الموسيقى نبض جوهري في حياتنا.. إلا أن النسق السريع لحياتنا المعاصرة، جعلها منهكة ومفتتة، ما حرمنا في معظم الوقت من فسحة الاستماع إلى أغانينا المفضلة.
نحن كائنات اجتماعية مجبولة على حب الموسيقى هكذا كنا وسنظل
بعض الدراسات نوهت بالتراجع الملحوظ في استمتاع العالم العربي بالموسيقى
اعتدت في مراحل دراستي الثانوية والجامعية على ارتشاف قهوتي الصباحية على إيقاع فيروزيات "جارة القمر"، وهو طقس يكاد يكون يومياً بالنسبة لي، وفي كل مرة آخذ جرعة من الكافيين ممزوجة مع أغاني فيروز، أشعر أنها قد وضعتني في الحالة الذهنية الصحيحة للمضي قدما في مذاكرتي ودراستي بشكل عام.
كان لدي من الأسباب ما يكفي لأحافظ على هذه الرابطة الحسية مع أغاني فيروز، فهي تنعش فيّ بطريقة ما مشاعر عميقة تشعرني بالارتياح وتملأ نفسي بالانشراح والسرور، ويتمخض عنها الكثير من المشاعر الإيجابية التي تصالحني مع الواقع وتجعلني أتقبله على شاكلته.
عندما أعود بالزمن إلى الوراء، لأتذكر الأشياء الجميلة التي مررت بها في حياتي، وخاصة تلك التي ساهمت حقاً في تشكيل ذوقي وشخصيتي، لا أستطيع أن أغيّب عشقي الممتد طوال حياتي لأغاني الزمن الجميل.
أعتقد أنه لا يوجد في الحياة أجمل من الاستماع للأغاني الطربية القديمة، إنها تستحق أن نستمتع بها، ونحيا بها أفضل حياة، وكل ما نحتاجه هو آذان "سميعة" وذواقة.
بالطبع، هذا ليس ترخيصاً مطلقا للاستماع للأغاني على امتداد اليوم، لكن يكفي أن نسترق بضع دقائق معدودة لنستمع إلى مقطوعة موسيقية أو أغنية واحدة على الأقل، حتى نشعر أننا في حالة نفسية وذهنية أفضل، خاصة إذا رافقها مشروبنا السحري الذي يحتوي على الكافيين.
نحن كائنات اجتماعية مجبولة على حب الموسيقى، هكذا كنا وسنظل.. فقبل أن نتعلم الكلام والمشي، تعلمنا التمايل على إيقاعات الموسيقى، وانسجمنا مع الألحان إلى حد التماهي الحسي والحركي مع كل نغمة.
لقد نشأنا وتطورنا على ترديد الأغاني وتبادل المشاعر عبر الأغاني.. وهكذا جعلتنا الموسيقى كائنات شاعرية، ومنها تعلمنا اللغة الحسية والتعبيرية، وعبّرنا بها عن هوياتنا وثقافاتنا، إلى درجة أن الفيلسوف اليوناني أفلاطون قال إن "الموسيقى تعطي روحاً للكون، أجنحة للعقل، طيرانا للمخيّلة وحياة لكل شيء"، ولم يكفّ علماء النفس عن سبر أغوار العلاقة بين الموسيقى وعلاج علل الروح والجسد.
الموسيقى نبض جوهري في حياتنا.. إلا أن النسق السريع لحياتنا المعاصرة، جعلها منهكة ومفتتة، ما حرمنا في معظم الوقت من فسحة الاستماع إلى أغانينا المفضلة، وانقرضت الكثير من الطقوس الجميلة بشكل غير مسبوق.. فمن منا مازال يحفل بفتح المذياع يومياً للاستماع لـ "جارة القمر" فيروز، بعد أن أصبحت أفئدة الناس مشغولة بالبحث عن الكنز الوهمي في الجزء الغربي من الكرة الأرضية!
بعض الدراسات الحديثة نوهت بالتراجع الملحوظ في استمتاع الناس في العالم العربي بالموسيقى، وعدم تمكن الملايين من الناس من تجربة التأثير السحري لأغاني الزمن الجميل المُعدة برهافة حس وذوق وحذق للطرب وللموسيقى، وكيف كانت تغمر مستمعيها بأنغامها ومعانيها وتحيطهم بها حتى يكونوا جزءاً منها، وذلك على نحو لم تنجح فيه أغلب الأغاني العصرية ذات الإيقاعات السريعة والنبرة الزاعقة والمفردات التي تنم عن الغرور والشعور بالأحقية مثل "أنا" و "لي"، بدل الكلمات الرومانسية والشاعرية والاجتماعية المتسامحة.
ذلك لا يعني أن جميع الأغاني الحديثة تشكل خياراً جديراً بالازدراء، لكن معظمها لم يرق إلى أن يكون قوة اجتماعية وشعبية مثلما هو الحال بالنسبة للطرب العربي الأصيل.
ماذا لو أعدنا فتح صندوق الكنز الكبير للثروات الموسيقية العربية من الشرق إلى الغرب، وأخرجنا الدرر الغنائية والموسيقية، ووضعنا كل قطعة في مكانتها الطبيعية، وسردنا القصص الملهمة عنها للقراء والمستمعين، وكيف ظهرت على أيدي فنانين مبدعين وموهوبين شاطرونا الحزن والفرح في أوقات الأزمات والمسرات.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الموسيقى العربية
إقرأ أيضاً:
تيلستار.. القمر الصناعي الذي غيّر شكل كرة القدم
من يعتقد أن التكنولوجيا دخلت إلى عالم كرة القدم فقط عبر تقنية الفيديو "فار" "VAR" أو حسّاسات التسلل فهو مخطئ، لأن العلاقة بين التكنولوجيا وهذه اللعبة بدأت قبل عقود، وتحديدًا من خلال تصميم الكرة نفسها والتي تُعدّ كرة "تيلستار" التي طوّرتها شركة أديداس في نهاية الستينيات، تجسيدًا واضحًا لهذا التداخل بين التكنولوجيا والرياضة.
قمر صناعي غيّر شكل الاتصال والكرةاسم "تيلستار" لم يكن عشوائيًا، بل مستوحى من قمر الاتصالات الصناعي الأميركي الشهير تيلستار "Telstar" الذي أُطلق عام 1962. وقد طوّرته مختبرات "بيل" لصالح شركة "إيه تي آند تي" (AT&T) ليكون أول قمر صناعي نشط للاتصالات في العالم. وكان "تيلستار" وراء أول بث تلفزيوني مباشر عبر المحيط الأطلسي، وأول من أرسل إشارات تلفاز ومكالمات وصور فاكس عبر الفضاء.
لعب شكل القمر الصناعي -الكروي والمغطى بألواح شمسية- دورا مهما في إلهام مصممي كرة القدم في شركة أديداس الألمانية لتصميم كرة ذات طابع تكنولوجي بصري، حيث كانت الكرات مصنوعة من الجلد البني الذي لا يمكن تمييزه على شاشات التلفزيون الأبيض والأسود التي كانت سائدة في تلك الحقبة.
الظهور الأول: عندما التقت التكنولوجيا بالرياضةظهرت كرة "تيلستار" لأول مرة تحت اسم "تيلستار إلاست" (Telstar Elast) في بطولة أوروبا 1968، لكن شهرتها الحقيقية بدأت في كأس العالم 1970 بالمكسيك، حيث تم اعتماد نسخة تيلستار دورلاست (Telstar Durlast) رسميًا لأول مرة في تاريخ المونديال.
إعلانكان الشكل الجديد مختلفًا كليًا عن الكرات السابقة؛ إذ اعتمد على تصميم مكوّن من 32 لوحة: 12 خماسية سوداء، و20 سداسية بيضاء، مستوحى من مجسم عشرينيّ مقطوع (truncated icosahedron)، بهدف تحسين وضوح الكرة على الشاشات. هذا التصميم أصبح لاحقًا الشكل "الرمزي" لكرة القدم في العالم، وظهر في الرسوم المتحركة والملصقات الرياضية وغيرها.
قامت شركة أديداس بتصميم الكرة، لكنها استندت في الأساس إلى مفهوم هندسي ظهر لأول مرة عبر شركة "سيلكت سبورت" (Select Sport) الدانماركية عام 1962، التي استخدمت التركيبة المكونة من 32 لوحة لأول مرة في كرة رياضية. اعتمدت أديداس التصميم وأضافت إليه طلاء "دورلاست" (Durlast) البوليميري، الذي وفّر مقاومة للماء وخدوش الملاعب.
وكان الابتكار الأبرز هو جعل الكرة أداة بصرية متكاملة تتماشى مع البث التلفزيوني، ما عزز من تجربة المشاهدة ورفع من جودة التغطية الإعلامية للبطولات.
النسخ المختلفة من تيلستارمرت كرة تيلستار بعدة نسخ وتعديلات عبر السنوات، أبرزها:
تيلستار إلاست (Telstar Elast) بطولة أوروبا إيطاليا (1968): وهي أول نسخة تجريبية للكرة الأيقونية ظهرت في بطولة أوروبا.
تيلستار دورلاست (Telstar Durlast) كأس العالم المكسيك (1970): أول نسخة رسمية في كأس العالم، بيضاء وسوداء بطِلاء مقاوم للماء.
شيلي دورلاست (Chile Durlast) كأس العالم ألمانيا (1974): استخدمت في مونديال ألمانيا.
تيلستار 18 (Telstar 18) كأس العالم في روسيا (2018): نسخة حديثة استخدمت في كأس العالم بروسيا، احتفظت بالشكل العام لكن مع لمسات رقمية وتصميم أكثر حداثة، شمل رقاقات "إن إف سي" (NFC) داخل الكرة لتوفير بيانات عن الأداء.
أيقونة عالميةرغم أن كرات اليوم تتميز بتقنيات متطورة وتصاميم معقدة، تبقى تيلستار حتى اليوم رمزًا عالميًا لكرة القدم. فصورها تُستخدم في الكتب، والقصص المصوّرة، والإعلانات، وحتى في إيموجي كرة القدم على الهواتف، لتذكّرنا دومًا بأن التكنولوجيا كانت -ولا تزال- لاعبًا أساسيًا في تاريخ هذه اللعبة الشعبية.