الأردن وتحذير من تهجير الفلسطينيين.. أسباب وتداعيات الخط الأحمر
تاريخ النشر: 19th, October 2023 GMT
بشكل حازم، يتمسك الأردن برفض أي "خطوات إسرائيلية" للجوء الفلسطينيين إلى داخل حدوده، معتبرا ذلك "خطا أحمر" من شأنه أن "يصفّي" القضية الفلسطينية بشكل نهائي، فما أساس هذه الهواجس وما تداعيتها على المملكة؟
وعلى مدار الأيام الأخيرة، شدد العاهل الأردني ومسؤولون أردنيون في أكثر من مناسبة، على رفضهم لأي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى تهجير الفلسطينيين، ومن أن يؤدي تصاعد وتوسع الصراع إلى تدفق اللاجئين من الضفة الغربية إلى داخل الحدود الأردنية.
ويرى الكاتب والباحث السياسي الإسرائيلي، شلومو غنور، في حديث لموقع "الحرة"، أن "إسرائيل لم تعلن نيتها ترحيل الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء أو أي مكان آخر".
وشدد على أن "إسرائيل لا تريد تهجير أحد"، مؤكدا أن هذا القرار "لم يُتخذ على أي مستوى، سواء سياسي أو عسكري".
وفي بيان مشترك، حذر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الخميس، من "كارثة" إقليمية في حال اتساع نطاق هذه الحرب.
وأكد القائدان "موقف الأردن ومصر الموحد" الرافض لـ"سياسة العقاب الجماعي من حصار أو تجويع أو تهجير للأشقاء في غزة"، كما شددا على أن "أي محاولة للتهجير القسري إلى الأردن أو مصر مرفوضة".
وسبق أن حذر العاهل الأردني، الثلاثاء، من محاولة "تهجير" الفلسطينيين إلى مصر أو الأردن، مؤكدا على وجوب "التعامل مع الوضع الإنساني داخل حدود قطاع غزة والضفة الغربية".
وأكد العاهل الأردني، أنه "لا يمكن استقبال اللاجئين في الأردن، ولا في مصر جراء الحرب على غزة، وهذا خط أحمر (...) يمكنني أن أتحدث بقوة ليس فقط باسم الأردن ولكن أيضا عن الأشقاء في مصر".
قضية حساسة أثارتها عبارة.. أسباب وخلفيات الرفض المصري لـ"خطة سيناء" لم يكن بيان التصحيح الذي أصدره مكتب كبير المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي لعبارة "معبر رفح لا يزال مفتوحا (...) وأنصح أي شخص يمكنه الخروج بالقيام بذلك"، كفيلا بتبديد الأجواء التي أثارتها ودفعت المسؤولين المصريين لإبداء التوجس وإطلاق التحذيرات، خلال الأيام الماضية.ويعتبر المحلل السياسي الإسرائيلي أن كل ما يشاع "تضليل وافتراء"، مضيفا أن "كل ما فعلته إسرائيل هو توجيه النداءات للسكان بالتوجه إلى المنطقة الآمنة في جنوب قطاع غزة لتجنب المعارك والابتعاد عن مواقع حماس المستهدفة".
وكانت إسرائيل دعت، في الأيام الماضية، جميع المدنيين في النصف الشمالي من قطاع غزة، أي أكثر من مليون نسمة، إلى الانتقال نحو جنوب القطاع، وحضهم، بعد ذلك على "عدم الإبطاء"، فيما بدا أنه تمهيد لعملية برية إسرائيلية.
ويضم النصف الشمالي من غزة أكبر تجمع سكاني في القطاع، وقالت الأمم المتحدة إنه تم إبلاغها بأن إسرائيل تريد أن يتحرك جميع السكان إلى جنوب القطاع.
ويتابع شلومو أن هدف إسرائيل من هذه الحرب يتمثل في "شل قدرات حماس العسكرية والسياسية، لكي لا يتكرر العدوان الذي تنفذه حماس عليها بين الفينة والأخرى".
ويشدد على أنه "لا يرى أن التهجير يمكن أن يكون وسيلة للسلام"، لافتا إلى أن "تجارب العالم في نزاعات مختلفة تثبت ذلك".
"مخطط إسرائيلي"من جهته، يرى الخبير الفلسطيني المختص في العلاقات الدولية، أشرف العكة، أن التحركات الإسرائيلية الأخيرة تكشف عن "توجه واضح وخطط من أجل تهجير الفلسطينيين"، معتبرا أن نداءات إجلاء سكان شمال غزة للتوجه جنوبا "جزء من مخطط أكبر".
ويضيف العكة في تصريح لموقع "الحرة"، أنه إذا تمكنت إسرائيل من الدخول بريا إلى غزة وفرض واقعها العسكري، ستسعى بشكل مدروس إلى عمليات تهجير قسرية، خارج إطار القانون الدولي.
وقالت القيادة الفلسطينية، في بيان عقب اجتماع لها في رام الله الأربعاء، إن "التهجير القسري لسكان غزة خط أحمر لا يمكن تجاوزه".
وأضافت في البيان أنها تؤكد "على منع تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة (...) كما أنه لا يجب السماح بتهجير الفلسطينيين من بيوتهم في القدس أو الضفة".
في السياق ذاته، يعتبر المحلل الفلسطيني أن الموقف الذي تم التعبير عنه من قبل الأردن ومصر مهم ومتقدم في منع عمليات "التهجير والإبادة" التي قد تنذر باتساع هذا الصراع وامتداده إلى ساحات مختلفة.
وكان التهجير موضوعا أساسيا في التاريخ الفلسطيني، ففي حرب عام 1948، فر نحو 700 ألف فلسطيني، في الحدث الذي يشير إليه الفلسطينيون باسم "النكبة"، وفقا لأسوشيتد برس.
وفي حرب عام 1967، وبعد سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة، فر 300 ألف فلسطيني آخر، معظمهم إلى الأردن، بحسب المصدر ذاته.
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين وأحفادهم الآن ما يقرب من 6 ملايين، يعيش معظمهم في مخيمات ومجتمعات محلية في لبنان وسوريا والأردن ومصر، علاوة على دول عربية وأجنبية أخرى.
ويوضح العكة أن التصعيد الجديد يشكل استمرارا لمخططات سابقة، يتم تنفيذها منذ عام 1948، غير أنها تصطدم بمواقف إقليمية ودولية رافضة، إضافة إلى تمسك السكان برفض الهجرة أو الخروج من منازلهم ولهذا نرى المجازر التي ترتكب بحقهم، وفق المتحدث ذاته.
"تجربة تاريخية مريرة"وعقب التصعيد الأخير في قطاع غزة، توالت تحذيرات من عمّان من اتساع نطاق الحرب إلى الضفة الغربية على حدودها، ما من شأنه أي يدفع اللاجئين الفلسطينيين للهجرة إليها.
رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خالد شنيكات، يرى أن التصعيد الإسرائيلي ردا على هجوم حماس يأتي ضمن "مساعي تهجير الفلسطينيين"، في خطوة جديدة نحو "تصفية القضية الفلسطينية"، مشيرا إلى أن كل الذين هاجروا إلى الأردن منذ 1948 وقبلها لم يعودوا إلى ديارهم نهائيا".
ويضيف شنيكات في تصريح لموقع "الحرة"، أن للأردن "تجربة تاريخية مريرة فيما يخص ملف الهجرة واللجوء، وأنه لم يعد يحتمل تكرار هذه السيناريوهات، لأنه استقبل فلسطينيين ولبنانيين وعراقيين وسوريين خلال العقود الماضية، وكلهم لم يعودوا"، موضحا أن "هذا مسلسل متواصل، بالتالي الضغط كبير على البلاد".
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في الأردن نحو 2.2 مليون لاجئ، وفق الأمم المتحدة.
ويشكل الأردنيون من أصل فلسطيني نحو نصف عدد سكان المملكة، التي كانت الضفة الغربية تخضع لإدارتها قبل حرب يونيو 1967، وفقا لفرانس برس.
وشنت إسرائيل غارات على قطاع غزة وأعلنت فرض حصار عليها عقب الهجوم الأكثر دموية على المدنيين في تاريخ البلاد، الذي نفذته حركة حماس في السابع من أكتوبر.
وأسفر الهجوم الذي شنته حماس واستهدف مدنيين بالإضافة إلى مقرات عسكرية عن مقتل المئات واختطاف العشرات، أغلبهم مدنيون وبينهم أطفال ونساء.
ووصل عدد القتلى الإسرائيليين جراء هجوم حماس المصنفة إرهابية إلى أكثر من 1400 شخص.
كما أسفر الرد الإسرائيلي الذي استهدف مناطق واسعة في غزة عن مقتل الآلاف، أغلبهم مدنيون وبينهم أطفال ونساء.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية، الخميس، إن ما لا يقل عن 3785 فلسطينيا قتلوا وأصيب 12 ألفا في غزة بالضربات الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر.
ووفق شنيكات، فإن السبب الثاني وراء الرفض القاطع من عمّان، يرتبط بـ"منع الإضرار بالأمن الأردني"، مشيرا إلى أن "قيام دولة فلسطينية يمكن أن يشكل ركيزة أساسية للأمن الوطني، وبالتالي فإن حل هذه القضية لا ينبغي أن يكون على حساب الأردن، بل وفقا لقرارات الشرعية الدولية".
ويضيف أن من شأن موجات جديدة من الهجرة أن "تحدث تغييرا جوهريا في الدولة"، موضحا أن اللاجئ بعد أن يدخل لا يمكن أن يعود لبلده، وبعد فترة سيحتاج حقوقا سياسية، من خلال الانضمام إلى المجالس المنتخبة والمناصب السياسية وكل مؤسسات الدولة، ومعها تتحقق طموحات اليمين المتطرف الإسرائيلي المتمثّلة في تشكيل وطن بديل للفلسطينيين في الأردن"، على حد تعبيره.
ويوضح المتحدث ذاته أن "مواقف الأردنيين تتشبث برفض التهجير حتى لو تلقوا تطمينات إسرائيلية بكون الخطوة مؤقتة"، معتبرا أن "هذا كلام لا يمكن الوثوق به على ضوء المعطيات التاريخية المرتبطة بالملف".
ويكشف شنيكات أن جزءا آخر من أزمة اللاجئين، يتمثل في حالة من عدم الاستقرار بالداخل الأردني، خاصة في ظل ضغط على الموارد المحلية، والظروف الاقتصادية الصعبة التي تجتازها البلاد، والتي تتحمل البيئة الخارجية والإقليمية جزءا منها، مشيرا إلى أن أي ضغوط سكانية أخرى ستؤدي إلى تفاقم هذه الأوضاع.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: تهجیر الفلسطینیین العاهل الأردنی الضفة الغربیة قطاع غزة لا یمکن إلى أن
إقرأ أيضاً:
مجلة ذا نيشن: إسرائيل لا تزال تستهدف الصحفيين الفلسطينيين والصمت ليس خيارا
اتهم جيش الاحتلال الإسرائيلي اتهم في 23 تشرين الأول/ أكتوبر ستة صحفيين وهم: أنس الشريف وطلال عروكي وعلاء سلامة وحسام شبات وإسماعيل فريد وأشرف السراج، بأنهم "إرهابيون من حماس والجهاد الإسلامي".
وأكدت مجلة "ذي نيشين" في تقرير لها أن القصد من وراء هذا الاتهام واضحا بـ"تحويل هؤلاء الصحفيين ــ الذين يقدمون تقاريرهم حاليا في شمال غزة، حيث تنفذ إسرائيل حاليا مذابح شبه يومية ــ إلى أهداف مشروعة للاغتيال، ولم تقدم إسرائيل أي دليل جوهري على هذه الادعاءات.".
وأضافت المجلة "لم تكن هذه المرة الأولى التي يختلق فيها النظام الإسرائيلي خلال الإبادة الجماعية اتهامات شنيعة لتبرير جرائم الحرب.. ولكن التهديد العلني باغتيال الصحفيين الستة كان مرعبا بشكل خاص ــ وخاصة لأن إسرائيل تشن حربا قاتلة ضد الصحفيين في غزة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث".
وأوضحت "قد يظن المرء أن مثل هذا التهديد الوقح ضد حرية الصحافة من شأنه أن يثير غضب المنظمات الإعلامية الأميركية الكبرى. ولكن الاستجابة كانت خافتة في أفضل الأحوال. بل إن صحيفة نيويورك تايمز ضخّمت بعض "الأدلة" السخيفة التي قدمتها إسرائيل".
وذكرت "وكثير من نظرائنا في الولايات المتحدة لم يعترفوا بالكاد بتأثير مثل هذه الادعاءات، فغضوا طرفهم وأصواتهم، مع ارتفاع حصيلة القتلى. فمنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، قتلت إسرائيل أكثر من أربعين ألف فلسطيني نعرفهم، على الرغم من أن مجلة لانسيت قدرت في تموز/ يوليو أن الرقم الفعلي يتجاوز 186 ألفا. ومن بين هؤلاء، أفاد مكتب الحكومة الإعلامية في غزة أن إسرائيل قتلت 183 صحفيا على مدى العام الماضي، أو ما يعادل ثلاثة صحفيين أو أكثر في الأسبوع".
وشدد أن "الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام في مختلف أنحاء العالم ملزمون أخلاقيا برفع أصواتهم ضد استخدام الصحافة لتبرير الحرب، والمعارضة لحماية أقرانهم الفلسطينيين في غزة، وهذه الاغتيالات ليست مصادفة: لقد حولت إسرائيل سترة الصحافة إلى هدف".
وأشار إلى أن "الهجمات لا هوادة فيها، ففي 9 تشرين الأول/ أكتوبر، استهدف قناصة إسرائيليون ومسيرات كوادكوبتر أربعة صحفيين كانوا يقدمون تقارير من مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة. وقد أدى الهجوم، الذي التقطته كاميرات الجزيرة، إلى إصابة المصور فادي الوحيدي بجروح خطيرة ومقتل مصور قناة الأقصى محمد الطناني، الذي أصيب برصاصة في رقبته. وقد أدت الإصابة المهملة إلى شلل الوحيدي، الذي دخل الآن في غيبوبة. وقبل يومين، أصيب مصور آخر من قناة الجزيرة، علي العطار، بشظايا من غارة جوية إسرائيلية على دير البلح، مما تسبب في نزيف في المخ. ولقد توسل زملاء الصحافيين المصابين لإجلاء العطار والوحيدي طبيا على وجه السرعة، حيث لا تزال حالتهما الصحية تتدهور".
وفي لبنان، قتلت الغارات الجوية الإسرائيلية ستة صحفيين، بما في ذلك ثلاثة في غارة مستهدفة على دار ضيافة إعلامية في حاصبيا. كما أدت الهجمات الإسرائيلية إلى إصابة عدد لا يحصى من الصحفيين، وفي كثير من الحالات قتلت أفراد أسرهم.
وفي الوقت نفسه، فجّر الصحفي الإسرائيلي داني كوشمارو مبنى في جنوب لبنان، وضغط على صاعق التفجير على الهواء مباشرة. وقد تم التقاط مشاركته النشطة في جرائم الحرب في لبنان ــ بينما كان مدمجا مع قوة إسرائيلية غازية ــ بالكاميرا. وبسبب الإفلات من العقاب الذي منحه المجتمع الدولي لإسرائيل، لن يواجه كوشمارو أي عواقب، وهو لا يخشى أي عواقب.
ومن ناحية أخرى، يظل المراسلون الستة من قناة الجزيرة ــ وهي الشبكة التي استهدفت "إسرائيل" صحفييها واغتالتهم دون عقاب لسنوات ــ معرضين للخطر. الشريف، والعروقي، وسلامة، وشبات، وفريد، والسراج هم بعض المصادر الموثوقة الوحيدة التي تنقل لنا أخبار الفظائع التي تحدث في شمال غزة. ولولا أصواتهم لما كنا لنعرف شيئا عن المقابر الجماعية، والغارات الجوية المستهدفة، ومَسيرات الموت القسرية، وقناصة الاحتلال الإسرائيلي الذين يصطادون الأطفال.
وقالت الصحيفة إن "هذا ليس الوقت المناسب للتعبير عن القلق بشكل معتدل وجبان. فالصحفيون الفلسطينيون واللبنانيون لا يريدون من زملائهم أن ينخرطوا في مجرد إشارات: إنهم يريدون أن يعيشوا. وبينما يواجهون الموت الوشيك، فإن أصواتنا، كصحفيين مقيمين في الغرب، يمكن أن تنقذهم. إن الاختيارات التي نتخذها تشكل الإدراك العام والسياسة، وبالتالي فإن الحقائق التي نرويها أو نتجاهلها أكثر أهمية من أي وقت مضى. يتعين علينا أن ندرك المسؤولية التي نتحملها في هذه الصناعة وأن نحمل أنفسنا وغرف الأخبار لدينا المسؤولية".
من خلال الفشل في معارضة السياسات التحريرية التي تفرض الرقابة في غرف الأخبار، وتستخدم لغة مضللة أو مخففة، يلعب الصحفيون الغربيون في العديد من المنافذ الإعلامية الرئيسية دورا مباشرا في إنتاج المعلومات المضللة التي تُشرعن هذه الاغتيالات المستهدفة. إن خطر فقدان الوظائف بسبب الفشل في الالتزام بمحو فلسطين هو بالتأكيد حقيقة واقعة، لكن التهديد الإسرائيلي لمستقبل الصحافة - من خلال تجريد الصحفيين من أي حماية - لا رجعة فيه.
وأكدت أن تصنيع الموافقة على التطهير العرقي للشعب الفلسطيني يتم من خلال تجاهل نية الإبادة الجماعية التي عبرت الشخصيات السياسية والعسكرية الإسرائيلية عنها منذ زمن طويل. ويشمل ذلك قبول وسائل الإعلام السائدة للمتحدثين العسكريين الإسرائيليين كمصادر شرعية وغير متحيزة، إلى حد أن يصبحوا غطاء للتقارير المصطنعة التي تستخدم لتبرير مذبحة الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، يتم رفض التقارير الفلسطينية. إن التحيز العنصري العميق ليس مجرد تحيز - فقد مهد الطريق للإبادة الجماعية.
وقالت إن "صحيفة نيويورك تايمز مثال صارخ على هذه الممارسة، وخاصة مع قصتها سيئة السمعة التي تم فضحها والتي تزعم عمليات اغتصاب جماعي في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. انهار التحقيق عندما أعلنت المصادر الذين تمت مقابلتهم أن الصحيفة كذبت. لقد قامت الصحيفة بسحب حلقة بودكاست حول هذه القصة. ولكن الأكاذيب كانت قد ترسخت بالفعل في أذهان الجمهور الأمريكي. ولم يتم التراجع عنها أبدا".
وتابعت "كما فشل السياسيون في معالجة الحرب المتواصلة على الصحفيين الفلسطينيين في غزة. في 11 تشرين الأول/ أكتوبر، وقع 65 ديمقراطيا في مجلس النواب على رسالة موجهة إلى الرئيس بايدن يطلبون منه الضغط على إسرائيل لتوفير وصول "غير مقيد" للصحفيين الأمريكيين والدوليين لدخول غزة "في وقت أصبحت فيه المعلومات الموثوقة أكثر أهمية من أي وقت مضى". كما حثت أكثر من 70 منظمة إعلامية ومنظمات المجتمع المدني على منح حق الوصول إلى غزة، ووقعت على رسالة مفتوحة في تموز/ يوليو".
وأضافت أنه "من المؤسف أن هذه الصرخة جاءت بعد عام. ولا يوجد سجل لرسالة أو مناقشة في مجلس النواب حول حماية الصحفيين الموجودين بالفعل في غزة. إن هذا يوضح المعايير المزدوجة التي تستخدمها الأجهزة السياسية والإعلامية الأميركية، والتي تحشد جهودها للسماح للصحفيين بالوصول في أماكن أخرى، في حين تظل صامتة بشأن اغتيال الصحفيين داخل غزة".
وفي حين أن التحيز الموجود داخل المنافذ الإعلامية الأميركية الكبرى لا يزال بغيضا كما كان دائما، فهناك محاولات من الداخل لقول الحقيقة. ورفض بعض الصحفيين الذين يعملون في هذه التكتلات أن يغضوا الطرف، وحاولوا - وراء الكواليس - جمع القصص التي تركز على الفلسطينيين وتحدي الدعاية الإسرائيلية.
وقالت المجلة "لقد رأينا مؤخرا كريس هايز ينتقد تواطؤ الولايات المتحدة في توريد الأسلحة إلى إسرائيل عندما أبلغ عن الموت العنيف لشعبان الدلو، وهو مراهق أحرق حيا أمام أعين العالم بعد أن أصابت غارة جوية إسرائيلية مخيما للنازحين بالقرب من مستشفى شهداء الأقصى. ولعل المراسلين في NPR كانوا أول من أبلغوا عن التحديات والقيود التي تواجه البعثات الطبية التي تدخل غزة، بما في ذلك الأطباء الذين تم رفضهم بسبب جذورهم الفلسطينية. وقد حاول المراسلون والمنتجون في شبكة CNN أيضا نشر قصص مماثلة، تركز على التحديات التي تواجهها النساء الفلسطينيات في غزة اللاتي يسعين إلى الحصول على رعاية إنجابية ويربين أطفالا يعانون من سوء التغذية، لأن إسرائيل تواصل قصف المستشفيات ومنع المساعدات من دخول القطاع".
وأضافت "إننا نعلم أن هذه القصص موجودة لأننا ذهبنا للبحث عنها. ولكن هذه التغطية لا تعفي مثل هذه المنافذ من إخفاقاتها ــ على سبيل المثال، نشرت شبكة سي إن إن تقارير كاذبة تردد ادعاء الجيش الإسرائيلي بأن الجدول العربي المعلق في مستشفى الرنتيسي للأطفال كان جدول مناوبة لحراس حماس. ثم حذفت القناة التقرير دون تنبيه من المحرر. وبينما أصدرت سارة سيدنر من شبكة سي إن إن اعتذارا علنيا عن نشر مزاعم غير مؤكدة عن "قطع رؤوس الأطفال"، استمرت القناة في تكرار نفس الكلام في اليوم التالي. إن التغطية التي تكشف عن مذبحة إسرائيل للفلسطينيين، مهما كانت ضئيلة أو خفية، تظهر أن بعض الصحفيين يحاولون اختراق الدعاية. وإذا كان بوسعهم أن يفعلوا ذلك، فبوسع غيرهم أن يفعلوا ذلك أيضا".
وأشار إلى أن "هناك أيضا علامات متزايدة على التعبئة داخل وسائل الإعلام. ففي الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، وقع أكثر من 830 صحفيا على رسالة تطالب بالإجلاء الطبي الفوري لعلي العطار وفادي الوحيدي وجميع الصحفيين المصابين، وحماية الصحفيين الذين بقوا، والتغطية الإعلامية العادلة لغزة وظروف الصحفيين الفلسطينيين هناك".
وغالبا ما يتم التعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم "غير جديرين بالثقة" من قبل وسائل الإعلام الغربية العنصرية. ومع ذلك، فإن المنافذ الإعلامية الرئيسية ــ سي إن إن، ونيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وغيرها ــ تعاقدت مع مرافقين على الأرض في غزة، ورخصت لعمل المصورين الصحفيين في غزة، واعتمدت على المراسلين المستقلين في جميع أنحاء القطاع. إن التغطية الإعلامية هي ببساطة إخبار الحقيقة كما هي، ونقل القصة كما هي. والحقيقة لا تأتي مع شرط أساسي للحصول على اعتماد صحفي من منفذ إعلامي بمليار دولار.
وأكدت أن الصحفيين الفلسطينيين الذين يغطون الأحداث في غزة يفعلون ذلك وسط الدمار، ويكشفون عن الأهوال التي كانت لتظل غير مرئية للعالم الخارجي لولا ذلك. لقد فقد الصحفيون هناك منازلهم وأفراد أسرهم في القصف. وهم يواجهون ظروفا معيشية مزرية، مع محدودية الغذاء والمياه والكهرباء بسبب الحصار الكامل. وفي الوقت نفسه، أدى تقييد الوصول إلى غزة وانقطاع الاتصالات إلى قمع تدفق المعلومات.
وشددت أن "الصحفيين ليسوا مجرد مصادر للمعلومات. إنهم حراس ذاكرة شعب. إن الصحفيين الفلسطينيين في غزة هم أولئك الذين يدفعهم الفضول والرغبة العميقة في معرفة الحقيقة. إنهم يبحثون عن تلك الحقيقة ويحاولون مشاركتها مع العالم. إن الصحفيين الفلسطينيين في غزة يوثقون واحدة من أكثر حالات الإبادة الجماعية وضوحا التي شهدها العالم، على الرغم من الهدف الذي رسمته إسرائيل على جباههم. عندما يتم اغتيال صحفي، فإن القصص التي لم تتح له الفرصة لنشرها - الأصوات التي لم يتم تسجيلها - تُسرق أيضا. إن حرب إسرائيل على غزة ليست مجرد استيلاء على الأراضي، كما صرح قادتها صراحة: إنها أيضا سرقة للذاكرة والتاريخ الفلسطيني الثمين".
وختمت أنه "يتعين على الصحفيين في جميع أنحاء العالم أن يتذكروا أن الصحافة ليست سلما: إنها حقل من القصص عن الناس وأفراحهم ومآسيهم والمضطهدين ومضطهديهم. إن الصحفيين الفلسطينيين في غزة يحترمون هذا الواجب. إنهم صوت الشعب، الذي يتردد صداه بما يكفي لتحطيم الدعاية الإسرائيلية. ولكن من سيكون صوت هؤلاء الصحفيين، إن لم نكن نحن؟".