أسعار الفائدة المرتفعة.. أفضل للاقتصاد؟!
تاريخ النشر: 19th, October 2023 GMT
أسعار الفائدة المرتفعة.. أفضل للاقتصاد؟!
مع ارتفاع أسعار الفائدة، تتكشف الأوضاع الهشة، حيث إن الجهات الغارقة في الديون تكون عرضة للتعثر والإفلاس.
أسعار الفائدة المنخفضة تؤدي لعدم الاستقرار المالي وتعرض الاقتصاد للأزمات بظهور مؤشرات التضخم، والبنوك المركزية تشدد سياستها النقدية.
حتى الأصول قليلة المخاطر ذات العوائد المتواضعة تكون عرضة لفقدان قيمتها مما يؤدي دون شك إلى زعزعة الاستقرار المالي والاقتصادي على حد سواء.
قرار الاحتياطي الفيدرالي بعدم تغيير أسعار الفائدة، قُصد منه أن يعطي الاقتصاد فرصة التأقلم مع وضع جديد قد يكون أفضل من السابق، مما قد يبرر استمراره لفترة أطول.
الأموال منخفضة الفائدة تزيد تركز الثروة لدة قلة على حساب الغالبية العظمى، وهذا ما يضعف في الواقع القوة الشرائية للطبقات المتوسطة التي عادة ما يعتمد عليها نمو الاقتصاد.
* * *
قد يبدو للوهلة الأولى أن أسعار الفائدة المنخفضة هي الأفضل نظراً لما تتيحه من إمكانية الاقتراض بأسعار أقل كلفة، سواء لغرض الاستثمار أو الاستهلاك، كما أن مثل هذا الوضع هو في صالح التمويل العقاري الذي عادة ما ينتعش في ظل أسعار الفائدة المنخفضة.
لكن يبدو أن مثل هذا الاستنتاج قد يكون متسرعاً إلى حد ما، حيث، وفقاً للتجربة السابقة التي استمرت فيها أسعار الفوائد في أدنى مستوى وذلك خلال قرابة 15 عاماً، لم تكن كما يبدو فيها الأوضاع الاقتصادية جميعها إيجابية.
فبدلاً من أن تؤدي أسعار الفوائد المنخفضة طوال تلك الفترة إلى ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي، وجدنا أن معدلات النمو كانت متواضعة، كما وجدنا أن أسعار الفوائد المنخفضة أدت إلى ضعف الإنتاجية وزيادة في تركز الأسواق، هذا إضافة إلى اتساع الهوّة في مجال توزيع الدخل بين الطبقات الاجتماعية.
الوضع الآن بدأ في الاختلاف على ضوء الانتقال إلى سياسات نقدية أكثر تشدداً، بهدف مكافحة التضخم بما يترتب على ذلك من رفع أسعار الفوائد.
وبالطبع فإن التأقلم مع الوضع الجديد لن يكون بالضرورة سهلاً، إلا أنه قد يكون مع ذلك مفيداً وفي صالح الاقتصاد، حيث إن أسعار الفوائد المرتفعة قد تؤدي في المحصلة إلى وضع اقتصادي أكثر عدالة وأكثر إنتاجية، كما قد يؤدي ذلك إلى جعل الاقتصاد أكثر متانة وأكثر قدرة على التعامل مع الأزمات.
ولا ننسى كذلك أن أسعار الفوائد المرتفعة تشجع على الادخار، الأمر الذي ينصب في صالح الاستثمار والنمو الاقتصادي. وإضافة إلى دور أسعار الفائدة المرتفعة في كبح جماح التضخم، فإنها أيضاً تعمل على ردع المدمنين على الاستدانة والاقتراض فوق طاقتهم، سواء تعلق الأمر بالأفراد أو المؤسسات أو حتى الدول.
لقد استندت نظرية أسعار الفوائد المنخفضة إلى أساس أن مثل هذه السياسة من شأنها أن تنشط من الاستهلاك والاستثمار، من خلال جعل الاقتراض عملية غير مكلفة بالنسبة إلى المستثمرين والمستهلكين.
إلا أنه وكما يبدو، فإن هذه النظرية لم تثبت فعاليتها على أرض الواقع، حيث لم نتمكن من الاستدلال حتى الآن على العلاقة بين أسعار الفوائد المنخفضة والنمو الاقتصادي. وعلى العكس من ذلك، فإن أسعار الفوائد المرتفعة ارتبطت حسب ما يبدو بمعدلات نمو اقتصادي أعلى.
بشكل عام ووفقاً لتجربة السنوات السابقة، فإن الأموال الرخيصة التي لا تكلف إلا القليل هي في الواقع مثبطة للنمو، من خلال جعل الاقتصاد يعمل بكفاءة أقل. وعلى العكس، فإنه كلما زادت كلفة الحصول على الأموال، أدى ذلك إلى الترشيد في توظيف هذه الأموال.
إن اقتراض الأموال غير المكلف من شأنه التشجيع على مختلف التوظيفات غير المنتجة، بما يشمل المضاربات، سواء في العملات المشفرة، أو في الأسهم عالية المخاطر، أو في الشركات الوهمية، هذا إضافة إلى إضعاف جو المنافسة، من خلال عمليات التملك والاستحواذ، وبالتالي زيادة التركز في الأسواق.
وحسب ما يبدو، فإن الأموال رخيصة الفائدة تعمل على زيادة تركز الثروة في أيادٍ قليلة على حساب الغالبية العظمى من الأفراد، وهذا ما يضعف في الواقع من القوة الشرائية للطبقات المتوسطة التي عادة ما يعتمد عليها نمو الاقتصاد.
على صعيد آخر، فإن أسعار الفوائد المنخفضة لم تحسّن بشكل يذكر من النمو الحقيقي للأجور، بينما زادت بشكل كبير من أسعار الأصول التي هي في الغالب مملوكة من قِبل الأغنياء.
ولا بد مع ذلك من أن نشير إلى أن فترة أسعار الفائدة المنخفضة قد أفادت قطاعات أخرى من السكان على ضوء التحسن الكبير في أسعار المنازل والتحسن في القدرة على إعادة التمويل، الأمر الذي زاد من ثراء كثير من العوائل، بما فيها تلك التي سبق لها أصلاً تملك منازلها الخاصة.
الوضع كان بالطبع مختلفاً بالنسبة إلى المستأجرين، حيث إن أسعار الإيجارات كانت في تصاعد مستمر، والتضخم في أسعار العقارات جعل من إمكانية تملك منازل خاصة بهم أمراً بعيد المنال.
لكن ينبغي كذلك أن نشير إلى أن أسعار الفائدة المنخفضة عادة ما يكون لها دور في عدم الاستقرار المالي، حيث تجعل الاقتصاد معرضاً للأزمات بمجرد ظهور مؤشرات التضخم، وبدء البنوك المركزية بتشديد سياستها النقدية. ومع ارتفاع أسعار الفائدة، تتكشف الأوضاع الهشة، حيث إن الجهات الغارقة في الديون تكون عرضة للتعثر والإفلاس.
وحتى الأصول قليلة المخاطر ذات العوائد المتواضعة تكون أيضاً عرضة لفقدان قيمتها السوقية. ومثل هذه الأوضاع تؤدي دون شك إلى زعزعة الاستقرار المالي والاقتصادي على حد سواء.
من كل ذلك نستنتج أن قرار الاحتياطي الفيدرالي الأخير بعدم تغيير أسعار الفائدة، قُصد منه أن يعطي الاقتصاد الفرصة للتأقلم مع الوضع الجديد الذي قد يكون أفضل من الوضع السابق، الأمر الذي قد يبرر استمراره لفترة أطول من المتوقع.
*د. جاسم المناعي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي
المصدر | الخليجالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: التضخم الإفلاس الأصول الاقتصاد أسعار الفائدة البنوك المركزية الاحتياطي الفيدرالي القيمة السوقية الاستقرار المالي العقارات الاستقرار المالی أن أسعار إن أسعار عادة ما قد یکون ما یبدو حیث إن
إقرأ أيضاً:
بعد موافقة النقد على 1.2 مليار دولار| التضخم في مصر يتراجع إلى أكثر من النصف
شهدت معدلات التضخم في البلاد انخفاضًا كبيرًا خلال شهر فبراير 2025، حيث بلغ 12.8% مقارنة بـ 24% يناير العام الماضي.
ويتجه التضخم إلى الانخفاض بعد أن ارتفع إلى أعلى مستوى على الإطلاق عند 38% في سبتمبر 2023.، عندما شهدت الأسواق المحلية موجة من الارتفاعات الحادة في الأسعار نتيجة لقيام الشركات بشراء الدولار بأسعار مرتفعة من السوق السوداء، مما أدى إلى تحميل المستهلكين تكلفة إضافية.
تزامن انخفاض التضخم مع تحولات رئيسية في السياسة الاقتصادية، حيث سمح البنك المركزي المصري للجنيه بالهبوط بنسبة 40% أمام الدولار خلال مارس الماضي، بهدف تحقيق المرونة المطلوبة في سوق الصرف.
كما تم رفع أسعار الفائدة بنسبة 6%، مما ساعد على تأمين التمويل الخارجي ودعم واستقرار الاقتصاد.
لم يكن هذا التغيير بمعزل عن الدعم الاستثماري، فقد ساهمت استثمارات إماراتية بقيمة 35 مليار دولار في تعزيز قدرة مصر على مضاعفة برنامج قروضها من صندوق النقد الدولي، وهو جزء من خطة إنقاذ عالمية ضخمة تبلغ نحو 57 مليار دولار.
تباطؤ تضخم الغذاء والمشروباتكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن أسعار المواد الغذائية والمشروبات تعتبر هي المكون الأكبر في سلة التضخم بعد ان ارتفعت بنسبة 3.7% فقط في فبراير 2025، مقارنة بنسبة 20.8% في يناير من العام نفسه. أما على أساس شهري، فقد ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 1.4% مقابل 1.5% في الشهر السابق، وهو ما يعكس وتيرة أكثر هدوءًا لارتفاع الأسعار.
هل يمهد التراجع لخفض أسعار الفائدة؟يرى خبراء الاقتصاد أن انخفاض معدل التضخم يمنح البنك المركزي المصري فرصة لاتخاذ قرار طال انتظاره بشأن خفض أسعار الفائدة، حيث من المتوقع أن يبدأ دورة التيسير النقدي خلال اجتماع السياسة النقدية المقبل في 17 أبريل 2025.
وكان البنك المركزي قد قرر في اجتماعه الأخير يوم 20 فبراير الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير عند 27.25% للإيداع و28.25% للإقراض، وذلك للمرة السابعة على التوالي. إلا أن التباطؤ الحالي في التضخم قد يدفع البنك إلى مراجعة هذه السياسة، بهدف تخفيف أعباء الديون المرتفعة وتحفيز النمو الاقتصادي.
كان أحمد كجوك وزير المالية، قد اعلن عن قيام صندوق النقد الدولي بالموافقة على صرف الشريحة الرابعة من قرض مصر والتي تقدر بـ 1.2 مليار دولار.
يعد خفض أسعار الفائدة خطوة ضرورية لإنعاش الاقتصاد المصري، حيث سيساهم في تعزيز الاستهلاك المحلي، وتشجيع القطاع الخاص، وتحفيز الصناعات المحلية. ومع استمرار انخفاض التضخم واستقرار الأسواق،وتبدأ مصرمرحلة جديدة من النمو الاقتصادي المستدام.