرغام الدولة العبرية على احترام القانون الدولي الإنساني، تفاديا لانزلاق المنطقة نحو مزيد من التوتر والاشتعال، حماية المدنيين وعدم استهدافهم من قبل الطرفين معا الإسرائيلي والفلسطيني.
المصدر: أخبارنا
إقرأ أيضاً:
كيف تنتهك مقترحات ترامب بشأن غزة القانون الدولي؟
تحظر معاهدات دولية قائمة منذ فترة طويلة إجبار الناس على مغادرة أراضيهم والاستيلاء عليها، وهو ما يشكل نقيضا لتوجهات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب وتصريحاته الأخيرة بشأن قطاع غزة.
وصرح ترامب أنه يرغب في نقل الفلسطينيين من قطاع غزة في مصر والأردن وهدم المباني المتبقية لإفساح المجال لمشروع تنمية على طراز "ريفييرا" ووضع الأراضي المحتلة تحت "ملكية" الولايات المتحدة.
السيطرة على الأراضي
قال ترامب إن "الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة.. أرى وضع ملكية طويل الأمد".
وتعتبر الأمم المتحدة وأعلى محكمة في المنظمة، وهي محكمة العدل الدولية، قطاع غزة جزءا من الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي.
ويحظر القانون الدولي الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وهو ما يعرف بأنه عمل عدواني.
وينص ميثاق الأمم المتحدة على أن "جميع الأعضاء يمتنعون في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة وعن استخدامها ضد سلامة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي".
وقال مايكل بيكر وهو أستاذ مساعد في قانون حقوق الإنسان الدولي في كلية ترينيتي بدبلن لويترز، "في نهاية المطاف، يصل اقتراح الرئيس ترامب إلى حد الرفض الصارخ للمبادئ الأساسية للقانون الدولي السارية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على الأقل واعتماد ميثاق الأمم المتحدة".
وقال بيكر، إنه في حال أعلنت الولايات المتحدة ملكيتها لقطاع غزة "فإن هذا سيصل إلى مستوى الضم غير القانوني للأراضي. كما أنه لا يحق لإسرائيل التنازل عن أراض فلسطينية للولايات المتحدة أو لأي جهة أخرى".
وقالت جانينا ديل، العضو في إدارة معهد أكسفورد للأخلاق والقانون والصراع المسلح والمتخصصة في القانون الإنساني الدولي "لا توجد ظروف يجوز فيها الاستيلاء على الأراضي بالقوة. والحجة القائلة بأن ذلك يعود بالنفع على السكان هناك أو في أي مكان آخر لا معنى لها من الناحية القانونية حتى لو كانت صحيحة من الناحية الواقعية".
وبموجب ميثاق الأمم المتحدة، تقع مسؤولية تعريف الأفعال بأنها عدوانية والرد عليها على عاتق مجلس الأمن، حيث تتمتع الولايات المتحدة بعضوية دائمة وحق النقض (الفيتو).
كما أن العدوان هو أيضا من الجرائم التي يمكن ملاحقة مرتكبها أمام المحكمة الجنائية الدولية. والولايات المتحدة و"إسرائيل" ليستا من أعضاء المحكمة الجنائية الدولية، لكن المحكمة أكدت وقوع الأراضي الفلسطينية ضمن اختصاصها، بما في ذلك ما ترتكبه دول غير أعضاء من أفعال في هذه الأراضي.
تهجير الفلسطينيين من غزة
تقول ديل إن "إعادة توطين سكان غزة الفلسطينيين قسرا تشكل جريمة ضد الإنسانية تتمثل في الترحيل أو التهجير القسري".
ويزعم ترامب أن الفلسطينيين في غزة يريدون المغادرة لأن الوضع أصبح خطيرا، لكن حتى الآن لا يوجد أي مؤشر على أن السكان، الذين كان عددهم 2.3 مليون نسمة قبل الحرب، يرغبون في المغادرة.
وتحظر اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 النقل القسري أو ترحيل الأشخاص المحميين في الأراضي المحتلة.
ووفقا لنظام روما وهو الوثيقة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية، فإن "مصطلح ’قسرا‘ لا يقتصر على القوة البدنية، بل قد يشمل التهديد بالقوة أو الإكراه، مثل ذلك الناجم عن الخوف من العنف أو الإكراه أو الاحتجاز أو القمع النفسي أو إساءة استخدام السلطة ضد الشخص المعني أو الأشخاص أو شخص آخر، أو من خلال استغلال بيئة قسرية".
وقالت ديل إنه من المرجح أيضا ارتكاب جرائم أخرى واسعة النطاق ضد الفلسطينيين لإبعادهم من غزة.
وأوضحت قائلة "إن حجم مثل هذا التعهد ومستوى الإكراه والقوة المطلوبة يعني أن هذا من المرجح أن يبلغ مستوى هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين".
منع سكان غزة من العودة
قال ترامب إنه لا يتصور عودة سكان غزة بعد مغادرتهم.
ومنعهم من العودة سيعد أيضا انتهاكا للمبادئ القانونية الدولية التي بموجبها يحتفظ السكان النازحون بالحق في العودة إلى الأراضي التي فروا منها.
وقال بيكر إن الإخلاء القانوني من قبل قوة احتلال "لا يمكن أن ينطوي على إرسال الناس إلى دولة ثالثة ولا يمكن أن يكون ذريعة للتطهير العرقي أو تهجير السكان من المنطقة إلى أجل غير مسمى أو على أساس دائم".
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش لقناة العربية إن إخراج السكان من غزة "من شأنه أن يخلق خطرا كبيرا يجعل إعلان دولة فلسطينية أمرا مستحيلا إلى الأبد".