في 7 يوليو/تموز عام 2014، شنَّت قوات الاحتلال الإسرائيلي هجوما شاملا من الجو والبر والبحر على قطاع غزة، استمر لمدة 51 يوما، وقُتل خلاله نحو 2200 فلسطيني، ربعهم من الأطفال، وفقدت 142 عائلة فلسطينية نحو ثلاثة أو أكثر من أفرادها، بالإضافة إلى نحو 11 ألف مُصاب من أبناء غزة (1).

 

كيف أظهرت إسرائيل نفسها للمجتمع الدولي حينها؟ "بلد قوي يدافع عن نفسه"، هذه هي الصورة التي تُحاول دوما إسرائيل أن تُقدِّمها لنفسها، فلطالما قُدِّم جيش الاحتلال الإسرائيلي بوحداته المختلفة باعتباره قوة كبيرة لا تُقهر، ومن الواضح أن وحشيته البالغة في التعامل مع الفلسطينيين تهدف في المقام الأول إلى خدمة هذه الصورة.

 

ادعاء القوة التي لا تُقهر

خلال لقاء مذيع قناة الجزيرة مباشر، أحمد طه، مع الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي مؤخرا، وجَّه مذيع الجزيرة سؤالا مُحددا عدّة مرات لأدرعي بعد عملية "طوفان الأقصى"، وهو: "كم عدد قتلاكم وأسراكم خلال هذه العملية؟"، وحتى نهاية اللقاء ظل أدرعي يراوغ ولم يُقدّم إجابة مُحددة حول هذا السؤال (2).

 

لرُبما يُجسد هذا الموقف الطريقة الدعائية الحربية الإسرائيلية، التي تُظهر قدرات جيشها ومواطن قوته، وتتجنب الاعتراف بهزائمه وانكساراته. الاعتراف بأعداد القتلى والأسرى يبرز مقدار الضعف وحجم الهزيمة، وهو ما يصعب على الجانب الإسرائيلي الاعتراف به على الدوام.

 

لطالما استُخدمت الدعاية، بجميع أشكالها، لتشكيل الرأي العام وتقديم روايات محددة عبر التاريخ. وفي عصر هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتكييف إستراتيجياتها الدعائية القديمة مع المشهد الرقمي. على سبيل المثال، في مايو/أيار من العام الجاري، شن جيش الاحتلال عملية عسكرية مفاجئة على قطاع غزة باسم "الدرع والسهم" (3). خلال هذا الهجوم، استُخدمت الصفحة الرسمية لجيش الاحتلال على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، تويتر سابقا، على نطاق واسع لتغذية الجماهير بتحديثات حية وتنبيهات وعروض "سينمائية" عن عمليتها. ولكن تحت سطح الصور المُعدّة جيدا والرسائل المقنعة تكمن شبكة معقدة من التلاعب.

 

عند فحص المحتوى المُختار بعناية، نلاحظ المشهد المتناقض لجيش يعلن تفوقه الأخلاقي بينما يستهدف في الوقت نفسه المدنيين الفلسطينيين في منازلهم. لا تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بنشر هجماتها على تويتر مباشرة فحسب، بل تصمم أيضا محتوى جذابا بصريا تعرضه على جميع المنصات والمحطات الإعلامية المختلفة، فقط في محاولة لإبراز قوتها القادرة على التدمير والسحق، ثم تبرير عملياتها هذه بمحاولة إظهارها في مظهر "الردود الدفاعية" (4).

 

في هذا السياق، نشرت قوات الاحتلال مقطعَ فيديو سينمائيا يُظهر قادة ومقاتلي حركة الجهاد الإسلامي وهم يلقون خطابات حول رغبتهم في "تدمير إسرائيل"، إلى جانب صور الإسرائيليين الذين يهربون من الخطر. وتهدف هذه المادة المُصوّرة إلى جذب المشاهدين من خلال استخدام العناصر السمعية والبصرية، مع إشعارهم في الوقت نفسه أن من حق إسرائيل أن "تدافع عن نفسها".

 

بعبارة أُخرى، صُمِّمت مثل هذه المقاطع لتقديم صورة مشوهة وأحادية الجانب للاحتلال الإسرائيلي مع المبالغة في إبراز القوة وإبراز الاضطرار لاستخدامها، بالإضافة إلى تبسيط السياق السياسي والتاريخي الأوسع أو محوه بالكامل. تحت سطوة هذه البروباغندا، تختفي الحقائق الجوهرية للصراع وعلى رأسها الحصار والقمع الممنهج للفلسطينيين (4).

 

بيت من ورق! بحسب جيش الاحتلال، عبرت قوات كوماندوز المقاومة السياج الأمني ​​في 29 نقطة، وسيطروا على معبر إيرز الحدودي الخاضع لإجراءات مشددة. (الصورة من فيديو لكتائب القسام)

بالتزامن مع هذه الدعاية، يُجهَّز الجيش الإسرائيلي وأجهزة المخابرات الإسرائيلية بأحدث التقنيات والأسلحة. في عام 2022 فقط بلغ الإنفاق العسكري الإسرائيلي 24.4 مليار دولار (5). تقدم الولايات المتحدة لإسرائيل ما يقرب من 3.8 مليارات دولار سنويا مساعدات عسكرية، وتسمح هذه الأموال لإسرائيل بشراء أسلحة باهظة الثمن، مثل طائرات "إف-35″، التي كانت ستواجه صعوبة في تحمل تكاليفها لولا المساعدات.

 

أيضا تمتلك إسرائيل القبة الحديدية، وهو نظام دفاع جوي متقدم، وتُعد إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تستخدم هذا النظام. يهدف هذا النظام إلى اعتراض وتدمير الصواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعية، وتدعي دولة الاحتلال أن النظام يحقق نسب نجاح تفوق 90% في اعتراض مقذوفات وصواريخ المقاومة.

 

لكن هذه القوة، والأساطير المنسجة حولها انهارت تماما صباح يوم السابع من أكتوبر. ففي غضون عدة ساعات، اخترق العشرات من عناصر المقاومة في غزة السياج الحدودي إلى جنوب إسرائيل، وقاموا بقتل وأسر جنود إسرائيليين في البلدات الحدودية، وصوروا تقدمهم في مواقع عديدة.

 

حتى القبة الحديدية لم تُجدِ نفعا في مواجهة "الرشفات" الصاروخية المتعددة. تقول صحيفة "لوموند" الفرنسية إن دفاعات جيش الاحتلال انهارت مثل "بيت من ورق"، مؤكدة أن السؤال حول كيفية حدوث هذا الأمر سيظل مطروحا لأجيال عديدة. وبحسب جيش الاحتلال، عبرت قوات كوماندوز المقاومة السياج الأمني ​​في 29 نقطة، وسيطروا على معبر إيرز الحدودي الخاضع لإجراءات مشددة. كيف حدث هذا في ظل وجود شبكة من أجهزة الاستشعار وكاميرات المراقبة الخاصة بالسياج التي وُضعت في سلسلة من الخطوط؟ الإجابة التي يطرحها تقرير "لوموند" هنا هي أن هذه الأجهزة إما أن تكون قد فشلت في أداء وظيفتها وإما أنها قد شُتِّتت. فما يبدو هو أن وحدة المراقبة التي تعالج البيانات كانت "عمياء" جزئيا على الأقل (6).

 

القوة المفرطة "الدعائية

يتضح مما سبق أن ادعاءات القوة المفرطة التي تروج لها إسرائيل فيما يتعلق بجيشها ومخابراتها هي ادعاءات "تسويقية" فقط. في هذه النقطة تحديدا، ذهب تقرير نُشر عبر "ذي أتلانتيك" إلى أن فكرة وجود "جيش دفاع إسرائيلي لا يقهر"، هي فكرة قد تأخرت مراجعتها كثيرا لتحديد وإثبات مدى واقعيتها.

 

أشار التقرير إلى أن إسرائيل تمتلك قوة جوية ممتازة ووحدات نخبة للعمليات الخاصة، لكن وحداتها التقليدية، التي تتكون في معظمها من المجندين، ليست مدربة تدريبا جيدا ولا منضبطة بشكل جيد، منوها أن إسرائيل تواجه اليوم أعداء منضبطين ومتحمسين للغاية للمقاومة في جنوب لبنان والأراضي الفلسطينية، ولا يبدو أن جيشها يتمتع بميزة واضحة عليهم على مستوى الوحدات (7).

 

مع انهيار صورة القوة تلك، لا يبق أمام الاحتلال سوى سلاح دعائي رئيسي هو استجداء "تعاطف" العالم، ومحاولة صياغة قضية قتل المدنيين بشكل جماعي على أنها مجرد عملية "دفاع عن النفس". عندما يُقتل مدنيون فلسطينيون أبرياء في حروب إسرائيل الوحشية، تستمر البروباغندا الإسرائيلية في إخبار العالم أن إسرائيل تمارس العنف والقتل والتهجير بهدف إحلال السلام في نهاية المطاف.

——————————————————————————————

المصادر:

1- ISRAEL’S PROPAGANDA STRATEGIES: CASE STUDY OF THE PROTECTIVE EDGE OPERATION IN GAZA 2014

2- "هل شعرت بالهزيمة؟".. سؤال شخصي من مذيع الجزيرة مباشر لأفيخاي أدرعي

3- "الدرع والسهم".. عملية إسرائيلية مفاجئة على غزة

4- Decoding the Israeli army’s propaganda techniques

5- How big is the Israeli military

6- Hamas attack exposes Israel’s military fiasco

7- The Israeli Military Wasn’t Ready for This

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی قوات الاحتلال جیش الاحتلال ت قوات التی ت

إقرأ أيضاً:

إطلاق نداء استغاثة لإنقاذ النازحين في قطاع غزة قبل حلول الشتاء

غزة - صفا

أطلق المكتب الإعلامي الحكومي، يوم السبت، نداء استغاثة إنساني عاجل لإنقاذ 2 مليون نازح في قطاع غزة بالتزامن مع قدوم المنخفضات الجوية، وقبل دخول فصل الشتاء وظروفه المناخية القاسية.

وقال "الإعلامي الحكومي"،  في بيان وصل وكالة "صفا"،  إن "أعداد النازحين لا تزال في تدفق وازدياد يوماً بعد يوم، حيث بلغ عدد النازحين بشكل عام من 1,9 مليون نازح إلى 2 مليون نازح في محافظات قطاع غزة".

وأضاف "لدينا في قطاع غزة 543 مركزاً للإيواء والنُّزوح نتيجة ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي جريمة التهجير القسري وهي جريمة ضد الإنسانية من خلال إجبار المواطنين على النزوح الإجباري من منازلهم وأحيائهم السكنية الآمنة وهي جريمة مخالفة للقانون الدولي".

وأوضح أن "نسبة 74% من خيام النازحين أصبحت غير صالحة للاستخدام، وذلك وفقاً لفرق التقييم الميداني الحكومية والتي أفادتنا بوجود 100,000 خيمة من أصل 135,000 خيمة بحاجة إلى تغيير واستبدال فوري عاجل نتيجة اهتراء هذه الخيام تماماً".

وأشارت إلى أن تلك الخيام "مصنوعة من الخشب والنايلون والقماش، واهترأت مع حرارة الشمس ومع ظروف المناخ في قطاع غزة، وخرجت عن الخدمة بشكل كامل، خاصة بعد مرور 11 شهراً متواصلاً من النزوح وهذه الظروف غير الإنسانية".

ولفت إلى أن قطاع غزة مُقبل على كارثة إنسانية حقيقية بفعل دخول فصل الشتاء وظروف المناخ الصعبة، "وبالتالي سوف يصبح 2 مليون إنسان بلا أي مأوى في فصل الشتاء وسيفترش هؤلاء الأرض وسيلتحفون السماء، وذلك بسبب اهتراء خيام النازحين وخروجها عن الخدمة تماماً، وكذلك بسبب إغلاق المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، وبسبب منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال قرابة ربع مليون خيمة و"كرفان" إلى قطاع غزة في ظل هذا الواقع المرير".

وأدان " الإعلامي الحكومي" جريمة الاحتلال الإسرائيلي بهذا الخصوص، والمتمثلة في التهجير القسري والنزوح الإجباري وإرغام 2 مليون نازح على الخروج من منازلهم واللجوء إلى مناطق غير مهيئة لاستقبال مئات الآلاف من النازحين في خيام غير مناسبة وفي مناطق غير إنسانية وغير آمنة.

وحمّل الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية "كامل المسؤولية عن هذه الظروف الكارثية التي يعيشها شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة.

ودعا العالم إلى إدانة هذه الجرائم، والاصطفاف مع شعبنا الفلسطيني وقضيتنا العادلة وإنقاذ قطاع غزة قبل فوات الأوان.

 وناشد جمهورية مصر العربية وكل الدول العربية والإسلامية ومجلس التعاون الخليجي لإدخال المساعدات والخيام لـ2 مليون نازح، "حيث أن هؤلاء الآن يتهيّؤون للعيش في الشوارع بدون مساعدات وبدون مأوى بسبب الظروف القاسية التي يعيشونها وسيعيشونها خلال الشهور القادمة، وسيكون لها انعكاس خطير على حياتهم وظروفهم".

وطالب "الإعلامي الحكومي" المجتمع الدولي وكل المنظمات الدولية والأممية والمؤسسات العالمية ذات العلاقة بـ"الخروج عن صمتها وتقديم الإغاثة الفورية والعاجلة لـ2 مليون نازح هم بأمس الحاجة إلى مأوى مناسب يقيهم من برد الشتاء وحرارة الصيف، وقبل ذلك الضغط على الاحتلال وعلى الأمريكان لوقف جريمة الإبادة الجماعية ضد شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة".

مقالات مشابهة

  • ما قصة القوة التي طوقت جامع أم الطبول وسط بغداد؟
  • المقاومة في العراق تقصف هدفا في حيفا بالطيران المسيّر
  • "حماس" تعلق على قصف العمق الإسرائيلي بصاروخ يمني.. عاجل
  • اليمن تقصف “تل أبيب” وصاروخها يسقط قرب مطار “بن غوريون” / شاهد
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين: لإنقاذ الأسرى.. يجب إزاحة نتنياهو من الحكم
  • نداء استغاثة لإنقاذ النازحين في غزة مع قدوم المنخفضات الجوية
  • إطلاق نداء استغاثة لإنقاذ النازحين في قطاع غزة قبل حلول الشتاء
  • «القاهرة الإخبارية»: إسرائيل تقصف مدرسة تؤوي نازحين بغزة وسقوط شهيد ومصابين
  • المقاومة تقصف عسقلان والاحتلال ينظم جولة صحفية بأنفاق رفح
  • في اليوم الـ 344 للحرب.. المقاومة تقصف عسقلان بصواريخ من غزة