تهديدات ومستقبل مجهول.. المحترفون العرب في مرمى نيران الغرب بعد دعم فلسطين.. الإيقاف وفسخ التعاقد يهدد اللاعبين.. وغلق الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي سبل تحيز العالم ضد المتضامنين
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
أخطار عديدة يواجهها النجوم العرب المحترفين في قارة أوروبا، بعد دعمهم للقضية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وعمليات القصف على قطاع غزة في الأيام القليلة الماضية، لتلاحق التهديدات أي لاعب عربي يتضامن مع فلسطين، بجانب مطاردة المستقبل المجهول له بعد تحذير أكثر من ناد في القارة العجوز بالإيقاف وفسخ التعاقد.
ولم يقف نجومًا كثر مكتوفين الأيدي أمام الجرائم والمجازر، التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة من عدوان غير مسبوق، والتي أودت بحياة الكثيرين من الأبرياء في القطاع الفلسطيني.
ونستعرض في السطور التالية، أبرز نتائج دعم النجوم العرب لـ فلسطين والمخاطر التي يواجهونها بعد هذا الدعم.
عقوبة السجنفي البداية، تحدى النجم الأردني موسى التعمري، لاعب فريق مونبلييه الفرنسي، تحيز الغرب لإسرائيل، مواجهًا عقوبة السجن في فرنسا، بعدما أظهر دعمه للقضية الفلسطينية في ظل الأحداث الجارية بقطاع غزة، وذلك بعدما نشر عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «إنستجرام»، مقطع فيديو يظهر من خلاله الدعم للقضية الفلسطينية، ليصبح في مرمى نيران التحيز للكيان الصهيوني ثم نشر صورة تعليقًا على قرار فرنسا بفرض عقوبة السجن لخمس سنوات، لمن يتعاطف مع غزة أو حماس، ثم نشر موسى التعمري صورة أخرى لمنشور قديم له عبر «إنستجرام»، في أغسطس 2022 كتب فيه: «أوقفوا الحرب على غزة»، معلقًا: «ومع ذلك نحن مع القضية».
موسى التعمريالنني يتحدى أرسنالولم يلتفت النجم المصري محمد النني، المحترف ضمن صفوف فريق أرسنال الإنجليزي، لتحذير ناديه بعدم مشاركة أي لاعب لرأيه بشأن الصراع الدائر بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، ليقوم بتغيير صورته على حساباته عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووضع صورة للمسجد الأقصى يرفرف فوقها علم فلسطين، في تعبير عن تضامنه ودعمه للقضية الفلسطينية ورفضه العدوان على قطاع غزة.
وجاءت هذه الخطوة من النني، ردًا على زميله في الفريق اللندني، الأوكراني أولكسندر زينتشينكو، الذي وضع منشورًا على السوشيال ميديا يساند من خلاله إسرائيل، قائلًا: «أنا أقف مع إسرائيل»، ولكن أشارت وسائل إعلام بريطانية إلى أن محمد النني يواجه عقوبة من أرسنال بعد خرقه تحذيرات النادي.
محمد الننيوحرص المهاجم المصري أحمد حسن كوكا، المحترف ضمن صفوف بنديك سبور التركي، على دعم القضية الفلسطينية، وذلك في أعقاب القصف المتتالي من قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، موجهًا رسالة نارية عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، قائلًا: لقد انتقلت إلى أوروبا منذ 11 عامًا، لهذا السبب لدي متابعين وأصدقاء ليسوا عربًا، لذا هذا المنشور وقصصي التي أشاركها عن فلسطين لكم».
تحذيرات بغلق الحساباتوأضاف: «أنا وأصدقائي العرب يعرفون جيدًا بالفعل ما يحدث منذ عقود، إسرائيل أخذت أرض فلسطين وقتلت الآلاف من البشر ودمرت كل شيء وفلسطين بعد سنوات طويلة تحاول المقاومة حتى بالأسلحة الصغيرة التي تمتلكها وسائل الإعلام الغربية، أطلق عليهم إرهابيين!! قالت وسائل الإعلام الغربية إنهم قطعوا رؤوس 40 طفلًا ولكن لم يكن هناك صور أو مقاطع فيديو تثبت ذلك لذا فهي قصة أخرى كاذبة».
أحمد حسن كوكاوتابع كوكا: «أنا ضد أي شخص يقتل المدنيين أو الأبرياء! لكن الإرهابيين الحقيقيين هنا هم من يقصفون البلاد بأكملها، 2 مليون شخص 40% منهم أطفال، يقطعون الماء والكهرباء والغذاء والوقود، يستخدمون الغازات المحرمة دوليا وقالوا إنهم يحاربون حيوانات بشرية!!! أيضا نشر بعض المشاهير صور غزة وقالوا أنا أقف إلى جانب إسرائيل! يمكنك الوقوف مع من تريد فقط لا تكن أحمقًا لنشر المأساة في غزة كما هي في إسرائيل».
وواصل: «أعتقد أنك لو تمتلك قطعة صغيرة جدا من القلب سوف تكون حزينا جدا وتتلف من الداخل بعد رؤية كل ما يحدث في فلسطين هذه الأيام».
واختتم مهاجم المنتخب الوطني رسالته: «أتمنى عندما تكون في موقف اتخاذ القرار أو تجد نفسك في محادثة حول هذا الأمر، تعرف الحقيقة. تقريبا نسيت اقولكم ان منصات السوشيال ميديا بتمنع حسابات تجرؤ على إظهار الحقيقة على الفظائع دي.. من يهتم إذا واجهنا عواقب محاولين أن نكون صوتهم خارج الخندق».
وبعد هذه الرسالة، تلقى أحمد حسن كوكا تحذيرات من إدارة «إنستجرام» وتقييد التعليقات، فضلًا عن الهجوم الذي تعرض له اللاعب من جانب بعض جماهير الأندية الأوروبية التي كان يلعب لها.
تهديد بالطردويواجه الظهير الأيمن نصير مزراوي، لاعب بايرن ميونخ الألماني ومنتخب المغرب، تهديد بالطرد من ناديه، بعدما أعلن تضامنه مع الشعب الفلسطيني عبر «إنستجرام»، قبل أن يصدر النادي بيانًا يندد بموقف اللاعب ويؤكد دعم الإدارة للكيان، وجاء نص البيان كالتالي: «النادي اتصل باللاعب على الفور بعد منشوراته، اللاعب موجود مع منتخب المغرب، وبعد عودته سيتم إجراء محادثة شخصية مفصلة مع إدارة النادي في ميونخ.
وأضاف بايرن ميونخ في بيانه: «بغض النظر عن ذلك، فإن الجميع، بما في ذلك كل موظف وكل لاعب، يعرفون القيم التي يمثلها نادي بايرن ميونخ، لقد عبرنا عن ذلك علنا وبشكل لا لبس فيه في منشور مباشرة بعد الهجوم الإرهابي على إسرائيل- حسب زعمه».
واختتم بيان بايرن ميونخ: «نحن قلقون بشأن أصدقائنا في إسرائيل ونقف معهم، وفي الوقت نفسه، نأمل في التعايش السلمي لجميع الناس في الشرق الأوسط».
نصير مزراويكما طالب نائب في حزب الاتحاد الديمقراطي الألماني، بطرد نصير مزراوي من البايرن بعد موقفه المؤيد لـ فلسطين.
فسخ التعاقدقرر نادي ماينز الألماني، أمس الثلاثاء، إيقاف لاعب الفريق أنور الغازي وفسخ تعاقده، بعد تضامنه مع فلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلي وعمليات القصف في قطاع غزة، ونشر النادي بيانًا، يوضح من خلاله فسخ عقد المغربي الغازي، بسبب تضامنه مع فلسطين، التي تتعرض لهجمات لا إنسانية من قوات الاحتلال الإسرائيلي، وجاء في البيان: «أعفى نادي ماينز أنور الغازي من مهامه التدريبية والمتعلقة بأيام المباريات».
وأضاف البيان: «جاء القرار نتيجة لما نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبهذا اتخذ أنور الغازي موقفا من الصراع في الشرق الأوسط بطريقة لا يمكن تحملها بالنسبة للنادي».
وأتم ماينز: «يحترم ماينز وجهات النظر المختلفة حول الصراع المعقد في الشرق الأوسط الذي يستمر منذ عقود، ومع ذلك فإن النادي ينأى بنفسه عن محتوى المنشور لأنه لا يتطابق مع قيم نادينا».
أنور الغازيوكان أنور الغازي نشر عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، قائلًا: «هذه ليست حربًا، عندما يقطع طرفًا المياه والطعام والكهرباء على طرف آخر فهذه ليست بالحرب، عندما يمتلك طرفا أسلحة نووية فهذه ليست بالحرب، عندما يتم تمويل طرفا بملايين الدولارات فهذه ليست بالحرب».
وتابع الغازي: «عندما يستخدم طرفا صورًا بالذكاء الاصطناعي لينشر معلومات مضللة فهذه ليست بالحرب، وعندما تمنع مواقع التواصل الاجتماعي المحتوى من طرف واحد فقط فهذه ليست بالحرب».
واختتم: «هذا ليس صراعًا وهذه ليست حربًا، هذه إبادة عرقية ونحن نشاهدها تحدث مباشرة، من البحر إلى النهر فلسطين ستكون حرة».
إيقاف ظهير منتخب الجزائركما أعلن نادي نيس الفرنسي صباح اليوم الأربعاء، إيقاف الظهير الأيمن الجزائري يوسف عطال، في بيان رسمي قال النادي فيه: «تواصل مديرو النادي مع يوسف عطال، فور عودته من معسكر منتخب الجزائر، ونادي نيس يدرك أن يوسف عطال اعترف بخطئه بعد سحب المنشور، كما اعتذار علنيًا، ولكن نظرًا لطبيعة المنشور وخطورته، قرر النادي اتخاذ قرارًا تأديبيًا فوري ضد اللاعب، قبل أي إجراء قد تتخذه السلطات الرياضية والقانونية».
يوسف عطالوأضاف نيس في بيانه: «قرر النادي إيقاف يوسف عطال حتى إشعار آخر.. ويؤكد نيس أن سمعة النادي تكون نتيجة لسلوك جميع موظفيها، والتي يجب أن تتماشى مع القيم التي تروج لها المؤسسة، كما أشار نيس في رسالته يوم الجمعة الماضي، يؤكد من جديد التزامه الراسخ بضمان سيادة السلام على جميع الاعتبارات الأخرى».
ولم يكترث سام مرسي لاعب منتخب مصر، لما قد تتعرض له مسيرته الكروية في إنجلترا وكان بين أوائل المدافعين عن فلسطين بعد هجمات الاحتلال، حيث بدأ سام مرسي حملته يوم 8 أكتوبر بإعادة تغريد لأحد النشطاء وفيها هجوم على زينشينكو لاعب أرسنال، قائلًا: «زينشينكو قضى سنتين يبكي بسبب الاحتلال غير الشرعي وقتل الأوكرانيين من قبل الروس، ثم عاد ليدعم إسرائيل في احتلال الأراضي الفلسطينية وقتل النساء والأطفال. منافق غبي».
وفي اليوم التالي 9 أكتوبر، كتب مرسي عبر حسابه: «لا تصمت أبدا.. الحرية لـ فلسطين».
سام مرسييذكر أن، سام مرسي هو لاعب مصري من مواليد إنجلترا، ولكنه فضل اللعب للفراعنة منذ عام 2016 وينضم للمنتخب الوطني على فترات.
اضطهاد واتهامودخل المهاجم المخضرم كريم بنزيما نجم منتخب فرنسا ولاعب فريق اتحاد جدة السعودي، في نفق مظلم من الاضطهاد والانتقاد بسبب دعمه للقضية الفلسطينية عبر صفحاته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، بعد قال: «كل صلواتنا من أجل سكان غزة الذين يقعون ضحايا لهذا القصف الظالم الذي لا يستثني لا النساء ولا الأطفال حتى كل يوم».
وبعد دعمه لفلسطين، وصفته الوزيرة الفرنسية السابقة نادين مورانو بأنه «عميل لبروباجندا حماس»، قائلة: «بنزيما اختار معسكره وبات عميلا للبروباجندا التي تمارسها حماس وتهدف هي الأخرى لتحطيم إسرائيل».
ولم يتوقف الهجوم فقط عند مروانو، بل وصل الأمر إلى السياسي اليميني المتطرف جون مسيحا، الذي قال إن بنزيما يشعر بالارتباط بالأمة الإسلامية أكثر من فرنسا وهو مثل الكثيرين، فرنسي في الورق فقط.
بنزيماويعيش كريم بنزيما صاحب الأصول الجزائرية منذ مايقرب من 8 سنوات حالة من الاضطهاد داخل منتخب فرنسا، ليبدأ فصل جديد من الاتهامات والعنصرية بعد دعمه لقضية فلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلي في الفترة الحالية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: فلسطين الاحتلال الإسرائيلي النجوم العرب مواقع التواصل الاجتماعی الاحتلال الإسرائیلی للقضیة الفلسطینیة أنور الغازی بایرن میونخ یوسف عطال عبر حسابه قطاع غزة بعد دعم قائل ا
إقرأ أيضاً:
كيف زيِّفت أوروبا ذاتها الحضارية؟!
••هل تنهض المجتمعات لخصائص ثقافية متأصلة فيها أم يعود الأمر لسبب آخر؟ إن هذا السؤال يحتل موقعاً مركزياً في البحوث الاجتماعية المعاصرة، ويراد به فحص الجدل الدائر حول أسباب النهضة والتقدم الاجتماعي، ولعل طرحه يعود لفترة أقدم حين اطمئن علماء الأنثروبولوجيا إلى فرضية علاقة القيم الثقافية بقضية النهضة في الحياة الاجتماعية من مناحيها كافة، فالبعض منهم وضع شرطاً أساسياً لتركيز عمليات النهضة، وهو تحصيل التعليم وبناء المؤسسات، ولكن أكبر انعطافة هددت وثوقيات الاجتماعيين حول دور القيم الثقافية واعتبارها المرتكز الأساس في نهضة الشعوب، كانت على يد جاك غودي (توفي 2015م) الأنثربولوجي الإنجليزي والمحاضر الأشهر في جامعة كمبريدج، وغودي ومنذ الستينيات حين أصدر كتابه «محو الأمية في المجتمعات التقليدية «1968م» استطاع هدم الأساس الذي تقوم عليه المركزية الأوروبية ابتداءً من عصر النهضة وحتى الآن، وهي فرضة تشدد على أن ثمة خصائص «أوروبية بالطبع» موروثة من الحضارات اليونانية واللاتينية ثم من الأديان يهودية ومسيحية كلها هي التي مكَّنت لهذا الغرب من إنجاز عمليات النهضة، وما أعاق هذه العمليات في المجتمعات الأخرى هو فقدانها هذه الخبرة الثقافية المستندة إلى العقلانية والتي تنتشي فيها روحانية الشرق، وبذا فإن العالم الغربي تقدم لأنه صنع تاريخاً علمياً تسنده قيم ثقافية مكتسبة من سياق معرفي خاص، هو سياق الذات الغربية من اليونان وحتى عصر التنوير لينتج نهضةً ثقافية شاملة، أما غودي فإنه يقف على النقيض من ذلك تماماً، ويرى أن هذه السردية معرضة دائماً إلى التزوير وطغيان الأنا أكثر منها حقيقة اجتماعية، ليقول في تحليله أن تقدم جزء من العالم في الوقت الذي يتزامن معه ركود في أجزاء أخرى لا يعود إلى الخصائص الثقافية المتأصلة في طرف وغائبة في آخر، بل إن مسألة التقدم خاضعة وباستمرار لديناميكيات يمكنها أن تتوفر وفق عمليات مستمرة من التحديث الذاتي.
•وغودي نشر في العام 2007م كتابه «سرقة التاريخ» وهو بيان متماسك عن الكيفية التي استطاعت بها أوروبا أن تنسب لنفسها تراثاً علمياً لا يخصها بالدرجة الأولى، بل الأمر يشبه «السرقة» وأنها بموجب هذا التراث المركب بعنف التدوين بنت عليه قيماً إنسانية، قالت أنها أوروبية، أوروبية فقط، ويشير غودي إلى أن هذه المركزية أجبرت بقية العالم على ارتداء أقنعة تفكير لا تبصر معالم للتقدم إلا من وجهة نظر غربية في الأساس، واستمراراً في مشروعه صدر كتابه «الشرق في الغرب» والذي يعد نظرية في فضح الإدعاء الغربي بامتلاك العالم وصناعته بل وصياغة قيمه بشكل أحادي ومطلق، وقد صدر هذا الكتاب في نسخته العربية بترجمة محمد الخولي، والحقيقة أنه لا عذر لمن يشتغلون في المسألة الاجتماعية متخصصون ومهتمون من الإطلاع عليه ودراسته ونقده، وذلك للفائدة العظمى، ليس فقط كونه يفضح عمليات التنهيب التي مارستها أوروبا على العالم، وكيف صنعت أقانيم خالدة تحط من قدر كل ما هو غير أوروبي، بل الفائدة الأكبر تعود إلى كونه منجز محكم التأسيس قوي الحجة، ولدقة أحكامه فإنه يطرح التساؤل حول، متى أصبح الأوروبيون على وعي بتفوقهم بالنسبة إلى سائر الأمم؟» وفي إجابته عن هذا السؤال يقدم لنا مادة تحليلية عميقة وذات تكوين متسق يفسر بها بعض المقولات التي صنعت هذا التمايز، بل ويقوم بتفكيكها بشكل منهجي عظيم. ويستمر الرجل في هدم التصورات الأوروبية حول مركزية الغرب ضد الشرق، ويرى أن حضارات أوروبا وآسيا نشأتا من أصل واحد، بل ويرى في منجزات الفكر السياسي الأوروبي المرتبط بتطور ظاهرته الاجتماعية كونها استندت على ترسانة فكرية هي أسس عمليات التطور الاقتصادي، فإنه يرى من ضمن مقولاته الهادمة لخديعة الغرب بأن الديموقراطية ليست صناعة غربية، فهو يرى أنه إذا كان القرن الخامس عشر هو بدايات هيمنة أوروبا على العالم، وهي هيمنة أفصحت عن نفسها بمقولة رئيسة وهي أن الشرق المتخلف يحتاج إلى النهضة، والتي لن تتم إلا على يد الغرب، فإن وسم الشرق بالتخلف لا يعدو إلا عملية احتيال ممتازة العرض، فالصين ظلت البلد الأقوى في صناعة البارود منذ زمن بعيد، وهي الصناعة التي مكنت لأوروبا التوسع وغزو العالم، ولولا البارود الصيني لما استطاعت القيام بهذا الكم من عمليات الغزو لعدد من البلدان، وهو هنا يشتبه بقوة في رواية التقدم الغربية تلك التي صنعت لنفسها مساراً خطياً يبدأ من بترارك «فرانشيسكو، أحد أعمدة التفكير الإنساني في عصر النهضة» وحتى ديكارت صاحب نظرية الشك وقواعد المنهج، ويرى الأمر مجرد خدعة، فكونها «أوروبا» اعتمدت في نهضتها على بناء أسطوريتها القومية، هي تلك التي استعادت اليوناني وأدمجته في ذاتها الاجتماعية لتقول بثبات عمليات النسب الحضاري فيها، والرجل محق فالأمر ليس إبداعاً أوروبياً فالحقيقة أن عمليات استثمار الماضي هي دينامية مستقرة في أي بناء اجتماعي متحرك.
•لقد تركز نقد غودي على «عصر النهضة» أو بالأدق على الجانب المظلم في هذه السردية، وأن الأمر ليس كما تعرضه المركزية الغربية وهي تبشر بحداثتها إبان عصر التنوير، وأنه لا صحة لهذه السردية القائلة بتواصل عمليات الانتقال الحضاري منذ اليونان وحتى إيطاليا النهضة، بل يرى أنها فترات عاشت فيها الذات الحضارية الأوروبية انقطاعاتها الكبرى، فسقوط الإمبراطورية الرومانية، وبدأ اعتناق شعوبها المسيحية، ثم ظهور عهد الإقطاع وما تلاه من تطور في الاقتصاد السياسي فإنه لا يمكن والحال كذلك أن نطمئن لوجود منظومة قيم ثقافية هي سبيل لأوروبا للحصول على التفوق الحضاري دون غيرها من الأمم..
•إن جملة المناقشات حول الغرب والشرق ظلت خامدة ودون تأثير إلى أن قام جاك غودي وبفضل قدراته استخدام مناهج التحليل التاريخية والتجريبية والمقارنة في علم الاجتماع من فتح مسارات جديدة لفهم هذه العلاقة، نعم هو يريد الذات الغربية محل للدرس، وليس الآخر، فالآخر يظل انعكاس لعمليات التحليل عنده، ولذا فإن سجالات النهضة العربية لن تفلح في بناء حقائقها دون الوقوف الجاد على جدل النهضة والتقدم في الكتابة الغربية، وغودي هو أحد أهم الأمثلة المنتجة لفهم جديد في سياق علاقات الغرب والشرق، بل إن حتى الفضاء السياسي الذي يصر على احتقاب نظرة متعالية ضد كل ما هو شرق، وبالتالي عربي هو الآخر فضاء يقوم على بنية معرفية أهم ملامحها الخديعة بوجود تفوق وامتياز غربي مطلق كونه عقلاني النزعة، ضد تخبط وتراجع مستمر لشرق عاطفي التوجه، والدعوة هنا أن نبنى فضاءً تداولياً بين المعرفي في الغرب والشرق، لا أن نكتفي بالصدى دون فهم حقيقي لجذور الوعي الغربي، حينها فقط ستكون أشغالنا مستقلة وليست مجرد ردود أفعال مكتومة.
غسان علي عثمان كاتب سوداني