ماذا لو أدارت الروبوتات الأمم المتحدة؟!
تاريخ النشر: 19th, October 2023 GMT
مؤيد الزعبي
كثيرة هي الأحداث العالمية التي ننتظر فيها قراراً حاسماً ملزماً من الأمم المتحدة يوقف حرباً في مكان ما أو يمنع مجزرة في صراع معين أو حتى يسعى في هدنة لحماية الأبرياء، ولكن تخيب الظنون في كل مرة، فإما تنحاز الأمم المتحدة لأحد أطراف الصراع أو أن ثمن حياة طرف معين ليس في حساباتها ولا ضمن أولوياتها، فماذا لو أدارت الروبوتات الأمم المتحدة؟ هل ستكون قراراتها حاسمة سريعة نزيهة لا يشوبها شائب وتلبي طموحات إنسانية بسيطة؛ الأمن والأمان؟!
عرضتُ نفس السؤال الذي أود مناقشته معك عزيزي القارئ على صديقي العزيز "بارد Bard" روبوت الدردشة الذي طورته شركة جوجل، وقلت له متسائلاً "هل يمكن للروبوتات أن تدير الأمم المتحدة؟" فكانت إجابته ما كنت أتوقعها مسبقاً بأن الذكاء الاصطناعي والروبوتات تستطيع إدارة الأمم المتحدة من الناحية النظرية.
2- نزاهة وعدالة وكفاءة؛ هي فعلاً ما نحتاجه من الأمم المتحدة وأذرعها ومؤسساتها المختلفة ولكن كيف نحقق كل هذا ونظام الأمم المتحدة أساساً لا يمكننا من هذا؛ فمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يتكون من 15 عضواً ولكل عضو صوت واحد ويجب الوصول للحد الأدنى من الأصوات المطلوبة وعددها 9 لإقرار قرار معين، وهذا الإجراء بطبيعته قد يعطل الكثير من القرارات الأمامية؛ فأحياناً دولة واحدة قد توقف القرار، وهذا ما يجعلنا نتساءل أيضاً: هل الروبوتات ستكون أكثر إنصافاً تجاه قضايانا الإنسانية وتكون عادلة ونزيهة في قرارتها؟
سؤال قد تصعب الإجابة عنه دون أن نفهم أساساً كيف تمت برمجة هذه الروبوتات وما هي أهدافها وما هي الأغراض التي وجدت من أجلها وكيف تم تمسكينها؟
ولكن بالنظر للكيفية التي تتم بها برمجة الذكاء الاصطناعي حاليا؛ فالتحيز موجود في أنظمتها؛ لأن من يطورون الذكاء الاصطناعي هم دول وشركات ولكل منهم هدفه المعين من تطوير هذه البرمجيات، فإما يخدم مصالح دولة معينة أو يحقق ربحية مالية، ولا يوجد "حتى الآن" من يُبرمج الذكاء الاصطناعي ليساعد في تحقيق العدالة والنزاهة العالمية.
إذن.. كل المحاولات في هذا المجال منبعها فردي أو مؤسسي تابع لنظام أو سلطة معينة وبالطبع هذه السلطة أو النظام لديه ما يبني عليه فرضياته وأهدافه من تحيز أو تفضيل جانب على جانب آخر.
من ضمن إجابات "بارد" على السؤال الذي طرحته عليه في بداية المقال، فإن أحد التحديات التي تواجه الروبوتات في إدارة الأمم المتحدة يتمثل في "فقدان الوكالة البشرية"، فإذا تمت إدارة الأمم المتحدة بالكامل بواسطة الروبوتات، فقد يفقد البشر قدرتهم على التأثير على القرارات التي تتخذها المنظمة. والصراحة هذا ما نريده فعلاً أن يفقد البشر قدرتهم على التأثير في قرارات الأمم المتحدة، فقرارات البشر لا تليق بأهداف الأمم المتحدة ومجلس أمنها؛ فأغلبها منحاز ومسيس ويتغير وفقاً للمصالح وتنخره العنصرية في كل أجزائه.
التساؤل الذي أطرحه أمامك عزيزي القارئ، ليس أمراً سهلاً أو يمكن تحقيقه، وإنما هي محاولة لإسقاط ما نُعانيه كبشرية في إدارة الأمم المتحدة في محاولة لإيجاد حل يساعدنا فيه الذكاء الاصطناعي بالوصول لمنظمة عالمية عادلة تُلبي طموحات الشعوب الضعيفة قبل القوية وتحقق النزاهة والكفاءة في قراراتها.
ويبقى التساؤل مفتوحاً على مصراعيه أمامك أنت عزيزي القارئ، فهذا الطرح ليس إلا "نكشة مخ"- كما نقولها في العامية- لتُحرِّك أمامنا تساؤلات كثيرة عن دور الروبوتات فيما هو قادم في المستقبل، لعلنا نؤسس له منذ الآن، بدلاً من العناء في برمجة ذكاء اصطناعي منحاز وعنصري وتلومه فيما بعد على قرارته العنصرية المنحازة!!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: إدارة الأمم المتحدة الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
كيف تتأثر الأديان بقدرات الذكاء الاصطناعي الفائقة؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
دخل العالم مرحلة جديدة مع الوصول لمرحلة الذكاء الاصطناعي الفائق، مرحلة مثيرة ومغرية ومخيفة في نفس الوقت، فالمغامرات العلمية والاكتشافية التي يصل إليها العلماء والبحث العملي تزيد من فرص الرفاهية وراحة الإنسان، وتعزز المخاوف بشأن المخاطر المهولة التي يتعرض لها الكوكب، وهي مخاطر أشبه بوصول الإنسان للقنبلة النووية.
ورغم تعدد المجالات التي يؤثر فيها الذكاء الاضطناعي، فإن مجال الأديان بشكل خاص من المتوقع أن يتأثر كثيرًا بهذا التطور المذهل التي وصلات إليه البشرية، لدرجة أنه من الممكن أن يحل الـ AI مكان رجل الدين في جميع الأديان فيكون قادرا على تقديم العظات والخطب المنبرية، وشرح وإعادة تفسير النصوص الدينية، ومراجعة الأحكام الفقهية وتقييمها، بل واستخراج المزيد من الأحكام والتشريعات.
أمام القدرات الهائلة للذكاء الاصطناعي، يتوقع البعض أنه سيكون في مراحله القريبة جدا قادرا على إنتاج سردية كاملة ويزعم أنه يقدم نصوصًا ويصفها بالدينية والمقدسة، وهي مرحلة لا يمكن فيها السيطرة على ما يطرحه أو يقدمه، وهي مرحلة عبرت عن مخاوف منها بعض الدول الكبرى بأنها تخشى أن يقوم بتسريب بعض الأسرار الحساسة المتعلقة بالأسلحة السرية.
ومع أن الدول الكبرى المنتجة لنماذج AI تعبر عن قلقها ومخاوفها من قدراته المهولة، فإن الكثير من العرب المتابعين لمثل هذه الأخبار يتعاملون باستهانة واستخفاف بل وسخرية من بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي المجانية التي تقدم معلومات مغلوطة ومصابة في كثير من الأوقات بالهلوسة، فيظنون أن هذه هي المقدرة التي وصل إليها الذكاء الاصطناعي ويتخوف منها العالم،
وحذر بعض المفكرين من تنامي دور الآلة، وخاصة عندما يساعدها الذكاء الالصطناعي في أن تمتلك عقلا يشبه في طريقة تفكيره العقل البشري تمامًا، فهو ما يجعل الآلة تكتسح الوجود الإنساني، وتعمل على إزاحته، لتصبح هي المسيطرة، وتكون قادرة على امتلاك السلطة بدلا من الإنسان، وهو ما عبر عنه منذ زمن طويل الأديب المصري الكبير توفيق الحكيم، الذي رحل في عام 1987م، من أنه يتخوف من أن يتوقف الإنسان عن استخدام نشاطه البدني والعضلي وتحتل مكانه الآلة للقيام بمثل هذه الأنشطة لتصل لمرحلة تتوحش وتسلبه سلطته وقوته.
بعض الآراء أكدت ذهاب الذكاء الاصطناعي للتأثير على مجال الأديان، لكنه لن يكون فعالا بشكل كافي في مجال اللغات التي لا تمتلك حظها من تطوير الذكاء الاصطناعي، مثل اللغة العربية مثلا، فمن الممكن أن يتعطل عن فهم التراكيب اللغوية والدقائق اللغوية التي تختص بها اللغة العربية.
وبحسب سليم شوشة مؤلف كتاب "فخ الحضارة: ثورة الذكاء الاصطناعي وتأثيرها على الثقافة واللغة العربية"، فإن تعامل AI مع اللغة العربية، إما أنه سيحقق وعيا بها يتفوق على العرب أنفسهم، وأنه سيفسر النصوص الدينية وسيغير في القصص والسرديات والتراث، وإما أنه لن يتطور في فهمه ومعالجته العميقة للغة العربية بما يجعلها تخرج تمامًا من التكنولوجيا، ويتحول المستخدمون بشكل كامل إلى الإنجليزية أو غيرها، والسبب في هذا يعود بشكل مباشر إلى ضعف دراسات اللغة العربية التي تساعد التقنيين على تعليم اللغة لنماذج الذكاء الاصطناعي.
ركز مؤلف "فخ الحضارة" على ضرورة فهمنا للغة على نحو فائق النصاعة، بهدف التمكن من تعليمها للآلة، لذا يتوقف فهم الذكاء الاصطناعي التوليدي للغة على فهم أصحابها لها، أي أن أصحابها تمكنوا من دراستها مع إدراك كل أنماط الاستخدام، واستخلصوها في قواعد وأنماط وقوانين منطقية أولا ورياضية ثانيا، مشددا على ضرورة بحث اللغة في ضوء الإدراكيات والمنطق والرياضيات للوصول إلى دالة منطقية رياضية تغذي الذكاء الاصطناعي، ليصبح كل حرف وكل كلمة وكل جملة وكل عنصر سياقي يمكن أن يوجه المعنى يجب أن يؤخذ في الحسبان، ويمكننا من هذا هو أهمية الذهاب إلى نظرة نحوية جديدة، ونظرة معجمية، ونظرة في بحث ودراسة تاريخ الكلمات والاشتقاق أو ما يعرف بعلم الإيتمولوجي بطريقة غير تقليدية.
وتكثر الكتابة في العلاقة بين اللغة والذكاء الاصطناعي، إلا أن بعض الباحثين يكتبون وهو يمتلكون تصورات منقوصة أو غير حقيقة عن قدرات الذكاء الاصطناعي، وهو ما فعله باحث بريطاني يدعى حمزة تزورتزس في مقال له بعنوان "هل يقوض الذكاء الاصطناعي الدين؟" وصل فيه إلى نتيجة مضللة وهي أن AI لا يستطيع الربط بين المعنى والرموز، وأنه لن يتمكن من الفهم العميق للنصوص، وعليه فإن احتمالية تقويض الدين من هذه الناحية لن يحدث. وهذه النتيجة جاءت مضللة لأنها يعتقد أن الذكاء الاصطناعي يتعامل مع اللغة بنفس الطريقة التقليدية للحاسوب وهي أنها رموز رياضية.
هذه المغالطة تتجاهل أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الفائق تعتمد على مبدأ محاكاة العقل البشري عبر نموذج عمل الشبكات العصبية في المخ، وجعل النموذج التكنولوجي في الذكاء الاصطناعي الكبير يعمل وفق هذه المنظومة المشابهة لما يتم من عمليات في المخ البشري، بحسب ما شرحه كتاب "فخ الحضارة".
وعرضت إحدى القنوات المتخصصة في التكنولوجيا على منصة اليوتيوب مقطعا مرئيا بعنوان "المراحل العشرة للذكاء الاصطناعي"، شرحت فيه مراحل تطور AI ووصله للتوحش في المرحلة العاشرة، وأطلقت على هذه المرحلة "مرحلة الشبيه بالإله" وفيها يتجاوز AI قدرات الإنسان على تقديم معطيات وتفسيرات يعجز الإنسان عن فهمها أصلا، ومن الممكن أن يقدم أديانا بكاملها بدلا من أن يقدم تفسيرات بديلة للنصوص الدينية.
وحول هذا التدخل الكبير القائم والمحتمل، ترى الكاتبة أمينة خيري في مقال لها بعنوان "الذكاء الاصطناعي والدين عندما يدخل الإيمان المحراب الرقمي" أن “احتمالات ضلوع الذكاء الاصطناعي في الدين وحياة المتدينين كثيرة، وكذلك جهود مقاومة والاستعداد والتعايش واتقاء شرور هذا الضلوع كثيرة”.
ومع قدراته الهائلة، فإن هناك بعض السلبيات التي تتسبب في كوارث وأزمات منها قدرته الفائقة على "التزييف العميق" فهو قادر على أنتاج محتوى يصعب التشكيل فيه، ويصعب التفريق بينه وبين المحتوى الحقيقي. ومن سلبياته وقوعه في ما يعرف بـ"التحيز الاستقرائي".
وشرح كتاب "فخ الحضارة" كيف يقع AI في التحيز الاستقرائي؟ بأنه لو قضية معينة لها مصادر مكونة من كتب ومقالات ومنشورات وتعليقات القراءـ فربما يميل إلى المقالات بدرجة أكثر من الكتب، إما بتأثير من عمليات الفهم وسهولة اللغة، أو بتأثير الكم والتكرار، وربما يتحيز إلى بعض المصادر والمواد التي فيها مشاكل أو تحمل قدرا من الأخطاء والتناقضات أو الكذب أو التزييف.
ضاربا المثل بطلب مساعدة حول طريقة علاج مرض معين، فإذا كانت المعلومات الدقيقة حول مرض معين أو ظاهرة ما مكتوبة بلغة لا يستطيع الذكاء الاصطناعي فهمها بسهولة على نحو ما يفهم المرويات الشعبية الخرافية فإنه سيميل إلى استقراء واستقصاء معلوماته من المصدر الأسهل، أي أنه سيقدم لك نتائج كارثية. بما يعني أنه يميل إلى فهم اللغة العادية التي تخلو من المجازات أو الصور البلاغية والاستعارات.
وهكذا فإن الذكاء الاصطناعي سيفكر في كل ما هو متاح له من معطيات، سيفكر بالمقدمات الي نمنحها له، وهكذا يمكن أنه سيضاعف من معارف وعلوم الأمم المتقدمة بقدر ما يضاعف التخلف والضعف العلمي والمعرفي والثقافي لدى الأمم المتأخرة، وكلها أمور راجعة لدرجة كل أمة في دراسة وفهم لغتها.