ذكرت الدكتورة زينب محمد السعيد، أمينة الفتوى بدار الإفتاء المصرية أن عِمارةَ الأرضِ وإصلاحَها من المقاصدِ العليا التي جاء بها الإسلام، والتي لا يختلف عليها عاقلان، قال تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]، والأرضُ إنما تَسْلَمُ بسلامةِ المجتمعاتِ من الفتنِ والتفرقِ والاختلافِ المذموم، وهنا تكْمُنُ أهميةُ الفتوى المنضبطةِ، والتي إن تلقَّتْها الأنفسُ الوَجِلةُ اطمأنَّتْ، وإن أدركَتْها العقولُ الحائرةُ اهتَدَتْ واستقرَّتْ.

. فينسدُّ بها بابٌ عظيمُ الخطرِ من التشاحنِ والفُرْقةِ والخلافِ الهدَّام.

جاء ذلك خلال كلمتها التي تناولت موضوع "الفتوى المنضبطة، وأثرها في سلامة المجتمع" ضمن فعاليات الجلسة العلمية الثانية لمؤتمر "الفتوى وتحديات الألفية الثالثة" وأضافت: ولكن.. .هل تستطيعُ الفتوى مواجهةَ كلِّ هذهِ المخاطر الفكرية، ومواكبةَ كلِّ التحدياتِ المعاصرة، والتي هي في تزايدٍ مستمرٍ نتيجة للتقدم العلمي والتكنولوجي، مع استحالةِ أنْ نجدَ بخصوصِ كلِّ واقعةٍ تقَعُ نصًّا صريحًا يبينُ حُكْمَ الشرْعِ فيها؟! الإجابة: نعم.. وبلا أدنى شك، ذلك لأنَّ النصَّ الشرعيَّ وإن كان محدودًا في مادَّتِه مِنْ حيثُ الألفاظُ والحروفُ، إلا أنه غيرُ محدودٍ في قدرتِه على التجدُّدِ والاستمرارِ والإنتاج، ومواكبةِ كلِّ التطوراتِ الزمانيةِ والمكانيةِ، خاصَّةً إذا عكَفَت على فَهْمِهِ عقليةٌ مستنيرةٌ متشبعةٌ بالمنهج الإسلامِيِّ الفريدِ الذي خاطبَ الإنسانَ بضرورةِ إعمالِ العقلِ منذُ اللحظةِ الأولى.

وأوضحت د.زينب أن النصَّ الشرعي مع ثبوتِه وانحصارِ مادّتِه.. متجددٌ، سَيَّالٌ، وفيرُ النِّتاج، مستوعبٌ لكلِّ ما يطرأُ من فروعٍ، بما أودعه الله تعالى فيه من مُقَوِّماتِ المنهجِ المُطَّردِ المحكمِ، ومصادِرِ القواعدِ الراسخةِ المنضبطةِ، التي يمكن بإعمالها احتواءُ كلِّ ما لم يشملْهُ النَصُّ.

وتابعت قائلة: ولا نَعْجَبُ أبدًا إذا عَرَفْنا أنَّ هذه الحقيقةَ التي سرَدْناها هي المفتاحُ الحقيقيُّ لمواجهةِ كافةِ التحدياتِ الفكريةِ والأخلاقيةِ.. .والذي هو عُنوانُ هذهِ الجَلْسة المباركةِ ومحوَرُها الرئيس.. ذلك أننا كثيرًا ما نُصْدَمُ في هذا العصرِ بعددٍ من الأطروحاتِ الفكريةِ والأخلاقيةِ.. التي قد لا تتوافقُ بشكلٍ كاملٍ مع أخلاقِنا وأعرافِنا وقِيَمِنا، لا كمجتمعٍ إسلاميٍّ فقط بل كمجتمعٍ إنسانيٍ راق..

وأشارت د.زينب إلى أن الإسلامَ في الأصلِ لم يأتِ إلا بما يجعلُ الإنسانَ إنسانًا بمعناهُ الأسمى، الموافقِ لتكريمِ اللهِ تعالى له وتشريفِه إياه، فإذا غابَ عن ذلك الإنسانِ الأصولُ المستقرةُ والقواعدُ المنضبطةُ.. تردَّدَ وتحيَّرَ وتشتَّت، فكان نتيجة ذلك أنه خَلَطَ فغَلِطَ.. فخرجَ لنا بمثلِ هذهِ الأطروحاتِ الحائرة، وقديمًا قالوا: من ضيَّع الأصولَ والكُلّيات تلاعبَتْ به الفروعُ والجزئيَّات.

وأوضحت أن هذا يُحَتِّمُ علينا كمتخصِّصِينَ في الفتوى والخطابِ الشرعيِّ.. أنْ نُحْسِنَ فَهْمَ كلِّ ما يَسْتَجِدُّ من أطروحاتٍ إلى الحدِّ الذي يجعلُنا أفْهمَ بِها ممنْ يَطْرَحُها أو يَتَبَنَّاها.. وحينئذٍ فقط نستطيعُ أن نَقبلَها إن كانتْ موافقةً للدينِ والأعرافِ، أو نرفضَها ونبينَ ما بها من قصورٍ منهجيٍّ لا يقبلُه العقل الصحيح، وبالتالي فلن يرضى بها الدينُ كذلك، مع ما ستؤول إليه حتمًا من مفاسِدَ وسَلْبِيّاتٍ.

وشددت على أن الفهمَ الدقيق والتصور الصحيح هو المرتكزُ الأولُّ الذي نستطيعُ به مواجهةَ التحدياتِ الفكريةِ في ألفيةِ العالَمِ الثالثةِ، وتتميمًا لنتائج هذا المرتكزِ المهمِّ فإنه مما يتحتم علينا أيضًا بعد استيعاب وفهم تلك الأطروحات مناقشتُها بأسلوبِ الخطابِ اللائقِ الذي يتناسب مع أدواتِ العصرِ وتطوراتِه، إذ ربما كانتِ الفكرةُ صحيحةً لكنْ قصورُ طريقةِ توصيلِها والتعبيرِ عنها جعلَها غامضةً أو غيرَ واضحةٍ، فيظنُّ المتلقِّي أنها لا فائدةَ فيها، ويتوهَّمُ عدمَ صحتِها، فيعرضُ عنها.

واختتمت أمينة الفتوى كلمتها بالتأكيد على أن دارَ الإفتاءِ المصريةَ مع ما لها من رصيد ضخم في المحافظة على سلامة المجتمع ومواجهة التحديات الفكرية من خلال ما تقدم من فتاوى بأسلوب علمي رصين، فإنه قد كانَ لها السبقُ في إطلاقِ عددٍ من البرامجِ الإذاعيةِ التي تَهْدُفُ من خلالِها إلى توصيلِ الخطابِ الشرعيِّ المنضبطِ للطفلِ والمرأةِ والأسرةِ والمجتمعِ كلِّه بأسلوبٍ عصريٍّ واضحٍ ومدروسٍ.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: فلسطين القضية الفلسطينية دار الإفتاء فعاليات اليوم الثاني العصر الرقمي التشريع مؤتمر الإفتاء المؤتمر العالمي للإفتاء موقف الرئيس السيسي الجلسة العلمية الق ي م والأخلاق الإسلامي ة الانحرافات الفكرية الإعتداء على فلسطين الفكر الإقتصادي الإسلامي الإنفتاح العالمي

إقرأ أيضاً:

حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع.. دار الإفتاء تجيب

قالت دار الإفتاء المصرية، إنه يجوز تخصيص جزءٍ من مال الزكاة في مساعدة الغارمين، والمساهمة بتحسين الخدمات التعليمية، وعمل مشاريع استثمارية وإنتاجية من أموال الزكاة بشرط توخي مصلحة الفقراء في إقامتها وتمليكها لهم.

وأضاف دار الإفتاء، فى منشور لها عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن كفاية الفقراء والمحتاجين مِن المَلْبَسِ والمَأكلِ والمَسْكَنِ والمعيشةِ والتعليمِ والعلاجِ وسائرِ أمورِ حياتِهم هي التي يجب أن تكون مَحَطَّ الاهتمام في المقام الأول؛ تحقيقًا لحكمة الزكاة الأساسية التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ».

ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية يقول صاحبه: «ما حكم إخراج الزكاة للأقارب المتعثرين ماليًا؟»، عبر البث المباشر لها على صفحتها الرسمية بـ "فيسبوك".

وأجاب الشيخ محمود شلبي، أمين الفتوى بالدار، أنه يجوز أن تعطي الزكاة للأقارب المتعثرين ماديًا وللإخوة أيضًا، مضيفًا أن زكاة المال لا تجب على الأبوين، والأولاد، والزوجة.

وأشار أمين الفتوى إلى شروط الزكاة وهي: أن يصل المال لنصاب الزكاة وهو ما يعادل قيمة 85 جرام ذهب عيار 21، مع مرور حول كامل عليه.

هل إعطاء الزكاة للأقارب يضاعف الثواب والأجر ؟

سؤال ورد إلى دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي" فيسبوك".

وأجابت دار الإفتاء قائلة: "إعطاء الزكاة لمستحقها الذي تربطه صلة قرابة بالمزكِّي أولى وأفضل في الأجر والثواب من إعطائها لمن لا تربطه به صلة قرابة.

وأوضحت " الإفتاء" أن النبي - صلى عليه وآله وسلم- قد بين ذلك بقوله: «الصَّدَقَةُ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ»، رواه الترمذي.

و نوهت أن ذلك بشرط أن لا يكون هؤلاء الأقارب ممن تجب على المزكي نفقتهم.

هل يجوز للأب أن يعطي ابنته المتزوجة من زكاة المال؟

قال الدكتور محمد عبد السميع، مدير إدارة الفروع الفقهية وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إنه لا مانع أن يعطي الأب ابنته المتزوجة من زكاة ماله إن كانت من المستحقين لها؛ لأن نفقتها ليس واجبة عليه وإنما هي مسؤولة من زوجها.

وأضاف « عبد السميع» فى إجابته عن سؤال تقول صاحبته: «هل يجوز للأب أن يعطي ابنته المتزوجة من زكاة المال بنية الصدقة؟» أنه كلما النفقة غير واجبة على الشخص الذي نريد إعطاءه من زكاة المال إليه؛ يجوز إخراج جزء من الزكاة إليه.

وأوضح أمين الفتوى عبر فيديو البث المباشر لدار الإفتاء المصرية على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي « فيسبوك» أن هذا المال الذي يخرجه الأب لابنته من مال الزكاة يكون بنية «الزكاة» وليس « الصدقة»؛ مختتمًا هناك فرق.

مقالات مشابهة

  • وحدة "حوار" بدار الإفتاء تحقِّق إنجازاتٍ بارزةً خلال عام 2024
  • وَحدة حوار بدار الإفتاء المصرية تحقِّق إنجازاتٍ بارزةً خلال عام 2024
  • حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع.. دار الإفتاء تجيب
  • التصرف الشرعي لشخص أقسم على شيء ويريد التراجع عنه.. الإفتاء تكشف عنه
  • حصاد "الإفتاء" لعام 2024.. البيان الأول
  • الأهرام: حماية العقول من الفوضى في الفتاوى جزء من الأمن القومي للوطن
  • حكم طواف الإفاضة للحائض.. دار الإفتاء ترشد النساء للحل الشرعي
  • تعرف على حصاد دار الإفتاء المصرية لعام 2024
  • مليون و400 ألف فتوى.. حصاد فتاوى دار الإفتاء المصرية خلال عام 2024
  • %67 منها للأسرة.. دار الإفتاء المصرية تُصدر 1,422,921 فتوى خلال عام 2024