لا يمكن أن نحمّل الفرد الغربي، وحده، مسؤولية الصورة الذهنية النمطية التي بناها عن العالمين العربي والإسلامي والتي كانت في الكثير من الأحيان مختزلة ومشوهة وغير مكتملة أبدا، وقد ساهمت بشكل كبير في تحديد مسارات ومواقف الغرب من قضايا العالم العربي وبشكل خاص القضية الفلسطينية التي لو وجدت دعما من الرأي العام العالمي لكان مسارها مختلفا عن المسار الحالي.
الناس في الغرب مأخوذون ومختطفون من قبل الآلة الإعلامية والتسويقية الضخمة هناك؛ فهي التي توجههم وتحدد مساراتهم وخياراتهم وتفضيلاتهم الثقافية والاستهلاكية اليومية. وتعمل الصهيونية العالمية من أجل أهدافها الاستعمارية على بناء صورة العرب والمسلمين في أذهان الغرب.. وإذا كان هذا الأمر مفهوما من اللوبي الصهيوني المسيطر على الغرب فمن غير المفهوم ألا يستطيع العرب حتى الآن بناء لوبيهم الخاص في قلب الغرب، وبناء مؤسسات إعلامية وسياسية هناك يستطيعون عبرها التأثير في الوعي الغربي وبناء الصورة الحقيقية عن أنفسهم لتقدمهم وفق نسيجهم الخاص المنبثق من ثقافتهم وفكرهم وتاريخهم ومساهماتهم في بناء الحضارة الإنسانية عبر التاريخ.
لقد أسس العرب بعض الصحف والمجلات في أمريكا وفي دول أوروبية ولكنها كانت مؤسسات إعلامية ناطقة باللغة العربية ولها هدف سياسي موجه للعالم العربي وليس من بين أهدافها التأثير في الغرب أو بناء صورة مختلفة للعرب، ولو كان لها هدف مثل هذا لخرجت باللغة الإنجليزية أو الفرنسية ولكان لها مشروع واضح المعالم.
وحتى عندما تطورت التكنولوجيا وسهلت عمل الإعلام لم يستطع العرب أفرادا وحكومات تأسيس صحيفة إلكترونية حقيقة توازي المؤسسات الإعلامية الغربية رغم توفر الإمكانيات المادية.. ولم تتأسس قناة تلفزيونية تستطيع أن تكون إلى جوار القنوات الغربية التي ما زالت تختطف الوعي الغربي، وبعض الوعي العربي، اللهم يمكن الحديث هنا عن قناة الجزيرة الناطقة باللغة الإنجليزية، ولكنها لا تكفي وحدها خاصة وأنها مرتبطة في الذهن الغربي بالجزيرة العربية.
وغير الإعلام لم يستطع العرب خلال سنوات الوفرة الماضية بناء مؤسسات علمية مرموقة تساهم في دعم تطور البشرية وتقدم لها مكتشفات علمية تحدث فارقا في حياة الناس رغم وجود العقول العربية التي تثري المؤسسات العلمية والبحثية في مختلف قارات العالم.
إذا عجزنا في العالم العربي أن نكون أقوياء في الجوانب العسكرية فلماذا لا نكون أقوياء في بناء المؤسسات العلمية والبحثية وتمويلها، وفي صناعة مفكرين وفلاسفة وعلماء في مختلف المجالات.. هذه قوة ناعمة لا يمكن أن يستهان بها في العالم اليوم وتستطيع أن تحدث تغييرا في بناء الصورة النمطية عن العرب والمسلمين، بل وتستطيع في النهاية بناء اقتصاد عربي قوي وموقف سياسي أكثر قوة.
لا نستطيع أن ننفي قدرة المؤسسات الإعلامية والبحثية في العالم الغربي في بناء الوعي العالمي والتأثير عليه حتى لو كان ذلك باستخدام التضليل والخداع ولكن النتيجة النهائية أنها تستطيع أن تحدث التأثير المطلوب منها وتحصل على الأثر.. وحتى نتمكن في العالم العربي من التصدي لكل هذا يتعين علينا أن نبني مؤسسات إعلامية قوية موجهة للغرب تكون لها مصداقية، ويكون لها صدى قوي على الجمهور العالمي وقادرة على مخاطبتهم بأدواتهم التي تستطيع الوصول إليهم.. لكن هذا الأمر يحتاج، أيضا، إلى إرادة سياسية عربية مشتركة والمبادرة في تقديم خطاب عربي قوي قادر على إثراء الغرب وفتح حوار معه، والتأثير عليه بأدوات التأثير التي تأسره الآن وتختطف وعيه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی العالم فی بناء
إقرأ أيضاً:
التقدم والاشتراكية يحذر من تداعيات الأوضاع الدولية التي باتت تتسم بالتوتر والاضطراب
قال حزب التقدم والاشتراكية، إن العلاقات الدولية باتت تعيش أزمة عميقة ومعقدة، حيث تتصاعد التوترات بين الدول الكبرى وتتفاقم الأزمات في مختلف أنحاء العالم.
وأوضح الحزب في تقرير لمكتبه السياسي، صدر على هامش انعقاد لجنته المركزية، أمس السبت، أن الساحة الدولية تشهد تصادمات قوية بين الأقطاب التقليدية للرأسمالية والقوى الصاعدة، مما يؤدي إلى بروز معالم خلخلة التحالفات التقليدية وتكريس اللايقين وتعميق عجز مؤسسات المنتظم الدولي على حل النزاعات.
وفقا لتحليل للتقرير ذاته، تقدم به نبيل بنعبد الله، زعيم حزب الكتاب، تؤدي هذه النزاعات الحادة والمتوترة إلى تهديد السلم العالمي من خلال توسيع نطاق وحدة الأزمات والنزاعات المسلحة. مؤكدا أن الحرب في أوكرانيا تستمر دون حسم، وتستمر حرب الإبادة الصهيونية الهمجية على الشعب الفلسطيني، بدعم أمريكي معلن ولا محدود.
وحذر التقدم والاشتراكية، من أن العالم بات يشهد صعودًا لافتا لليمين المتطرف والشعبوية في عدة بلدان، مما ينطوي على مخاطر كبيرة على السلم العالمي والعلاقات الدولية. وتتجه الإدارة الأمريكية الحالية نحو سياسات حمائية ومحافظة، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الدولية.
حسب الحزب، في ظل هذه الأوضاع المتوترة، تبرز الحاجة إلى انبثاق نظام عالمي بديل، متعدد وإنساني وعادل، من خلال حركة عالمية من أجل السلم والتنمية والتضامن بين الشعوب. ويتطلب ذلك تعزيز الديبلوماسية الوطنية وتعزيز الحلول السياسية في العلاقات الدولية.
كلمات دلالية التوترات العالم المكتب السياسي تقرير حزب التقدم والاشتراكية