المستشفى المعمداني والكذبة التي تنتظر الريح
تاريخ النشر: 19th, October 2023 GMT
آخر تحديث: 19 أكتوبر 2023 - 9:58 صبقلم: علي الصراف لا تهم الأكاذيب. إسرائيل تكذب منذ اليوم الأول لإعلانها الحرب ضد قطاع غزة. حكاية الرؤوس المقطوعة واغتصاب الأطفال، كافية تماما. ومن الطبيعي، على هذا الأساس، أن تتبرأ من جريمة قصف المستشفى المعمداني في غزة.القاعدة المعروفة هي أن من يكذب مرة، يكذب مليون مرة.
وليس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو وحده الذي يكذب كلما فتح فمه. الغالبية العظمى من الإسرائيليين يتنفسون أكاذيب، وزفيرهم صواريخ.قصة الأكاذيب “تأسيسية” من الأصل. ولو حدث أن كانت الأرجنتين، كما كان مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل يرغب في البداية، هي “أرض الميعاد”، فإن كل الأكاذيب التي تم نسجها عن فلسطين كانت ستتعلق بها، ولكانت بوينس آيريس الآن هي مقر الكنيست. يقول هرتزل في بعض يومياته “هنالك بعض الأمور التي ليست في صالح اختيار فلسطين مثل طقسها الذي لم نعد معتادين عليه، وضيق مجال التوسع فيها… إذا ذهبنا إلى أميركا الجنوبية سيكون هذا أفضل، لأنها أبعد عن مشاكل أوروبا العسكرية والسياسة”.أقنعه بعض التلموديين، فيما بعد، بأن الخطة أكثر قابلية للنجاة إذا امتزج المشروع الصهيوني القومي بالديني.صار الكذب جزءا من آليات “الدفاع عن النفس” الخبيثة. وهو “حق مشروع”، يصدقه الغرب، ولكن ليس لأنه لا يعرف الحقيقة، بل لأنه كان شريكا في صناعة الكذبة الأولى. ولكن، لا تهم الأكاذيب. المهم ما تعنيه. إسرائيل على أي حال، قبل المستشفى المعمداني، تقصف منازل وتجمعات سكنية، وتصدر التهديدات للمستشفيات بالقصف، وتقطع الماء والكهرباء وتمنع إمدادات الإغاثة الحيوية للمستشفيات. وهذه كلها جرائم حرب، تمت كتابة سطورها بدماء آلاف الأطفال والنساء في غزة.يكشف الأمر عن طبيعة إسرائيل. يكشف أيضا عن طبيعة الغالبية العظمى من الإسرائيليين الذين استمرأوا الكذبة الأولى والثانية والثالثة بعد الألف.إنهم جبناء أولا. يقتلون المدنيين، على سبيل الترويع. لأنهم يخشون مواجهة السيف بالسيف بين المقاتلين. نكتة في هذا السياق: يسمون عمليتهم ضد غزة “السيوف الحديدية”. ولكن سيوفهم طائرة فحسب. لم تقابل سيفا آخر على الأرض حتى الآن. التسمية نفسها كذبة. ولكنها تقدم الإيحاء نفسه، وهو أن “السيوف الطائرة” تخشى مقابلة السيوف في مكانها المعقول.المدنيون هدف سهل. وهو هدف ثابت منذ أن أصبح ارتكاب المجازر في دير ياسين وكفر قاسم وغيرهما سبيلا لإخلاء الأرض.تاريخ إسرائيل هو تاريخ مجازر. ليس لدى إسرائيل تاريخ آخر. لم تتمكن بعد من صنع شيء يصنع معنى للوجود الإنساني أو الحضاري. تصنع دبابات ومدافع وصواريخ وقببا حديدية، لكي تواصل المجزرة تواريخها. ضع كلمات “قائمة مجازر إسرائيل ضد الفلسطينيين” على محركات البحث على الإنترنت، وسوف تتعرف على هذا التاريخ. سوف تراه بوضوح، إذا كنت لا تريد أن تكتفي بأعمال القتل اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون، قبل اندلاع الحرب ضد غزة، وهي ما أصبح جزءا من قهوة الصباح على طاولة رؤساء الوزراء الإسرائيليين منذ اندلاع الانتفاضة الأولى في ديسمبر العام 1987 إلى اليوم. جبناء فحسب. تسلحهم المتفوق جزء من هذا الجبن، لأنهم لا يستخدمونه ضد جيوش، بل ضد مدنيين. لا تذكر جنين. لا تذكر خان يونس، ولا تذكر الخليل. الطائرات هي التي تحلق فوق منازل المواطنين، لتقصف المنازل التي يُعتقد أنها تضم مقاومين، تقصف غير سائلة عن وجود أطفال، غير سائلة عما يتهدم في الجوار، من قبل أن يقتحم الجنود المدججون المواقع المقصودة. ونادرا ما تسفر عمليات الاقتحام عن قتلى أو حتى جرحى من الجنود الإسرائيليين. لا تسأل لماذا، لأنهم يخوضون معركة لا معركة فيها. القتل المسبق هو سلاحهم الأول، مما لا يُبقي مكانا لأي معركة. الجندي الإسرائيلي يقتل على أساس الاشتباه أيضا. وما لم يجد سكينا في يد ضحيته، يضع سكينا من عنده. ليُثبت المدججُ بالخوذة والدرع المضاد وبالسلاح أنه “شجاع” في مواجهة سكين.إسرائيل كيان رعديد. هذه هي طبيعته الأولى. وهناك سبب لذلك. هو أنها شجرة صناعية لا جذور لها في الأرض، لا يمكنها أن تمد جذورا من الأساس. وتخشى أن تُقتلع في هبة ريح. وهذا هو ما يجعل قادة جيشها يضربون كل شيء من حولهم، خبط عشواء يقصد الترويع. يخافون، ويتخذون من إثارة الخوف سلاحا لهم. يعتبرون أن نجاتهم من هبات الريح قائمة على عدد من يمكنهم قتله من المدنيين، وعلى عدد ما يمكنهم هدمه من المنازل. أسلحتهم تؤدي هذا الغرض على اعتبار أنه “هدف إستراتيجي”، لعله يدفع رياح الخوف إلى الجانب الآخر. وهم يروعون حتى حلفاءهم. يثيرون في نفوسهم الخوف من خسارة الدعم الذي تقدمه اللوبيات الموالية لإسرائيل.إسرائيل كيان مذعور. صار مدججا بأسلحة نووية. إلا أنه مذعور. يقول إنه يريد سلاما، ولكن السلام نفسه، لم يخفض مستويات الذعر. السبب، هو أنه كيان لم يتمكن من “التطبيع” مع نفسه. لم يتأصل. ويعرف أن الدبابات والطائرات، قد تصنع قاعدة عسكرية إلا أنها لا تصنع انتماء إلى أرض، ولا هوية لا يعتريها الزيف. قصف مستشفى المعمداني في غزة، جريمة في سياق.إنه جزء من معركة تخوضها “السيوف الطائرة” ضد المدنيين، لكي لا تنزل إلى الأرض فتحارب سيفا بسيف.كتب الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أن يأتي إلى إسرائيل ليقدم “دعمه المطلق” لما ترتكبه من جرائم يقول “إن شجاعة وإقدام الشعب الإسرائيلي مذهلة حقا”.أين حصل ذلك؟ أين رأيت الشجاعة والإقدام؟ وبغير قتل الأبرياء، على ماذا أقدم هذا الشعب لكي يذهلك؟ولكن ذلك كله لن يغير شيئا على أرض الواقع. حتى ولو بلغت الجريمة مئة ألف شهيد. سيأتي غيرهم، وسيحملون السلاح من جديد ضد الاحتلال، لأنه احتلال. وإسرائيل التي تنتظر وتخشى هبة ريح، سوف تظل تنتظر وتخشى.ما ترتكبه من جرائم ضد الأبرياء، مفيد في الواقع، لكي تتعرف هي بنفسها على طبيعتها ككيان رعديد، مدجج بالسلاح، ولكنه رعديد. قائم على كذبة، وظل يكذب على نفسه قبل الآخرين.زرع الكذبة، ليرى أنها تثمر جثثا لأطفال ونساء، تتعلق على أغصان الوقت، وتنتظر الريح.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
غزة ترفض التهجير… ولكن ماذا لو فُرض عليها؟
منذ عقود، يسعى الاحتلال الإسرائيلي، بدعم غربي، إلى تصفية القضية الفلسطينية بوسائل متعددة، أبرزها التهجير القسري. واليوم تعود هذه المحاولات إلى الواجهة مجددًا، في إطار مشروع “الوطن البديل” الهادف إلى تفريغ قطاع غزة من سكانه وفرض واقع ديموغرافي جديد. ورغم الرفض الفلسطيني القاطع لهذا المخطط، ومحاولات مصر والأردن تجنّب تداعياته، فإن الضغوط الأميركية والإسرائيلية، لا سيما في ظل سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لا تزال مستمرة، مما يمنح هذا المشروع بصيص أمل لمن يسعون إلى تنفيذه.
لكن، ماذا لو فُرض التهجير القسري على سكان غزة؟ هل ستحقق تل أبيب أهدافها في إنهاء المقاومة، أم ستكون النتائج عكسية تمامًا؟
المقاومة تتوسع جغرافيًا
1 ـ سيناء: جبهة جديدة للمقاومة
رغم أن فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء ليست جديدة، فإنها عادت بقوة مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة. وعلى الرغم من الرفض الرسمي المصري لهذا السيناريو، قد يؤدي فرض التهجير إلى تداعيات خطيرة، أبرزها:
ـ تحويل سيناء إلى ساحة مواجهة جديدة: مع وجود مقاومين فلسطينيين ذوي خبرة قتالية تراكمت عبر الحروب، قد يصبح نقل العمل المقاوم إلى سيناء خيارًا محتملاً، خاصة إذا تعرض اللاجئون هناك للتضييق أو القمع.
بدلًا من إنهاء المقاومة الفلسطينية، قد يكون التهجير الشرارة التي تشعل مرحلة جديدة من المواجهة، حيث تصبح المقاومة أكثر انتشارًا وأصعب احتواءً، مما يضع الاحتلال الإسرائيلي أمام تحديات غير مسبوقة.ـ تنسيق محتمل مع جماعات مسلحة محلية: رغم الاختلافات بين فصائل المقاومة الفلسطينية والمجموعات المسلحة في سيناء، قد يدفع العداء المشترك لإسرائيل إلى تفاهمات مرحلية أو تنسيق محدود.
ـ إدخال مصر في الصراع بشكل مباشر: أي عمليات إسرائيلية ضد الفلسطينيين في سيناء قد تضع القاهرة في موقف سياسي وأمني حرج، مما قد يهدد استقرارها الداخلي ويدفعها لاتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه تل أبيب.
2 ـ الأردن.. عودة سيناريو المقاومة المسلحة
في حال تم تهجير أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى الأردن، قد تنشأ بيئة خصبة لإحياء العمل المقاوم بسياق جديد يتناسب مع المتغيرات الراهنة، خاصة مع الشعبية الكبيرة لحركة حماس هناك:
تصاعد الحراك الشعبي: التهجير القسري قد يؤدي إلى احتجاجات واسعة داخل الأردن، ليس فقط من الفلسطينيين، بل أيضًا من قطاعات واسعة من الأردنيين الرافضين لهذا المشروع.
إعادة النظر في اتفاقية وادي عربة: أي نشاط مقاوم داخل الأردن قد يضع الاتفاقية تحت ضغط شعبي ورسمي متزايد، مما قد يدفع الحكومة الأردنية إلى إعادة تقييم علاقتها مع إسرائيل.
إحياء المقاومة المسلحة: الفلسطينيون المهجّرون قد يجدون في العمل المقاوم سبيلهم الوحيد لاستعادة حقوقهم، مما يعيد للواجهة نمط المقاومة الذي كان حاضرًا في الأردن خلال الستينيات والسبعينيات.
المقاومة ستتوسع في التجنيد والتأييد الشعبي
ـ تصاعد الغضب الشعبي: تهجير الفلسطينيين من غزة بعد صمودهم الأسطوري سيؤدي إلى موجة غضب عارمة في الداخل الفلسطيني وبين أبناء الشتات، مما يعزز الدعم الشعبي للمقاومة المسلحة.
ـ زيادة أعداد المنضمين للفصائل العسكرية: اللاجئون الفلسطينيون الذين سيواجهون ظروفًا معيشية قاسية في دول اللجوء قد يرون في المقاومة خيارهم الوحيد لاستعادة حقوقهم، مما يرفع من وتيرة التجنيد.
ـ تصاعد الدعم المالي والسياسي: أي تهجير جديد سيولّد موجة دعم واسعة من الفلسطينيين في الخارج، سواء على المستوى المالي أو السياسي، باعتباره امتدادًا لمسلسل التطهير العرقي الذي بدأ عام 1948.
موقف المقاومة الفلسطينية.. التهجير بداية مرحلة جديدة من المواجهة
عند طرح مشروع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، أكد القيادي في حماس، أسامة حمدان، أن هذا المخطط لن يمر، مشددًا على أن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي محاولة لفرضه. ومن أبرز تصريحاته:
1 ـ غزة ليست للبيع: الفلسطينيون يرفضون التهجير تحت أي ظرف.
2 ـ مقاومة شرسة: أي محاولة لتنفيذ التهجير ستُواجه بمقاومة عنيفة داخل غزة وخارجها.
3 ـ تداعيات كارثية: ما يُطرح بشأن سيناء جزء من المخطط الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية، لكنه لن ينجح وستكون عواقبه خطيرة على المنطقة بأسرها.
4 ـ توسيع نطاق الاشتباك: المقاومة لن تبقى محصورة في غزة، بل ستنقل المواجهة إلى أماكن أخرى، ما يعني دخول الصراع مرحلة جديدة أكثر تعقيدًا.
هذه التصريحات تؤكد أن التهجير القسري لن يكون نهاية المقاومة، بل بداية مرحلة أشد عنادًا، حيث سيرفض الفلسطينيون أن يتحولوا إلى لاجئين مرة أخرى.
لماذا يعود أهل غزة رغم الدمار؟
على الرغم من محاولات التهجير، يثبت الفلسطينيون في غزة أن مغادرة القطاع تعني اقتلاعهم من جذورهم. رأينا الطوابير الطويلة للنازحين وهم يعودون شمالًا رغم أن منازلهم دُمرت بالكامل. لم يكن في انتظارهم سوى الأنقاض، لكنهم أصروا على العودة لأنهم يعلمون أن البقاء على الأرض ـ حتى وسط الدمار ـ هو أبلغ رد على محاولات اجتثاثهم.
أي عمليات إسرائيلية ضد الفلسطينيين في سيناء قد تضع القاهرة في موقف سياسي وأمني حرج، مما قد يهدد استقرارها الداخلي ويدفعها لاتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه تل أبيب.هذه المشاهد تعكس إصرار الفلسطينيين على البقاء مهما كانت الظروف قاسية. فارتباطهم بالأرض ليس مجرد علاقة مكانية، بل هو جزء من هويتهم وكرامتهم. هذا الشعب الذي يواجه المصاعب بعزيمة لا تلين لا يمكنه اختيار الغربة، فالوطن بالنسبة له هو الأمل والمقاومة والتاريخ.
هل ينسى الفلسطينيون؟ هل يستسلمون؟
حتى لو تمكن الاحتلال من فرض التهجير، هل ستكون هذه نهاية القضية؟ بالطبع لا. كما أن النكبة لم تنهِ فلسطين، بل أنجبت أجيالًا حملت راية المقاومة، فإن أي تهجير جديد سيكون وقودًا لمرحلة أكثر عنادًا:
ـ ذاكرة لا تموت: الفلسطينيون لا ينسون، وكل مهجّر سيورّث أبناءه حكاية العودة. مفاتيح بيوت 1948 لا تزال في أيدي الأحفاد، ومشاهد الدمار والتهجير اليوم ستبقى وقودًا للأجيال القادمة.
ـ خيارات جديدة للمقاومة: من ظن أن الفلسطينيين سيتلاشون في المنافي اكتشف أن جذورهم أعمق من أن تُقتلع. كل محاولة لإنهائهم أنتجت جيلًا أكثر تشبثًا بحقوقه.
ـ تداعيات إقليمية غير محسوبة: أي تهجير قسري سيخلق تداعيات غير متوقعة، وقد يتحول إلى كابوس سياسي وأمني للاحتلال، خاصة إذا وُجد الفلسطينيون في بيئات جديدة تعيد تشكيل طبيعة الصراع.
الخلاصة.. التهجير لن يحقق الأمن لإسرائيل… بل سيشعل نار المقاومة
بدلًا من إنهاء المقاومة الفلسطينية، قد يكون التهجير الشرارة التي تشعل مرحلة جديدة من المواجهة، حيث تصبح المقاومة أكثر انتشارًا وأصعب احتواءً، مما يضع الاحتلال الإسرائيلي أمام تحديات غير مسبوقة.
إن أوهام ترامب ونتنياهو بشأن تصفية القضية الفلسطينية ستتحطم على صخرة صمود الفلسطينيين، الذين لن يسمحوا لمشاريع التهجير أن تمر، مهما كانت الظروف.
https://www.instagram.com/adnan.hmidan?igsh=NHdzNG91ODM0OWxm