أتم السيسي قرابة العشر سنوات في حكم مصر، مما يوفر مدى زمنيا كافيا لقراءة سياسته تجاه هذا الملف، تولى السيسي زمام الأمور في مصر بشكل فعلي في 2013 بعد انقلاب عسكري دموي على حكم الإخوان المسلمين، وهي الحركة الأم لحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ 2007.
اعتبر السيسي أن مشروع الحركة الإسلامية خطر استراتيجي على مصر والمنطقة، وسعى بكل قوة مع حلفائه الخليجيين لتجفيف منابع الإسلام السياسي وتصنيف الإخوان كحركة إرهابية في كل من مصر والسعودية والإمارات والبحرين.
اعتبر السيسي وحلفاءه حركة حماس امتدادا مسلحا لمشروع الإسلام السياسي، وعمل مع حلفائه على تشويه صورتها بكل السبل المتاحة وكاد أن يصنفها كحركة إرهابية في مصر لكنه تراجع عن ذلك اضطرارا، حتى يمكنه لعب دور الوسيط في الملف الفلسطيني، بينما قامت السعودية باعتقال عدد من كوادر ومنسوبي الحركة في 2019 ولم تفرج عن عدد منهم حتى اليوم.
استهدف السيسي منذ 2014 تدمير الأنفاق الواصلة بين القطاع المحاصر ومصر بشكل ممنهج، بدءا من تفجيرها حتى إغراقها بالمياه بشكل غير مسبوق، حيث كان نظام مبارك يغض الطرف عن بعض هذه الأنفاق كنوع من أوراق الضغط والمساومة مع إسرائيل.
ظهرت نوايا السيسي تجاه حماس في معركة الجرف الصامد التي شنها الاحتلال ضد غزة في كانون الأول/ ديسمبر 2014، حيث دعم السيسي إنهاء حكم حماس في القطاع، وكان له دور في عرقلة مفاوضات التهدئة في القاهرة لمنح إسرائيل مزيدا من الوقت لتصفية البنية التحتية العسكرية لحماس.
في آب/ أغسطس 2015 قام مسلحون مجهولون باختطاف 4 فلسطينيين من باص الترحيل الذي يقل الفلسطينيين المسافرين من معبر رفح إلى مطار القاهرة لغرض الدراسة أو العلاج؛ اتضح لاحقا أن المختطفين من عناصر الكوماندوز البحري التابع للقسام، حيث جرى تعذيبهم من قبل المخابرات المصرية للكشف عن القدرات البحرية لحماس والتي ظهرت لأول مرة في حرب غزة 2014.
في آذار/ مارس 2016 اتهم وزير الداخلية المصري مجدي عبد الغفار؛ حماس علانية بتدبير اغتيال النائب العام المصري هشام بركات وأعقب ذلك حملة إعلامية لشيطنة حماس واتهامها بالعمل على إشاعة الفوضى وإسقاط الدولة المصرية.
اتخذ النظام المصري بعد تلك الحادثة نهجا مغايرا في التعامل مع الحركة، حيث رأى الحركة كواقع يجب التعامل معه والاستفادة منه بدلا من العمل على القضاء عليه، خاصة مع تزايد الضغوط الأمريكية على النظام من حين لآخر، فوجد أن الملف الفلسطيني ورقة رابحة يمكن التفاوض من خلالها مع الغرب ويضمن له وضعا مؤثرا إقليميا مع فقدانه العديد من الأوراق الأخرى، وتعاظم الدور السعودي والإماراتي في المنطقة.
في معركة سيف القدس 2021 حاول النظام لعب دور مغاير عن حرب 2014، واتخذ موقفا أكثر دبلوماسية كما وعد بنصف مليار دولار لإعمار غزة؛ لم يصل منها القطاع شيء يذكر حتى يومنا هذا، كما وعد بإرسال آليات لرفع الأنقاض والمساعدة في إعادة بناء المباني المهدمة، وهو ما لم يحدث أيضا.
اعتبر نظام السيسي معبر رفح كورقة مساومة أساسية مع الحركة تضمن له بقاء القاهرة كمركز لإدارة الملف الفلسطيني، إضافة إلى البعد الاقتصادي حيث يفرض النظام ضرائب باهظة على البضائع المتجهة إلى غزة.
فيما يخص الموقف الحالي للنظام تجاه الحرب في غزة، يجب الانتباه أولا لسلوك النظام تجاه محددات الأمن القومي لمصر قبل تفسير سلوكه الحالي تجاه غزة وخاصة قضية تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
إن تفريط النظام في الجزر الاستراتيجية (تيران وصنافير) لصالح السعودية وتحويل مضيق تيران من ممر مائي مصري إلى ممر دولي يحق لإسرائيل استخدامه؛ ينسف شعار النظام أن الأمن القومي لمصر خط أحمر. كذلك فإن وثيقة إعلان المبادئ الخاص بمياه النيل الموقّع في الخرطوم في آذار/ مارس 2015 والذي استخدمته إثيوبيا كذريعة قانونية لحرية التصرف في مياه النيل دون موافقة دول المصب؛ يمثل طعنة أخرى لهذا الشعار، وهي الاتفاقية التي حذرت الأجهزة السيادية السيسي من التوقيع على بنودها الفضفاضة.
وكثير من الشواهد الأخرى كالموقف من انقلاب الدعم السريع على الجيش السوداني، وسيناريو الفوضى والتقسيم الذي يجرى تطبيقه في السودان وعدم التدخل تحت ضغط الإمارات.. تكشف بوضوح عن نهج نظام السيسي في التعامل مع قضايا الأمن القومي المصري.
بالعودة للمشهد الحالي وتصريحات النظام الرافضة لتهجير الفلسطينيين، تبدو هذه التصريحات للوهلة الأولى متوافقة مع صالح القضية وبقاء الفلسطينيين في أرضهم، لكن ليس هناك في تاريخ النظام وممارساته خلال العقد الماضي ما يدعم هذا التفسير فيما يخص الحفاظ على مصالح الأمن القومي المصري أو العربي، لكن التفسير المنطقي هو أن النظام من المستبعد أن يسمح بتواجد مليونا غزاوي، بمن فيهم عشرات الآلاف من المقاتلين معظمهم من الإسلاميين، في سيناء، وهو ما يمثل بيئة خصبة وجغرافيا أوسع للعمل ضد إسرائيل، بل وربما العمل ضد النظام نفسه بعد أن يتدخل ضدهم بالقمع والتنكيل حماية لإسرائيل، كما حدث مع الجماعات المسلحة في سيناء في بدايات ظهورها.
كذلك فإن غلق ملف غزة سيُفقد النظام أحد أهم أوراقه التفاوضية مع الغرب وأمريكا وما تبقى من وزنه الاقليمي، أيضا فإن بديل حماس في القطاع قد لا يكون إسرائيل أو عباس أو حتى دحلان بالضرورة، بل يمكن أن تكون حركات جهادية متطرفة على غرار تنظيم الدولة. لذلك فإن موقف النظام من قضية التهجير متفهم تماما في ظل هذه التهديدات التي تمس أمن النظام
في المقام الأول.
ومع هذا لا يجب اعتبار موقف النظام من التهجير موقفا نهائيا وغير قابل للتفاوض، فالنظام يعاني أزمة مالية خانقة كادت تشل حركته مع توافق إقليمي ودولي على التوقف عن الضخ المالي المفتوح كما كان الحال في السنوات الماضية، وتقديري أنه يمكن للنظام مراجعة موقفه مقابل ثمن مكافئ وربما يتم التفاوض حول هذا الملف مع الأمريكيين.
لا يزال معبر رفح مغلقا حتى من قبل التهديد والقصف الإسرائيلي، ولا تزال غزة بدون طعام أو ماء أو كهرباء، وتكاد المستشفيات تتوقف عن العمل كليا خلال ساعات، ويخرج المسؤولون في مصر ليقولوا إن مصر لم تأخذ الإذن بعد من إسرائيل لإدخال مساعدات.
حقيقة لا أتعجب من موقف نظام السيسي تجاه غزة والمقاومة، لكني أتعجب من إشادة بعض العقلاء بهذه المواقف.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السيسي مصر غزة التهجير مصر السيسي غزة التهجير مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأمن القومی نظام السیسی النظام من
إقرأ أيضاً:
جنبلاط في سوريا اليوم.. والإنتربول يطالب بتوقيف مدير المخابرات الجوية في نظام الأسد
سيكون الحدث الأبرز اليوم الأحد، مسرحه دمشق حيث تتجه الأنظار إلى ما ستحمله من نتائج زيارة رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" السابق وليد جنبلاط، إلى سوريا، للمرة الأولى منذ اكثر من ١٣ عاما يرافقه شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، على رأس وفد من كتلة "اللقاء الديموقراطي" و"الحزب التقدمي الاشتراكي".ولفتت " الانباء الكويتية" الى عدم تعليق عدد واسع من القوى السياسية على خطوة جنبلاط، معتبرين أن العلاقات بين البلدين خصوصا عبر السلطات السورية الجديدة، يجب أن تمر عبر المسار الرسمي بين دولتين، وليس عبر مجموعات سياسية أو أحزاب أو قوى دينية".
وبحسب معلومات "نداء الوطن"، فإنّ الوفد، الذي سيلتقي القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، يهدف من خلال هذه الزيارة، أوّلاً، إلى تهنئة الشعب السوري والقيادة الجديدة، على انتصارهم في النضال من أجل الحريّة، وثانياً للبحث في النقاط العالقة بشأن الحدود بين البلدين وقضية المفقودين اللبنانيين، وغيرها من الملفات التي تهمّ الطرفين.
اضافت: أوقفت القوى الأمنية والجيش عدداً من ضباط النظام السوري السابق، الذين دخلوا إلى لبنان من رتبة مساعد حتى عميد، تمهيداً لتسفيرهم، وجميعهم من "فرقة الإعدامات" في سجن صيدنايا، ويشرف أحد الأجهزة الامنية اللبنانية على التحقيق معهم، وفي ما يلي أسماؤهم:
علي رضا عدنان السيد
علي جودت محمد
عيد مخلص الزين
لقاء محمد خرسان
محمد حسين الفرهود
محمد شحود
محمد نحاس
نبيل علي أحمد
يوسف محمد عصفور
حمزة عبد العزيز ضيعي
سليمان يوسف الفحام
سمير اسكندر عاروس
عباس علي سعيد
علاء الدين أحمد الياسين
احمد عزات علوش
أغيد عزات علوش
فراس حكمت كريدي (عقيد)
احمد خليل النمر
جميل عبد العزيز دياب
حاتم عبادة الخلف
حسان هائل علوش
حسن علي حمادة.
وكتبت" النهار": تطور قضائي امني بارز جدا أيضا سجل في الساعات الأخيرة وتمثل في الكشف عن تلقّى النائب العام التمييزي في لبنان القاضي جمال الحجار، برقيّة من الإنتربول الأميركي معممة عبر الإنتربول الدولي، تطلب من السلطات اللبنانية "توقيف اللواء جميل الحسن، مدير المخابرات الجوية السورية في نظام الأسد". ونقل عن مرجع قضائي لبناني أن البرقية الأميركية دعت السلطات القضائية والأمنية في لبنان إلى توقيف الحسن إذا كان موجوداً على الأراضي اللبنانية، والقبض عليه في حال دخوله لبنان وتسليمه إلى الولايات المتحدة الأميركية وأن الحجار أمر بتعميم هذه البرقية على كل الأجهزة الأمنية لا سيما جهاز الأمن العام، وطلب توقيفه في حال العثور عليه في لبنان. وتتهم البرقيّة الأميركية اللواء جميل الحسن بـارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية، وتحمّله المسؤولية المباشرة عن إلقاء آلاف الأطنان من البراميل المتفجّرة على الشعب السوري، وقتل آلاف المدنيين الأبرياء بمساعدة مسؤولين عسكريين وأمنيين يجري جمع معلومات حولهم". وعُمّمت البرقية أيضاً على كلّ الدول المنخرطة في اتفاقية الشرطة الدولية (الإنتربول)، ويُفترض توقيفه في أي مكان يمكن العثور عليه فيه.
وكتبت" الشرق الاوسط": تتجه الأنظار إلى لبنان الذي شكّل ملاذاً لمسؤولين سوريين، بالاستناد إلى معلومات تفيد بأن عدداً من القيادات السياسية والأمنية والعسكرية فرّوا إلى لبنان عند سقوط النظام لتعذر مغادرتهم الأراضي السورية جوّاً أو بحراً، واستحالة توجههم إلى الأردن باعتبار أن المناطق السورية المتاخمة للحدود الأردنية سقطت بيد المعارضة السورية قبل أيام من سقوط دمشق بيد «هيئة تحرير الشام".
ونفى مصدر أمني "توفّر معلومات لدى الأجهزة عن وجود مسؤولين أمنيين سوريين في لبنان"، لكنه استطرد قائلاً: "هذا لا يعني عدم فرار مثل هؤلاء إلى الداخل اللبناني من خلال المعابر غير الشرعية والاختباء في أماكن محددة، وربما بحماية جهات لبنانية موالية لنظام بشار الأسد".
وأوضح لـ"الشرق الأوسط" أن "هناك تقديرات بدخول آلاف السوريين إلى لبنان عشيّة سقوط النظام وبعده بطريقة غير شرعية"، مؤكداً أنه «عند القبض على أي مسؤول سوري سابق مطلوب للسلطات السورية الجديدة، سيتمّ إخطار المراجع القضائية بذلك لاتخاذ القرار بشأنه".
وكانت الأجهزة الأمنية اللبنانية ألقت القبض الأسبوع الماضي على عدد من الضباط والجنود التابعين لجيش النظام السوري السابق، وأخضعتهم للتحقيق. وقال المصدر الأمني: "تم القبض على 21 ضابطاً وعنصراً من عداد الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر (الأسد) مع أسلحتهم، بعد دخولهم خلسة من خلال معابر غير شرعيّة في البقاع وجبل الشيخ، وجرى التحقيق معهم بإشراف النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار"، مؤكداً أن النائب العام التمييزي "أمر بتسليم هؤلاء إلى جهاز الأمن العام اللبناني للعمل على دراسة ملفاتهم وترحيلهم إلى بلادهم". وأفاد المصدر بأن الموقوفين "هم 6 ضبّاط: اثنان برتبة عقيد، ومقدّم، ورائد، ونقيب، وملازم. والباقون بين رتباء وجنود، وجميعهم يتبعون للفرقة الرابعة"، لافتاً إلى أن «ثلاثة عناصر أبدوا استعدادهم للعودة إلى بلادهم وتسوية أوضاعهم، أما الباقون فأعلنوا أنهم لا يرغبون بالعودة بسبب الخطر على حياتهم". وبحسب المصدر، فإن "أحد الضباط كان بحوزته مبلغ 110 آلاف دولار أميركي، وضابط آخر بحوزته 68 ألف دولار، أما الباقون فلديهم مبالغ محدودة".
وفي السياق نفسه، أشار المصدر إلى أن "حاجز الجيش اللبناني الواقع في منطقة المدفون أوقف اللواء المتقاعد في الجيش السوري (حكمت.ف.م)، بعد دخوله لبنان خلسة، وكان بحوزته مبلغ مالي يفوق 100 ألف دولار، بالإضافة إلى كمية من الذهب تقدّر بكيلوغرامين، وتبين أنه كان يشغل منصب قائد فرقة درعا في الجيش السوري، كما تم توقيف عدد من الضباط والعناصر التابعين لأجهزة مخابرات سورية داخل بلدات في منطقة عكار ، إلّا أنه بعد التحقيق معهم أعطى القضاء العسكري أمراً بالإفراج عنهم، باعتبار أنه لا توجد ملفات أمنية بحقهم في لبنان".