طوفان الأقصى وعدم اليقين بمستقبل الكيان الصهيوني

هل نحن على اعتاب تحول استراتيجي وعميق في وجود وبقاء هذا الكيان بكل ارتباطاته الداخلية والاقليمية والعالمية؟

معركة طوفان الأقصى فتحت جميع تلك الاسئلة الكبرى في كل ما يتعلق بعدم اليقين بمستقبل الكيان الصهيوني فعلا وبمختلف الاتجاهات.

"فقدان اليقين بمستقبل اسرائيل" من قبل المواطن الإسرائيلي نفسه له تداعيات خطيرة وجذرية على مستقبل الكيان الصهيوني بكل تأكيد.

أسئلة "فقدان الثقة واليقين" ستثور في ذهن دول الغرب الحليفة والداعمة لدولة الكيان، وعن إمكانية استمرارها في حماية وتحقيق مصالح الغرب فعلًا!

عدم يقين المستوطنين بمستقبلهم وأمنهم بالكيان الصهيوني، ليس بغلاف غزة فقط، بل في كل فلسطين التاريخية بما فيها الضفة الغربية والشمال، لم يعد أحد بمأمن.

خيبة أنظمة عربية طبعت طمعا بقوة وقيمة "الرضى" الاسرائيلي ولو خالف وناقض وجدان شعوبها التي تدفقت بالملايين لتعلن تضامنها ودعمها وتأييدها لحماس والمقاومة.

إذا كانت "اسرائيل" لم تصمد أمام المقاومة الفلسطينية، فما قيمة ووزن تهديداتها لإيران الدولة الكبيرة؟ وكيف ستنظر ايران بأذرعها ومليشياتها الى أي منازلة او حرب محتملة معها؟!

* * *

بعد أسبوعين من معركة طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية ضد الممارسات الاجرامية للحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي يكثر الحديث عن هذه المعركة بمختلف الزوايا والاتجاهات.

منها ما يتعلق باستشراف نهايتها، ومنها ما يتعلق بطريقة سيرها وإمكانية توسيع نطاقها لتكون حربا اقليمية قد تدخل فيها ايران وحزب الله كطرف مباشر وليس مجرد داعم ومساند ، ومنها ما يتعلق بالمعطيات التي فرضتها في المعادلة العربية واتفاقات أبراهام للتطبيع.

سأتخطى كل ذلك على أهميته، وأتحدث عن اليقين المفقود بـ"مستقبل المشروع الصهيوني" بعد هذه الجولة من المنازلة العسكرية، وهي مسألة استراتيجية تضرب في عمق بقاء واستمرار المشروع الصهيوني اليوم.

من الواضح أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لا زالت تعتبر "اسرائيل" المحطة المتقدمة في الشرق الأوسط والتي تحفظ مصالحهم في المنطقة، وأنها رغم تطرف قيادتها ويمينيتها المفرطة إلا أنها هي الابنة المدللة للعالم الغربي.

والتي تحظى بالرعاية والدعم والاهتمام بكافة صوره واشكاله، ولا أدل على ذلك من جلب حاملات طائراتهم وبوارجهم الحربية إلى شرق المتوسط على وجه السرعة، وتقاطر المسؤولين الغربيين بكل مستوياتها لإظهار الدعم والإسناد، وتزويد جيش الاجرام الصهيوني بكل ما تتطلبه المعركة من ذخائر واسلحة لضرب غزة التي انهكها الحصار منذ اكثر من 16 سنة.

باعتقادي أن القراءة الأعمق في المشهد وفي اليوم التالي لليوم الذي تضع الحرب فيها اثقالها ستحمل في ثناياها وبالاً بل زلزالاً على دولة الكيان من حيث "الثقة واليقين" بمستقبله؛ وذلك على عدة أصعدة:

الأول: داخلي يتعلق بمزيد من الانقسام الذي احدثته حكومة نتنياهو الأكثر تطرفا في المجتمع الاسرائيلي؛ بسبب تعنتها في تمرير ما يسمى "خطة الإصلاح القضائي"، وأن هذا الانقسام سيتطور الى إسقاط هذه الحكومة التي اخذت على عاتقها توفير اقصى درجات الأمن والحماية للمستوطنين، واطلاق العنان للمتدينين المتطرفين ليفعلوا ما يريدون.

وكانت النتيجة ما فعلته كتائب القسام بهم من أكبر هزيمة لحقتهم في تاريخ الكيان منذ انشائه وصناعته، هذا بكل تأكيد سيفتح أبواب التنافس والمزايدة على مصراعيها في أوساط النخب السياسية والعسكرية الحاكمة في الكيان، وربما المحاسبة والمحاكمة ايضا.

هذه واحدة، والثانية: "عدم يقين" المستوطنين بمستقبلهم وأمنهم في دولة الكيان، ليس في غلاف غزة فحسب، وانما في كل انحاء فلسطين التاريخية بما فيها الضفة الغربية وفي الشمال، لم يعد أحد في مأمن اليوم .

"فقدان اليقين بمستقبل اسرائيل" من قبل المواطن الاسرائيلي نفسه له تداعيات خطيرة وجذرية على مستقبل الكيان بكل تأكيد.

البعد الثالث يتعلق بأسئلة "فقدان الثقة واليقين" ستثور في ذهن الدول الغربية الحليفة والداعمة لدولة الكيان، وعن إمكانية استمرارها في حماية وتحقيق مصالح الغرب فعلًا!

فإذا كان فصيل مقاوم مسلح مثل كتائب القسام تمكن من تمريغ أنفه بالتراب بهذا الشكل الذي شهده وشهد به العالم، واسقط انظمته الاستخبارية وجدرانه المحصنة بأكثر التقنية العسكرية تقدما وتطورا قد سقط بين يدي أبطال القسام خلال ساعة من الزمن، واعملت فيه جرافاته هدما وتخريبا، فكيف سيُعتَمد عليها في قادمات الأيام ؟!

والبعد الرابع المتعلق "بفقدان الثقة وسقوط الهيبة وقوة الردع" ستكون بعيون "محور المقاومة والممانعة" (أعرف أن هذا التوصيف قد لا يعجب الكثيرين، ولكن على أرض الواقع لا يمكن تجاهله مهما تعددت القراءات والاجتهادات) فإذا كانت "اسرائيل" لم تصمد أمام قوة حماس وهو فصيل فلسطيني واحد، فما قيمة وما وزن تهديداتها لإيران الدولة الكبيرة؟ وكيف ستنظر ايران بأذرعها ومليشياتها الى أي منازلة او حرب محتملة معها؟!!!

لقد سقطت تهديدات نتيياهو لإيران وفقدت قيمتها منذ اللحظة الاولى لمعركة طوفان الأقصى، وهذه احدى أهم فوائد المعركة لإيران.

ثم وفوق كل ذلك: "فقدان ثقة واعتماد" الدول العربية التي طبعت وسارت في ركب التطبيع بناء على قوة وقيمة "الرضى" الاسرائيلي حتى لو خالف وناقض وجدان الشعوب العربية والاسلامية والتي تدفقت بالملايين وبشكل غير مسبوق لتعلن تضامنها ودعمها وتأييدها لحماس وللمقاومة.

فهل بعد هذا المد الشعبي الجارف تستطيع أنظمة وحكومات الدول العربية أن تستمر بذات النهج الذي يخالف شعور ورضى شعوبها تجاه اقدس قضاياها وأكثرها مركزية ، أم انها ستعيد حساباتها بالذات تجاه التعامل والتعاطي مع قيادة حركة حماس والمقاومة وتجعل منها مفردة من مفردات الانسجام والتصالح مع شعوبها ؟!

خلاصة الكلام: معركة طوفان الأقصى فتحت جميع تلك الاسئلة الكبرى في كل ما يتعلق بعدم اليقين بمستقبل الكيان الصهيوني فعلا وبمختلف الاتجاهات.

فهل نحن على اعتاب تحول استراتيجي وعميق في وجود وبقاء هذا الكيان بكل ارتباطاته الداخلية والاقليمية والعالمية؟!

باعتقادي أن الجواب: نعم.

*د. رامي العياصرة كاتب وباحث سياسي أردني

المصدر | لسبيل

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: فلسطين المستوطنين إسرائيل طوفان الأقصى عدم اليقين فقدان الثقة قوة الردع مستقبل الكيان الصهيوني طوفان الأقصى ما یتعلق

إقرأ أيضاً:

التعليم ووتيرة عالم عدم اليقين

تواجه الدول، باختلافها، اليوم تحدي التكيف مع عالمٍ هش؛ تتنازعهُ معطيات عدم اليقين في المسارات التي يسري فيها، ويؤطره الغموض لأسباب ومآلات أحداثه، وتطبعه سماتُ عدم القدرة على التنبؤ، ويؤطرهُ التعقيد، حيث الأحداث السياسية والاقتصادية والصحية والتنازعات والتوترات تتعقد شبكة تأثيراتها لتشمل مجالات وسياقات جغرافية أبعد من نطاقها ومحيطها.

ويضعف هذا العالم قدرة الدول على وضع الخطط والاستراتيجيات، ويقلص من كفاءاتها في تدبير شؤون نموها الاقتصادي وتوازنها الاجتماعي، ويجعلها في الوقت ذاته في أهبة مستمرة لوضع تدابير التكيف، والمسارات البديلة لإدارة شؤونها التنموية. وليس هناك أفق واضح اليوم لأن تكون هذه الهشاشة مؤقتة أو مرحلة عابرة في التاريخ الإنساني، بل تتزايد وتيرتها على مدار الساعة، وتتزايد رقعة المتأثرين بها على امتداد العالم.

في المقابل تعمل الدول اليوم على إيجاد 3 محكات استراتيجية للتعامل مع هذا العالم: أولها، في إعادة مراجعة أطر التخطيط الاستراتيجي لديها، وثانيها، في تمكين مواردها المحلية وتعزيز مستويات الاكتفاء من الداخل لديها؛ بما في ذلك الاكتفاء بالمهارات والإمدادات الحيوية، وضمان استدامة القطاعات الرئيسية للتنمية والاقتصاد. أما المحك الثالث، فيتجسد في مراجعة منظومات علاقاتها وصداقاتها وتحالفاتها، وإعادة تنضيد تلك العلاقات بما يضمن تشكيل القوى الاستراتيجية، وضمان الصمود، وتعزيز مكون القوة الاقتصادية.

وفي المقابل وحيث إننا أمام تشكلات جديدة للعالم تسيطر عليها الهشاشة، فإن مهمة التكيف معها ينبغي ألا تكون مسؤولية على قطاعات التخطيط الاستراتيجي وحده، بل تنبغي أن تكون حالة التكيف «ثقافة» عامة ترسخ عبر مختلف آليات ومؤسسات وأدوات التثقيف العام، بما في ذلك مؤسسات التعليم وآلياته. يتفاوت المجتمع في مناقشته لهذه التحولات العالمية وتأثيراتها على السياقات المحلية؛ فهناك سرديات متوجسة، وسرديات تتبنى فكرة أن ما يحدث في السياق الخارجي لا يعكس تأثيرًا على ما يحدث في السياق الداخلي، وهناك سرديات قلقة إلى حدود الاستنكار، وسرديات تتبنى فكرة النوستاليجا (الحنين إلى الماضي) بوصفه الوضع الأمثل للفهم والسيطرة والقدرة على التدبير، إضافة إلى وجود سرديات واقعية مواكبة وتحاول استيعاب المتغير في صيرورته الحقيقية وحدود تأثيراته. ولكن يبقى السؤال الرئيس: من الذي يصوغ تلك السرديات؟ ومن يبنيها؟ ومن يستطيع أن يوجهها لخدمة حالة التكيف العام؟ والواقع أن آليات التعليم والإعلام ومؤسسات التثقيف العام، وفعل مؤسسات الدولة الرسمية واستجابتها للأحداث والمتغيرات، وقدرتها على التفاعل الإيجابي مع المجتمع في توضيح تدابير تلك التفاعلات يوجه بشكل عام السردية الاجتماعية تجاه هذا العالم. ولتحويل الكلام النظري أعلاه إلى فهم تطبيقي يمكننا أن نأخذ أي قضية متطورة (حدث عالمي متفاعل)، وليكن الصراع التجاري بين الولايات المتحدة الصين مثلًا، أو مسائل الاحترار العالمي والتغيرات المناخية، أو التوترات السياسية في المنطقة، ولنتدبر في الكيفية التي يناقش فيها المجتمع تلك القضايا وتطوراتها وأشكال السرديات الناشئة عن تلك النقاشات، ليس فقط على مستوى الأوساط الرسمية والنخبوية، ولكن حتى على مستوى القاعدة العامة للمجتمع، سنجد تباينًا واسعًا في السرديات.

وهنا يأتي في تقديرنا دور ما نسميه بـ«التعليم التبصري Insightful education» وهو تعليمٌ يركز على مجموعة من المعطيات التي تؤهل الأجيال للتعامل والتكيف مع عالم متغير، وهذه المعطيات منها: تعزيز عقليات النمو، ومؤداها توسيع القدرة على التعلم والتجريب المستمر، وجعل بيئات التعلم مساحة لاكتساب المعرفة من خلال التجربة والحوار والانطلاق من فكرة مواجهة التحديات لبناء المعرفة بالعالم الحقيقي، وتمكين الحوار وفضاءات النقاش المفتوحة لتكون موجهًا أساسيًا للتعلم والفهم. يقول عالم النفس ديفيد ييغر إن «الرسائل القصيرة والمصممة جيدًا حول قدرة الدماغ على النمو يمكن أن تكون لها تأثيرات قوية ودائمة على دوافع الطلاب وإنجازاتهم». وما يمكن التعلم القائم على عقلية النمو تعزيز نهج ما يعرف بعبور التخصصات Learning across disciplines ومؤداه ألا تكون المعرفة داخل بيئات التعلم في جزر منعزلة، وألا يتم تبني فكرة أن الاختصاص العميق هو الوسيلة المثلى للفهم، بل توسيع الفهم عبر التخصصات، فالمختص في الطب يستوعب المحكّات الاجتماعية التي تسهم في نشوء الأمراض وتكريس الممارسات غير الصحية، وطالب مادة الرياضيات إلى جانب استيعابه لتطبيقاتها في الحياة الاقتصادية والحياة العامة يفهم مركزيتها للسياسة وتدبير التنمية، وطالب التاريخ يفهم التجاذبات السياسية ودور القوى السياسية في تحويل بعض مسارات التاريخ وأدلجتها، والمختص في علم الاجتماع يستوعب المحددات الاقتصادية التي يستوجب توفرها في أي اقتصاد واستدامتها ليتحقق للمجتمع رفاهه واستقراره. إذن بيئات التعلم مدعوة لأن تكون ورشًا لا يتم الحديث فيها في غرف منعزلة، بل تمتد لعصف الأفكار وعبور التخصصات وتنشيط الحوار المرتبط بمحكّات الواقع، وقضايا العالم الفعلية لا النظرية وحدها.

وهذا يقودنا للتأكيد على ضرورة أن تتبنى أنظمة التعلم نهج ما يُعرف بالتعلم القائم على التعامل مع مشكلات الواقع Real-life problem-based learning وتقديم نماذج للتحديات/ الظواهر/ القضايا/ المشكلات التي تلف الواقع في المجالات المختلفة، ووضع الطلبة أمامها وتقريبهم منها وتمكينهم من فهمها والتعامل معها بأدواتهم النظرية والمعرفية، دون تجاهل لفكرة أن «حل المشكلات نظريًا لا يعني بالضرورة القدرة على حلها في الواقع». كما أن إدماج المؤسسات الحيوية كالمؤسسات الاقتصادية والمالية وتشجيعها على المشاركة بجرعات معرفية وتطبيقية للطلبة في مختلف مؤسسات التعليم يعد ضرورة قصوى لتعزيز هذا الاتصال بين مسارات التعلم وتنشئة الطلبة وبين متطلبات تأسيس ثقافة التكيف مع العالم المتغير.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

مقالات مشابهة

  • موجة غلاء جديدة تضرب الكيان الصهيوني: شركات غذاء ومشروبات ترفع الأسعار
  • مسير راجل ووقفة مسلحة لخريجي دورات طوفان الأقصى بمدينة عمران
  • مسير راجل لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في بلاد الطعام بريمة
  • يتعلق بعلاج الخيول العربية الأصيلة.. الشرطة تحقق إنجازًا عالميًا
  • مسير راجل ووقفة لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في عمران
  • هاشم: الكيان الصهيوني لا يزال يضع وطننا في دائرة استهدافاته
  • منتخب سويسرا لا يعترف بـ “الكيان الصهيوني”
  • يافا وحيفا تحت النيران.. اليمن يزلزل الكيان الصهيوني
  • الاعترافات الأمريكية بالفشل في اليمن تعمّق حالةَ اليأس داخل الكيان الصهيوني
  • التعليم ووتيرة عالم عدم اليقين