لدينا ما يكفي من الكلام لنشبع غرورنا بالتضامن الافتراضي ونخلص ضمائرنا من التخلف عن المعركة ونرتاح من دفع الثمن المؤلم.. الثمن المؤلم ليس مالا ولا دما ولا حتى مشاركة في المعركة من موقع أول، فالمقاومون لا يحتاجون عديدنا، إنها "غزة 2023" أو غزة طوفان الأقصى، ومن هو خارج غزة أو من ينصرها لا يزايد عليها أو يقوم عليها معلما ثوريا.
أي وعي نريد وأي فكر وجب أن يولد من المعركة؛ وقد دفع الفلسطيني الثمن الذي لم تقدر عليه شعوب ملأت كروشها بالشعر والشعير؟ هذه بعض أفكار غزة عسى أن تصير روحا جماعية.
هذا الكلام ليس جديدا
منذ وعينا بفلسطين وهمومها ونحن نردد في كل معركة أنها معركة وعي، ولكننا ما زلنا حيث ابتدأ الحديث الأول حتى لنظن أن حديثنا الآن تعالم من قبيل إعادة اكتشاف العجلة. لكن "غزة 2023" تقدم لنا فرصة غربلة تاريخية لنفض غبار الأحاديث السابقة وإعادة صياغة نصوص الوعي القادم. نحن نغربل وننفض الغبار المتراكم على حناجرنا وقد ردمنا به قوما انتهوا تحت كرسي عباس؛ ينتظرون رواتبهم ويعلّمون غزة كيف تقاوم.. قوميون ويسار بأسماء ثقلت على أسماعنا، ماكثون في موقع المعلم الفاشل الذي لم ير تلاميذه ينفضّون من حوله إلى المعلم الغزاوي صاحب الصواريخ.. سلفيون مهتمون بسنة نتف الإبط، وحزب تحرير يبني خلافة كاذبة منذ ما قبل نشوء حركة مقاومة لم يشارك فيها بصوت أو بندقية.
زمن من الوعي الزائف وضعت له "غزة 2023" نهاية، وأذنت من فوهة البندقية أن نعيد ترتيب الأفكار والأفعال في اتجاه التحرير الشامل، وأول خطوات التحرير الاعتماد فقط وحصرا على الذات المقاومة في غزة كما يجري الآن وخارجها، كما تحاول الجماهير المقهورة أن تقول.
عرفنا حقيقة الغرب أو تعرى لنا فرأينا فضيحته
أنا أحد العرب الذي تابع لمدة خمسين عاما حديث الغرب عن حقوق الإنسان، كانت النخب العربية، يسارها وإسلاميوها، ينتظرون على كنباتهم بيانا من منظمات حقوق الإنسان ومن الصليب الأحمر ومن الأمم المتحدة ومن كل دُعي أن يقول فيهم كلمة خير، وكان يقولها فيفرحون وينتظرون لكنهم يتغافلون عن استهانة حكامهم بتلك البيانات الكاذبة، فحكامهم يعرفون أن ليس لتلك البيانات قيمة الورق الذي كُتبت عليه، وربما سنكتشف أنهم هم من كان يمليها على تلك المنظمات ضمن مسرحياتهم للبقاء الأبدي على رقاب شعوبهم.
لقد كان الأمر مكشوفا من زمن طويل أن هؤلاء الحكام أدوات وظيفية بيد الغرب المحتل، وأنه يتظاهر برفض سياستهم لكنه يثبتهم في كراسيهم من أجل مهمة مقدسة لديه؛ قمع شعوبهم وتحقير عقولها وتفتيت وعيها بلحظتها التاريخية.
لقد كان خطابه الحقوقي طاقية إخفاء سميكة لنفاقه وكذبه واحتقاره للعالم من حوله، وها هي غزة تفضحه وتعري البيدق المحلي ومحركه الغربي، ومن هنا نرى ونفكر ونحاول بث فكرة واحدة: هذا الغرب ليس صديقا ولم يكن أبدا ولن يكون أبدا، ووجب وضع الحدود والتأسيس والاعتماد تماما كما فعلت غزة.. وجب أن يتحول النقاش من نقطة "كيف نتوافق مع الغرب" إلى نقطة "كيف نقطع معه ونكفر بنفاقه"، ونحسب الكلفة التي لن تكون هيّنة، خاصة وقد تمتع كثير منا بأعطيات الغرب ومكرماته، وحمل قطاعات واسعة إلى خدمته وخلع عليها حتى جوائز نوبل للسلام.
الغرب قوة سياسية واقتصادية لا أخلاق لها ولا ضمير، هذه هي الجملة الأولى، ثم نتدبر بقية فقرات النص التاريخي. من هنا نبدأ أو هنا نصمت لنموت ونفسح الطريق.
محتوى النص القادم؟
الاعتماد على الذات تنمويا، أي إعادة ترتيب السياسة على الاستقلال الاقتصادي بنفس الكيفيات والحِيل والمناهج وممارسة الصبر؛ التي نهضت بها دول نعرفها ونتابع تجاربها في آسيا وفي أمريكا اللاتينية، وفسخ كل أشكال الارتباط بشركات الغرب ومؤسساته، وهو عمل طويل النفس وليس غزوة خاطفة على طريقة القذافي عندما يفرط في الكوكايين. وقد أتيحت الفرصة في الربيع العربي وكسرها الغرب بانقلاب مصر أولا، ثم صناعة ردة على البقية بأسلحة مثل حفتر. لم يوضع هذا الدرس بعد، لذلك يمكن البناء عليه. إذ لا نغفل أن الربيع العربي بقيادة محمد مرسي في مصر هو من فتح الحدود في ذات اللحظة التي بدأ يحقق الاكتفاء الغذائي الذاتي لشعب مصر، لقد كانت بداية واعية لم تفقد صلاحيتها، أي هي قابلة للاستئناف. وقد ظهرت النتائج في سنة واحدة من حكم الربيع العربي.
هذه ليست فكرة جديدة، نعم إنها تخترق كل تفكير النخب منذ عصر النهضة، لكنها كانت تفشل دوما بفعل قوة الغرب السياسية والاقتصادية التي يفلح بها دوما في اختيار حكام العرب على هواه، وينصّبهم ويدعمهم ويتظاهر بمعارضتهم في ملفات حقوق الإنسان، وقد آن الأوان لدحض النفاق الحقوقي الغربي، فقد أسقطت مجزرة مشفى غزة آخر ورقة توت حقوقية غربية.
في الطريق نرمي جملة أخيرة لغربلة الصفوف، وهو أمر حيوي من دروس غزة.. حتى اللحظة أحصت غزة أكثر من ثلاثة آلاف شهيد؛ قام كثير من الصادقين من أجلهم في كل مدن العرب ويقومون، وقام آخرون مع القائمين ممن رأيناهم يرقصون طربا على أجساد أربعة آلاف شهيد في محرقة رابعة بيد السيسي وعسكره وبدعم غربي.
على الذين سيبنون مستقبل العرب أن لا يعتمدوا على رفقة نضالية مزعومة مع من يرقص على جثة مصري قتله عسكر المعونة ويزعم القيام مع شهداء غزة. لقد قالت غزة كلمتها الفصل: الدم العربي واحد والصهيوني والعميل العربي واحد والحرب واحدة في كل عاصمة كما في غزة. وهذه بعض الدروس لا كلها، ونحن الآن تلاميذ في الصف الأول أمام المقاوم الغزاوي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المقاومة غزة المقاومة العالم العربي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
إن لم تكن معي
يُقال إن الناجحين يصنعون موجة؛ بينما الحاسدون يحاولون الغرق فيها، وفي السنوات الأخيرة هبطت موجة النجاح والسيطرة التي تزعمها الغرب في مختلف الأصعدة، في ظل صعود دول ترغب في النجاح مثل الصين، والمملكة العربية السعودية، خصوصًا في المجال الرياضي؛ حيث أصبح الغرب يصارع لعدم الغرق في هذه الأمواج، فقام الإعلام الغربي باستخدام أحد أبرز مواهبه، وهو” الاستهداف” وإلصاق التهم بالآخرين، وهذا الأمر ما قاموا به مؤخرًا مع المملكة العربية السعودية.
الإعلام الغربي مدرسة في استحداث المصطلحات المطاطة، واستخدامها ضد الآخرين، في حال تعارض ما يقوم به الآخرون لما فيه مصلحتهم مع مصالح الغرب، أو ما قد يشعرهم بالتهديد والمنافسة، والمضحك أن هذه المصطلحات بالإمكان إطلاقها تجاه كل ما يقوم به الغرب من أفعال؛ ومنها مصطلح “الغسيل الرياضي” الذي أصبح كالعِلك في أفواه الإعلام اليساري المتطرف بجميع فئاته؛ سواء الرياضي أو السياسي أو حتى الكوميدي تجاه نجاحات المملكة في عالم الاستضافات الرياضية، الذي توّج بفوز المملكة بحق استضافة كأس العالم 2034. الغسيل الرياضي هو مصطلح يطلق على استخدام الرياضة؛ كوسيلة لتلميع السمعة من خلال وسائل مختلفة؛ مثل الغسيل الأخضر (في مجال البيئة) أو الغسيل الثقافي، وكما ترون أن هذا التعريف مطاط جدًا، ويسهل على الإعلام الغربي استخدامه تجاه الآخرين؛ بهدف تعزيز الهيمنة الغربية، حيث إنها تاريخيًا هي من كانت تهيمن على الرياضة العالمية، وبروز دول أخرى كمنافسين، يُنظر إليه على أنه تهديد لهذه الهيمنة، والقلق من فقدان السيطرة على الرياضة كمجال اقتصادي مربح من باب الحقوق التجارية والإعلامية.
الحقيقة أن الاحتكار الذي يقوم به الغرب في جميع المجالات؛ بما فيها الأخلاق والرياضة يجعل النجاح أو محاولة المنافسة لهم تشكل تهديدًا، وبالرغم من وجود ممارسات حقيقية تستحق النقد، ووسمها بهذا المصطلح، إلا أن الإعلام الغربي غالبًا ما يكون انتقائيًا، ويعكس ازدواجية في المعايير، التي تهدف إلى حماية مصالحه وإدامة هيمنته على الرياضة العالمية، وكما قال المفكر الكبير نعوم تشومسكي:” الغرب لا يخشى إلا من يهدد مكانته؛ لذا يعمل على إبقاء الآخرين في الصفوف الخلفية.”
بُعد آخر.. دول غربية مثل الولايات المتحدة وإنجلترا استخدمت الرياضة للدعاية السياسية (مثل الألعاب الأولمبية) كاستخدام الولايات المتحدة للألعاب الأولمبية في لوس أنجلوس 1984؛ كمنصة للدعاية السياسية خلال الحرب الباردة، إلا أن الإعلام الغربي نادرًا ما ينتقدها.
@MohammedAAmri