المرأة الريفية في تونس: رغم ما تحقق من أجلها مازالت في وضعية هشاشة
تاريخ النشر: 19th, October 2023 GMT
15 أكتوبر من كل سنة هو اليوم العالمي للمرأة الريفية في كل دول العالم حسب ما حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها 136/62 بتاريخ 18 ديسمبر 2007 وذلك اعترافا بمجهود النساء الريفيات في تعزيز الاقتصاد الزراعي والنهوض بالتنمية الريفية وضمان الأمن الغذائي والقضاء على الفقر في القرى والأرياف.
ثُلثا نساء تونس في الريف
وفي تونس، يقدر عدد النساء في الأرياف بأكثر من مليون و700 ألف امرأة أي ما يعادل ثلثي نساء تونس وأكثر من 50 بالمئة من سكان الأرياف.
كما تمثل النساء الريفيات نسبة هامة من اليد العاملة في القطاع الفلاحي، وحسب أرقام الادارة العامة للدراسات والتنمية الفلاحية في آخر استقصاء لها حول متابعة الموسم الفلاحي 2017-2018 الصادر في اكتوبر 2019 يقدر عدد العاملات في القطاع الفلاحي ب521 ألفا و306 عاملات بين أجيرة ومعينة اي بنسبة 55% من إجمالي 946.773 عامل وعاملة في البلاد .
اليد العاملة النسوية تكتسح القطاع الفلاحي
من جهة أخرى بين المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في ندوة له مؤخرا ان الواقع الميداني يعكس اكتساحا كبيرا لليد العاملة النسوية للقطاع الفلاحي قد يصل في عدة ولايات إلى 90% في بعض المواسم.
وأرجع المنتدى ذلك إلى وضعية الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية للنساء وارتفاع نسب البطالة لدى الاناث مقارنة بالذكور سواء من حاملي الشهادات العليا أو من عموم الناشطين وفق الارقام التي يحيّنها المعهد الوطني للإحصاء من سداسية لأخرى. الى جانب عزوف الرجال عن العمل الفلاحي بسبب تدني الأجور وعدم استقرار الوضعية الشغلية فيه.
وهنا يمكن القول بأن الاعتراف باليوم العالمي للمرأة الريفية يجب أن يكون مدعوما بمقاربات وسياسات تليق بدور هذه الفئة وتحميها من كل اشكال العنف المسلط عليها وتمكنها من الولوج الى الموارد الاقتصادية والمالية وتوفر لها آليات الحماية الاجتماعية وتضمن لها حقوقها وكرامتها.
فأي امتيازات منحتها الدولة التونسية للمرأةالريفية؟
بينت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن آمال بلحاج موسى خلال ورشة عمل ان الحكومة التونسية عملت على إيجاد مقاربة حقيقية مبنية على الحقّ في حماية النّساء والفتيات في الأوساط الرّيفيّة ضدّ كلّ المخاطر والتّهديدات الاجتماعيّة والاقتصادية والصّحيّة، وعلى اتّخاذ كلّ التّدابير الكفيلة بدعم هذه الفئة للنّهوض بها وتقوية صمودها لمقاومة التّبعات السّلبيّة لكلّ التّغيّرات ولجميع أشكال العنف أوالهشاشة ضمانا لحقّهنّ في عيش كريم.
وزارة المرأة تطلق مسار إعداد الاستراتيجيّة الوطنيّة الجديدة للتّمكين الاقتصادي للنّساء والفتيات في الوسط الريفي
وفي هذا الإطار تم إطلاق مسار إعداد الاستراتيجيّة الوطنيّة الجديدة للتّمكين الاقتصادي للنّساء والفتيات في الوسط الرّيفي في أفق 2030 يوم الإحتفال بالمراة الريفية.
وبينت بلحاج موسى في الخصوص ان الوزارة تمكّنت من خلال البرامج والمشاريع المدرجة ضمن محاور "الاستراتيجيّة الوطنيّة للتّمكين الاقتصادي والاجتماعي للنّساء والفتيات في الوسط الرّيفي 2017-2020" من إحداث ودعم 34 مجمعا تنمويّا نسائيّا لفائدة 1076 منخرطة بجملة اعتمادات تفوق 1.8 مليون دينار بـ 12 ولاية بكل من سيدي بوزيد وسليانة ومنوبة وجندوبة وبن عروس والقيروان ونابل والمهديّة والقصرين وقبلي وسوسة وزغوان.
قروض وموارد رزق للمرأة في الوسط الريفي
كما تم إسناد قروض ضمن البرنامج الوطني الجديد لريادة الأعمال النّسائيّة والاستثمار "رائدات" لـ 140 مشروعا ذا صبغة فلاحيّة تتوزّع بين تربية الدّواجن، تربية النّحل، تقطير النباتات والأعشاب الطبيّة، تجفيف وتعليب الخضر والغلال... بكلفة جمليّة ناهزت 1.6 مليون دينار.
وقالت الوزيرة كذلك إنه تمّ إحداث 1098 مورد رزق في جميع ربوع الجمهوريّة وفي مجالات واختصاصات متنوّعة في إطار تنفيذ برنامج التّمكين الاقتصادي لأمّهات التّلاميذ المهدّدين بالانقطاع المدرسي بالإضافة إلى تمييز النّساء والفتيات في الأوساط الرّيفيّة اقتصاديّا واجتماعيّا بصفة إيجابية من خلال تمكين 276 عاملة فلاحة من موارد رزق في مختلف برامج التّمكين الاقتصادي للوزارة، وإطلاق البرنامج الخصوصي للتّمكين الاقتصادي للعاملات في القطاع الفلاحي في تجربته النموذجية التي شملت تسليم 75 مورد رزق لفائدة العاملات الفلاحيّات الموسميّات بولايتي سيدي بوزيد والقيروان باعتمادات بلغت 1 مليون دينار، مشيرة إلى العمل على تعميم التجربة تدريجيّا على ولاية القصرين ومعتمده حاسي الفريد تحديدا ثمّ بقيّة الولايات خلال سنة 2024 والترفيع في الاعتمادات المرصودة لهذا البرنامج لتبلغ 2.5 مليون دينار بهدف إحداث 150 مورد رزق جديد لفائدة النّساء والفتيات العاملات في الوسط الفلاحي.
ورغم كل هذه الجهود تبقى المرأة في الوسط الريفي بحاجة إلى اهتمام خاص سواء من الجهات الرسمية أو من منظمات المجتمع المدني.
بشرى السلامي
المصدر: موزاييك أف.أم
إقرأ أيضاً:
ماذا بقي من المعارضة في تونس بعد إعادة انتخاب قيس سعيد؟
سلطت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، الضوء على غياب تأثير المعارضة التونسية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ما يفرض عليها إعادة ترتيب أوراقها في حال أرادت التعبير عن صوت الناخبين المعارضين لرئاسة قيس سعيد.
وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الانتخابات الرئاسية التونسية التي جرت في بداية تشرين الأول/ أكتوبر، والتي فاز فيها قيس سعيد بأغلبية عريضة، شهدت عزوفا واضحا للناخبين عن المشاركة في العملية الانتخابية.
وأضافت المجلة أن انخفاض معدل التصويت الذي ناهز 29 بالمئة، فتح الباب للتساؤل عما إذا الـ71 بالمئة من الناخبين التونسيين الذين لم يدلوا بأصواتهم يشكلّون معارضة حقيقية، مؤكدة أنه في ظل غياب أدلة قاطعة تفسر هذا العزوف من الصعب الخروج من دائرة التكهنات.
واعتبر الباحث الجامعي بكار غريب، أن الامتناع عن التصويت لا يعبر بالضرورة عن موقف سياسي، مشيرا إلى انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات التي نُظّمت بين عامي 2021 و2024، والتي تراوحت بين 27.5 و11.4 بالمئة، وهو يعتقد أنها تعكس بشكل أكبر عدم اهتمام التونسيين بالشأن السياسي.
ونقلت المجلة عن مهندس كمبيوتر تونسي ينتمي إلى الحزب الجمهوري، أن عدم مبالاة التونسيين تجاه الشأن العام سببه عدم قدرتهم على التأثير عليه، مضيفا أنه قرر التخلي عن التزامه الحزبي بعد الانتخابات التشريعية عام 2019،
وأضاف: "لم أستطع تقديم وعود كنت أعلم أنها غير قابلة للتحقيق لأن النظام السياسي لم يكن يسمح بظهور أغلبية تفرض خطًا سياسيًا أو برنامجًا، أو حتى معارضة يمكنها أداء دورها".
اندثار عدة أحزاب سياسية
حسب المجلة، تعود الفوضى السياسية التي يشير إليها مهندس الكمبيوتر التونسي إلى سنوات عديدة مضت. فمنذ سنة 2014، انقسم المشهد الحزبي التونسي ووصل عدد الأحزاب إلى 209، ولم تستطع أي كتلة أن تتحد لتشكيل أغلبية لها تأثير ملحوظ في المعارضة.
ثم جاء دستور 2022، الذي صاغه قيس سعيد، ووضع به حدا للنموذج شبه البرلماني الذي كان قائماً في البلاد مع تعزيز صلاحيات الرئاسة وفرض انتخاب النواب عبر قوائم فردية بدلاً من الانتماءات الحزبية.
ومن خلال إلغاء دور الأحزاب السياسية في تعيين النواب، ساهم الدستور الجديد في إقصاء العديد منها. وفي حين بقيت بعض الأحزاب مثل "المسار" و"الجمهوري" موجودة على الساحة، اختفت أحزاب أخرى كان مصيرها مرتبطًا بشكل وثيق بزعمائها أو مؤسسيها، مثل حزب "تحيا تونس"، الذي أسسه يوسف الشاهد من أجل خوض انتخابات 2019، و"نداء تونس" الذي تفكك بعد وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، وكذلك "قلب تونس"، حزب رجل الأعمال والمرشح الرئاسي في 2019 نبيل القروي.
كما اندثر "تيار المحبة" الذي يرأسه الهاشمي الحامدي و حزب "الائتلاف الوطني التونسي" الذي أسسه ناجي جلول.
استهداف المعارضين
أوردت المجلة أنه أمام هذا التفكّك الحزبي، حاول بعض المعارضين أن يقفوا في وجه الرئيس سعيد من خلال إنشاء جبهة الإنقاذ، التي جمعت بين التقدميين والإسلاميين وغيرهم من التيارات السياسية المختلفة.
لكن بسبب نقص التمويل وغياب القاعدة النضالية ورفض فئة واسعة من الشعب عودة الإسلاميين إلى الحياة السياسية، فضلا عن الانقسامات الداخلية، وجدت الحركة نفسها أما طريق مسدود خاصة في ظل اعتقال العديد من قادتها، حسب التقرير.
في 17 نيسان/ أبريل 2023، اعتُقل راشد الغنوشي مؤسس حركة النهضة، وعدد من أعضاء مكتبه التنفيذي. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، لقيت عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر المصير ذاته.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية 2024، تم اعتقال لطفي المرايحي والعياشي زمال، بينما انطلقت حملة ملاحقات ضد عدة شخصيات معارضة أخرى، من بينها عبد اللطيف المكي وعماد الدايمي ونزار الشعري ومنذر الزنايدي، الذين عبّر معظمهم عن نيتهم الترشح للانتخابات المقررة في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر.
وأضافت المجلة أن الشخصيات المعارضة البارزة لم تدعُ رغم كل ما حدث لانتخاب مرشح منافس لقيس سعيد، رغم أنه كان من الممكن دعم زهير المغزاوي، كشخصية تُجسد معارضة يسارية قومية، أو العياشي زمال الذي استطاع رغم وجوده في السجن الوصول إلى نهاية السباق الانتخابي.
وبدلا من ذلك، فضّلت بعض الأطراف الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، ولم تطرح فكرة تشكيل جبهة موحدة، مما أخمد روح الحماس لدى قسم كبير من الناخبين، وساعد سعيد على الفوز في الانتخابات من الجولة الأولى، حسب المجلة.
وتابعت المجلة أن التيار الديمقراطي كان من بين الأحزاب القليلة التي رفعت صوت المعارضة في هذه الظروف الصعبة، بينما فضل آخرون، مثل حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد أو حركة "تونس إلى الأمام" بقيادة النقابي السابق عبيد البريكي، الانضمام إلى صفوف مؤيدي الرئيس، كما ساهمت التطورات الأيديولوجية داخل بعض الأحزاب السياسية التقليدية نحو المواقف الوسطية في إضعاف المعارضة.
"فشل" المعارضة بعد 2011
نقلت المجلة عن ناشط سياسي سابق قوله إن المعارضة التونسية دفعت ثمن قلة خبرتها، فبعد تكميم أفواهها واضطرارها إلى العمل السري في عهد بورقيبة، ومن ثم في عهد بن علي، لم تتمكن من رفع صوتها فعلياً إلا بعد 2011.
ويضيف: "لم نعمل قط على بناء قاعدة مشتركة من القيم التي نؤمن بها. نحن نختلف بشأن القيم الأساسية للعيش المشترك مثل احترام الآخر ومكانة الدين وتكريس الحريات الفردية. هذه البنية ليست سهلة ولم يكن من الممكن تحقيقها دون تنازلات. بالنسبة لمعارضي الإسلاميين، كان ينبغي عليهم الاعتراف بأن الإسلام السياسي جزء من المجتمع التونسي، وأنه رغم كونه أقلية، ينبغي قبوله وإيجاد سبل للتعايش معه".
ويقول الباحث في علم الاجتماع ماهر حنين، إن المعارضة اليسارية كانت حاضرة بشكل كبير منذ 2011، مضيفا أن "النواة الصلبة للفكر اليساري في طور التجديد من خلال القضية الفلسطينية ومعاداة الصهيونية ومعاداة الغرب".