قال صحفي بريطاني بارز إن الولايات المتحدة ارتكبت سلسلة من الأخطاء الفادحة منذ اندلاع الصراع في الأراضي المحتلة عقب الهجوم المفاجئ الذي شنته المقاومة الفلسطينية يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل.

وكشف ديفيد هيرست (رئيس تحرير موقع ميدل إيست آي البريطاني) أن تلك الأخطاء تمثلت في رد الولايات المتحدة على الهجوم وتحريضها لإسرائيل على مهاجمة قطاع غزة دون ضبط النفس، وطرحها في البداية خطة تهجير جماعي للفلسطينيين إلى مصر، كما أنها دفعت منطقة الشرق الأوسط نحو حرب إقليمية.

وانتقد رئيس تحرير الموقع الإخباري في مقاله الرئيس الأميركي جو بايدن لترديده "زورا" ادعاء إسرائيل بأن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قطعت رؤوس الأطفال، الأمر الذي اضطر البيت الأبيض إلى التراجع عنه بعد ذلك.


غضب شامل

وقبيل وصول بايدن في زيارة إلى إسرائيل الأربعاء، بلغ الغضب في الضفة الغربية المحتلة والأردن والعراق ولبنان ومصر درجة لم يوافق معها أي زعيم عربي على مقابلته "حفاظا على سلامته" وفق مقال هيرست.

وعقب وصوله إلى إسرائيل بوقت قصير، زاد بايدن الطين بلة عندما أخبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن قصف مستشفى المعمداني الثلاثاء في غزة قام به على ما يبدو "الطرف الآخر، وليس أنتم".

وزاد الكاتب أنه من الواضح "خلف الكواليس" أن العجلات "بدأت بالفعل تخرج من العربة التي تحمل سياسة الولايات المتحدة بالشرق الأوسط" معربا عن اعتقاده بأن الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة "من وراء الستار" -في أعقاب هجوم المقاومة الفلسطينية مباشرة- مهدت الطريق أمام الأزمة التي تعيشها المنطقة الآن.


ضوء أخضر لكل شيء

ولم تكتف الولايات المتحدة بإعطاء "الضوء الأخضر الساطع" لعمليات القصف التي تشنها إسرائيل على غزة بهدف دفع أكثر من مليون شخص في الجزء الشمالي من القطاع نحو الحدود المصرية.

ونقل رئيس تحرير "ميدل إيست آي" -عن عدة تقارير موثوقة- تأكيدها أن واشنطن حاولت بادئ الأمر إقناع مصر باستقبال مليون لاجئ من غزة نظير "رشوة بطبيعة الحال".

وتحدثت مصادر عن استعداد واشنطن لتقديم تمويل كبير لمصر يتجاوز 20 مليار دولار في حال موافقتها على هذه العملية. وأشارت إلى أن القاهرة طلبت "تسهيل نقل فرق كبيرة تابعة لمنظمات إغاثة إلى الحدود مع رفح دون دخولها غزة".

وذكر الكاتب -نقلا عن موقع "مدى مصر"- أن مسؤولين مصريين أجروا محادثات تتعلق بتهجير عدد لا بأس به من سكان غزة. ولما كان هذا الادعاء من الحساسية بمكان، استدعت السلطات المصرية المحررين وفتحت تحقيقا في ما قيل إنها أخبار كاذبة.


نكبة جديدة

ومضى الكاتب إلى القول إن التهجير القسري لنصف سكان غزة، تحت ستار إقامة ممرات إنسانية، بدا لعدة أيام كما لو أنه سينجح. فقد بقيت الحدود الشمالية مع لبنان هادئة حيث لم يرد حزب الله على القصف، وتقبلت وسائل الإعلام الغربية خطة الإطاحة بحركة حماس وإعادة احتلال غزة.

وجاءت نقطة التحول -والكلام ما يزال للكاتب- عندما أدرك وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، على ما يبدو، أن حدوث نكبة أخرى على غرار ما جرى عام 1948، أمر غير مقبول.

واقتبس الكاتب "مكرها" -كما يقول- فقرات من مقال كتبه الصحفي الأميركي توماس فريدمان ورد فيه أن إسرائيل إذا دخلت غزة الآن "فسوف تنسف اتفاقيات أبراهام (للتطبيع مع العرب) وتزيد من زعزعة استقرار اثنين من أكبر حلفاء أميركا (مصر والأردن) وتجعل التطبيع مع السعودية مستحيلا. كما أنها ستُمكِّن حماس من إشعال النيران بالضفة الغربية، وجذوة حرب بين المستوطنين اليهود هناك".

ويواصل اقتباسه من فريدمان الذي يقول "إن ذلك سيصب، إجمالا، في صالح إستراتيجية إيران الرامية إلى جر إسرائيل إلى تمدد مفرط يفوق قدراتها العسكرية والاقتصادية، ومن ثم إلى إضعاف الديمقراطية اليهودية من الداخل".


جدل داخل الولايات المتحدة

وتابع الكاتب بأن ثمة جدلا يدور في واشنطن مفاده أن هجوم حماس -من حيث طبيعته وسرعة حدوثه ومداه- أحدث تغييرا في نظام الشرق الأوسط المعتمد على الولايات المتحدة.

وتساءل "هل من المحتمل أن يكون نظام الشرق الأوسط، المعتمد على الولايات المتحدة، والذي يعد أساس الدعم الأعمى لإسرائيل، قد تحطم؟".

ويستعين رئيس تحرير "ميدل إيست آي" في إجابته على خطاب الاستقالة الذي تقدم به المسؤول بالخارجية الأميركية جوش بول بسبب تعامل إدارة بايدن مع الحرب الدائرة في غزة، والذي وصف فيه ردها بأنه "فعل متهور" قائم على "الإفلاس الفكري".

وأكد الكاتب أن الولايات المتحدة فقدت ارتباطها بالقيم التي تدعي التمسك بها، عندما "أعماها إيمانها وحرصها الدائم على تقسيم العالم إلى شطرين متضادين: الديمقراطية في مواجهة الاستبداد، والعالم اليهودي المسيحي مقابل الإسلام".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة رئیس تحریر

إقرأ أيضاً:

هل بدأت إسرائيل بمخطط تقسيم دول المنطقة؟

إذا أمعن الرائي في الخلفيات الظاهرة والخفية لإصرار إسرائيل على إبقاء احتلالها لمواقع في الجنوب اللبناني تعتبرها "استراتيجية" لأمن مستوطناتها الشمالية لتبيّن له أن هذا الإصرار يرتبط في جزء كبير منه بما تقوم به تل أبيب في الجنوب السوري، وامتدادًا ما له علاقة بما يجري على الساحل السوري، وبالأخص في المدن، التي كانت تُعتبر معقل نظام البعث، أو بتعبير أوضح "النظام العلوي" بما له من دلالات تقسيمية قد بدأت تتبلور معالمها. ولا يخطئ المرء كثيرًا إذا ذهب في تحليلاته إلى أبعد مما يطفو على سطح الأحداث المتسارعة في سوريا، بدءًا بـ "السقوط الكارتوني" لنظام الأسد، مرورًا بالتحرّك التركي شمالًا، ووصولًا إلى عودة تحريك الملف الكردي، وذلك بالتزامن مع ما يبدو اتفاقًا "ناعمًا" بين الرئيسين الأميركي والروسي دونالد ترامب وفلاديمير بوتين على إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا لمصلحة موسكو بعد عملية "التطويع" القسري للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، التي مورست عليه في لقاء "البيت الأبيض"، والتي أدّت في نهاية المطاف إلى تسليمه بالشروط الأميركية لاتفاقية المعادن.
وقد يكون لهذا الاتفاق الأميركي – الروسي "الناعم" أوكرانيًا تداعيات شرق أوسطية بفعل وجودهما القوي في المنطقة، وبالأخصّ في سوريا المعرّضين لمزيد من التفاعل في مناطق تقاسم النفوذ، حيث لكل من واشنطن وموسكو مصالح حيوية تمتد حتمًا، ومع التطورات السريعة على الساحل السوري الغربي وما يمكن توقعه في المناطق الشمالية، إلى خارج الحدود السورية في اتجاه العراق ولبنان كونهما البلدين الأكثر تأثرًّا بما يجري في الداخل السوري، غربًا وشرقًا وجنوبًا.
فإذا بدأت معالم تقسيم سوريا تتوضح مع تفاعل التطورات العسكرية، التي لم تفاجئ الكثير من المحللين الاستراتيجيين، فإن كلًا من العراق ولبنان ستلحق بهم حتمًا "طرطوشة" هذه الجرثومة، التي لا بدّ منها كحال مكمّلة للمخطط التفتيتي لدول المنطقة، الذي سعت إليه تل أبيب من خلال تدميرها شبه الكامل لقطاع غزة، واستكمال ما بدأت به في القطاع من مخطّط تهجيري في القطاع ونقله إلى الضفة الغربية. ولأن الشيء بالشيء يُذكر أذكر ردّة فعل الرئيس الراحل كميل شمعون عندما سئل سنة 1976، أي بعد اندلاع الحرب في لبنان بسنة تقريبًا عن مشروع تقسيم لبنان، فكان جوابه صادمًا لجميع الصحافيين، وقال بما معناه إن لبنان لن يُقسّم قبل أن يُقسّم العراق، الذي كان يومها بعيدًا كل البعد عن نظرية التقسيم، حيث كان الرئيس صدام حسين يمسك بزمام الأمور بقبضة من حديد.
فما قامت به إسرائيل منذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد في سوريا من ضربات موجعة استهدفت القدرات العسكرية للدولة السورية بما تبقّى لها من قدرات المواجهة لم يكن مجرد حدث ظرفي له علاقة مباشرة بالتطورات السورية حصرًا، بل تمتد مفاعليه، وهذا ما بدأ يظهر جليًا، إلى لبنان والعراق لاحقًا، مع إمكانية توجيه ضربة عسكرية خاطفة للمفاعل النووي في إيران.
وما مكّن تل أبيب من القيام بما كانت تحلم به حتى قبل مشروع هنري كيسنجر بالنسبة إلى خلق كيانات ضعيفة ومتصارعة في المنطقة هو سقوط النظام السوري السابق بهذه الطريقة الكاريكاتورية وفرض واقع سياسي وأمني جديد. وهذا ما ساعد إسرائيل على تحقيق ما كانت تحتاج إليه في ظروف أخرى لكي تشّن حربًا واسعة النطاق بدأت في القطاع وامتدّت إلى لبنان فسوريا. فإضعاف ما كان لسوريا من قدرات وإمكانات سابقة من شأنه أن يبعدها عن دائرة التأثير على مسرى الأحداث في المنطقة كلاعبة أساسية، وهذا ما قد يمكّن تل أبيب من توسيع نطاق نفوذها خارج حدودها الجغرافية بعدما أصبحت تشكّل خطرًا حقيقيًا على كل من فلسطين، بقطاعها وضفتها، ولبنان وسوريا، وذلك بعدما أنهكت كلًا من حركة "حماس" في غزة، و"حزب الله" في لبنان، وبعد سقوط النظام السوري، ولاحقًا في كسر شوكة النفوذ الإيراني في المنطقة. كذلك فإن للبعد الإسرائيلي في أهدافه المعلنة قطع الممر ربما الوحيد للسلاح الآتي إلى "حزب الله" من إيران عبر الأراضي السورية.
فالمخاطر المستجدّة في سوريا في ضوء التوسع الإسرائيلي في جنوبها وفرض منطقة عازلة، يشكلان التفافًا مدروسًا أيضًا على لبنان، بحيث يتحوّل جزء من الحدود السورية إلى خاصرة رخوة للبنان. وهذا ما تشهده الحدود الشرقية من حين إلى آخر من مناوشات غير بريئة .
وما شهده الجنوب قبل أيام من استهداف إسرائيل لعدد من مواقع تدّعي تل أبيب بأنها مخازن أسلحة لـ "حزب الله" خارج الحدود الجنوبية لنهر الليطاني سوى حلقة في سلسلة طويلة لن تنتهي قبل أن تكتمل كل حلقاتها المتواصلة من إيران ومرورًا بالعراق وسوريا ولبنان وصولًا إلى قطاع غزة والضفة الغربية. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • الإمارات ترحب باستضافة السعودية محادثاتٍ بين الولايات المتحدة الأميركية وأوكرانيا
  • عماد الدين حسين: إسرائيل قلقة من الحوار الأمريكي المباشر مع حماس
  • مبعوث ترامب يغضب إسرائيل بوصف رجال حماس بـ"اللطيفين"
  • بالتفاصيل - مبعوث ترامب يغضب إسرائيل بسبب حماس
  • تاكر كارلسون: الولايات المتحدة دمرت أوكرانيا بسبب الرغبة في محاربة روسيا
  • القائمة العربية بالكنيست: المحادثات الأميركية مع حماس أدت إلى إرسال وفد إسرائيلي للتفاوض
  • موسكو..طرد دبلوماسيَين بريطانيَين بسبب التجسس
  • هل بدأت إسرائيل بمخطط تقسيم دول المنطقة؟
  • الولايات المتحدة تتجه لترحيل مؤيدي حماس وإلغاء إقاماتهم وتأشيراتهم
  • روبيو: سنلغي التأشيرات والبطاقات الخضراء لمؤيدي حماس في الولايات المتحدة