في قوله تعالى: «هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» لماذا في هذه الآية الكريمة ذكر الله تعالى «ما في السماوات والأرض» ولم يقل ما في السماوات وما في الأرض؟

هذه الملاحظة في محلها، ففي أغلب المواضع في كتاب الله عز وجل تكررت (ما)، وكأن الأصل أنها تكرر، لكن في هذا الموضع في سورة الحشر لم تكرر، إنما قال ربنا تبارك وتعالى: «يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» وقد رأيت الكرماني وتابعه أيضا الفيروز أبادي في «بصائر ذوي التمييز» نقل نص كلامه بأن المقصود هو الخلق، فكأن المعنى يسبح الله خلق السماوات والأرض، فلذلك كأن الإضافة هنا أي «ما في السماوات والأرض» الإضافة إلى المتعاطفين، وهذا المعنى مقبول حسن، كذلك رأيت أن بعض من استقرأ مواضع تكرار ما في مثل هذه المواضع في سياق التسبيح، ذكر ملاحظة وهي صحيحة، أن المواضع التي تكرر فيها ما تأتي متبوعة بالحديث عن ما يحصل في الأرض من شأن حياة الناس، وأما المواضع التي لا تكرر فيها ما بعد العطف فإنه لا حديث عن شأن أرضي، وحاولت فحص هذا الأمر فوجدت أن أغلب المواضع إن لم يكن كل المواضع هي على هذا النحو، فهذا يمكن أن يؤخذ منه أن ما تقدم بيانه من أن المقصود خلق السماوات والأرض أي كل الخلق في السماوات والأرض وليس المقصود هو المخاطبين فقط من المكلفين الذين يتجه إليهم الخطاب فنجد ذلك صحيحا في خواتيم الحشر أيضا، وإن لم يأت بعدها حديث عن أي شأن أرضي وإنما هي في ختام الآيات التي تتحدث عن الأسماء الحسنى والصفات العليا لله تبارك وتعالى، هذا والله أعلم.

ما المعنى البلاغي لعدم ذكر النبي صالح عليه السلام في الجزء الثاني من الآية «مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ» ولم تكن «ما شهدنا مهلكه ومهلك أهله» كما في قوله تعالى: «قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ»؟

أولا: لا بد من بيان بعض المفردات، لنبيتنه وأهله، المقصود بالتبييت هنا هو الإغارة ليلا، والإغارة صباحا تسمى إصباحا أو تصبيحا، فالمقصود أن هؤلاء أقسموا أيمانا مغلظة أنهم سيغيرون على صالح عليه السلام وأهله ليلا، ثم سيقسمون لوليه، والولي هم الأقرب إلى صالح عليه السلام ممن يكن أن يطالب بدمه أو يطالب بالثأر ممن قضى عليه، أنهم سيقولون ما شهدنا مهلك أهله و«مهلك» هي قراءة حفص وهناك قراءات في هذه الآية ولكن على هذه القراءة المقصود المكان والزمان والفعل، الإهلاك ومكان الإهلاك وزمان الإهلاك، فهم في سياق لا حاجة إلى ذكر التصريح بالاسم الظاهر أو بالضمير لصالح عليه السلام في هذا الجزء من الآية الكريمة لأن مقصودهم إخفاء الجريمة والتواطؤ على الحلف أنه لا علم لهم بما حصل لأهل صالح حتى يمعنوا في الكذب والافتراء أنهم ما كانوا يريدون صالحا أصلا بسوء لذلك عمموا وعموا في ما تواطؤوا عليه وتمالئوا على يمين الزور هذه في ما كانوا يكيدون به فناسب ذلك ألا يذكروا صالحا حتى يبعدوا الشبهة عن أنفسهم في أنهم كانوا قاصدين لصالح عليه السلام فأتوا بما يدل على أنهم في ظنهم وزعمهم أنهم ما شهدوا مهلك أهل صالح عليه السلام وصالح فيهم ولكن حتى يكون ذلك أبعد في نفي التهمة عنهم في أنهم قصدوا صالح عليه السلام بسوء هذا هو المعنى والله تعالى أعلم.

يتوفر الآن رقم خاص للإبلاغ عن متسول، هل تعد هذه مسؤولية علي تجاه مجتمعي، وماذا إذا كان المتسول محتاجا فعليا للمال، هل أكون مذنبا في هذه الحالة إذا قمت بالتبليغ؟

ينبغي التريث أولا في التعرف على حال هذا السائل فإن كان يسأل عن حاجة وفاقة، فلا ينبغي أن ينهر، إما أن يعطى وإما أن يرد بكلمة طيبة، لأن الله تبارك وتعالى يقول: « وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ» لحث رسول الله صلى الله عليه وسلم للإحسان إلى السائلين، أما إذا كثرت الشبهات، ودلت قرائن الأحوال على أن التسول ما هو إلا حرفة لبعض ضعاف النفوس الذين يتكاسلون عن العمل، ويمتهنون سؤال الناس ويلجؤونهم إلى أضيق الظروف ويضيقون عليهم ويلحون في السؤال، ويتأثلون الأموال ويستسهلون هذا المركب، ففي هذه الحالة الأولى له وللمجتمع أن يبلغ عنهم الجهة المعنية، والظن أن هذه الجهة سوف تقوم بالتثبت وتبين أحوال هؤلاء، ودراسة حالاتهم، فليس الإبلاغ عنهم أيضا يعني أن يساء إلى هؤلاء المتسولين وإنما هي ظاهرة تستدعي في حقيقة الأمر أن يتعاون عليها أفراد المجتمع لأجل حصرها في أضيق نطاق.

فإن السائلين هؤلاء أصبح كثير من الناس يشتكي من إلحافهم ومن دخولهم البيوت والأملاك الخاصة دون إذن، فكثير من الناس تواصل معي يشتكي أن هؤلاء السائلين يدخلون إلى قعر داره دون استئذان ودون مراعاة لحرمة البيوت، وتجد الكثير منهم يضايق الناس في الأماكن العامة وفي المساجد، ولا يكفيهم القليل، ولا يحمدون الله تبارك وتعالى على من يؤدي إليهم من ابتغى الإحسان والمعروف، وإنما يلحون في السؤال ويطلبون ويتزيدون، ولا ريب أن هذا ليس مما ينبغي لمسلم، والحقيقة أن هذه القضية ينبغي أن تبحث ففي كثير من الأحيان يتجه الوعظ والإرشاد والحث والنصح إلى الميسورين وإلى الأغنياء وإلى عموم الناس لأجل الإحسان إلى المستحقين، والإحسان إلى السائلين، ولكن ينبغي أيضا أن يكون هنالك تفقيه للسائلين، وتعريف لهم بآداب السؤال إن ألجأتهم الحاجة إلى السؤال فمتى يحل لهم السؤال وكيف يمكن لهم أن يسألوا وما هي الآداب التي يجب أن يتحلوا بها وما هي الحرمات التي يجب عليهم أن يقفوا عندها، وأرى أن هذا الأمر أصبح من الضرورة بمكان أن يفقه السائلون الذين يأتون الناس ويطرقون البيوت ويطلبون منهم العون والمساعدة، فهؤلاء بحاجة إلى تفقيه، لعل البعض منهم في حل ولا يعرفون أبسط القواعد وأبسط الأخلاق والآداب التي عليه أن يتحلى بها من نحو الشكر لله تعالى والشكر لمن أحسن إليه، فإن الشكر مدعاة إلى مزيد من الإحسان، والقناعة لما يؤتى إياه، هذا إن ثبت أنه مستحق فعلا، والسؤال مشروع في حقه، كيف ونحن كما تقدم الكثير من الناس يشتكون من الإلحاف والإلحاح والتضييق عليهم، وقد بلغ ببعض المحسنين أنه يتواصل معي ويقول: ندمت أني فتحت هذا الباب، لكثرة ما يلاقيه من العنت والمشقة، وما ألجأه إليه كثير من السائلين، حتى لا نخرج أيضا عما وجهنا إليه ديننا من حسن المعاملة ومن الإحسان إلى السائلين أو أن نظلم بذلك من هو مستحق، فلا بد من استعمال الحكمة ومن النظر في القرائن والأحوال، ثم بعد ذلك يكون الموقف، والله تعالى المستعان.

شخص قام بعلاقة محرمة مع امرأة، وأراد أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، فهل من شروط التوبة أن يقوم بالفحص الطبي؟

لا ليس من شروط التوبة أن يقوم بفحص طبي، فالتوبة تكون بينه وبين الله تبارك وتعالى إن كان إتيانه لفاحشة الزنا والعياذ بالله عن رضا الطرفين، فإنه يتوب فيما بينه وبين ربه جل وعلا بأن يندم على ما وقع فيه، وأن يستغفر الله عز وجل من ذلك الذنب الذي أتاه وأن يعزم العقد على ألا يعود لمثل هذا الفعل أبدا، وأن يستر نفسه فإن باب التوبة مفتوح، وليس من شروط التوبة من هذا الفعل أن يكشف ما ستره الله تعالى عليه، إذ إن بعض الناس يظن إن كان متزوجا أن عليه أن يكشف صفحته لامرأته، أو إن كانت المرأة هي التي وقعت في الفاحشة والعياذ بالله فإنها تظن أن توبتها لا تكون إلا بأن تكشف صفحتها لزوجها، وهذا كله خطأ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله فإن من أبدى لنا صفحته نقم عليه «أي نقم عليه الحد» فالنبي أرشد التائب من وقع في مثل هذه الكبيرة أن يستر نفسه بستر الله عز وجل وأن يتوب فيما بينه وبين ربه تبارك وتعالى.

وإن كانت هنالك ريبة في أن شيئا من الأمراض يمكن أن يكون قد أصيب بها لما أتى فاحشة الزنا، وهو فعل مستقذر شرعا وطبعا وخلقا، فإذا وجدت شبهة في انتقال عدوى إليه، ففي هذه الحالة ينبغي له أن يتجه إلى الفحص ليطمئن وليتأكد ثم بعد ذلك يتعامل مع الحال بحسب ما يظهر من نتائج هذا الفحص، على أنه ليس شرطا أن تكون الإصابة بعدوى نقص المناعة على سبيل المثال، أن تكون ناشئة عن الوقوع في الفاحشة، قد تكون أسباب ذلك نقل دم على سبيل المثال، ولا ينبغي أيضا أن تجعل الإصابة بهذا المرض سببا في الخوض في أعراض الناس، ولا سببا في تيئيسهم من رحمة الله تبارك وتعالى. والله تعالى أعلم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السماوات والأرض فی السماوات الله تعالى إن کان فی هذه

إقرأ أيضاً:

شيخ الأزهر: حفظ الله يشمل كل الناس المطيعون منهم والعصاة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، إن حفظ الله لعباده، المستمد من اسمه "الحفيظ"، يشمل كل الناس، مطيعون لله كانوا أو عصاة، فالإنسان وهو يعصي الله محفوظ، وعادة ما تجد أن العصاة أو الخارجين على حدود الله لديهم نعم أكثر، مما يدل على أن هذه النعم ليست شيئا في الحسبان الإلهي، وأن الدنيا للمطيع وللعاصي، فالله تعالى يمهل العاصي، ليس تربصًا به ولكن لعله يتوب أو يرجع، وفي كل شيء تجد تطبيقًا عمليًا لقوله تعالى في الحديث القدسي: " إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبي".

وبيِن الإمام الطيب، خلال حديثه اليوم بثامن حلقات برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب» لعام 2025، أن لاسم الله "الحفيظ" معنيان، الأول هو الضبط، ومعناه ضد النسيان أو السهو، فيقال "فلان حافظ للقرآن عن ظهر قلب"، أي لا يمكن أن يخطئ في كلمة من كلماته، والمعنى الثاني هو "الحراسة"، من الضياع، ولا يكون ذلك إلا بحفظ من الله، لافتًا أن حفظ الله للأرض والسماء يعني الإمساك والتسخير، فهو تعالى يمسك السماء أن تقع على الأرض رحمة بعباده وحتى يتحقق لهم التسخير بالصورة الكاملة التي تفيد الإنسان وتعينه على أداء رسالته في هذه الحياة.

وأضاف شيخ الأزهر، أن حفظ الله تعالى يشمل كذلك القرآن الكريم، فهو سبحانه وتعالى الحافظ للقرآن الكريم من التحريف والتبديل والضياع، مصداقًا لقوله تعالى: " إنّا نَحْنُ نَزّلْنا الذّكْرَ وهو القرآن وإنّا لَهُ لحَافِظُونَ "، وهذا هو التأكيد الأكبر بأن القرآن لم يعبث به في حرف واحد، فقد وصلنا كما بلغه النبي "صلى الله عليه وسلم"، وهو بين يدينا كما قرئ بين يديه "صلى الله عليه وسلم" دون أي تحريف أو تغيير.

واختتم، أن الإنسان مطالب، بجانب حفظ الله تعالى له، أن يعمل هو على حفظ نفسه وعقله، فهما أهم ما لديه من نعم الله تعالى، فهو مطالب بحفظ نفسه من المعاصي ومن تصلب الشهوات، ومطالب أيضا بحفظ عقله من المعلومات والمحتويات الضارة، والتي منها على سبيل المثال، ما قد ينتج عنه التشكيك في الدين أو العقيدة، وبهذا يكون بإمكان الإنسان أن يحفظ نفسه وعقله.

مقالات مشابهة

  • المفتي يوضح حكم التوسل بالأولياء والصالحين «فيديو»
  • بالفيديو.. المفتي: لا تعارض بين العقل والنقل في القضايا الغيبية
  • المفتي: الصلاة على النبي ليست مجرد ذكر مستحب بل ضرورة حياتية
  • شيخ الأزهر: حفظ الله يشمل كل الناس.. سواء المطيعون أو العصاة
  • الإمام الطيب : حفظ الله يشمل كل الناس المطيعين والعصاة
  • شيخ الأزهر: حفظ الله يشمل كل الناس المطيعون منهم والعصاة
  • المفتي: الابتلاءات لا يعالجها إلا الصبر.. ونبي الله أيوب نموذج يحتذى به
  • هل الحفيظ من أسماء الله الحسنى؟ شيخ الأزهر يجيب