تصر إسرائيل على المضي قدما في إبادة المدنيين العزل بقطاع غزة، بطريقة هستيرية وباستعمال أسلحة حربية ثقيلة تقول عنها مصادر إعلامية إنها تضاهي ربع قنبلة نووية، ليكشف هذا الكيان حجم الأمراض والعقد المعششة في نفسيته، ويصر معها الغرب على تصوير أن ما يحدث في قطاع غزة تحديدا هو جريمة في حق جلاد صوّر على أنه ضحية باستعمال سلاح البروباغندا والكذب، عن طريق منظومة إعلامية موجّهة ظلت لعقود من الزمن تعطي دروسا للآخرين في المهنية والموضوعية وحتى الديمقراطية وحقوق الإنسان !
إقدام إسرائيل على قصف المستشفى الأهلي المعمداني الذي خلّف أكثر من 500 قتيل، هو دليل قاطع على الضعف والوهن الذي بلغه هذا الكيان والذي بدأت تجلّياته في الظهور منذ مدة، وكان آخرها طوفان الأقصى الذي اعتبر عملية نوعية مسحت من خلاله فرضية أن لإسرائيل جيش لا يقهر، وأن المواجهة الميدانية معه انتحار ومغامرة.
زيارة بايدن لإسرائيل والتي جاءت بعد فتور كبير في العلاقات بينه وبين نتنياهو، حيث رفض لقاء هذا منذ أن انتخب على رأس الحكومة الإسرائيلية، تترك انطباعا أن حجم المشكلة كبير من منظور أمريكا. ومن جهة أخرى تزامنها مع القمة الروسية – الصينية بين بوتين وشي جين بينغ في بيكين، حيث يعتبرها متابعون أنها عملية إلهاء لتغطية حقيقة أننا نعيش اليوم رسميا في عالم متعدد الأقطاب، وأن زمن فرض منطق الأمر الواقع من طرف أمريكا على العالم، قد ولى، حيث تدرك أمريكا أن فقدانها للأدوات السياسية في ملف الخلاف الفلسطيني-الإسرائيلي، وخروج الدول الأوروبية نهائيا من اللعبة، سيفسح المجال لا محالة لروسيا والصين للعب دور أكبر في المنطقة، خاصة وأنها تربطها علاقات استراتيجية مع إيران التي أصبحت حجر زاوية ورقم صعب في منطقة الشرق الأوسط.
إن ما ترتكبه إسرائيل من قصف وإبادة في حق المدنيين العزل واستهدافها لسيارات الإسعاف والمستشفيات، يتم تصنيفه على أساس "جرائم ضد الإنسانية" و"جرائم حرب" في مواثيق واتفاقيات الأمم المتحدة، وكذا لوائح المحكمة الجنائية الدولية، وجب أن يترتب عنه إدانة دولية وأممية لهذه الأفعال، مع متابعة المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين أمام مختلف المحاكم والهيئات الدولية المختصة، لكن هذا الأمر لن يحدث وسيصطدم بفيتو الدول الداعمة وعلى رأسها أمريكا والتي استحدثت هذه الهيئات الفاقدة للمصداقية وجعلتها كأداة فرضت من خلالها منطقها على العالم لعقود من الزمن.
لن تكون فلسطين ما بعد تاريخ 07 أكتوبر 2023 كما كانت قبله، فقد جاء طوفان الأقصى على الرغم من محدودية الإمكانيات التي يحوزها من خططوا له ونفّذوه، ليكون إعلانا رسميا فارقا، أن البعبع الإسرائيلي الذي لا يقهر ومعه الدول التي سوّقت نفسها مدافعة عن النزاهة والديمقراطية وحقوق الإنسان، هي أكبر كذبة كذبها الغرب وصدّقها ودافع عنها، وأننا نعيش اليوم عالما متعدد الأقطاب سنشهد من خلاله تغييرا جذريا للخارطة الجيوسياسية العالمية.
أخيرا، تدرك إسرائيل اليوم تماما أنها من الآن فصاعدا لن تعرف شيء اسمه الراحة والسكينة والهناء تماما، كما يدرك الفلسطينيون اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن ما سلب بالقوة لن يسترجع إلا بالقوة.
* المدير العام، مسؤول النشر
المصدر: الخبر
إقرأ أيضاً:
ما الدول التي لا يستطيع «نتنياهو» دخولها بعد قرار المحكمة الجنائية؟
أصدر مدعي المحكمة الجنائية الدولية كريم خان، أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت، فكم عدد الدول التي قد يعجز “نتنياهو” عن زيارتها؟
ووفقا لنظام روما الأساسي، وهو المؤسس للمحكمة، تلتزم 123 دولة من أعضائها بالتعاون مع قراراتها، بما في ذلك اعتقال الأفراد المطلوبين وتسليمهم عند دخول أراضيها،
وتشمل هذه الدول: دولا أوروبية مثل فرنسا، ألمانيا، وإيطاليا، دول أمريكا اللاتينية مثل الأرجنتين والبرازيل، بعض الدول الأفريقية مثل جنوب أفريقيا والسنغال، ودولا آسيوية محدودة مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
في المقابل، هناك دول غير ملزمة بتنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية، لأنها لم تصادق على نظام روما الأساسي أو انسحبت منه، مثل: أمريكا: وقّعت ثم سحبت توقيعها، الصين وروسيا: لم تصادقا على النظام، إسرائيل: وقّعت لكنها لم تصادق.
وبحسب النظام، “هذا يعني أن أي زيارة يقوم بها “نتنياهو” إلى إحدى الدول الموقعة على نظام روما، قد تعرضه لخطر الاعتقال، مما يضع قيودا كبيرة على حركته الدولية”، بحسب قناة روسيا اليوم.
وفي شهر سبتمبر الماضي، طالب “خان” بإصدار أمر اعتقال عاجل بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بسبب الانتهاكات في قطاع غزة.