شكلت ثورة أكتوبر نقلة نوعية في وعي شعبنا الديمقراطي (5-5)
تاريخ النشر: 19th, October 2023 GMT
هذا هو الجزء الخامس والأخير من دراسة " أحدثت ثورة أكتوبر نقلة نوعية في الحركة النقابية العمالية". ناقشت الأجزاء السابقة العوامل التي ساعدت على قيام النقابات، ووضع النقابات خلال الحكم الوطن الأول ثم نضالها ضد الحم العسكري، ونهوضها العارم في فترة ما بعد الثورة.
نشأت الحركة النقابية العمالية في معمعة النضال ضد الادارة الاستعمارية، ومشروعها الرامي لقطع الطريق على قيام نقابات مستقلة كاملة الصلاحيات.
نلاحظ ، على ضوء قراءة الواقع الراهن للاقتصاد السوداني ان الازمة الاقتصادية المستحكمة ليس من المنظور الفكاك منها في ظل الوضع الحاكم الحالي والسياسات الراهنة. هذا الوضع الاقتصادي المزرى يؤدى حتما لتدهور مريع ومستمر لمستوى معيشة العاملين ويضيف مزيدا من الضيق والانكماش على سوق العمل، الضيق اصلا ، مما يرغم العاملين على التفكير الجاد حول دور نقاباتهم وضرورة ممارساتها لمهاها الاساسية في الدفاع عن حقوقهم. تفعيل النقابات، الناتج عن الضغوط المعيشية ، سيؤدى حتما للاصطدام بسياسات النظام الاقتصادية ومن ثم بالنظام نفسه. هذه العملية ليست سهلة او بسيطة كما تبدو في الظاهر وذلك لوجود حلقة مفقودة هي قلة القيادات النقابية المخلصة والمنحازة لقواعدها والموجودة بينها في الورش والمصانع بسبب التشريد المستمر او رفض تعيين من يملكون خبرة نقابية حاليا.
تصفية القطاع العام ، حيث قوة تأثير الحركة العمالية ، وقانون النقابات المبنى على نقابة المنشاة ، وعسكرة الاقتصاد بعشرات الشركات التابعة للأمن و الجيش ، وقلة فرص العمل ، وتشريد الالاف من العمال الذى خبروا الحركة النقابية وتمرسوا في مدرستها ، و كمثال تم فصل 4 الف عامل من السكة الحديد في يوم واحد ، وجيوش العاطلين المتشوقة للعمل أي عمل ، كل ذلك يخلق صعوبات حقيقية امام اعادة تنظيم الحركة النقابية العمالية. وكمثال للضعف الذى تعانيه الحركة العمالية حاليا نرى انخفاض سقف مطالبها ، وان تحركاتها تتم لمطالب اقل من مطالب الحد الادنى المعروفة سابقا لتحسين الأجور والاوضاع المعيشية. الان المطالب تتركز حول عدم صرف الاجور والاستحقاقات ، على قلتها ، وعدم مواكبتها للتضخم او توفيرها للحد الادنى لحفظ الحياة. ورغم هذا التغيير الهيكلي والنوعي في تركيبة الطبقة العاملة ، وفى نسبة العاملين المنظمين في نقابات وفى انعدام الثقة بين القواعد النقابية وقياداتها ، الا ان احد دروس اكتوبر يحمل في داخلة بذرة حقيقية للتفاؤل. ففي ثورة اكتوبر جاءت مشاركة العمال في الثورة بقيادة العناصر الديمقراطية واليسارية وليس من خلال قيادة النقابات العمالية. وهذا درس هام للمستقبل.
التوسع الصناعي الذى تم مؤخرا لتغطية احتياجات السوق المحل ، ادى للتوسع في استيعاب العمال والفنيين مما سيؤدى لإضافة دماء جديدة ذات قدرة معرفية وحماس للطبقة العاملة ، بالإضافة لقيام العديد من خريجي الجامعات والثانويات للعمل كعمال ، لندرة الوظائف ، وضيق سوق العمل ، في ظل توسع أفقي وكمي هائل في التعليم العالي. هذا التحول يذكرنا بالدور الذى لعبه خريجو مدرسة الصنائع في منتصف اربعينات القرن الماضي في تأسيس الحركة النقابية. ونلخص بان الازمة الوطنية العامة ، و التناقض في المصالح الاقتصادية بين العمل وراس المال سيؤدى ، لا محالة ، لعودة الحركة لسابق قوتها ولكن بأجندة جديدة واساليب متنوعة واولويات مختلفة عن السابق.
ونختم قراءتنا هذه بسؤال أساسي اين ذهبت اثار اكتوبر التي احدثت النقلة النوعية في الحركة النقابية العمالية؟ ورغم ان الاجابة ليست سهلة ولا تتوفر لدينا الامكانيات او الادوات لقياس ، ذلك الاثر وما حدث له ، بشكل دقيق . ولكننا نقول انه وفى اطار التراجع العام لمشروع اكتوبر كنتاج لصعود قوى تقليدية للحكم تتناقض اهدافها ومصالحها ، الرامية للحفاظ على الوضع التقليدي الموروث للسودان ، مع اهداف اكتوبر الرامية لتغيير ذلك الوضع تم تراجع في اثر اكتوبر على الحركة النقابية العمالية. ذلك التراجع ادى لصعود عناصر لقيادة الحركة العمالية ، ذات توجه للتصالح مع كافة الانظمة ، بل و عمل بعضها علنا مع النظام العسكري الاول ثم عاد بعد اكتوبر ليعمل مع الاحزاب التقليدية ثم ليعمل مع مايو ثم مع الاحزاب التقليدية والان مع الانقاذ. اضافة لان انقطاع التواصل بين الاجيال ، بسبب التشريد او اغلاق المؤسسات، فاقم من صعوبة نقل الخبرات والتجارب للأجيال النقابية الجديدة والتي تعرض اغلبها للدعاية الايدولوجية المنظمة للنظام الأسلاموي على مدى ربع قرن من الزمان حتى الان. ولكننا لا نتفق مع الرأي القائل بان ميراث اكتوبر قد اندثر للابد لان ما نشاهده من وعى سياسي عام ورفض متواصل لدكتاتورية عسكرية تلبست بمسوح الدين هو دليل على بقاء روح اكتوبر. وهذا التطلع المشروع للبديل الديمقراطي من اجيال لم تعش تجربة ثورة اكتوبر لهو دليل ساطع البرهان ان روح اكتوبر وميراثها لا يزالان في ذاكرة الاجيال القديمة والاجيال الجديدة سواء. لأنه لا يمكن ، مهما تزايد القمع ومحاولات تشويه ذاكرة الشعوب ، ان تمحو تجربة ضخمة كالثورات التي تمتد جذورها بعيدا في وعى الشعوب رغم انها لا تطفو على السطح كل الوقت.
مؤشر اخر أكثر تفاؤلا حول مستقبل الحركة العمالية ، هو انتعاشها في ظل الديمقراطية . وواقع الازمة المزمنة التي يعيشها وطننا تشير الى ان نظام الانقاذ قد وصل لطريق مسدود ولا مستقبل له مهما تفنن في تجميل نفسه ، او بإدخال حلفاء جدد معه ، وانه لا بديل غير نظام ديمقراطي تعددي ينبني على دولة القانون والمواطنة. وانتصار الديمقراطية سيفتح الباب واسعا امام اعادة بناء كل المؤسسات الديمقراطية ومن ضمنها المؤسسات النقابية وحينها سيذهب الزبد هباء ويبقى ما ينفع العمال.
ان اكتوبر لن تتكرر مرة اخرى بنفس السيناريو الذى حدث في 1964، لان مياه كثيرة قد عبرت تحت الجسر السوداني. ولكن اكتوبر ستعود في ثوب جديد يعبر عن التحولات الاقتصادية والاجتماعية والاثنية التي عصفت بالسودان التقليدي الموروث. اكتوبر ستكون كالعنقاء التي تبعث من جديد. وبهذا الانبعاث الجديد ستجرى دماء جديدة في شرايين الحركة النقابية السودانية ، اذ انها ،كما جاء في الكتاب الذى أصدره اتحاد النقابات العالمي عن الشفيع احمد الشيخ بعد اعدامه في يوليو 1971 ، حركة " لن تفنى ... لأنها ليس بريق ضوء خافت ينطفئ بعد لحظات ، ولا فقاعة صابون تتلاشى في ثوان . فالأحداث تثبت ان هذه الحركة ولدت لتعيش ، وستبقى ما بقيت تلك السواعد القوية التي اقامتها وطورتها ، وما دام حيا ذلك الفكر الذى اوجدها وسار بها في طريق النصر. "
siddigelzailaee@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرکة العمالیة
إقرأ أيضاً:
عضو الحزب الديمقراطي: أمريكا تعجز أمام قرار اعتقال نتنياهو وجالانت
قال نعمان أبو عيسى، عضو الحزب الديمقراطي، إن الرئيس الأمريكي جو بايدن حاول بكل جهوده منع قرار المحكمة الجنائية الدولية من الصدور لكن المحكمة الجنائية الدولية أصرت على هذا القرار وأن الكثير من المطالبين بالسلام في أمريكا قد ارتاحو جدًا لهذ القرار رغم أن الحكومة الأمريكية معاكسة لهذا القرار.
وأضاف «عيسى»، خلال مداخلة مع الإعلامي كمال ماضي، خلال برنامج «ملف اليوم»، المذاع عبر شاشة قناة «القاهرة الإخبارية»، أن أمريكا هي الحليف الودود لإسرائيل والحكومة الأمريكية تحاول حماية رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو بأي شكل من الأشكال ولكن نتنياهو أجرم كثيرًا خلال السنة الماضية الإدارة الأمريكية القادمة لن ترضى بهذا القرار وستكون أكثر دعمًا لإسرائيل.
وتابع عضو الحزب الديمقراطي: « الولايات المتحدة الأمريكية لن تستطيع وقف إصدار قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وستعمل جاهدة على إنقاذ سمعة نتنياهو»، لافتًا إلى أن الجرائد الأمريكية لن تسلط الضوء على هذا القرار لأنها لا تريد أن ينشتر هذا الخبر.