بوابة الوفد:
2025-05-01@02:27:19 GMT

عذوبة التفكير

تاريخ النشر: 19th, October 2023 GMT

الحقيقة الوحيدة التى بين أيدينا هى أن نعمل وننتج، وألا نضيع أوقاتنا هدراً أو عبثاً..

يموت الإنسان راضياً عن نفسه يوم أن يكون قد أدّى رسالته فى هذه الحياة.. والعظماء من الناس يشعرون بقيمة الحياة، فيمضون إلى تأدية الرسالة التى نيطت بهم على أكمل وجه، وعلى أتمّ عمل تنتهى به غاية الطاقة يؤدّيه بنو الإنسان.

لا يموت العظيم إلاّ وفى نفسه راحة، وفى قلبه اطمئنان.

العظماء هم أنفسهم أبناء القدر الذى حركهم إلى الأعمال الخالدة فبعث إليهم- من حيث يشعرون أو لا يشعرون- برسائل التبعة والتكليف والمسئولية الملقاة على عواتقهم مفروضة كواجب من قبل السماء.

من المؤكد أن الإنسان فى جميع الأحوال ليس إلا الروح التى تتردد فى جسد، وعلى قدر عظمة الأرواح تكون عظمة الأعمال، والأعمال العظيمة أرواح عظيمة ما فى ذلك شك، وعلى كبر النفوس تأتى خوالد الآثار. يموت الإنسان وتطويه أسباب الفناء ومع ذلك قد لا يشعر أنه قد أدّى رسالته التى فرضتها عليه الأقدار، لكنه مع هذا كله قد يستقبل الموت -من بعد هذا الشعور- بقلب راضٍ وخاطر سليم؛ لأنه كان بذل غاية الطاقة من عمل العاملين على الإخلاص.. أى مفارقة تلك.. أهى همّة العاجز الذى لا يبالى ولا يكترث لخطوب المنون؟ 

كلا.. الأمر أبسط من ذلك.. إنها فقط علّة التفكير.

حقيقةً إنه لا يفزع من حق بعد أن أدّى واجباً، ولا من حقيقة بعد أن قطع أشواطاً من الحياة عاملاً فيها بما يرضى الله ويرضى النفس، وإن لم يكن فى الوقت نفسه يرضى الآخرين، فكما يكون رضا الناس غاية لا تدرك، فكذلك يكون رضا النفس ورضا الله أيضاً غاية لا تنال بسهولة ويسر إلا أن تكون المعرفة أساس هذا الرضا ومنبعه فى فجاج الفكر وقرارة الضمير. 

وهيهات للمرء أن يبلغ مستطاعه من معرفة الله ما لم يكن من قبل قد عرف نفسه.

أخوف ما يخاف عليه إذ ذاك هو دعوى امتلاك الحقيقة كونها غائبة عنه، غير أنه أقدر على البحث عنها وأخلق أن يجهد نفسه فى البحث عنها بكل ما أُوتى من قدرة. والموت حق، والحق لا يظهر للعيان، ولا يتمُّ الكشف عنه فى غير جهد من ترقية الذات. 

الحقيقة الوحيدة المؤكدة هى أن سبيل البحث عن الحقيقة أفعل فى النفس من سبيل الكشف عنها ظاهرة لعيان المُبصرين.. أعنى أن البحث عن الحقيقة أولى بالإنسان من دعوى امتلاكها؛ لأنه لا توجد حقيقة يستطيع أبناء الفناء امتلاكها.

لقد كان المفكر الألمانى (لسنج Lessing) (١٧٢٩- ١٧٨١) يقول : إنّ متعة الإنسان ليست تنحصر فى امتلاكه للحقيقة، وإنّما تنحصر فى الجهد الذى يبذله من أجل العمل على بلوغها، ولا تنمو ملكات الإنسان بامتلاك الحقيقة أبداً بل بالبحث عنها، كما أن كماله المتزايد لا يتمثّل إلاّ فى هذا المظهر وحده، أى مظهر طلب الحقيقة والبحث عنها ليس إلّا.

هذا هو الجانب الإيجابى من علّة التفكير : ترقية الذات الإنسانية والبلوغ بها الى مستوى الكمال من خلال عملية البحث ذاتها، ليس أكثر.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الحقيقة البحث عنها

إقرأ أيضاً:

من يقتل الحقيقة لا يحق له أن يكتب التاريخ

أول ما تفكر الحروب في استهدافه هو الحقيقة، ومنذ زمن بعيد أدرك صناع الحروب أن إسكات الكلمة وقتل الصحفيين هو السبيل الأنجح لطمس الجرائم ومحو آثارها من الذاكرة الجماعية. فالصحفي في مثل هذه الحالة، هو العدو الأخطر لمن يريد أن يروي الحرب كما يشتهي، لا كما حدثت.

ولم يعد قتل الصحفيين في الحرب الظالمة التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة حادثا عرضيا أو خطأ غير متعمد ولكن، دون أدنى شك، سياسة ممنهجة لطمس الأدلة وإخضاع الوعي العالمي لسرديات المحتل الزائفة.

لكنّ الطموح الإسرائيلي المبني على الإيمان المطلق بالسردية الذاتية، يبدو أنه يتلاشى تمامًا بعد أكثر من 19 شهرا على بدء مجازر الاحتلال في قطاع غزة والذي راح ضحيته أكثر بكثير من 52 ألف فلسطيني بينهم عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، ولكل منهم قصته وحلمه وطموحه ومساره في هذا العالم.. فما زال صوت الحقيقة، ولو عبر ثقوب صغيرة جدا، يتسرب إلى العالم ويملك قوة تهشيم السردية الإسرائيلية، وصناعة الدهشة، وتحريك الضمائر الحرة في كل أنحاء العالم.

واغتالت يد الغدر الإسرائيلية منذ بدء الحرب أكثر من211 صحفيا، بعضهم تم استهدافه على الهواء مباشرة، وبعضهم رآه العالم وهو يحترق في خيمة الصحفيين حتى الموت، وهو عدد ضخم جدا في حرب واحدة لم تكمل بعد العامين. ولكل صحفي من هؤلاء حكايته التي لا نعرفها، وهو منشغل بنقل حكايات الآخرين من ضحايا الحرب، وله حلمه الذي ينتظر لحظة أن تضع الحرب أوزارها ليذهب نحو تحقيقه.. وكل جرائم هؤلاء أنهم اختاروا أن يكونوا شهودًا على الحقيقة، لا صامتين على الجريمة.

لم تكن الرواية يومًا كما يدعي الإسرائيليون، لكن الأمر كان، منذ الصحفي الأول الذي سقط ضحية للحقيقة، ممنهجا في سبيل احتكار الاحتلال للرواية، ليكتب الحرب وحده دون صور تُوثق أو أقلام تسائل ما يحدث أمام سطوة التاريخ التي لن ترحم في يوم من الأيام.. ويريد أن يحرق الحقيقة كما حرق أجساد الصحفيين، وأن يُطفئ العدسات كما يُُطفئ الحياة في عيون الأطفال.. تماما كما يستهدف المسعفين، ويدمر المستشفيات، ويقصف المدارس والجامعات.. إنه يستهدف، وفي كل مرة، شهود الجريمة أنفسهم.

وهذا ليس صادما لمن يفهم الاحتلال الإسرائيلي؛ فهو ينطلق دائمًا من مبدأ نزع الإنسانية عن الفلسطينيين، وعقدة الاستثناء التاريخي من القوانين والأخلاقيات والمبادئ، وفصل جرائمه ضد الفلسطينيين، عن التقييم الأخلاقي والقانوني. ولذلك لا غرابة أن يعمد الاحتلال الصهيوني إلى اغتيال الحقيقة وإطفاء الأضواء في زمن الظلام؛ فالعمل الصحفي في نظره فعل مقاومة لأنه يعمل على كشف حقيقة ما يقوم به وفضح سردياته الملطخة بدماء الأبرياء.

رغم ذلك ورغم كل المحاولات الإسرائيلية لإسكات الحقيقة عبر اغتيال أبطالها وحرقهم بالنار تبقى «الحقيقة» آخر جدار للصمود، ويبقى الصحفيون في غزة هم حراس هذا الجدار، يكتبون بالدم ويصورون بالألم وصراخهم صدى لآلاف الضحايا الذين قضوا دون أن نسمع لهم صوتا أو أنينا. ولن تستطيع إسرائيل أن تصدّر سردياتها للعالم فقد كشف أمرها تماما، ومن يقتل الحقيقة لا يحق له أن يكتب التاريخ.

مقالات مشابهة

  • «رئيس الرؤى السلوكية»: الإمارات رائدة عالمياً في التفكير السلوكي
  • بندقية شنو البتكلم عنها الجبان..!!
  • أماني الطويل و التفكير ذو البعد الواحد
  • انتخابات 2025: معركة الحقيقة في زمن الفبركة الرقمية
  • أفضل الصدقة التي أخبر عنها النبي .. اغتنمها
  • هل الدعاء بعد الشرب من ماء زمزم مستجاب؟.. أمين الإفتاء يكشف الحقيقة
  • البحث عن الحقيقة خارج الكادر.. فرقة المنصورة تقدم "انتحار معلق" بالمهرجان الختامي لنوادي المسرح
  • من يقتل الحقيقة لا يحق له أن يكتب التاريخ
  • نائب أمير مكة: تبرُّع سمو العهد يجسد غاية الاهتمام بتوفير المساكن ودعم أوجه العمل الخيري
  • قناة الأمة