من التعاون إلى التحالف فالمحور.. روسيا والصين توقعان أكبر صفقة في تاريخ علاقتهما
تاريخ النشر: 19th, October 2023 GMT
عززت الأزمة التي تواجهها روسيا في ظل العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة والغرب بعد العملية العسكرية في أوكرانيا، من التوجه الروسي نحو مزيد من الانفتاح على علاقات أوسع مع الصين.
ازداد تقارب نهج روسيا والصين تجاه القضايا الأساسية للنظام العالمي الحديث والمشاكل الدولية الرئيسية، وأصبحت الدولتان داعماً أساسياً لبعضهما البعض في العديد من القضايا، وموسكو تساند بكين في عدة قضايا منها تايوان وشينجيانج التي يستخدمها الغرب ضد الصين.
ورغم تأكيد الصين أنها تقف على الحياد في حرب روسيا على أوكرانيا، فإن الدول الغربية تطالب الصين باتخاذ موقف أكثر وضوحا وعدم تعزيز العلاقة مع موسكو.
واقتنصت الصين من جانبها الفرصة لحصد عديد من المكاسب جراء هذا التقارب، لا سيما المكاسب الاقتصادية المرتبطة بالحصول على الغاز والنفط الروسي بأسعار مخفضة في ظل ما تشهده شبكة الإمدادات العالمية من الغاز من اضطرابات.
وتأكيداً لما سبق، أبرمت موسكو وبكين صفقة ضخمة لتوريد الحبوب والبقوليات والبذور الزيتية الروسية إلى الصين، في إطار زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بكين للمشاركة في “منتدى الحزام والطريق الثالث للتعاون الدولي”. وفق ما أكدته وكالة تاس الروسية.
وقال رئيس مبادرة “ممر الحبوب البري الجديد” الروسي كارين أوفسيبيان: “لقد وقعنا اليوم واحدا من أكبر الاتفاقات في تاريخ العلاقات بين روسيا والصين، يحقق صفقة بقيمة 2.5 تريليون روبل (بنحو 25.7 مليار دولار) لتوريد 70 مليون طن من الحبوب للصين على مدى 12 عاما”.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكد الأربعاء 18 أكتوبر، خلال مباحثات مع الرئيس الصيني شي جين بينج في بكين أن حجم التجارة بين روسيا والصين سيتجاوز 200 مليار دولار حتى نهاية العام.
وحسب الوكالة، جرت المباحثات بين الزعيمين الروسي والصيني في إطار مشاركة الرئيس الروسي في منتدى “الحزام والطريق”، المنعقد في بكين خلال يومي 17- 18 من أكتوبر الجاري بمشاركة رؤساء وممثلين قرابة 140 دولة و30 منظمة دولية.
يذكر أن “الحزام والطريق”، مبادرة دولية أطلقتها الصين بهدف تطوير ممرات نقل تجارية تربط قارات العالم والبنية الأساسية والتجارية والتمويل والخدمات اللوجستية، وتقوية الروابط الشعبية لتعزيز التنمية التجارية وتحقيق التنمية والازدهار للدول المشاركة على طول الطريق.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأربعاء، خلال زيارته بكين، إنّ الصراعات والتهديدات في العالم "تُعزّز" الروابط بين بلاده والصين، مضيفاً، "في ما يتعلق بتأثير العوامل الخارجية والصراعات على تطوّر العلاقات الروسية الصينية، فإنّ كلّ هذه العوامل الخارجية تشكّل تهديدات مشتركة تعزّز التعاون بين روسيا والصين".
كذلك، دعا فلاديمير بوتين إلى "النظر بتفاؤل" إلى "آفاق" التعاون مع حليفته الصين، الشريك الأساسي لموسكو في وقت تُلقي فيه العقوبات الدولية بثقلها على الاقتصاد الروسي.
وكان الرئيس الروسي يتحدّث خلال مؤتمر صحفي، بعد ساعات قليلة من لقائه مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي أشاد بالثقة المتبادلة "المتنامية" بين البلدين.
وقال شي لحليفه بحسب ما ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة "الثقة المتبادلة بين البلدين في نمو مستمر"، في وقت يبدي فيه الرئيسان وحدتهما ازاء الغرب، ودعا شي أيضًا إلى "بذل جهود" صينية روسية لحماية "الإنصاف والعدالة الدوليين" مشيدا ب"التنسيق الاستراتيجي الوثيق والفعال" بين البلدين، حسب الوكالة نفسها.
وأشار الرئيس الصيني أيضا إلى أنه التقى فلاديمير بوتين "42 مرة خلال السنوات العشر الأخيرة" وأن الرجلين "طورا علاقة عمل جيدة وصداقة عميقة"، مضيفاً "بلغت المبادلات الثنائية مستوى غير مسبوق وتقترب من هدف 200 مليار دولار الذي حدده الطرفان".
والتقى الرئيسان في قصر الشعب على هامش منتدى "الحزام والطريق" الذي ينظم في العاصمة الصينية، والذي يأتي في وقت تتوجّه فيه أنظار العالم إلى الحرب بين إسرائيل وحماس.
وتستضيف الصين هذا الأسبوع في بكين ممثلي 130 بلدًا في منتدى "الحزام والطريق" وهو مشروع ضخم لتطوير البنى التحتية في الخارج أطلقه الرئيس شي جينبينغ قبل عقد من الزمن. ويشكل فلاديمير بوتين الضيف الرئيسي في هذه القمة التي تستمر حتى الأربعاء.
ويجري الرئيس الروسي أول زيارة له لقوة عظمى منذ غزو موسكو لأوكرانيا في فبراير 2022 الذي ادى إلى قطع العلاقات بين روسيا ودول أخرى كثيرة. وأضاف "نحن نعارض العقوبات الأحادية والإكراه الاقتصادي وفكّ الارتباط".
وفي إطار من التوتر مع بكين، يدعو بعض المسؤولين السياسيين في أوروبا والولايات المتحدة منذ عدة أشهر الى قطع أي رابط اقتصادي مع العملاق الآسيوي او على الاقل الحد من اعتمادهم عليه.
وقال شي "ان النظر إلى تنمية الآخرين كتهديد، والترابط الاقتصادي كخطر، لن يحسن حياة الجميع، ولن يجعلهم يتطورون بشكل أسرع".
وأعلن الرئيس الروسي أن "روسيا الاتّحادية والصين، على غرار غالبية الدول، تتشاطران الرغبة في تعاون على قدم المساواة في العالم".
وغادر رئيس الوزراء الفرنسي السابق جان بيار رافاران، الذي حضر المنتدى بصفته مبعوثاً خاصاً للرئيس إيمانويل ماكرون، الصالة قبل فترة وجيزة من بدء خطاب بوتين، وفقاً لصحافيين موجودين في المكان.
وخلال لقائه مع "صديقه العزيز" شي جينبينج، أكد الرئيس الروسي على أهمية "التنسيق الوثيق في السياسة الخارجية" في ظلّ "الظروف الحالية الصعبة"، وفق الكرملين.
ورحّب بوتين بـ"نجاح" مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين. وقال "بالنظر إلى الأبعاد العالمية للمبادرة التي أطلقها الزعيم الصيني قبل عقد من الزمن، بصراحة، كان من الصعب على المرء أن يتوقّع نجاحها".
وفي خطابه، دافع شي جينبينج عن طرق الحرير الجديدة، مشروع البنى التحتية الواسع النطاق الذي تقدمه بكين في حوالى مئة دولة مؤكدة انها تريد "اعطاء زخم جديد للاقتصاد العالمي.
وقال شي "تهدف طرق الحرير الجديدة إلى تعزيز التواصل في مجال السياسة والبنى التحتية والتجارة والتمويل وبين الشعوب وإعطاء زخم جديد للاقتصاد العالمي". وأضاف "نعتقد بشدة ان التعاون المربح للجانبين هو وحده الذي يتيح القيام بأمور والقيام بها بشكل جيد".
يأتي اللقاء بين بوتين وشي جينبينج في وقت تشتد فيه الحرب بين اسرائيل وحماس، ووصف بوتين الأربعاء القصف الذي طال مستشفى في غزة موقعاً مئات القتلى بالـ"مأساة"، بينما أعربت الصين عن "صدمتها" ودانت "بشدّة" هذه العملية.
وحضر ايضا الى بكين الأمين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي اعتبر الاربعاء ان هجوم حماس في اسرائيل "لا يمكن ان يبرر العقاب الجماعي للفلسطينيين" في غزة. ودعا الى "وقف اطلاق نار انساني فورا".
وفي الشهر الماضي، قام الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون بزيارة رسمية إلى روسيا، وهي أول دولة يزورها منذ جائحة كوفيد-19، وفي 12 سبتمبر، وصل قطار كيم الخاص إلى محطة خاسان الحدودية، والتقى كيم وبوتين في ميناء فوستوشني.
ويُحدد محللون مجموعة من المكاسب التي تسعى الصين إلى تحقيقها، سواء حالياً أو في فترات مقبلة، من خلال تقاربها الآخذ في التصاعد على ذلك النحو مع روسيا، ومن بينها:
على المستوى الاقتصادي: ضمان الوصول إلى السلع والموارد الروسية (بما في ذلك النفط والغاز) بأسعار مخفضة.على المستوى السياسي: تتطلع بكين إلى الحصول على نفس مستوى المساعدة حال إقدامها على القيام بعملية عسكرية في تايوان (تراقب بكين عن كسب تطورات الأوضاع في أوكرانيا وسط مقاربات مع المشهد بالنسبة لها في تايوان رغم اختلاف المشهدين).على المستوى الخارجي: قواسم مشتركة بين البلدين وتوافقات استراتيجية وأيدلوجية (من بينها رفض القطب الواحد في النظام العالمي).ومن جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي ديمتري بريجع، إن ثمة اهتمامات مشتركة ومصالح اقتصادية كثيرة تجمع البلدين، وعندما أقبلت روسيا على تطوير علاقتها مع الصين على ذلك النحو فإنها مدفوعة بالضرورة التي حتمت ذلك في ظل ابتعاد الغرب عن موسكو (..) وليس بوسعها حالياً التراجع عن هذا التقارب مع الصين، موضحاً في الوقت نفسه أن بكين تجني من خلال ذلك التقارب عدداً من المكاسب الرئيسية، من بينها:
الاستفادة من الثروات الباطنية في روسيا.هناك مؤشرات على أن الصين -ومع زيادة عدد السكان- قد تتجه إلى محاولة بناء مصانع في الداخل الروسي، كما أن هناك حديثاً بأن بكين ستبدأ ببناء مدن صغيرة لها في مناطق قرب الحدود الصينية الروسية (..) هناك مؤشرات طفيفة لذلك ولكنها واضحة.ويوضح في تصريحات له، أن "الاستفادة متبادلة جراء تطور تلك العلاقة بين البلدين، ولا سيما بالنسبة للصين التي تستفيد اقتصادياً بشكل كبير من الثروات الباطنية الروسية"، مشيراً إلى أن "ثمة مخاوف يشير إليها بعض المحللين الروس مرتبطة بتمدد الصين في الداخل الروسي عبر بناء المصانع، وهو ما يعده البعض هناك بمثابة احتلال لهذه الأراضي في ضوء بعض المؤشرات على ذلك".
ويرى الخبير والمحلل السياسي، أن "الاتفاقات التي وقعت بين الرئيسين الصيني والروسي سوف تلعب دوراً مهماً في العلاقات الثنائية (..)"، مشيراً في الوقت نفسه إلى ما شهده اللقاء الأخير الذي جمع الرئيسين فيما يخص خط سيبيريا الثاني، وهو المشروع الذي يساعد روسيا اقتصادياً بشكل كبير بعد توقف ضخ إمدادات الغاز إلى أوروبا تقريباً، وبما يجبرها على البحث عن حلفاء جدد.
وبالنسبة لروسيا أيضاً، يعتقد بريجع، بأن تطوير العلاقات مع الصين على ذلك النحو ربما يكون داعماً مهماً في الانتخابات الرئاسية المقبلة (..). فيما يؤكد في الوقت نفسه أن بكين لديها نوع من التحفظ في سياساتها الخارجية، لجهة الرغبة في موازنة العلاقات، في ضوء علاقاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، كما أن ثمة اختلافاً واضحاً في السياسة الخارجية لروسيا والصين.
وتتزامن المكاسب الصينية مع رغبة روسيا في تأمين دعم ملائم لها وعلاقات أكثر قوة في ضوء ما تواجهه من تحديات منذ الرابع والعشرين من فبراير 2022 وهو تاريخ بدء العملية العسكرية في أوكرانيا.
وعززت تلك المكاسب التي يصبو إليها الطرفان نمو العلاقات الاقتصادية بينهما على نحو واسع، وهو ما تُظهره بيانات حجم التبادل التجاري، وإن كانت تصب في المقام الأول في صالح الصين بصورة أساسية، على النحو التالي:
ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام 2022 بمقدار الثلث تقريباً (وفق رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين).بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين العام الماضي حوالي 190 مليار دولار ، مقارنة بـ 147 مليار دولار في العام 2021.يستهدف البلدان رفع حجم التبادل التجاري إلى 200 مليار دولار العام الجاريالمحفظة الاستثمارية للجنة الحكومية الروسية الصينية في التعاون الاستثماري تشمل 79 مشروعاً بقيمة 165 مليار دولارالحصول على الطاقة بأسعار مخفضةوفيما يتصل بهدف الصين في الحصول على ضمان الوصول إلى السلع والموارد الروسية (بما في ذلك النفط والغاز) بأسعار مخفضة، فإن الأرقام الرسمية تُظهر حجم التطور الذي شهدته الواردات الصينية من الطاقة الروسية على مدار العام الأول من الحرب في أوكرانيا، على النحو التالي:
طبقاً للبيانات الصادرة عن عملاق الطاقة الروسي غازبروم، فقد ارتفعت صادرات الغاز الروسي إلى الصين خلال العام 2022 بمعدل 15.5 مليار متر مكعب.تعد روسيا أكبر مورد للنفط للصين في يناير وفبراير، بشحنات بلغت حوالي 15.68 مليون طن من النفط الخام (وفق بيانات من الإدارة العامة للجمارك في الصين)بلغت مشتريات الصين البلاد من موارد الطاقة الروسية المختلفة، نحو 88 مليار دولار خلال العام الأول من الحرب في أوكرانيا، وذلك ارتفاعاً من 57 مليار دولار في العام السابق لهذه الفترة.خلال العام الأول من الحرب، ارتفعت واردات الصين من النفط الخام الروسي إلى 89.3 مليون طن، مقابل من 78.4 مليون طن في الفترة السابقة.خلال العام نفسه، ارتفعت مشتريات بكين من الغاز الطبيعي المسال الروسي بنسبة 52 بالمئة إلى 6.86 مليون طن. كما ارتفعت وارداتها من الفحم الروسي بنسبة 33 بالمئة إلى 76.4 مليون طن.المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: روسيا الصين روسيا والصين الرئيس الروسى بوتين الرئيس الصينى بكين حجم التبادل التجاری فلادیمیر بوتین الحزام والطریق الرئیس الروسی الرئیس الصینی روسیا والصین ملیار دولار بین البلدین فی أوکرانیا من المکاسب بین روسیا ملیون طن مع الصین على ذلک فی وقت
إقرأ أيضاً:
ما الذي سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل؟
خطا الرئيس السوري أحمد الشرع ثلاث خطوات مُهمة نحو إعادة توحيد سوريا، ومواجهة مشاريع تقسيمها. الأولى، إفشال التمرد المُسلّح الذي قادته خلايا النظام المخلوع في مناطق الساحل بهدف إسقاط الدولة الجديدة وإشعال حرب أهلية. والثانية، إبرام اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لدمجها في الدولة الجديدة، والثالثة، الاتفاق مع أهالي ووجهاء محافظة السويداء الجنوبية على دمجها الكامل في مؤسسات الدولة.
مع ذلك، تبقى مُعضلة الجنوب السوري إشكالية ضاغطة على سوريا؛ بسبب التحركات التي بدأتها إسرائيل منذ الإطاحة بنظام الأسد واحتلالها أجزاء جديدة من الأراضي السورية ومحاولتها تأليب دروز الجنوب على إدارة الرئيس الشرع.
على الرغم من أن إسرائيل سعت في البداية إلى تسويق تحرّكاتها العدوانية في سوريا في إطار مواجهة مخاطر أمنية مزعومة تُهددها، فإن النهج الإسرائيلي أصبح بعد ذلك أكثر وضوحًا، خصوصًا بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 23 فبراير/ شباط الماضي عن نوايا إسرائيل الإستراتيجية في سوريا. وتتضمن هذه النوايا تحقيق أربعة أهداف متوسطة وبعيدة المدى.
أولًا، تكريس احتلال المنطقة العازلة في الجولان وقمة جبل الشيخ الإستراتيجية كأمر واقع من خلال ربط التواجد الإسرائيلي فيهما بالتهديدات المزعومة بعيدة المدى التي تواجه إسرائيل من سوريا، وليس القريبة المدى. وبالنظر إلى أن المناطق المُحتلة الجديدة ليست كبيرة من حيث الحجم، فإن إسرائيل قادرة على الاحتفاظ بها، إما بهدف ضمها لها بشكل نهائي، أو بهدف تعزيز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية مُحتملة مع النظام الجديد في سوريا.
ثانيًا، محاولة إحداث شرخ كبير بين الدروز في جنوب سوريا والإدارة الجديدة كبوابة لتأسيس كيان درزي كمنطقة عازلة بينها وبين سوريا. ولا تقتصر وسائل إسرائيل بهذا الخصوص على تشجيع النزعة الانفصالية بين الدروز، وتقديم نفسها كحامٍ لهم، بل تشمل كذلك طرح مطلب تحويل جنوب سوريا إلى منطقة منزوعة السلاح وعدم انتشار الجيش السوري الجديد فيها، فضلًا عن اعتزام السماح للدروز بالعمل داخل إسرائيل.
ثالثًا، تدمير ما تبقى من الأصول العسكرية التي أصبحت ملكًا للدولة السورية بعد الإطاحة بنظام الأسد من أجل إضعاف القدرات العسكرية لهذه الدولة، وتقويض قدرتها على امتلاك عناصر القوة لبسط سيطرتها على كافة أراضيها وللتعامل مع التحديات الأمنية الداخلية التي تواجهها، خصوصًا مع الأطراف: (قسد، خلايا النظام في الساحل، والتشكيلات المسلحة في الجنوب). وتندرج هذه الإستراتيجية ضمن أهداف إسرائيل في تشجيع النزعات الانفصالية على الأطراف لإضعاف السلطة المركزية في دمشق.
رابعًا، تقويض قدرة تركيا على الاستفادة من التحول السوري لتعزيز دورها في سوريا، وفي المنافسة الجيوسياسية مع إسرائيل في الشرق الأوسط. ولهذه الغاية، تعمل إسرائيل على مسارات مُتعددة، ليس فقط محاولة إيجاد موطئ قدم لها بين الدروز في الجنوب، بل أيضًا شيطنة الإدارة السورية الجديدة للتأثير على القبول الدولي بها، والضغط على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لعدم الاعتراف بالرئيس الشرع، وإبقاء العقوبات على سوريا كسيف مُصلت عليها لتحقيق مصالح إسرائيل، والضغط كذلك على واشنطن لإقناعها بالحاجة إلى بقاء الوجود العسكري الروسي في سوريا كضرورة لمواجهة نفوذ تركيا.
حتى في الوقت الذي يبدو فيه تقسيم سوريا أو فَدْرلتها أو تحويل الجنوب إلى منطقة منزوعة السلاح (عدم وجود الجيش السوري فيها)، غير مُمكن وغير واقعي، فإنه من المرجح أن تحتفظ إسرائيل باحتلال المنطقة العازلة وقمة جبل الشيخ الإستراتيجية لفترة طويلة.
كما ستسعى لاستثمار الفترة الطويلة التي ستستغرقها عملية بناء الدولة الجديدة ومؤسساتها العسكرية والأمنية من أجل مواصلة شن ضربات على امتداد الأراضي السورية؛ بذريعة مواجهة تهديدات مُحتملة، أو خطر وقوع مثل هذه الأسلحة في أيدي جماعات تُشكل تهديدًا لإسرائيل.
إن هذا النهج الإسرائيلي المُحتمل ينطوي على مخاطر كبيرة على سوريا وإدارتها الجديدة، لأنه سيُقوض من قدرتها على تحقيق استقرار داخلي كامل وبناء مؤسسة عسكرية قوية. ولا تبدو احتمالية الدخول في حرب مع إسرائيل واردة على الإطلاق على جدول أعمال الرئيس الشرع، خصوصًا في هذه المرحلة التي تفرض عليه تركيز أولوياته على إنجاح المرحلة الانتقالية، وإعادة بناء الدولة، وبناء علاقات جيدة مع الغرب من أجل رفع العقوبات المفروضة على سوريا وإطلاق عملية إعادة الإعمار.
لقد شدد الشرع في القمة العربية الطارئة، التي عُقدت في القاهرة، على ضرورة العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل لعام 1974، بما في ذلك انسحاب إسرائيل من الأراضي الجديدة التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد. ويعمل الشرع على ثلاثة سياقات لمواجهة التحدي الإسرائيلي.
التأكيد على التزامه باتفاقية فض الاشتباك لإظهار رغبته في تجنب أي صدام عسكري مع إسرائيل.
تقويض قدرة إسرائيل على استثمار الانقسامات الطائفية والمجتمعية والعرقية في سوريا من خلال السعي لدمج الحالات على الأطراف: (الشمال الشرقي، الساحل، الجنوب) في الدولة الجديدة.
تعزيز القبول الدولي به لإقناع القوى الفاعلة في المجتمعين: الإقليمي والدولي بالضغط على إسرائيل للحد من اندفاعتها في سوريا، والعودة إلى الوضع الذي كان قائمًا في الجنوب قبل سقوط نظام بشار الأسد.
علاوة على ذلك، يُحاول الشرع توسيع هامش المناورة لديه في مواجهة التحدي الإسرائيلي من خلال تعميق الشراكة الجديدة لسوريا مع تركيا.
على الرغم من وجود مشروع لاتفاقية دفاع مشترك بين تركيا وسوريا، فإن الشرع لا يزال متريثًا في الإقدام على هذه الخطوة لاعتبارات مُتعددة. لكنه في حال تصاعد خطر التحدي الإسرائيلي على استقرار سوريا ووحدتها، فإنه قد يلجأ إلى هذه الاتفاقية للحصول على دعم تركي في تسليح الجيش السوري الجديد، وتعزيز قدرته على مواجهة هذا التحدي.
والخلاصة أن التحدي الإسرائيلي يُوجد عقبات كبيرة أمام نجاح التحول في سوريا، لكنه يُوجد في المقابل فرصًا للشرع لبلورة إستراتيجية متكاملة للتعامل مع هذا التحدي، وتعزيز القبول الدولي به كضمان لمنع اندلاع حرب بين سوريا وإسرائيل في المستقبل.