تدريس الفلسفة.. وترسيخ القيَم
تاريخ النشر: 19th, October 2023 GMT
إيهاب الملاح
1- لعل من أهم وأجلِّ فوائد الفلسفة منذ انتبه الإنسان إلى ذاته، وإلى قدرته على التفكر والتأمل والسؤال، اكتشاف قيمَتين أساسيتين أصبحتا من أهم سمات التفلسف أو التفكير الفلسفي بالجملة، وهما ما يمكن أن نطلق عليه في تكونه الأخير «النزعة الإنسانية»، و«العقل النقدي» الذي ينتصر للقيمة عبر فحص نموذجها النظري.
وعند فحص وقراءة تاريخنا الحديث والقريب سنجد أن نجيب محفوظ (1911-2006)، وهو أحد أكبر المبدعين الذين عرفتهم الثقافة العربية، وعرفهم الأدب العربي منذ مطالع النهضة الحديثة في القرن التاسع عشر، قد درس الفلسفة في الجامعة المصرية، وتخرج في قسم الفلسفة عام 1934. صحيح أنه كان ينطوي على مواهب أدبية فطرية عظيمة، وصحيح أيضاً أنه كان لديه إخلاص شبه صوفي للكتابة ونزوع أدبي منذ النشأة، ولكنه في المقابل كان ذا مزاج فلسفي تأملي عميق مثَّل الأساس المكين أو البطانة الكثيفة التي شكلت أفكاره وتصوراته وتأملاته حول الوجود والمجتمع والإنسان، وتجسد ذلك كله في إبداعه الروائي والقصصي الذي خوله في النهاية التتويج بأرفع جوائز الأدب العالمية واحتلال القمة الأدبية التي تربع عليها بلا منافس.
- 2 - ومن يراجع مسارات تاريخ الفلسفة وتدريسها في الثقافة العربية فلن يجدها تسير في مسار خطي تطوري منتظم، بل سيجد منعرجات والتفافات ومراجعات وتحديات جمة في القبول بها تارة والاعتراف بتدريسها في بنية النظم التعليمية العربية خلال القرن العشرين، أو العكس تارة أخرى.
ذلك أن قضية تدريس الفلسفة في العالم العربي (وخاصة في بعض دول الخليج، وبعض دول المغرب العربي) هي في الحقيقة مسألة متشعبة المشارب ومتعددة المناحي إذ يمكن عدَّها، بحسب عديد من الخبراء والمختصين، من أصعب العقبات التي تواجه تدريس الفلسفة في التعليم الثانوي والجامعي، فالواقع التعليمي للفلسفة يكشف عن عوائق عديدة تحول دون تحقيق الأهداف المرجوة من ورائها، وتظهر الفلسفة العربية وكأنها منعزلة عن المشروع الفلسفي العالمي.
وبالتأكيد فتدريس الفلسفة في العالم العربي، منذ بدايات العصر الحديث، يتفاوت تفاوتاً كبيراً وبيّناً في مدى قبوله، وأشكال التدريس والمناهج والموضوعات والقضايا والاشتباك الفكري والثقافي بين أعباء الماضي وتحديات الحاضر ومتطلبات المستقبل.
إن أية محاولة لتشخيص واقع تدريس الفلسفة في العالم العربي، لن تجد صعوبة في رصد بعض المشكلات والأزمات منها ما يمكن أن نصفه بالأزمة بمعناها المعرفي، وهي أزمة يسعى المعنيون والمختصون للتفكير فيها من منطلق الاهتمام اللازم والضروري بدرس الفلسفة وتدريسها وقضاياها، وذلك بالاستعانة بمصادر حاولت أن تبتكر طرقاً مبدعة لتدريس الفلسفة، من منطلق أن المهمة الرئيسة للفلسفة ليست الاكتفاء بفهم أفكار الفلاسفة ونصوصهم، وإنما هي بالأحرى أسلوب للحياة، ومدخل للعيش المشترك، فضلاً عن كونها مقاومة عقلية منهجية لواحدية الرأي والانفراد به، وتدعيم التعددية والتنوع والاختلاف، واحترام القيم الثقافية لجميع الشعوب والمجتمعات، وكذلك الخصوصيات والهويات الثقافية دون الانغلاق على الذات والالتفاف حولها، ودون الوقوع في شرك الانغلاق أو التماهي الممسوخ على السواء.
وتدريس الفلسفة يختلف من دولة إلى أخرى، إذ إنها مادة إجبارية في دول، واختيارية في دول غيرها، وربما مرفوضة في دول أخرى، ثم إن طبيعة الامتحان فيها تتراوح بين الامتحانات الكتابية أو الشفوية، مثلما أن هناك أيضاً اختلافاً في عدد الساعات المخصصة لتدريسها.
وعلى رغم هذا الاختلاف، فإن هناك إجماعاً على أن الفلسفة مدخل للتربية على قيم المواطنة والحقوق والواجبات، والتفكير النقدي، من خلال تسليطها الضوء على قضايا وجودية ومعرفية وأخلاقية وقيمية.. إلخ.
- 3 - وقد أدركت بعض الدول العربية أهمية تدريس الفلسفة، وفي مقدمتها الإمارات، حيث كانت الأكثر إدراكاً ووعياً بقيمة الفلسفة وضرورتها في تقدم الأمم، القيمة العظمى للفلسفة وضرورتها وارتباطها بتكوين الفكر وتحفيز الإبداع وتربية الملَكات التي تقود في النهاية إلى قبول قيم التفكير النقدي، وقبول الآخر والتسامح والنزعة الإنسانية. كما أدركت أن الفلسفة مدخل للتربية على قيم المواطنة، والتفكير المستقبلي، من خلال تسليطها الضوء على قضايا وجودية ومعرفية وأخلاقية، وهذا ما جعل منظمة اليونسكو، على سبيل المثال، تضع الفلسفة في صميم اهتمامها وصلب عنايتها، من خلال دعم تدريسها، وتشجيع الباحثين فيها، بل وتخصيص يوم عالمي للاحتفاء بها.
وهذه المنظومة المتكاملة من القيم المعرفية والمبادئ والتصورات المستنيرة تبنتها دولة الإمارات منذ تأسيسها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. وفي سعيها، منذ تأسيسها لترسيخ هذه القيم في مجتمعها ومؤسساتها الناهضة ومشروعاتها التنموية المبهرة، سارت في طريق النهوض المعرفي الذي اتبعته الخبرات البشرية والإنسانية عبر تاريخها المديد، من خلال الأخذ بأسباب التطور والتقدم والتمدن كافة.
وفي هذا المقام تحضر المقولة الخالدة لأحد أعلام بواكير عصر النهضة العربية الحديثة، الشيخ حسن العطار شيخ الجامع الأزهر حين قال: «إن بلادنا لابد أن تتغيرَ أحوالها، ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها». وهذا ما طبقته الإمارات عملياً منذ أولت التعليم والثقافة وتوطين المعرفة والعلوم المتقدمة كل اهتمامها، حيث صارت رافعة من روافع المشروع النهضوي. ومن هنا توسعت في إنشاء الجامعات والشراكات مع مؤسسات التعليم المتقدم والمعرفة الكبرى في العالم كله.
- 4 - ومن هنا أيضاً كانت الثمرة المرجوة لذلك كله، ومنها إدخال الفلسفة في مناهج التعليم في مراحل الدراسة قبل الجامعية فضلاً على الدراسة الجامعية، وحتى مرحلة الدراسات العليا، وهو ما سيكون له مردود إيجابي وكبير على مسيرة التقدم والانفتاح المعرفي والإنساني على خبرات البشرية كلها.
وقد أعلنت وزارة التربية والتعليم في الإمارات في يوليو من عام 2020 أن «الفلسفة ستنضم إلى حزمة المواد الدراسية بداية من العام الدراسي 2020/ 2021، وقد سبق هذا الإعلان تنظيم برنامج للمعلمين يتصل بتمكينهم من تدريس الفلسفة»، وقالت الوزارة: «إن تدريس الفلسفة حدث ثقافي فكري يُعبّر عن تحوّل في الرؤية الاستراتيجية الرسمية لاستكمال بناء المواطن الإماراتي، المستقل في تفكيره والمتوازن في شخصيته».
- 5 - وبذلك، وبحسب ما كتب الشاعر يوسف أبولوز في مقالٍ تعليقاً على هذا الحدث المعرفي الكبير، تكون الإمارات سبّاقة في تدريس الفلسفة في مناهجها التعليمية، وعلى أية حال فهي ليست المرة الأولى التي تعرف فيها المؤسسات التعليمية الإماراتية مادة أو ثقافة الفلسفة، فقبل سنوات كانت الفلسفة مقرّرة في مساقات جامعية في الإمارات. أما على مستوى ثقافي نخبوي أو لنقل متخصص، فإن العشرات من كُتّاب الرواية والشعر والقصة القصيرة في الإمارات تشرّبوا الفلسفة، وتشبّعوا بها من خلال قراءات مكثفة للفلسفات المعاصرة بشكلٍ خاص، لا بل إن كثيراً من النصوص الأدبية الشعرية تحديداً تقوم على رؤى فلسفية أساسها سؤال الحياة والوجود والحب والمعرفة والإنسان بكل تفاعله الخلاق مع قضايا جوهرية مثل الحاضر والماضي والمستقبل، والتراث، والحداثة، والمعرفة، والعقل، والمنطق، والجمال.
إن هذا الموضوع يستدعي اهتماماً كبيراً ومزيداً من القراءات والمعالجات لدعمه أولاً، وتأصيله ثانياً، والتأكد من سبل غرسه عميقاً في بنية النظام التعليمي الإماراتي (والعربي عموماً)، وبحث سبل ربط تدريس الفلسفة بقضايا العصر وتحديات الحاضر واستشراف المستقبل، ومحاولة الإجابة عن أسئلة عديدة متصلة بهذا الموضوع منها على سبيل المثال حضور المواد الفلسفية في الجامعات، ومدى التطور في الإتاحة والإعداد والتأهيل للقائمين على تدريسها ودرسها وتهيئة السبل أمام طلابها لمزيد من المعرفة والتخصص
والارتقاء، وإجراءات توطين الفكر الفلسفي والنقدي والمعرفي في بيئات التعليم والعمل.. وغيرها من مجالات الثقافة والحياة.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الفلسفة الثقافة فی العالم من خلال
إقرأ أيضاً:
ناشرون في المهجر: هذا دورنا في نشر الثقافة العربية بأوروبا
أكد مديرو دور نشر عربية في المهجر الدور الريادي والمهم الذي تلعبه هذه الدور والمؤسسات في نشر الثقافة واللغة العربية ودعم حضور الكتاب العربي في أوروبا.
ورأوا أن التأثير الثقافي لدور النشر العربية في المهجر يبرز خاصة من خلال الإصدارات المتنوعة سواء كانت أدبية أو أكاديمية بمختلف اللغات، وكذلك معارض الكتاب العربي في أوروبا التي تعد فرصة مهمة لنشر الثقافة العربية إذ تجتذب طيفا واسعا من الجمهور الأوروبي وتفتح نقاشات ثرية معه عن الكتاب العربي ودوره وأهميته.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2متى بدأ الاحتفال باليوم العالمي للرجل؟list 2 of 2المؤرخ التركي إلبَر أورطايلي: روح الاستعمار الغربي لا تزال تحكم المنطقةend of listوشددوا -في حديث لوكالة الأنباء القطرية- على الدور المهم للترجمة في نقل الأدب والثقافة العربية إلى الآخر، وفي تحفيز التبادل الثقافي والحوار بين الحضارات ونشر ثقافة السلام من خلال الشعر والأدب والفن.
العبور بالإبداعوفي هذا الصدد، قالت مدير دار الأمير للنشر والتوزيع والترجمة بمرسيليا في فرنسا حياة قاصدي إن الدار أُسّست في يناير/كانون الثاني 2021، لتكون جسرا ثقافيا بين ضفتي المتوسط من خلال الترجمة من العربية إلى الفرنسية وبالعكس.
وأشارت إلى أن الكتاب العربي يجسد ارتباط الأمة بلغتها وموروثها الثقافي، ومن خلاله يفتح المثقف العربي أبواب لغته وثقافته ويحمي كيانه من الضعف والانهيار.
ولفتت إلى أن التأثير الثقافي لدور النشر العربية في المهجر يظهر من خلال العبور بالإبداع من بيئة جغرافية محددة نحو فضاء أوسع وأرحب، وهذا ما تحرص عليه دار الأمير من خلال مشاركاتها في معارض الكتاب في بلجيكا وفرنسا وهولندا، ومن خلال الملتقى الثقافي للكتاب العربي الذي نظمت دورته الأولى في يناير/كانون الثاني 2024، وهو مشروع دار الأمير الفعلي الذي تسعى لتنظيمه كل سنة من خلال دورة منتظمة ترتبط بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية.
حياة قاصدي: الترجمة هي الجسر الذي تلتقي فيه الإنسانية في رحلة الاكتشاف (مواقع التواصل)وشددت حياة قاصدي على أن دور الناشر العربي في مجال نشر اللغة والأدب والثقافة العربية ليس سهلا خاصة في المهجر، لأنها عملية معقدة تحتاج إلى آليات وبرامج تقوم على الوعي وروح المسؤولية، فضلا عن كون الثقافة ملكا إنسانيا لأمة ما وهي المعيار الذي يميزها ويوضح معالم وجهها الحقيقي.
وأكدت أن الترجمة هي الجسر الذي تلتقي فيه الإنسانية في رحلة الاكتشاف، لذلك يجب منحها الأولوية بهدف دعم حركة الانتقال الفكري والحضاري بين الشعوب، وهي أيضا القوة التي تذيب الجمود بين الأمم بفعل تعدد اللغات، وبفضل الترجمة يمكن أن تنتقل الثقافات من منطقة إلى أخرى، ويسمح للإنسانية أن تتعرف على بعضها من خلال اكتشاف الأذواق الأدبية والفنية والمعارف والمهارات وتسهل "ميكانيزما" التوجه نحو الآخر.
ودعت مديرة دار الأمير للنشر والتوزيع والترجمة الناشرين العرب في المهجر إلى استقطاب الأقلام المتعددة المشارب واللغات، وبذل الجهد والوقت في إطار منظم وخطة لقطف ثمار الفكر في اللغات الأخرى وترجمة مضمونها إلى اللغة العربية بهدف الإثراء الثقافي وإتاحة مساحة في خططهم لنقل الثقافة العربية إلى الأجيال التي قدمت إلى أوروبا منذ عقود.
ملتقى الكتاب في فرنساومن جانبه، نوّه علي المرعبي المدير العام لدار "كل العرب للطباعة والنشر" في فرنسا بالدور الذي تؤديه دور النشر في المهجر من خلال تقديم الأدب والشعر والكتب ذات الطابع العلمي والأكاديمي المنهجي والثقافة العربية بشكل عام، موضحا أن الدار تركز على النوعية للكتب أكثر من الكمية، وتختار أفضل الكتب العلمية والأكاديمية والروايات ودواوين الشعر المميزة وتعكس للمتلقي والمهاجر العربي خاصة في أوروبا والغرب المستوى الأدبي للكتاب والشعراء والمفكرين العرب.
علي المرعبي: دور النشر العربية في المهجر تلعب دورا مهما في تعزيز حضور اللغة والثقافة العربية في أوروبا (مواقع التواصل)وأشار إلى أن الدار نظمت في مطلع سبتمبر/أيلول الماضي "الملتقى الدولي للكتاب العربي في فرنسا" في دورته الأولى، والذي أقيم في المدينة الجامعية بباريس في بيت مصر، ويعدّ حدثا ثقافيا مهما يقام أول مرة في فرنسا وشهد حضور عشرات الأدباء والكتاب والشعراء والمفكرين من مختلف أنحاء أوروبا، قدموا طوال أسبوع الملتقى أجمل الأمسيات الشعرية والندوات الفكرية واللقاءات الأدبية ووقعوا كتبهم الصادرة حديثا.
وأوضح المرعبي أن دور النشر العربية في المهجر تلعب دورا مهما في تعزيز حضور اللغة والثقافة العربية في أوروبا، رغم الصعوبات الكثيرة التي تواجهها والتي تتمثل في تراجع توزيع الكتب الورقية المطبوعة والإقبال عليها، فضلا عن ارتفاع تكاليف الشحن والتوزيع داخل الدول الأوروبية، وكذلك غلاء أسعار الطباعة والورق واليد العاملة.
ونوه المدير العام لدار كل العرب للطباعة والنشر في فرنسا بالدور الريادي الذي تقوم به دور النشر العربية في أوروبا بترجمة الكتب العربية إلى لغات كثيرة كالفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية والإسبانية، بالإضافة إلى اختيارها النوعية المميزة من الإصدارات الأوروبية والقيام بترجمتها إلى اللغة العربية لإطلاع القارئ العربي على آخر الإصدارات الأوروبية.
كما أشاد بجهود دار كل العرب المميزة في مجال الترجمة من الأدب العربي إلى اللغات الأوروبية أو من اللغات الأوروبية إلى اللغة العربية، وبتوظيف علاقاتها الواسعة مع الأدباء والكتاب والشعراء والباحثين الفرنسيين والأوروبيين، من أجل تقديم الوجه الحضاري للثقافة العربية الإسلامية واللغة والأدب والفكر العربي.
نقل الأدب والثقافة العربية للآخرومن جانبه، أكد حسين نهاية مدير دار أبجد للترجمة والنشر والتوزيع بمدريد في إسبانيا أن الدار تبذل جهودا كبيرة وتضع إستراتيجية واضحة من أجل نقل الأدب والثقافة العربية إلى إسبانيا وأوروبا من خلال المشاركة المنتظمة في معارض الكتاب والندوات الأدبية والثقافية، وغيرها من الفعاليات التي تنفتح على البيئة العربية وتشجع على الحوار الثقافي بين بلدان الشمال والجنوب.
وأوضح أن هناك صعوبات كثيرة تواجه الناشر العربي في المهجر، فالأنظمة والمعايير تختلف من قارة إلى أخرى ومن بلد أوروبي إلى آخر، خاصة في ما يتعلق بالطباعة والتوزيع والانفتاح على بقية اللغات والثقافات العالمية.
وشدد مدير دار أبجد للترجمة والنشر والتوزيع بمدريد على الدور المهم جدا للترجمة في نقل الأدب والثقافة العربية إلى الآخر، وكذلك في تحفيز التبادل الثقافي والحوار بين الحضارات ونشر ثقافة السلام من خلال الشعر والأدب والفن.
ولفت في السياق نفسه إلى أن تجربته في مجال الترجمة في دار أبجد كشفت له قلة الدعم المقدم للمترجمين ودور النشر التي تحاول ترجمة الأدب العربي إلى اللغات العالمية كالإسبانية، حيث تبقى كل الجهود فردية قليلة ولا ترقى إلى المنافسة الكبيرة التي تميز سوق الترجمة والنشر العالميين، وما تمتلكه هذه السوق من إمكانات غربية ضخمة، مقارنة بالإمكانات البسيطة التي تتوفر لدور النشر العربية الناشطة في المهجر.
مؤسسات ومنصات ثقافيةوبدوره، قال مدير دار "ميزوبوتاميا" للنشر والتوزيع والترجمة بهولندا محمد الأمين الكرخي إن دور النشر العربية في المهجر هي مؤسسات ثقافية متنوعة لها قسم خاص بالمنشورات والإصدارات المتنوعة من أدب وشعر وترجمة.
وأشار إلى أن أغلب اهتمام ونشاط دور النشر العربية في المهجر يتعلق بمعارض الكتب في الدول العربية، حيث تستطيع هذه المؤسسات أن تتواصل مع قرّائها الأساسيين، ومع المؤسسات والجهات العربية التي تقدم لها الدعم المادي والمعنوي وتوقع الاتفاقيات والشراكات، وتتواصل مع الجمهور العريض، أما في أوروبا فلا تستطيع هذه الدور والمؤسسات الثقافية أن تحقق مبيعات كبيرة.
وشدد الكرخي على أن نشر الثقافة العربية في أوروبا يحتاج إلى مجهود جبار وعمل واسع جدا يكون الكتاب العربي في جوهره وصميمه، لكن بآليات مستحدثة للتعريف به من خلال الصحافة والإعلام، ومن خلال الأنشطة الثقافية والفنية التي تكون جزءا من برمجة معارض الكتاب، وكذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
محمد الأمين الكرخي: كان حضور الكتاب العربي مهما ومتنوعا في المكتبات العامة بهولندا لكنه تراجع بقوة في السنوات الأخيرة (مواقع التواصل)واقترح في هذا السياق ضرورة استحداث منصة عربية للكتاب العربي، تكون منفتحة بشكل كبير على جمهور القراء الأوروبيين، ولا يطغى عليها الجانب التجاري، وإنما يجب أن تكون مدعومة وغايتها الوحيدة نشر الثقافة العربية في أوروبا، ويكون دورها تقديم فكرة أساسية بلغات عالمية كثيرة عن آخر الإصدارات العربية، وتعمل على تسويقها بشكل متميز ومحترف، وهذا ما سيمنح في النهاية الكتاب العربي أفقا جديدا في أوروبا وخارجها.
ولفت إلى أنه فيما مضى كان حضور الكتاب العربي مهما ومتنوعا في المكتبات العامة في هولندا مثلا، لكنه تراجع بقوة للأسف الشديد في السنوات الأخيرة، واقتصر على مجموعة قواميس في اللغة وكتب تتعلق باللغات، وانحسر في مكان ضئيل جدا، وبعد أن كانت المكتبات الهولندية تواكب الإصدارات العربية الجديدة وتعطيها حيزا كبيرا ضعف هذا الاهتمام منذ سنوات.
ورأى أن دور الجاليات العربية في الحياة الثقافية بالمجتمعات التي تعيش فيها تراجع في السنوات الأخيرة نتيجة جملة ظروف جعلت حضور الكتاب العربي سواء في هولندا أو كثير من الدول الأوروبية يتراجع ويتقلص ويغدو هامشيا.
ولاحظ أن الأوساط الثقافية الهولندية كانت تولي اهتماما خاصا بالثقافة العربية، وكان ذلك الاهتمام ينعكس في الصحف والمجلات والإصدارات الأدبية، لكنه تراجع فأثر ذلك سلبا على حضور الكتاب العربي في هولندا وأوروبا، خاصة مع صعود تيارات اليمين المتطرف وأحزابه في كثير من الدول الأوروبية.
وشدد الكرخي على أهمية دور النشر الأوروبية التي تُعنى بالأدب والكتاب والثقافة العربية، لارتباطها المباشر بالقارئ الأوروبي الذي يهتم بالكتاب العربي المترجم إلى لغته، لأنها تستثمر تجربتها الكبيرة وخبرتها للترويج لهذا الكتاب من خلال انفتاحها على وسائل الإعلام المهمة التي تعكس إصداراتها المترجمة.
دور النشر العربية في المهجر تعزز المضامين الإنسانية للحوار الثقافي وتثري التبادل المعرفي عبر الترجمة (الأناضول) معارض الكتاب العربية في أوروباوأشار الكرخي إلى ظاهرة إيجابية انتشرت في السنوات الخمس الأخيرة تتمثل في معارض الكتاب العربية بالدول الأوروبية، إذ توفر هذه المعارض فرصة مهمة لنشر الثقافة العربية من خلال البرامج والفعاليات الثقافية المتنوعة التي تقام على هامشها، على غرار الأمسيات الشعرية والندوات الفكرية والمعارض التشكيلية. وهذه البرمجة الثرية تجلب طيفا واسعا من الجمهور الأوروبي، كما تفتح نقاشات ثرية مع هذا الجمهور عن الكتاب العربي ودوره وأهميته في أوروبا، وتعيد له المكانة التي فقدها في حياة أبناء الجاليات العربية في المهجر. وتمنى أن تتواصل هذه المعارض، وأن لا تفقد بعدها الثقافي لمصلحة البعد التجاري، وأن يقع تطويرها من القيّمين عليها.
ولفت مدير دار "ميزوبوتاميا" للنشر والتوزيع والترجمة إلى أن تجربته في النشر والترجمة أظهرت له أن الترجمة من اللغات الأوروبية إلى اللغة العربية هي السائدة والمسيطرة، بعكس الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، وذلك بسبب وجود مؤسسات ثقافية أوروبية تدعم ترجمة أدب لغتها كما في هولندا مثلا حيث توجد مؤسسة "لاترأون فوندس" التي تمنح الدعم للمترجمين ودور النشر التي تهتم بترجمة الأدب الهولندي، وفي المقابل لا نكاد نلاحظ تجربة مماثلة في البلدان العربية تدعم المترجمين الذين ينقلون الأدب العربي إلى لغات أخرى.