أكتوبر 19, 2023آخر تحديث: أكتوبر 19, 2023

حامد شهاب

رواية جديدة أخرى أتحفنا بها الروائي والكاتب الكبير أمجد توفيق ألا وهي ” الحيوان وأنا” ضمن أعماله السردية الإبداعية التي لاقت رواجا منقطع النظير وحصدت جوائز ودروعا تكريمية من الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ومن جهات أدبية وثقافية ونقدية مرموقة لما لها من أهمية في أنها أغنت ذائقة قرائها ومتابعيها بكل أنواع السرد الروائي الذي تتجدد أساليبه في كل مرة، ويجد القاريء لرواياته أنه منغمس في متابعة مايكتب دون كلل أو ملل.

الرواية تأتي محملة بالكثير من الأفكار والرؤى الفلسفية وهذا ما دأب عليه الروائي في أعماله السابقة.. إنه يثير الأسئلة الصعبة ولا يتردد في تسمية الأشياء بأسمائها محافظا على لغة رصينة وقيمة جمالية عالية.

رواية ” الحيوان وأنا ” الصادرة عن دار الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والآثار العراقية بما يقرب من مائتي صفحة كأنها صرخة من أجل الإنسان كما يصفها الناقد المغربي الكبير محمد معتصم الذي كتب مقدمة فريدة لهذه الرواية وعرض لنا أبرز مضامينها السردية لأزمان مختلفة من تأريخ العراق المعاصر والحروب التي خاضها منذ الثمانينات وحتى الان ، حيث تعد أعماله الأدبية الروائية تعد نتاجا إبداعيا سبر أغواره الروائي والكاتب المعروف أمجد توفيق ، وغاص في أعماق الوعي الإنساني والسلوكي والمعرفي في حوار كان بين الإنسان وعالم الحيوان..والأدب والحياة والكرامة ونبذ الحروب وكل أسباب التدمير والإنهيار.

يقول الناقد المغربي الكبير محمد معتصم عنها أنها ” رواية مضغوطة كتبها صاحبها دون فصول مجزأة لكنها مليئة بالمحكيات السردية ، يشد أولها بآخر سابقه ، كما يقبض الرأس بذيل الأفعى ، في سلسلة لإ إهتزاز فيها ، في تضافر عجيب يشعر فيه القارئ بالتنقل بين المحكيات : محكي دانيــال علي موسى ، محكي أبي رامي ، ومحكي موج ونبيل ، ومحكي ذكرى وأخيها وزوجته ، ومحكي دانيال وذكرى ، محكي ظالم ، محكي ليل ، محكي علي (صديقه باصي) ، ومحكي الأصدقاء الحمير، ومحكي دانيال والسجين الهارب …

ويضيف: حيوات تعيش وتروى داخل هذا المتن المركب ، لكنها تبدو محكيا واحدا ، ينبع من منبع واحد هو ضمير المتكلم العائد على الشخصية الرئيسية دانيال علي موسى إسم العلم الذي يجمع بين الثالوث المتصارع على السيادة والريادة والسلطة في قيادة الشأن العقائدي وهو الصراع الذي نتجت عنه أغلب الحروب وتتخفى وراءه كل المصائب والكوارث (الإنسانية والحضارية)..وهي رواية أنتجها عقل منخرط بوعي في الحاضر والواقع ، من أجل بناء مستقبل واضح ومضيء للإنسان الحر ذي الكرامة والفاعل الحيوي في إنتاج المعرفة والأدب والسرد والتاريخ حيث يظهر جليا وعي الكاتب بصيغة الخطاب الذي سينِضُم داخله المحكيات السردية الوظيفية التي تقوم بتوسيع المعنى أو السردية الخطابية التي تقوم بتركيب السرد ومضاعفته موظفا تكرار الضمير المنفصل والمتصل ]+[ للمتكلـم والضميــر المستتـر والمضمـر.

ويحدثنا الناقد المغربي الذي غاص بعيدا في مضامين الرواية ودلالاتها السردية ” إنها قمة التراجيديا في صميم الرؤية الفجائعية والسخرية القدرية السوداء التي فاقت الشعور بالعراء تحت السماء العاريــة كما قال باسكال..إنها عزلة الفرد في المكان وغربة الكائن في الوجود فحَّق للكاتب أن يسخر أن يعد الحيوان أسمى في هذه اللحظة الوجودية – من الإنسان ..وإنها لرواية تنتج المعرفة من خلال الصيغ الخطابية والوظيفية للأدب عامة والسرد خاصة. ومن المحكيات التركيبية والمضاعفة المحكيات التي تؤكد على عزلة دانيال علي موسى في مزرعته مع حيواناته الأليفة (الحصان ظلام والكلب ليل والقطط والدجاجات والأشجار والشجيرات التي توَّسُع سرديا بحضور ( موج ) فترة من الزمن – إبنة صديقه أبو رامي ، وهو حضور يضيف إلى المحكيات المتكررة نفحة جديدة فتصبح جولة ونزهة دانيال مع ظالم وليل مختلفة بحضور شخصية جديدة محببة لها طباعها وتأثيرها الإنثوي والحيوي والشاب ، والشيء ذاته يقال عن حضور شخصية (ذكرى) للمزرعة حيث ستُحدث ثورة فيها وتمنحها وتمنح دانيال الضابط السبعيني الأرمل المتقاعد مسحة أنثوية لا تتعارض مع رغبته في اعتزال صخب المدينة وضجيج الأحياء .

 

رواية أمجد توفيق تدين المعنى الجديد للسياسة والممارسة السياسية في فترة الإحتلال الأمريكي للعراق وما تلاه من غلبة المصالح الشخصية والجماعية (المجموعات) على حساب الدولة الوطنية وإلمصلحة من أجل البناء والعودة إلى حظيرة الدولة المدنية والسيادة من جديد ، ليرتبط العراق الحديث بالعراق العريق ، وتلتحم حضاريا الثقافة الحديثة بالثقافة الضاربة بجذورها في عمق وصميم تاريخ الإنسانية ، وفي ذلك إدانة للحرب والحروب جميعها ، وإدانة لعمليات التغيير الديموغرافي التي تحاول بعض الجهات ممارستها في العراق كونها تتنافى والقيم العليا والمثلى لوجود الإنسان ، ولمعنى الثقافة والحضارة والعمران..هكذا يخبرنا الناقد المغربي معمد معتصم.

وأجمل الصور التي أبرز فيها الكاتب أمجد توفيق هذه الظاهرة والحالة الإنسانية ، وصف لقائه في إحدى مقاهي لندن بجندي إيراني وحد بينهما شعور ” لا ” جدوى”  الحرب.. حرب الخليج الأولى عندما إستسلما وغيرهما الإرهاق وأعياهما عبث وجودهما في مكان قفر واكتشافهما أن الحرب التي يخوضانها لا تعنيهما شخصيا ، كما أن وضعيتهما تلك دليل على أن لا أحد يهتم بهما أو يعرف بوجودهما . يقول السارد :

“كان يوما ينتمي إلى الجحيم، وينتمي إلى إنكار مطلق لقيمة الإنسان..التعب وإلإعياء والجوع فعلوا فعلهم فكانت البنادق تتساقط من الأيدي والأكتاف..فالجميع يعيشون حالة من قهر جعلتهم يفقدون مرة واحدة أي إحساس بالتفرقة بين الصديق والعدو بين من يحارب معهم أو ضدهم “..

وهنا يؤكد الناقد المغربي في مقدمة الروية أن رواية ” الحيوان وأنا ..ليست خطابا فكريا أو نقديا وسياسيا، وإن كانت تنتج “معرفة سردية” تدين جل الخطابات المهادنة البائسة التي تسعى نحو القضاء نهائيا عن آخر معاقل وجود الإنسان ، ومقاومته وروح الإبداع فيه والشعلة المتوقدة من عقله وأعلى منارات تاريخه المضيئة ليستسلم للتفاهة ويعلن موته : موت الإنسان البنيوية وموت ( نهاية التاريخ ) لـفوكو ياما وموت المؤلف وموت الأدب وكلها نهايات تقود نحو نزع شوكة الصراع والمقاومة والدفاع عن الحق في الوجود والبقاء.. إنها رواية جميلة مكثفة “مضغوطة”، كأنها كتبت دفعة واحدة كطلقة إحتجاج على هذه المآل والنهايات التي تلي عصر الكارثة ونظريات الموت التي تبشر بها الأفلام الأمريكية المتشائمة التي تبشر بالزوال وتبث السموم في النفوس بعد “القيامة الآن” (now Apocalypse” ) التي هيمنت على المتخيل الغربي “نظرية الكارثة ” [Théorie chaotique].

نترك للقراء الإطلاع على مضامين رواية ” الحيوان وأنا ” للكاتب والروائي المبدع أمجد توفيق.. وهم من سيجدون فيها متعتهم ومآلهم في نصوص أدبية سردية وحكايات تجمع بين ” أنا ” الكاتب و” الحيوان” الذي أدخله الروائي ضمن سطور روايته كي يشارك المجتمع الإنساني همومه ومشاغله، بالرغم من أن حاله قد يكون أفضل بكثير من حال الإنسان الذي وجه اليه الكاتب سهام نقده، بعد أن وجد فيه من الأطماع والتوجهات الغريبة التي تخلو من معنى إنساني ، وقد إنغمس في ذاتيته حد القرف ، وربما قد إتخذت سلوكياته أنماطا لم يألفها حتى الحيوان نفسه..

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

إقرأ أيضاً:

يسري نصرالله: رواية «باب الشمس» تشبه حكايات «ألف ليلة وليلة»

قال المخرج يسري نصر الله إنه قرأ رواية «باب الشمس» فور صدورها، نظرًا لصداقته مع الروائي إلياس خوري، حيث كان الأخير يعرض عليه رواياته بمجرد الانتهاء منها.

وأضاف نصر الله، خلال مداخلة هاتفية في برنامج «كل الزوايا» مع الإعلامية سارة حازم طه، المذاع على قناة «ON»، أنه تعرف على إلياس خوري في أواخر السبعينيات عندما كانا يعملان معًا في جريدة «السفير»، ونشأت علاقة وطيدة بينهما.

ولفت إلى أن خوري نشر رواية «الوجوه البيضاء» التي أثارت جدلًا كبيرًا في ذلك الوقت، حيث تناولت قضية فلسطين بمشاعر عميقة وليس فقط شعارات، وكان يشعر بعمق معاناة الفلسطينيين، فكان يزور مخيمات اللاجئين في لبنان ويجمع منهم شهادات عن النكبة، واستند إلى تلك الشهادات في كتابة رواية «باب الشمس»، التي حولها نصر الله إلى فيلم.

وأكد نصر الله أن رواية «باب الشمس» تشبه إلى حد ما «ألف ليلة وليلة»، حيث تتفرع حكايات عديدة من حكاية رئيسية. موضحًا أن الرواية تدور حول شاب يحكي لرجل مقاتل كبير في السن، يرقد في غيبوبة، تفاصيل حياته ليبقيه على قيد الحياة.

وأضاف أن القصة تروي كيف أن المقاتل ذهب إلى لبنان وترك زوجته في فلسطين، وكانا يلتقيان سرًا عند مغارة على الحدود أطلقا عليها «باب الشمس»، ومن هنا جاء اسم الرواية. مشيرا إلى أن الرواية تتمحور حول قصة حب، حيث يقول الشاب للمقاتل: «أنت مش بطل بس لأنك مقاتل.. أنت بطل لأنك عاشق».

وختم نصر الله بالقول إنه عندما تواصل مع إلياس خوري لتحويل الرواية إلى فيلم، تحمس الأخير للفكرة، وقبل المنتجون بشروطه، معتبرًا ذلك إنجازًا كبيرًا. وأشاد في النهاية بذكاء وموهبة خوري.

مقالات مشابهة

  • تفجيرات “البيجر” واللاسلكي الإرهابية.. من الذي يجب أن يقلق؟
  • يسري نصرالله: رواية «باب الشمس» تشبه حكايات «ألف ليلة وليلة»
  • شاهد الفيديو الذي أثار ضجة على تطبيق “تيك توك”.. زواج فتاة سودانية مصرية من شاب “أسواني”
  • الغيامة : المعايير التي تحدث عنها الاتحاد الآسيوي وموضوع الاحتراف ليست حقيقية .. فيديو
  • جوارديولا: الإنتر يتميز بالقوة البدينة.. لديهم سومر وباستوني
  • خبير تكنولوجي يقدم رواية جديدة عن طريقة تفجير إسرائيل أجهزة “بيجر” حزب الله
  • رواية جديدة عن طريقة تفجير إسرائيل أجهزة بيجر حزب الله.. هذا ما كشفه خبير تكنولوجي
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • يونيسف: قدمنا الخدمات الصحية لـ280 ألف امرأة وطفل جراء عاصفة دانيال
  • مدبولي: الحفاظ على القيم والأخلاق حجر الأساس الذي تنطلق من خلاله مبادرة بداية