بيت من ورق.. هل تقصف إسرائيل المدنيين لإنقاذ السمعة المنهارة لجيشها؟
تاريخ النشر: 19th, October 2023 GMT
في 7 يوليو/تموز عام 2014، شنَّت قوات الاحتلال الإسرائيلي هجوما شاملا من الجو والبر والبحر على قطاع غزة، استمر لمدة 51 يوما، وقُتل خلاله نحو 2200 فلسطيني، ربعهم من الأطفال، وفقدت 142 عائلة فلسطينية نحو ثلاثة أو أكثر من أفرادها، بالإضافة إلى نحو 11 ألف مُصاب من أبناء غزة (1).
كيف أظهرت إسرائيل نفسها للمجتمع الدولي حينها؟ "بلد قوي يدافع عن نفسه"، هذه هي الصورة التي تُحاول دوما إسرائيل أن تُقدِّمها لنفسها، فلطالما قُدِّم جيش الاحتلال الإسرائيلي بوحداته المختلفة باعتباره قوة كبيرة لا تُقهر، ومن الواضح أن وحشيته البالغة في التعامل مع الفلسطينيين تهدف في المقام الأول إلى خدمة هذه الصورة.
ادعاء القوة التي لا تُقهر
خلال لقاء مذيع قناة الجزيرة مباشر، أحمد طه، مع الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي مؤخرا، وجَّه مذيع الجزيرة سؤالا مُحددا عدّة مرات لأدرعي بعد عملية "طوفان الأقصى"، وهو: "كم عدد قتلاكم وأسراكم خلال هذه العملية؟"، وحتى نهاية اللقاء ظل أدرعي يراوغ ولم يُقدّم إجابة مُحددة حول هذا السؤال (2).
لرُبما يُجسد هذا الموقف الطريقة الدعائية الحربية الإسرائيلية، التي تُظهر قدرات جيشها ومواطن قوته، وتتجنب الاعتراف بهزائمه وانكساراته. الاعتراف بأعداد القتلى والأسرى يبرز مقدار الضعف وحجم الهزيمة، وهو ما يصعب على الجانب الإسرائيلي الاعتراف به على الدوام.
لطالما استُخدمت الدعاية، بجميع أشكالها، لتشكيل الرأي العام وتقديم روايات محددة عبر التاريخ. وفي عصر هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتكييف إستراتيجياتها الدعائية القديمة مع المشهد الرقمي. على سبيل المثال، في مايو/أيار من العام الجاري، شن جيش الاحتلال عملية عسكرية مفاجئة على قطاع غزة باسم "الدرع والسهم" (3). خلال هذا الهجوم، استُخدمت الصفحة الرسمية لجيش الاحتلال على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، تويتر سابقا، على نطاق واسع لتغذية الجماهير بتحديثات حية وتنبيهات وعروض "سينمائية" عن عمليتها. ولكن تحت سطح الصور المُعدّة جيدا والرسائل المقنعة تكمن شبكة معقدة من التلاعب.
عند فحص المحتوى المُختار بعناية، نلاحظ المشهد المتناقض لجيش يعلن تفوقه الأخلاقي بينما يستهدف في الوقت نفسه المدنيين الفلسطينيين في منازلهم. لا تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بنشر هجماتها على تويتر مباشرة فحسب، بل تصمم أيضا محتوى جذابا بصريا تعرضه على جميع المنصات والمحطات الإعلامية المختلفة، فقط في محاولة لإبراز قوتها القادرة على التدمير والسحق، ثم تبرير عملياتها هذه بمحاولة إظهارها في مظهر "الردود الدفاعية" (4).
في هذا السياق، نشرت قوات الاحتلال مقطعَ فيديو سينمائيا يُظهر قادة ومقاتلي حركة الجهاد الإسلامي وهم يلقون خطابات حول رغبتهم في "تدمير إسرائيل"، إلى جانب صور الإسرائيليين الذين يهربون من الخطر. وتهدف هذه المادة المُصوّرة إلى جذب المشاهدين من خلال استخدام العناصر السمعية والبصرية، مع إشعارهم في الوقت نفسه أن من حق إسرائيل أن "تدافع عن نفسها".
بعبارة أُخرى، صُمِّمت مثل هذه المقاطع لتقديم صورة مشوهة وأحادية الجانب للاحتلال الإسرائيلي مع المبالغة في إبراز القوة وإبراز الاضطرار لاستخدامها، بالإضافة إلى تبسيط السياق السياسي والتاريخي الأوسع أو محوه بالكامل. تحت سطوة هذه البروباغندا، تختفي الحقائق الجوهرية للصراع وعلى رأسها الحصار والقمع الممنهج للفلسطينيين (4).
بيت من ورق! بحسب جيش الاحتلال، عبرت قوات كوماندوز المقاومة السياج الأمني في 29 نقطة، وسيطروا على معبر إيرز الحدودي الخاضع لإجراءات مشددة. (الصورة من فيديو لكتائب القسام)
بالتزامن مع هذه الدعاية، يُجهَّز الجيش الإسرائيلي وأجهزة المخابرات الإسرائيلية بأحدث التقنيات والأسلحة. في عام 2022 فقط بلغ الإنفاق العسكري الإسرائيلي 24.4 مليار دولار (5). تقدم الولايات المتحدة لإسرائيل ما يقرب من 3.8 مليارات دولار سنويا مساعدات عسكرية، وتسمح هذه الأموال لإسرائيل بشراء أسلحة باهظة الثمن، مثل طائرات "إف-35″، التي كانت ستواجه صعوبة في تحمل تكاليفها لولا المساعدات.
أيضا تمتلك إسرائيل القبة الحديدية، وهو نظام دفاع جوي متقدم، وتُعد إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تستخدم هذا النظام. يهدف هذا النظام إلى اعتراض وتدمير الصواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعية، وتدعي دولة الاحتلال أن النظام يحقق نسب نجاح تفوق 90% في اعتراض مقذوفات وصواريخ المقاومة.
لكن هذه القوة، والأساطير المنسجة حولها انهارت تماما صباح يوم السابع من أكتوبر. ففي غضون عدة ساعات، اخترق العشرات من عناصر المقاومة في غزة السياج الحدودي إلى جنوب إسرائيل، وقاموا بقتل وأسر جنود إسرائيليين في البلدات الحدودية، وصوروا تقدمهم في مواقع عديدة.
حتى القبة الحديدية لم تُجدِ نفعا في مواجهة "الرشفات" الصاروخية المتعددة. تقول صحيفة "لوموند" الفرنسية إن دفاعات جيش الاحتلال انهارت مثل "بيت من ورق"، مؤكدة أن السؤال حول كيفية حدوث هذا الأمر سيظل مطروحا لأجيال عديدة. وبحسب جيش الاحتلال، عبرت قوات كوماندوز المقاومة السياج الأمني في 29 نقطة، وسيطروا على معبر إيرز الحدودي الخاضع لإجراءات مشددة. كيف حدث هذا في ظل وجود شبكة من أجهزة الاستشعار وكاميرات المراقبة الخاصة بالسياج التي وُضعت في سلسلة من الخطوط؟ الإجابة التي يطرحها تقرير "لوموند" هنا هي أن هذه الأجهزة إما أن تكون قد فشلت في أداء وظيفتها وإما أنها قد شُتِّتت. فما يبدو هو أن وحدة المراقبة التي تعالج البيانات كانت "عمياء" جزئيا على الأقل (6).
القوة المفرطة "الدعائية
يتضح مما سبق أن ادعاءات القوة المفرطة التي تروج لها إسرائيل فيما يتعلق بجيشها ومخابراتها هي ادعاءات "تسويقية" فقط. في هذه النقطة تحديدا، ذهب تقرير نُشر عبر "ذي أتلانتيك" إلى أن فكرة وجود "جيش دفاع إسرائيلي لا يقهر"، هي فكرة قد تأخرت مراجعتها كثيرا لتحديد وإثبات مدى واقعيتها.
أشار التقرير إلى أن إسرائيل تمتلك قوة جوية ممتازة ووحدات نخبة للعمليات الخاصة، لكن وحداتها التقليدية، التي تتكون في معظمها من المجندين، ليست مدربة تدريبا جيدا ولا منضبطة بشكل جيد، منوها أن إسرائيل تواجه اليوم أعداء منضبطين ومتحمسين للغاية للمقاومة في جنوب لبنان والأراضي الفلسطينية، ولا يبدو أن جيشها يتمتع بميزة واضحة عليهم على مستوى الوحدات (7).
مع انهيار صورة القوة تلك، لا يبق أمام الاحتلال سوى سلاح دعائي رئيسي هو استجداء "تعاطف" العالم، ومحاولة صياغة قضية قتل المدنيين بشكل جماعي على أنها مجرد عملية "دفاع عن النفس". عندما يُقتل مدنيون فلسطينيون أبرياء في حروب إسرائيل الوحشية، تستمر البروباغندا الإسرائيلية في إخبار العالم أن إسرائيل تمارس العنف والقتل والتهجير بهدف إحلال السلام في نهاية المطاف.
——————————————————————————————
المصادر:1- ISRAEL’S PROPAGANDA STRATEGIES: CASE STUDY OF THE PROTECTIVE EDGE OPERATION IN GAZA 2014
2- "هل شعرت بالهزيمة؟".. سؤال شخصي من مذيع الجزيرة مباشر لأفيخاي أدرعي
3- "الدرع والسهم".. عملية إسرائيلية مفاجئة على غزة
4- Decoding the Israeli army’s propaganda techniques
5- How big is the Israeli military
6- Hamas attack exposes Israel’s military fiasco
7- The Israeli Military Wasn’t Ready for This
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی قوات الاحتلال جیش الاحتلال ت قوات التی ت
إقرأ أيضاً:
الرئيس الكولومبي: هدف حرب الإبادة التي تمارسها “إسرائيل” في غزة منع قيام وطن للفلسطينيين
يمانيون../ اعتبر الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، اليوم السبت، أن حرب الإبادة الصهيونية المتواصلة على قطاع غزة منذ أكثر من عامين والهجمات في الشرق الأوسط “رسالة تخويف” إلى دول الجنوب.
وقال بيترو في تصريحات صحفية لقناة الجزيرة: إن كولومبيا مستعدة لاعتقال رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير جيشه المُقال يوآف غالانت تنفيذا لأمر المحكمة الجنائية الدولية.
وأضاف: إن “هدف حرب الإبادة التي تمارسها “إسرائيل” في غزة منع قيام وطن للفلسطينيين”.. مشيرا إلى أن “ما يحدث بفلسطين والمنطقة ليس مجرد حرب بل رسالة تخويف من دول الشمال إلى الجنوب بأكمله”.
وتابع: إن “الدول التي تحلم بالسيطرة على العالم تزيد التوترات والحروب حفاظا على سيادتها وتحكمها”.. موضحا أن “الدول الكبرى تضرب بعرض الحائط القانون الدولي وحقوق الإنسان والحضارة الإنسانية”.”.
ويشير مصطلح “الجنوب العالمي” إلى بلدان مختلفة حول العالم تنتشر في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ولا تقع جميعها في نصف الكرة الجنوبي، لكنها كانت توصف أحياناً بأنها نامية أو أقل نمواً أو متخلفة، وذلك لأنها بشكل عام، أكثر فقراً، ولديها مستويات أعلى من عدم المساواة في الدخل وتعاني من انخفاض متوسط العمر المتوقع وظروف معيشية أقسى من البلدان الموجودة في “الشمال العالمي” أي الدول الأكثر ثراء التي تقع غالباً في أميركا الشمالية وأوروبا.
وحول تضامن بلاده مع الشعب الفلسطيني، قال بيترو: “عانينا من الوحشية والقتل ولذا فإننا نشعر أكثر بمعنى الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني”.. لافتاً إلى تأثر شعبه “بهول مشاهد الإبادة التي يراها في غزة وتجعله يسترجع ذكريات قاسية”.